q

تباينت الآراء الاقتصادية حول مدى الأضرار التي ألحقها مسلسل هبوط أسعار النفط بالعالم المنتج والمستهلك للنفط، فهناك من الخبراء يرى العكس، حيث يؤكد هؤلاء أن هبوط الاسعار سوف ينتج عنه الكثير من الايجابيات، منها على سبيل المثال، سعي الدول المصدرة للنفط والتي تعتمد عليه كمورد رئيس الى ايجاد بدائل للموارد، وهذا يدفعها الى تطوير مجالات اخرى كالزراعة والصناعة وعدم الاتكاء على النفط فقط.

في حين يرى آخرون أن هبوط الاسعار تسبب بنوع من الجمود في حرك الاقتصاد العالمي، لاسيما بعد تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وقد دفع ذلك بالدول الكبرى والمتطورة اقتصاديا الى اتخاذ اجراءات مالية واقتصادية حاسمة، ربما بعضها كان مؤجلا من سنوات طويلة بسبب حساسية نتائج مثل هذه القرارات كما حدث ذلك بالنسبة لرفع سعر الفائدة، وهو قرار تاريخي اتخذته السلطات المالية الاقتصادية في امريكا.

حيث ادى القرار التاريخي للاحتياطي الاميركي برفع معدلات الفائدة لاول مرة منذ الازمة المالية الى تحفيز اسواق المال في العالم، لاسيما وانه ترافق مع خطاب في غاية الهدوء من البنك المركزي الاميركي. وبعد اشهر من التكهنات اعلنت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي الاميركي في ختام اجتماع استمر استمر ليومين عن اول زيادة منذ حوالى عشر سناوت في معدلات الفائدة الرئيسية التي كانت شبه معدومة منذ 2008، ما يشكل محطة مهمة في اتجاه تطبيع سياستها النقدية.

وكانت هنالك مبررات كافية لاتخاذ مثل هذه القرارات التي تعد حاسمة، كونها قد تعود بنتائج سلبية في ظل الازمة المالية، ولكن يرى خبراء اقتصاديون ان القرار الامريكي قد يشكل خطوة كبيرة وفعالة لاستعادة حيوية الاقتصاد العالمي في ظل الازمة المالية الحالية، بعد أن سجل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة تباطؤا ملحوظا في الفصل الرابع من العام 2015 بسبب تدهور استثمارات الشركات خاصة في قطاع الطاقة وتراجع انفاق المستهلكين، بحسب تقدير اولي لوزارة التجارة نشر مؤخرا. وقد تقدم اجمالي الناتج الداخلي من تشرين الاول/اكتوبر الى كانون الاول/ديسمبر بنسبة 0,7% بالوتيرة السنوية وبحسب معطيات مصححة للتغيرات الموسمية، مقابل 2% في الربع الثالث. وكان المحللون يتوقعون تباطؤا لكن بمستوى اقل بنسبة 0,9% كمعدل وسطي.

وفي جميع الاحوال لابد من السعي الى ايجاد حلول تنقذ دول العالم من الازمة الراهنة، وخاصة الدول الفقيرة التي تحملت الاعباء الهائلة بسبب التقلبات المالية، ومع أن الدول التي تمسك بالعصب الاقتصادي العالمي تتحرك بما ينسجم ومصالحها القومية، إلا أن الأفضل كما يرى الخبراء المعنيون أن يتم اتخاذ قرارات من شأنها أن تسهم في معافاة الاقتصاد العالمي كله، مع مراعاة الوضع الخطير الذي تمر به الدول الأضعف ماليا واقتصاديا.

لذلك هناك خطوات واجراءات على مستوى العالم، ومنها مبادرات لرؤساء دول كبرى تحاول أن تضع بدائل مناسبة، او تقترح خطوات لتحريك الاقتصاد العالمي، وهناك معالجات وإن بدت داخلية محضة، إلا أنها يمكن أن تنعكس على حركة الاقتصاد في عموم العالم.

أوباما يقترح إنفاق 4.1 تريليون دولار

في هذا الجانب اقترح الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطة إنفاق حجمها 4.1 تريليون دولار للسنة المالية 2017 في ميزاينة أخيرة له واجهت مقاومة فورية من الجمهوريين بسبب تكلفتها واعتمادها على الزيادات الضريبية لتمويل أولويات محلية. وسعى الرئيس الديمقراطي الذي يغادر البيت الأبيض في يناير كانون الثاني القادم إلى توضيح الخطوط العريضة لرؤيته المالية والسياسية للبلاد حيث قدم مقترحات لاستثمارات في البنية التحتية وأمن المعلومات والتعليم وتوفير فرص العمل.

لكن الخطة وثيقة سياسية في المقام الأول ومن المستبعد أن يعتمدها الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون. وتتضمن الميزانية عجزا قدره 503 مليارات دولار للسنة المالية 2017 مقارنة مع 616 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي تنتهي 30 سبتمبر أيلول. وتستهدف الخطة خفض العجز 2.9 تريليون دولار على مدى عشر سنوات عن طريق تقليص الإعفاءات الضريبية للأغنياء وخفض تكاليف برنامج الرعاية الصحية وتفترض أن اعتماد السياسات الواردة فيها بخصوص إصلاح نظام الهجرة ومجالات أخرى سيعزز النمو الاقتصادي.

وقال أوباما للصحفيين بالبيت الأبيض بعد اجتماع مع مستشاري الأمن القومي بخصوص أمن المعلومات "الميزانية التي نعلنها اليوم تتماشى مع أولوياتي ومع الأولويات التي أعتقد أنها ستساعد على تعزيز الأمن والرخاء بأمريكا لسنوات عديدة قادمة." وقال "إنها تقلص العجز وتتضمن وفورات ذكية في الرعاية الصحية والهجرة والإصلاح الضريبي." وتعتمد الميزانية 19 مليار دولار لاستثمارات أمن المعلومات بمؤسسات الحكومة الأمريكية بحسب رويترز.

نمو الاقتصاد الاميركي يتباطأ

من جهته سجل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة تباطؤا ملحوظا في الفصل الرابع من العام 2015 بسبب تدهور استثمارات الشركات خاصة في قطاع الطاقة وتراجع انفاق المستهلكين، بحسب تقدير اولي لوزارة التجارة نشر مؤخرا. وقد تقدم اجمالي الناتج الداخلي من تشرين الاول/اكتوبر الى كانون الاول/ديسمبر بنسبة 0,7% بالوتيرة السنوية وبحسب معطيات مصححة للتغيرات الموسمية، مقابل 2% في الربع الثالث.

وكان المحللون يتوقعون تباطؤا لكن بمستوى اقل بنسبة 0,9% كمعدل وسطي. وبالنسبة لمجمل العام 2015 بلغت نسبة النمو 2,4% على غرار العام 2014. وبالرغم من شتاء معتدل بشكل استثنائي حتى كانون الاول/ديسمبر لم يتقدم الانفاق الاستهلاكي الذي يشكل ثلثي اجمالي الناتج الداخلي الاميركي سوى بنسبة 2,2% بعد ان بلغ 3% في الفصل السابق. اما استثمارات الشركات فكانت في الاحمر للفصل الثاني على التوالي، وزاد تراجعها في الفصل الاخير بنسبة 2,5%. وهذا القطاع كلف النمو 0,4 نقطة على مدى الاشهر الثلاثة الاخيرة من السنة.

واوضحت متحدثة باسم الوزارة ان تدهور اسعار النفط اثر مباشرة على قطاع التنقيب الذي تدهورت استثماراته في البنى التحتية الصناعية بنسبة 38,7% خلال الفصل. وعلى مدى السنة هبطت هذه الاستثمارات بنسبة 35% لتسجل اكبر تراجع منذ 1986. كذلك لجأت الشركات الى مخزوناتها ما اثر على النمو الذي خسر 0,45 نقطة. وهناك قطاع اخر اثر كثيرا على النمو وهو التجارة الخارجية التي عانت من قوة الدولار. فقد تراجعت الصادرات الاميركية بنسبة 2,5% بعد تقدمها بنسبة 0,7% في الربع الثالث. كذلك كلفت التجارة الخارجية النمو 0,47 نقطة خلال الفصل و0,66 على مدى السنة. يضاف الى ذلك ضعف تقدم النفقات العامة خاصة على مستوى الولايات والبلديات المحلية التي لم تزد سوى بنسبة 0,7% مقابل 1,8 % في الفصل السابق.

وهذا الاداء الرديء في الربع الاخير من العام المنصرم يأتي صدى لقلق الاحتياطي الفدرالي الذي لحظ تباطوء الاقتصاد وقرر فترة توقف في رفع معدلات الفائدة. وامتنع البنك المركزي الاميركي ايضا عن القول بوضوح باي وتيرة يعتزم متابعة تطبيع السياسة النقدية التي كانت متكيفة مع الظرف بصورة استثنائية خلال اكثر من سبع سنوات. وستنشر وزارة التجارة في 26 شباط/فبراير تقديرها الثاني لاجمالي الناتج الداخلي في الربع الاخير من العام 2015. وفي تقرير منفصل نشرت وزارة العمل ايضا الجمعة مؤشر سوق العمل في الفصل الاخير الذي تقدم بشكل متواضع بنسبة 0,6% على غرار الفصل السابق و2% على مدى السنة بحسب فرانس

توقعات متشائمة بشأن النمو العالمي

خفض البنك الدولي بشكل كبير تقديراته للنمو العالمي للعام 2016 معززا بذلك المخاوف التي يثيرها الاداء "المخيب للآمال" لدول ناشئة كبرى مثل الصين والبرازيل. وقالت هذه الهيئة المالية الدولية ان نمو اجمالي الناتج الداخلي العالمي الذي سجل ارتفاعا نسبته 2,4 بالمئة في 2015، لن يتقدم هذا العام اكثر من 2,9 بالمئة خلال السنة الجارية، في خفض لتقديرات نشرتها هذه المؤسسة في حزيران/يونيو الماضي. كما خفض البنك الدولي تقديراته للنمو العالمي في 2017 بشكل طفيف (0,1 بالمئة)، الى 3,1 بالمئة.

وكتب البنك الدولي ان "تزايد الضعف المتزامن للاسواق الناشئة الكبرى يهدد اهداف خفض الفقر (...) لان هذه الدول كانت المساهم الاكبر في النمو العالمي في العقد الاخير". وفي اوج انتقال سياسي، يتوقع ان يتباطأ اقتصاد الصين بنسبة 6,7 بالمئة في 2015 اي 0,3 نقطة مما كان البنك الدولي يتوقع قبل ستة اشهر، وذلك في اسوأ اداء اقتصادي لها منذ 1990. ويشهد ثاني اقتصاد في العالم منذ اشهر تقلبات مالية حادة كان آخرها تراجع مؤشرات بورصاتها بنسبة سبعة بالمئة. وخفض البنك الدولي تقديراته بشكل اكبر لدولتين ناشئتين اخريين تشهدان انكماشا هما البرازيل وروسيا اللتين تعانيان من نتائج انخفاض اسعار المواد الاولية في قطاع الزراعة او الطاقة. وقال ايهان كوس مسؤول التقديرات الاقتصادي في البنك الدولي ان "النمو الاقوى في الاقتصادات المتقدمة الاخرى لن تعوض الا جزئيا عن مخاطر ضعف مستمر في الاسواق الناشئة". وحذرت الهيئة الاقتصادية من "المخاطر" التي تهدد الاقتصاد العالمي بسبب الاوضاع الجيوسياسية المتوترة وانعكاساتها المحتملة لزيادة معدلات الفائدة الاساسية الاميركية.

وحذر كبير اقتصاديي البنك الدولي كاوشيك باسو من "تصدعات تحت السطح" مشيرا الى التهديد الذي تشكله "تحركات خطيرة لرؤوس الاموال في العالم". وخفض البنك الدولي بنسبة 0,3 بالمئة تقديراته لنمو افريقيا جنوب الصحراء ايضا التي تأثرت بخفض اسعار المواد الاولية وتراجع الطلب الصيني، الضي سيبلغ 4,2 بالمئة. وتتطابق هذه الصورة المتشائمة التي رسمها البنك الدولي مع توقعات صندوق النقد الدولي الذي يفترض ان يحدث تقديراته الاقتصادية في 20 كانون الثاني/يناير بحسب فرانس برس. وكانت مديرة الصندوق كريستين لاغارد صرحت في نهاية كانون الاول/ديسمبر ان "النمو في 2016 سيكون مخيبا للآمال وغير متساو".

بورصة وول ستريت تأمل في الأفضل

بعد سنة من التقلبات الحادة انتهت بنتائج باهتة، تأمل بورصة نيويورك في ان تكون بداية العام 2016 افضل من نهاية السنة الماضية. وخلال الجلسات الاربع لاسبوع عمل قصير بسبب عيد رأس السنة، خسر مؤشر داو جونز للمعدل الصناعي 0,72 بالمئة ليصل الى 17425,03 نقطة. اما مؤشر ناسداك الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، فقد خسر 0,81 بالمئة وبلغ 5007,41 نقطة. اما مؤشر ستاندرد اند بورز الذي يوليه المستثمرون اهمية خاصة، فقد تراجع 0,83 بالمئة الى 2043,94 نقطة.

وعلى مدى عام كامل، كانت النتيجة اكثر تفاوتا. فقد انخفض داو جونز بنسبة 2,23 بالمئة وستاندراد اند بورز 0,73 بالمئة، بينما سجل ناسداك الذي استفاد من الاداء الجيد لاسهم شركات مثل امازون (+118 بالمئة) ونيتفليكس (+134 بالمئة)، ارتفاعا بنسبة 5,73 بالمئة بعدما سجل ارقاما قياسية مطلقة في الصيف.

وقال هيو جونسون من مجموعة "هيو جونسون ادفايزوري" انها "سنة يجب ان نطوي صفحتها، لا توجه لها ومتقلبة جدا". اما مايكل جيمس من مجموعة "ويدبوش سيكيوريتيز"، فقال "اذا نظرنا الى المعطيات الاقتصادية، سنجد ان السنة كانت رديئة جدا مع التباطؤ اقتصادي في الصين والضرورة التي شعرت بها السلطات للتدخل لدعم الاقتصاد، كما حدث في اوروبا مع البنك المركزي الاوروبي". واضاف ان "انخفاض السوق بشكل طفيف في نهاية المطاف مع اننا كنا نتوقع اسوأ من ذلك، يعكس صمودها"، مشيرا الى ان ضعف المبادلات في الايام الاخيرة من 2015 ادى الى تفاقم تراجع المؤشرات. وتابع "لا اعتقد ان هناك تفاؤلا كبيرا لسوق الاسهم".

وبعدما اشار الى ان اسهم الاقتصاد الجديد (التكنولوجيا) وحدها لا يمكن ان ترفع السوق، قال جاك ابلان من مجموعة "بي ام او برايفت بنك" ان "المشكلة تكمن في هذا: مقابل (كل ارتفاع لاسهم) امازون، هناك على الارجح انخفاض هائل في اسعار اسهم نحو ست (شركات) مثل ماسي"، شبكة المتاجر الكبيرة التي لم تتكيف مع طرق الاستهلاك الجديدة. وقال هيو جونسون "المشكلة الحقيقية هي رفع اسعار الاسهم"، موضحا انه "من الصعب العمل من اجل رفع الاسعار عندما لا تكون هناك زيادة في الارباح"، وعندما تشير التوقعات الى ان تكون ارباح الشركات ستسجل تراجعا في 2015، وقد لا يكون العام 2016 افضل.

اما مايكل جيمس فيتوقع تقلبات كبيرة خلال السنة التي قد تكون مربحة للمضاربين الذين يستثمرون على الامد القصير اكثر من الذين يشترون اسهما على الامد الطويل. واضاف ان نشاطات الاندماج والاستملاك قد تبقى ثابتة وتنعش الاسواق على الرغم من رفع الاسعار نسبيا لان "افضل طريقة لتحقيق النمو في اجواء اقتصادية صعبة نسبيا هي عمليات الاستملاك".

على الامد القصير، ستهيمن على الاسبوع الاول من 2016 الارقام الشهرية حول استحداث الوظائف والتي يتوقع الاقتصاديون ان يكون عددها حوالى مئتي الف. ومن المعروف ان هذه الارقام هي اهم مؤشر يتابعه مسؤولو الاحتياطي الفدرالي، في وقت بدأت دورة جديدة من زيادة معدلات الفائدة في كانون الاول/ديسمبر. وقبل ذلك، سيتابع المستثمرون باهتمام الارقام المتعلقة بمختلف القطاعات التي يتناول بعضها سوق العقارات الاثنين (نفقات الاعمار) ونشاط القطاع الصناعي في اليوم نفسه والطلبيات الصناعية. كما سيتابعون الارقام المتعلقة بمبيعات السيارات في كانون الاول/ديسمبر والتي يفترض ان تؤكد تعافي القطاع، ثم الميزان التجاري.

وقال الخبير في مجموعة "كينجول كابيتال مانيجمنت" ديفيد ليفي "يجب ان نرى ما اذا كانت المواقف التي اتخذت في نهاية العام ستتبدل مع السنة الجديدة (...) سنرى ما اذا كانت اسهم الطاقة ستجد راغبين بها الاسبوع المقبل"، في اشارة الى القطاع الذي عانى معاناة كبيرة طوال 2015 بحسب فرانس برس.

المركزي الأمريكي يرفع أسعار الفائدة

رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة يوم للمرة الأولى في نحو عشر سنوات معبرا عن اعتقاده بأن الاقتصاد الأمريكي تغلب إلى حد كبير على تداعيات الأزمة المالية العالمية في الفترة بين عامي 2007 و2009. ورفعت لجنة السياسة النقدية بالبنك سعر الفائدة الأساسي ربع نقطة مئوية إلى نطاق بين 0.25 و0.50 بالمئة لتنهي جدلا طويلا بشأن ما إن كان الاقتصاد قويا بما يكفي لتحمل رفع تكاليف الاقتراض.

وقال مجلس الاحتياطي في بيان سياسته الذي تبنته اللجنة بالإجماع "ترى اللجنة أنه كان هناك تحسنا ملحوظا في ظروف سوق العمل هذا العام وهي على ثقة كبيرة بأن التضخم سيرتفع في الأمد المتوسط إلى مستواه المستهدف البالغ 2 بالمئة." وأوضح المجلس أن سعر الفائدة هو مجرد بداية لتشديد "تدريجي" للسياسة النقدية وأنه عند اتخاذ قراره بشأن الخطوة التالية سيولي أهمية لمراقبة التضخم الذي يبقى منخفضا كثيرا عن المستوى المستهدف. وقال "في ضوء نزول معدل التضخم حاليا عن 2 بالمئة ستراقب اللجنة عن كثب التقدم الفعلي والمتوقع صوب المستوى الذي تستهدفه للتضخم. وتتوقع اللجنة أن تتطور الظروف الاقتصادية بطريقة تسوغ زيادات تدريجية فقط في سعر فائدة الأموال الاتحادية."

ولم تتغير التوقعات الاقتصادية الجديدة لصناع السياسة في مجلس الاحتياطي إلى حد كبير عما كانت عليه في سبتمبر أيلول إذ من المتوقع الان أن ينخفض معدل البطالة إلى 4.7 بالمئة العام القادم وأن يصل النمو الاقتصادي إلى 2.4 بالمئة. ويمثل البيان وتعهده باتباع مسار تدريجي حلا وسطا بين من كانوا مستعدين لرفع أسعار الفائدة منذ أشهر ومن يشعرون بأن الاقتصاد لا يزال في خطر. وقال محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز "يسعى مجلس الاحتياطي الاتحادي حثيثا لطمأنة الأسواق إلى أنه من خلال اتباع مسار تدريجي فإن هذه لن تكون دورة أسعار الفائدة التي اعتدتم عليها."

وارتفع الدولار قليلا بعد رفع الفائدة. ويتوقع المتعاملون زيادة ثانية لأسعار الفائدة في أبريل نيسان. وظل متوسط التوقعات لسعر الفائدة المستهدف في 2016 عند 1.375 بالمئة بما يعني ضمنيا اربع زيادات بواقع ربع نقطة مئوية في كل مرة العام القادم. وكانت الأسواق المالية تتوقع رفع سعر الفائدة بدعم من بيانات أمريكية صدرت في الآونة الأخيرة تظهر استمرار نمو الوظائف بوتيرة قوية. وأظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز ونشرت نتائجه في التاسع من ديسمبر كانون الاول أن احتمالات رفع أسعار الفائدة يوم الاربعاء تبلغ 90 بالمئة وتوقع خبراء اقتصاديون أن تصل فائدة الأموال الاتحادية إلى نطاق بين 1.0 بالمئة و1.25 بالمئة بحلول نهاية 2016 وإلى 2.25 بالمئة بحلول نهاية 2017 بحسب رويترز.

وأكد مجلس الاحتياطي أنه يتحرك بحذر في تشديد السياسة النقدية. وكان ذلك كافيا للتصويت بالإجماع من أعضاء لجنة السوق المفتوحة الاتحادية المعنية بتحديد السياسة حتى من كانوا ينادون علنا بتأجيل رفع الفائدة، وقد تسجل هذه الزيادة بداية النهاية للسياسة النقدية التي ظل يعتمدها الاحتياطي الفيدرالي لدعم النمو الاقتصادي، لكن صداها سيمتد إلى العالم لإمكانية تسببها في اضطرابات في الأسواق والتأثير على اقتصادات البلدان الناشئة. واتخذ البنك المركزي الأمريكي القرار التاريخي لرفع معدلات الفائدة للمرة الأولى منذ نحو عشر سنوات، ليبدأ بذلك عملية تطبيع لسياسته النقدية بعد أشهر من التكهنات بحسب فرانس برس.

وقررت لجنة السياسة النقدية بالإجماع في ختام اجتماع ليومين في واشنطن رفع معدلات الفائدة الرئيسية التي أبقيت قريبة من الصفر منذ أواخر 2008، بربع نقطة مئوية (0,25%) لتتراوح من الآن فصاعدا بين 0,25% و0,50%. ورغم أن هذه الزيادة متواضعة إلا أنها قد تسجل بداية النهاية للسياسة النقدية البالغة المرونة التي يعتمدها الاحتياطي الفدرالي لدعم النمو الاقتصادي الأمريكي وتسهيل الاقتراض بعد الانكماش في 2008 و2009. ويتوقع أن يكون صداها عالميا. وهذا التغيير في السياسة التي تتباين مع تشديد عمل البنكين المركزيين الأوروبي والياباني، قد تتسبب باضطرابات في الأسواق العالمية وزعزعة اقتصادات البلدان الناشئة القلقة من تهافت المستثمرين على الدولار. وبدفع من رئيسته جانيت يلين أنجز الاحتياطي الفدرالي هذه الخطوة بالرغم من هذه المخاطر مستندا إلى تحسن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة.

الاسواق تتجاوب مع رفع معدلات الفائدة

في سياق مقارب ادى القرار التاريخي للاحتياطي الاميركي برفع معدلات الفائدة لاول مرة منذ الازمة المالية الى تحفيز اسواق المال في العالم، لا سيما وانه ترافق مع خطاب في غاية الهدوء من البنك المركزي الاميركي. وبعد اشهر من التكهنات اعلنت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي الاميركي في ختام اجتماع استمر استمر ليومين عن اول زيادة منذ حوالى عشر سناوت في معدلات الفائدة الرئيسية التي كانت شبه معدومة منذ 2008، ما يشكل محطة مهمة في اتجاه تطبيع سياستها النقدية. وبعدما فتحت البورصات الاوروبية على ارتفاع سجلت تسارعا في الوتيرة في منتصف النهار. وقرابة الساعة 11,00 تغ ارتفع مؤشر كاك 40 في بورصة باريس باكثر من 2,50% ومؤشر داكس في فرانكفورت 2,88% ومؤشر فوتسي في لندن 2,24%.

وفي الخليج، اعلنت المملكة العربية السعودية والبحرين والامارات والكويت رفع الفوائد بنسبة ربع نقطة (0,25 بالمئة) على اثر قرار الاحتياطي الفدرالي، فيما احجمت قطر وعمان حتى الآن عن رفع معدل الفائدة. وارتفع مؤشر سوق الاسهم في دبي 2,7 بالمئة فيما كسب مؤشر ابو ظبي 2,05 بالمئة. وفي السعودية، كسب مؤشر الاسهم في الرياض، وهو الاكبر عربيا، 2,3 بالمئة مع انتصاف جلسة التداولات، فيما كسب المؤشر القطري 0,5 بالمئة فقط. ولم تسجل اسواق الاسهم في الكويت وعمان تبدلات تذكر، في حين تراجع مؤشر البحرين بأقل من واحد بالمئة. وفي اسيا سجل التوجه ذاته في طوكيو مع اغلاق مؤشر نيكي على ارتفاع بقيمة 1,6% بعدما كان شهد ارتفاعا حادا في اليوم السابق تحسبا لرفع معدلات الفائدة. كذلك اغلقت بورصتا شانغهاي وهونغ كونغ على ارتفاع بلغ 1,81 و0,79% على التوالي.

وكانت بورصة نيويورك افتتحت هذا التوجه الى الارتفاع مساء الاربعاء حيث تقدم مؤشر داو جونز 1,28% ومؤشر ناسداك للشركات التكنولوجية 1,52%. كذلك تجاوبت بورصات اميركا اللاتينية مع قرار الاحتياطي الفدرالي ولا سيما في مكسيكو التي ارتفعت 1,22%. وقال كريستوفر دمبيك الخبير الاقتصادي لدى بنك ساكسو ان "زيادة معدلات الفائدة في الولايات المتحدة كان لا بد منه" معتبرا ان الاحتياطي الفدرالي "يوجه بذلك رسالة مفادها ان الاقتصاد الاميركي بخير ومتين". وراى مايكل جيمس من شركة ودبوش سيكيوريتيز ان "الاسواق كانت جاهزة للارتفاع فور صدور قرار الاحتياطي الفدرالي طالما انها لا تتلقى مفاجأة سيئة".

وكانت الاسواق تتحسب لهذا القرار واتخذت التدابير له، كما ان البنك المركزي الاميركي تبنى في بيانه لهجة تريث مشددا على الطابع "التدريجي" لتحركاته المقبلة. واكدت رئيسة الاحتياطي الفدرالي جانيت يلين في ما بعد هذا النهج الحذر فلفتت خلال مؤتمر صحافي الى وجوب عدم "المبالغة في تقييم" مغزى هذا الاجراء الاول وتعهدت بالابقاء على سياسة نقدية اميركية مرنة. ورات شركة اودو سيكيوريتيز ان دورة ارتفاع البورصات ستكون "تدريجية للغاية".

واوضحت انه "اذا ما سارت الامور على ما يرام من ناحية الاقتصاد (القضاء على البطالة وتصحيح التضخم) فسيستغرق الامر اكثر من ثلاث سنوات لتطبيع السياسة النقدية" مؤكدة انه "لا يمكن لاي كان ان يتوقع بثقة ما سيكون الوضع عليه بحلول هذا الوقت". وقال غريغوري فولوكين من شركة ميسشيرت فاينانشل سرفيسز ان مسؤولي الاحتياطي الفدرالي "وجدوا صعوبة كبرى للتوصل الى رفع معدلات الفائدة، واخر ما كانوا يرغبون فيه هو اثارة الخوف" في الاسواق.

ابدت سوق الديون انفراجا وكان لا بد من ان ينخفض التوتر بعد قرار البنك المركزي الاميركي.

وقرابة الساعة 11,00 ت غ، تراجع معدل الفائدة على القروض لعشر سنوات لالمانيا الى 0,600% مقابل 0,678% الاربعاء عند اغلاق السوق الثانوية حيث يتم تبادل سندات الديون الصادرة، فيما تراجعت هذه النسبة الى 0,933% بالنسبة لفرنسا و1,722% بالنسبة لاسبانيا و1,629% بالنسبة لايطاليا. وخارج منطقة اليورو، تراجعت نسبة الاقتراض في بريطانيا الى 1,865% (مقابل 1,946%).

وفي الولايات المتحدة، انخفضت نسبة الفوائد على القروض لعشر سنوات الى 2,238% مقابل 2,296%، ولثلاثين سنة الى 2,935% مقابل 3,004%. اما النسبة لسنتينن فسجلت انخفاضا طفيفا من 1,003% الى 1,001%. وكان من شان التريث الذي لزمه الاحتياطي الفدرالي كبح ارتفاع الدولار بعدما كان من المتوقع اساسا ان يستفيد بقوة من زيادة معدلات الفائدة. وقرابة الساعة 11,00 ت غ، بلغ سعر اليورو 1,0856 دولار مقابل 1,0911 دولار الاربعاء قرابة الساعة 22,00 ت غ. كما كانت تقلبات الدولار محدودة حيال عملات الدول الناشئة ولو ان هذه البلدان تعتبر نظريا شديدة التاثر بتشديد سياسة الاحتياطي الفدرالي بحسب فرانس برس.

تاريخ رفع الفائدة قد لا ينبئ الكثير عن المستقبل

وعلى الرغم من أنه لم يمر على انهيار سوق الأسهم الأمريكية الناجم عن الأزمة المالية سوى ست سنوات لكن عملاء دينا كاتز قد لا يرون في ذلك إلا ماض عفا عليه الزمن.

يقول كاتز (65 عاما) رئيس مجلس الإدارة المشارك في إيفنسكي اند كاتز/فولدز فايننشال لإدارة الثروات "ذاكرة الناس قصيرة.. اعتدنا التعافي الفوري."ةويصدق ذلك بشكل خاص عند المقارنة مع المستثمرين الذين عايشوا فترات أطول من الكوارث الاقتصادية مثل الركود والتضخم الجامح لحقبة السبعينيات أو الكساد العظيم في الثلاثينيات. وبالمقارنة شهدت السنوات السبع الأخيرة نعمة المال السهل. وبالنسبة للمخضرمين الذين شهدوا عدة دورات لرفع سعر الفائدة من مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) فقد كانت السنوات الأخيرة استثنائية نوعا ما. فأسعار الفائدة عالقة عند الصفر وعوائد سوق الأسهم قوية والتضخم ضعيف.

لقد نما الاقتصاد بوتيرة مطردة لعدة سنوات وبما يكفي لكي يحقق المستثمرون مكاسب سنوية جيدة. وبحسب مؤسسة مورننجستار جنى المستثمرون في المتوسط 7.5 بالمئة من أسهم الشركات الأمريكية الكبيرة سنويا لفترة عشر سنوات حتى الشهر الماضي. لكن الذين خبروا عدة دورات لرفع سعر الفائدة الأمريكية يعتقدون أن الأوضاع ستزداد صعوبة. وقال تيد وايزبرج المتعامل الذي أسس سيبورت للأوراق المالية في 1979 "مؤشر داو جونز الصناعي ارتفع لثلاثة أمثاله من المستويات المنخفضة لمارس (آذار) 2009."

