q

بعد إن كانت إيران (الشاه) حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، فقد سعت الأخيرة الى بناء منظومة أمنية في المنطقة تحدٌ من النفوذ الشيوعي والذي كانا تواقُاً للوصول لمياه الخليج الدافئة.

الولايات المتحدة سعت الى بناء نظام العامودين في الخليج، الأول إيران الشاه، والثاني القوة البحرية والقوة الجوية من خلال الانتشار في مياه وسماء السعودية.

وبعد تولي السيد الخميني عام 1979 على الساحة الإيرانية بوصفه الزعيم الروحي في مرحلة جديدة في تاريخ ايران الحديث، كانت السعودية تتوجس من الزلزال الهائل الذي ظهر في ايران وحطم نظام الشاه، فقد أدركت السعودية ان سقوط نظام الشاه يمثل تهديداً مباشراً لشرعية النظم الخليجية (الوراثية) ومنها المملكة السعودية وبذلك تتحول ايران من درع استراتيجي متحالف مع السعودية الى تهديد محتمل، وحرصت دول الخليج ومنها السعودية الى دعم نظام الشاه في مراحله الاخيرة ضد قوى الثورة، حيث نجد ان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يصرح "ان المنجزات التي حققها الشاه يجب ان تكون نبراساً للتنمية في أي بلد"، وان السعودية لها علاقات اقتصادية واجتماعية مع ايران، وادرك السعوديون حظر سقوط الشاه حيث يصرح ولي العهد السعودي آنذاك فهد بن عبد العزيز "ان الشاه هو السلطة الشرعية"، غير ان السعودية خضعت امام الامر الواقع عام 1979 للتهنئة بعد عودة الخميني من باريس، فسارعت الى ارسال برقيات تهنئة.

جاء عام 1979 حافلاً بالتغيرات في ايران وشهدت العلاقات السعودية–الايرانية مزيداً من التوتر، كانت السعودية تنظر الى ايران الثورة الاسلامية هي المهدد لأمن الخليج وأنظمتها. وفي عام 1990 خفت الاتهامات بين السعودية وإيران اثر ازمة احتلال العراق للكويت وسارعت الدول الخليجية للتقرب منها، وقد ادت ازمة الكويت الى اختلال موازين القوى الى جانب ايران وتوجه قوى السعودية والخليج للتخلص من خطر صدام.

وبذلك استأنفت العلاقات السياسية بين السعودية وايران 21 مارس 1991، وقد دعت الولايات المتحدة دول الخليج ان لا تعتبر ايران عدواً لها، بيد ان وزارة الخارجية الامريكية عادت باتهام ايران وضلوعها في الارهاب.

وفي عهد الرئيس الايراني رفسنجاني بدأت الاتصالات الايرانية–السعودية للتقارب والعمل على مساعدة ايران في زيادة حصتها من اوبك، وتبادل الطرفان الزيارات بين البلدين فقد زار رفسنجاني رئيس مصلحة تشخيص الدستور السعودية في شباط عام 1998 وكانت الزيارة بعد مقاطعة ايران والسعودية مؤتمر الدوحة الاقتصادي، ثم زيارة الرئيس خاتمي للسعودية عام 2002 وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم بين الطرفين.

وكانت العلاقات التجارية قد تمثلت في انشاء اول مصنع ايراني – سعودي 2005 لصناعة الاطارات في مدينة الجيل، وعلى وفق بيانات المركز الايراني لعام 2006 احتلت السعودية المرتبة السابعة بين ترتيب اكبر الدول المستوردة من ايران.

ففي العقد الاول من القرن الحادي والعشرين وجدت السعودية لا مناص من التعاون مع ايران بعد ان فرضت الاخيرة نفسها كحقيقة اقليمية وقد اتجهت ايران بتنفيذ برنامجها النووي ومنذ تسعينات القرن الماضي، حيث تجد ان الخليج والسعودية بدأت تتوجس من التوجهات النووية الايرانية (التكنلوجيا النووية)، فقد سعت السعودية ودول الخليج الى تفعيل اللوبيات الناشطة لها في الكونكرس الامريكي وبعض الدوائر الغربية، فقد نجمت الدول وبخاصة السعودية الى استصدار سلسلة من القرارات من مجلس الامن الدولي، بفرض العقوبات الاقتصادية على ايران وحظر التعامل معها.

وقد اكد رئيس وزراء اسرائيل، انه لابد من توجيه عقوبات اقتصادية لإيران في قطاع الصناعة النفطية والمصارف.. لذلك نجد ان هذا التنسيق الخفي بين السعودية ودول الخليج واللوبي الاسرائيلي في الادارة الامريكية والكونغرس نجح في فرض عقوبات اخرى على ايران وعلى الشركات التي تتعامل مع ايران وبخاصة في قطاع المال والصناعة النفطية.

