q

من الأمور التي اهتم بها الباحثون والكتاب العرب في الشأن المسرحي هي وجود أو عدم وجود لهذا الشكل الإبداعي في العالم العربي، ويمكن أن نقسم الباحثين في هذا المجال الى قسمين:

الأول يؤكد وجود مسرح عربي والثاني ينفي هذا التأكيد ، نحن نقول أن هناك فن المسرح وهناك أشكال شبيهة به إذ من المعلوم ان للمسرح عناصر محددة يعتمد عليها هذا الفن، ويمكن ان يكون بعضها موجوداً في أشكال أخرى شبيهة بفن المسرح وغيره من الفنون الأخرى كالرسم والديكور والموسيقى، وهناك أشكال شبيهة بفن المسرح يطلق عليها بعض الباحثين الأشكال ما قبل المسرحية مثل بعض الطقوس الدينية والاجتماعية ومنها على سبيل المثال طقوس عاشوراء وظل الحكواتي وغيرها.

وبالعودة الى انقسام الباحثين، نقول ان الفئة الأولى ترجح وجود اشكال مسرحية منذ فترة طويلة ومنهم الدكتور علي الراعي الذي يؤكد ان العرب عرفوا اشكالاً من المسرح او النشاط المسرحي قبل منتصف القرن التاسع عشر، ومن هذه الأشكال الحكائون وخيال الظل ، ويذكر الدكتور الرعي في كتابه المسرح في الوطن العربي " لننتقل إلى فن مسرحي لاشك فيه عرفه العرب أيام العباسيين وهو فن خيال الظل، وسواء أكان العرب هم الذين اجتلبوا فن خيال الظل إلى حاضرة العباسيين، أم انه انتقل اليهم فلا شك هنا في ان هذا اللون من ألوان الملاهي هو أرقى ماكان يعرض على العامة والخاصة من فنون إلى جوار أنه مسرح في الشكل والمضمون معاً، لا يفصله عن المسرح المعروف، إلا أن التمثيل فيه كان بالوساطة، عن طريق الصور يحركها اللاعبون ويتكلمون ويحاورون ويتعاركون ويتصالحون نيابة عنها جميعاً "1 .

والجدير بالذكر ان خيال الظل أخذ نضجه الحقيقي على يد (محمد جمال الدين بن دانيال)، ويذكر الدكتور الراعي أيضاً ان من الأشكال المسرحية الأخرى هي (السماجة) وهم جماعة من الممثلين، وهناك نوع آخر من الأشكال المسرحية وهو الأرجوز والقراد، وهو صاحب القرد الذي يرتدي ملابس البشر، وفي هذا الصدد يقول الدكتور جميل نصيف التكريتي أن الدكتور الراعي يحاول ان يضفي على عدد من النشاطات شبه المسرحية صفة مسرحية حيث اهتم بعناصر العرض المسرحي التي تتضمنها هذه الأشكال لكنه لم يحاول الاهتمام بالعلاقة الدرامية التي وظفت من اجلها تلك العروض ولم يتطرق إلى مقومات الدراما او المسرح الدرامي بل تحدث عن مقومات العرض المسرحي ماقبل الدرامي، ونفهم من كلام الدكتور جميل نصيف ان الدكتور الراعي فسر وجود مسرح عربي معتمداً على مقومات العرض المسرحي لا على مقومات الدراما المسرحية التي نشأت باعتبارها نزعة معرفية تساعد الإنسان على أن يفسر الظواهر الطبيعية الغامضة تفسيراً إنسانياً في ضوء التجربة الإنسانية ولم يهتم كذلك بجوهر الدراما وهو الصراع الذي بنيت عليه الدراما ويكون الانسان فيه طرفاً مهماً ، فكانت نظرته لهذه الأشكال المسرحية من الجانب المادي الدرامي وليس من الجانب الفلسفي الدرامي.

أما الدكتور محمد عزيزة ، فبالرغم من أنه من الباحثين الذين قالوا بعدم وجود مسرح بعينه عند العرب وأكد على غياب الفعل المسرحي إلا انه في كتابه (السلام والمسرح) يؤشر وجود فعل مسرحي اعتبره استثناء من قاعدة غياب الفعل المسرحي عند العرب، هذا الفعل تمثل بالتعازي الحسينية ويقول انها الشكل الدرامي الوحيد الذي عرفته البلاد العربية وبذلك تكون البذرة الأولى للعمل المسرحي في الإسلام وعن طريقها عرفت أولى الأشكال المسرحية العربية ، بينما يذهب الدكتور مناضل داوود بعيداً بقوله:

"إن مسرح التعزية تجربة غنية ومتطورة لأنها تمتلك أسلوباً فريداً في طريقة العرض الناتج عن مبدأ عفوي في اختيار المكان الذي هو البيت، الشارع، المسجد، هذه الفضاءات الثلاثة التي تحمل تأريخاً ثرياً من الدلالات "2.

ونعتقد ان غياب المسرح عند العرب يتحدد في الأسباب التالية:

1/ بداوة العرب قبل الإسلام والإرتحال من مكان لآخر وعدم الاستقرار.

2/ خلو ساحة العربي من الصراع بعد الإسلام ، والذي هو جوهر الدراما.

3/ عدم الحاجة إلى ادب درامي بوجود الشعر الغنائي.

المسرح العربي.. الشكل والمضمون

مسألة طالما أثارت اهتمام المشتغلين بحديقة الإبداع الفني والأدبي وهي مسألة الشكل والمضمون والعلاقة الجدلية بينهما البعض يقول ان الشكل مستقلاً تماماٍ عن المضمون، والبعض الآخر يؤكد الارتباط الوثيق بينهما ويعتبر احدهما مكملاً للآخر بل هما وحدة عضوية وان الشكل في نظر البعض بأنه الوعاء الذي يصب فيه المضمون.

في مجال الفن وبكافة انواعه يكون الترابط الجدلي بين الشكل والمضمون وعدم انفصالهما، ولم يكن العرب يعرفون المسرح كنا هم الا عندما أدخله مارون النقاش عام 1848الى البلاد العربية وتحديداً في لبنان، وهذا يحيلنا الى عدم معرفة العرب بقضية الشكل المضمون في هذا الفن بسبب عدم وجود تجارب مسرحية متعددة يمكن أن تكون نماذج يستند عليها لتطبيق ما يختص بهذه المعادلة.

الموضوعة التي طرحها النقاش في أولى مسرحياته هي موضوعة (البخل)، وهذه الموضوعة وما تحتويه من مفاهيم غير محببة هي المضمون لهذا العمل المسرحي والموضوعة ليست خاصة بالبلاد العربية، وعلى الرغم من ان النقاش ألَّفَها من ألِفها إلى يائها بمضمون عربي إلا أن الشكل الذي وضع فيه المضمون كان شكلاً غربياً، وظل الشكل في المسرح العربي مقتبساً من الغرب حتى أخذ هذا الفن حيزاً كبيراً من دائرة الإهتمام الثقافي والفني والفكري وأخذ ينتشر بشكل واسع جاذباً إليه الناس، وراح المشتغلون به يبحثون عن خصوصية لشكل مسرحي ذي خصوصية عربية ومع المضمون العربي تكتمل دائرة الخصوصية والهوية، وكان هذا واضحاً عندما طرح (عبد الكريم برشيد) المسرح الاحتفالي حيث يرى أن الساحات والأسواق هي الشكل العربي البديل لمسرح العلبة الإيطالي والذي يضم المحتفلين في موعد محدد لتتولد الفرجة في عروض احتفالية، إن المضمون في المسرح العربي قد اوجده الكتاب المسرحيون من خلال نفض الغبار عن التراث والفلكلور الشعبي وتوظيفه في نص لعرض مسرحي، أما الشكل فلايزال بعيداً.

اضف تعليق