وقال وايزبرج (75 عاما) "الناس أفسدهم التدليل.. من ربيع 2009 إلى نهاية 2014. سفن كثيرة ركبت المد لكن ذلك المد كان مدفوعا بالسياسة النقدية لمجلس الاحتياطي." لقد شهدت السنوات الأخيرة فوائد منخفضة وعوائد مرتفعة وتضخما معتدلا وهو ما لم يكن طبيعيا. ولم يزد مؤشر التضخم الذي يتابعه مجلس الاحتياطي عن كثب - مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي - سوى ثلاثة بالمئة بين منتصف الستينيات وأوائل التسعينيات لكنه لم يزد على ثلاثة بالمئة منذ 1992.

وفي المرات القليلة التي رفع فيها مجلس الاحتياطي أسعار الفائدة في ظل ظروف مماثلة - في 1958 و1994 على سبيل المثال - لم يكن الكثير من مستثمري اليوم يعملون في الأسواق الأمريكية. وبدلا من ذلك اعتاد مستثمرو اليوم على اقتصاد حركته أبطأ من الأسواق. والمستثمرون الذين سيرغبون في دراسة الماضي للتعامل مع أول رفع للفائدة الأمريكية في عشر سنوات كما هو متوقع الأسبوع القادم لن يجدوا أي مقارنات تاريخية بسهولة.

لقد رفع مجلس الاحتياطي أسعار الفائدة مرات عديدة من قبل لكن ذلك كان نادرا وليس في ظل حقبة التضخم الضعيف والأسهم باهظة التكلفة نسبيا الحالية. وقال آلان ريتستشافين مدير المحفظة في يو.بي.اس للخدمات المالية والمدرس بكلية القانون في جامعة نيويورك "عندما يخرج التضخم عن السيطرة كما حدث إبان فترة فولكر يصبح من السهل معرفة ما ينبغي القيام به." وكان ريتستشافين يشير إلى بول فولكر رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الذي يعزى إليه الفضل في احتواء التضخم عن طريق زيادات مؤلمة لسعر الفائدة خلال الثمانينيات. وقال "دروس الماضي قد لا تفيدنا اليوم."

وعندما يطلب من دان فاس إيجاد فترة تاريخية مماثلة للحقبة التي يعيشها المستثمرون الأمريكيون اليوم فإنه يتذكر منتصف إلى أواخر الستينيات. كان إنفاق الحكومة الأمريكية على حساب عجز الميزانية خلال تلك الفترة بسبب سياسات محاربة الفقر التي انتهجها الرئيس ليندون جونسون والتوسع في حرب فيتنام قد مهد لتضخم قلص أسعار الأسهم بنقاط مئوية في خانة العشرات عامي 1973 و1974 وفقا لفاس وهو مستثمر خبرته 60 عاما. فقد قفز مؤشر أسعار المستهلكين من ثلاثة بالمئة في 1972 إلى 11 بالمئة في 1974 وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وقال فاس إن برامج مساعدة كبار السن واحتمالات التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي تضغط على الحكومة لزيادة الإنفاق. وقد تجبر تلك الضغوط بالتزامن مع ارتفاع الأجور مجلس الاحتياطي على محاولة كبح النمو التضخمي عن طريق المزيد من قرارات رفع الفائدة. وقال فاس (82 عاما) وهو مدير محفظة يشغل أيضا منصب نائب رئيس مجلس الإدارة في لوميس سايلس اند كو "مبعث الخوف الحقيقي بناء على تجربتي الشخصية هو التضخم.. من الصعب جدا التكهن به."

وقال دونالد كون الذي عمل بمنظومة مجلس الاحتياطي لأربعين عاما إن من الممكن أن يتعلم المستثمرون من دورة رفع الفائدة الحادة لعام 1994 أن إيقاع رفع الفائدة أهم من الخطوة الأولى. ففي غضون عام واحد ضاعف مجلس الاحتياطي سعر فائدة الأموال الاتحادية إلى ستة بالمئة. استنزفت تلك الزيادات المستثمرين وأدت إلى عوائد سلبية للأسهم والسندات في تلك السنة. أما اليوم فلا يبدو المستثمرون على تناغم مع مسار الفائدة الذي يتوقعه صناع السياسات.

وقال كون (73 عاما) وهو في الوقت الحالي عضو بمعهد بروكنجز للأبحاث "لمح مجلس الاحتياطي إلى أنه يتوقع رفع الفائدة بشكل أسرع في المتوسط من توقعات السوق.. أي شخص في السوق يعول على مسار أبطأ بكثير قد يستشعر الألم."

اضف تعليق