وقد اتجهت السعودية والخليج ولاسيما بعد ثورات الربيع في المنطقة العربية الى (الوقفة الجدية) امام مستقبل هذه الانظمة التي تعاني من الاستبداد والتخلف السياسي.

لذلك سعت السعودية الى التنسيق مع قطر رغم الخلاف المتجذر بين قطر والسعودية في مواضع عدة، منها دعم الثوار في ليبيا واسقاط حكم العقيد القذافي الذي استمر اكثر من (40) سنة، ثم وجدت السعودية نفسها امام ازمة حقيقية في مصر بعد وصول (جماعة الاخوان) المدعومة قطرياً وتركياً – الى السلطة في مصر، احست السعودية بالاختناق الاستراتيجي، ولذلك دعمت السعودية توجهات الشعب المصري بالثورة ضد حكم (محمد مرسي) وتأييد وصول الجنرال (عبد الفتاح السيسي) الى السلطة في مصر، فقد دعمت وبضغط سعودي (الكويت، الامارات، مصر) مالياً، وسعت السعودية الى تزويد مصر بالبترول لتجاوز ازماتها وبذلك اخذت السعودية زمام المبادرة في مصر لاستعادة التوازن الذي حصل بعد سقوط مبارك المدعوم سعودياً.

كانت السعودية ودول الخليج تحاول اقامة منظومة امنية جديدة، لذلك دعمت المعارضة المسلحة في سوريا ومنذ عام 2011 وحتى يومنا هذا وبرغم من التضارب السعودي القطري في الملف السوري الا ان التوافق حصل في دعم مجموعات مسلحة مرتبطة بالمخابرات السعودية واخرى بالقطرية، وفي سوريا كانت معضلة على الخليج ورأسه السعودية لإقامة نظام سياسي يتفق وتطلعلتها الايديولوجية فقد سعى التوافق القطري–السعودي الى (توهيب) المنطقة وبخاصة سوريا، رغم الخلاف بين الاثنين ويبدو ان التوافق القطري كان يتجه لهزيمة مشروع (اخونة) المنطقة، فقد كان الاول يحدو قطر الى دعم جماعة الاخوان السورية وبتنسيق مباشر مع جماعة العدالة والتنمية ذات التوجهات الاخوانية.

ان موقف ايران الداعم لما يعرف بمحور المقاومة في سوريا وحزب الله في لبنان، قد وضع دول الخليج والسعودية بخاصة في موضوع التأزم، وبدأت السعودية تصدر مفهوم جديد في المنطقة ان ايران هي الدولة الداعمة لإرهاب الدولة السورية ضد الشعب السوري.

ويبدو ان الطريقة الايرانية في التعامل مع الملف السوري والتوازنات السياسية مع محور الاقليم ولا سيما تركيا جعل السعودية تنغمس بعمق في الملف السوري في دعمها للجماعات التكفيرية والحركات المتطرفة، وفي ضوء هذه المتغيرات الميدانية كانت مفاوضات الملف النووي جارية على قدم وساق في جنيف الامر الذي محض عن الاتفاق النووي بين مجموعة (5+ 1) الذي أرق السعودية.

ان الانفتاح الدولي على ايران ولا سيما بعد تنفيذ الاتفاق النووي والغاء الحصار المفروض عليها من قبل الغرب اليابان والولايات المتحدة، جعل الدولة الايرانية قوة اقليمية كبرى في منطقة الشرق الاوسط، الامر الذي لا يروق للدولة السعودية المختنقة بالأزمات الداخلية (الجغرافي، الميزانية، الازمة اليمنية ثم التغيرات الاخيرة التي جعلت الملكية تتقزم امام المارد الايراني الجديد ولعل المخاوف السعودية تأتي من عودة ايران الإسلامية الى السوق النفطية، حيث أعلنت الأخيرة أنها ستزيد من تصديرها للنفط الى (500،000) برميل يومياً، إضافة الى إلغاء تجميد الأصول المالية في أوربا والبرتوكول الأمريكي.

ان المتغيرات الإقليمية والمتمثلة في:

1- الدور الإيراني النووي الجديد

2- أزمة السعودية في اليمن

3- انخفاض أسعار النفط

4- العجز في الميزانية السعودية

جعلت السعودية تعيش أسوء مرحلة في تأريخها السياسي الجديد في ظل مجموعة من الأمراء الجدد الذين لا يفقهون من السياسة شيء وقد تهدد كيانها بمتغيرات داخلية (عائلية) أو اتفاقات دولية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق