q

كانت الخيارات المطروحة بالنسبة لتركيا والسعودية في بداية الازمة السورية "منوعة" و"مريحة"، الى حد كبير، بالنسبة لهما، وإعلان "اردوغان" الشهير بسقوط الأسد سريعا كان يعبر عن يقين راسخ بان أيام النظام السوري باتت معدودة، وانه سينهار بطريقة أسرع ايقاعا من الأنظمة التي سبقته خلال فترة "الربيع العربي"... لذلك لم تكن هناك حاجة من تركيا او السعودية او دولا غربية تدعم الجماعات المسلحة المعارضة لبقاء الأسد في السلطة، لتفعيل المزيد من الخيارات العسكرية او السياسية لاستعجال وتيرة تلك النهاية المتوقعة، بل اكتفت في حينها بتوفير الدعم ومشاهدة الطريقة التي سينتهي بها كل شيء.

المفاجأة التي ازعجت الجميع، وشغلتهم عن ترتيب أوراق ما بعد نظام الأسد، كانت متعلقة بحلفاء النظام السوري واصرارهم على المحافظة على منع انهيار النظام أولا، وبقاء الأسد على رأس السلطة ثانيا، وقد ساهمت إيران وحزب الله وروسيا بأدوار كبيرة في هذا المجال، فيما اكتفت الولايات المتحدة الامريكية بموقفها الوسطي واصرارها على عدم الانجرار وراء التصعيد ومطالب حلفائها بخوض حرب برية او تسليم المعارضة صواريخ ارض-جو، او حتى توفير المنطقة الامنة وحمايتها من الجو، ما يجعلها امام مواجهة مباشرة مع روسيا.

وأشارت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية إلى هذا الامر بالقول إن "الولايات المتحدة تسعى إلى لجم محاولة حليفتيها تركيا والسعودية، القيام بفعل عسكري في سوريا، إذا فشل وقف لأطلاق النار المقرر الجمعة في وقف الحرب الأهلية الدموية في سوريا، على الرغم من تصاعد الاحباط في المنطقة مما يوصف بموقف واشنطن السلبي خلال خمس سنوات من الصراع السوري، تظل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والقوى الغربية الأخرى تخشى من أن التدخل العسكري المباشر قد يؤدي إلى تصعيد للصراع وإلى صدام خطر مع روسيا".

وشددت الصحيفة على أن "أنقرة والرياض تخشيان بشدة من العمل دون موافقة أمريكية، لكنهما غاضبتان مما ترياه فشلا أمريكيا في اتخاذ موقف أكثر قوة ضد حملة موسكو العسكرية لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد".

والاشد من هذا، ما تراه تركيا من وقوف الولايات المتحدة الى جانب اكراد سوريا، الذين تعتبرهم تركيا جزء من حزب العمال المحظور لديها، كما ان "حلف الناتو" الملاذ الأخير لها لم يتخذ موقفا مساندا لحليفته التركية امام السيطرة الروسية الواضحة على الجو والأرض السورية، فيما تتقدم القوات النظامية السورية والاكراد باتجاه الحدود التركية باندفاع عالي، وهم يستعيدون الأراضي تلو الأخرى من المعارضة التي تدعمها حكومة اردوغان.

ومع ان وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" أكد إنه "توصل لاتفاق مؤقت مع نظيره الروسي سيرجي لافروف على شروط لوقف القتال في سوريا"، الى جانب موافقة الرئيس السوري والمعارضة على وقف إطلاق النار، الا ان تركيا تبقى "الخاسر الأكبر" مما يحدث الان على الأرض، خصوصا وان الاكراد باتو اليوم على مشارف مدينة "اعزاز" الاستراتيجية (بالنسبة لتركيا والمعارضة)، وهم (الاكراد) يحصلون على دعم جميع الأطراف (الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والنظام السوري) لحصد المزيد من النجاحات العسكرية وضم المزيد من الأراضي.

الهدنة المؤقتة في حال نجاحها ستكون اختبار لتركيا قبل روسيا او أي طرف اخر موجود داخل الازمة السورية، على اعتبار ان تركيا ستحاول افشالها لاسباب:

- تركيا ستحتاج الى استعادة الخسائر التي منيت بها خلال الأشهر الماضية، والانهيار الكبير الذي أصاب المعارضة التي تدعمها.

- محاولة القاء اللوم على روسيا في افشال أي هدنة واعتبارها المسؤولة المباشرة عما يحدث من ازمة داخل سوريا.

- الهدنة ممكن ان تصب في صالح النظام بعد حرب منهكة لخمس سنوات، وقد تعطي المزيد من الزخم له، خصوصا وان المعارضة باتت اليوم هي المحاصرة وليس النظام.

اضف تعليق