q

يشهد العراق الذي يعيش منذ سنوات جملة من المشكلات والازمات الامنية والاقتصادية الكبيرة، تفاقمت بشكل خطير بسبب استمرار الخلافات الصراعات السياسية موجة نزوح وهجرة كبيرة ازدادت حدتها في الفترة الاخيرة بعد تردي الاوضاع الامنية والمعيشية وسيطرة عصابات داعش على مساحات واسعة من العراق، وقد اكدت العديد من التقارير تزايد هجرة الشباب والعوائل العراقية الى الدول الاوربية بحثا عن حياة ومستقبل افضل، لكن موجة الهجرة المتزايدة وكما يقول بعض المراقبين، كانت سببا في تفاقم معاناة المهاجرين واللاجئين العراقيين الذين اصبحوا في اوضاع سيئة للغاية الامر الذي دفع الكثير منهم الى العودة الى ارض الوطن، يضاف الى ذلك المخاطر الكبيرة التي يواجهونها في الطريق.

ويرى بعض الخبراء ان الصراع السياسي بين القوى والاطراف الحاكمة، التي تسعى الى تحقيق مصالحها الخاصة كان سببا مباشرا في تدمير هذا البلد المهم والغني، الامر الذي دفع الشباب الى ركوب موجة الهجرة، وهناك صعوبة في إيجاد إحصائية دقيقة عن عدد المهاجرين فمعظم الشباب يهاجرون بطرق غير مشروعة عبر شبكات تهريب مختصة مقابل مبالغ مالية طائلة. وفيما يخص بعض مشكلات وازمات المهاجرين واللاجئين العراقيين، التي لاتزال بعيدة عن ساسة العراق المنشغلين بمصالحهم وتوافقاتهم السياسية، فقد استقبلت مدينة كركوك العراقية جثامين عائلة مكونة من رجلين وثلاثة أطفال قضوا غرقا خلال محاولتهم الهجرة إلى أوروبا، إلا أن الزورق الذي كان يقلهم غرق قبالة السواحل اليونانية. كما فقدت جثة طفلة بعمر ستة أشهر في الحادث ذاته، فيما نجت الأم. وقال مصدر في شرطة كركوك "تلقينا جثث أربعة أشخاص من عائلة واحدة، هم رجلان وثلاثة أطفال قضوا غرقا قبالة جزيرة لايروش اليونانية".

وأوضح أن الضحايا هم رب العائلة سالار محمد قادر (40 عاما) وأطفاله آية ويوسف وأحمد (3 و4 و6 سنوات) وشقيقه عبد القادر (44 عاما)، وكانوا في طريقهم للهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية عندما غرق الزورق الذي يقلهم. وأشار إلى فقدان جثة طفلة بعمر ستة أشهر في الحادث ذاته، فيما نجت الأم نسرين (32 عاما)، وفقا للمصدر نفسه.

وقال عبد الله رشيد كامل أحد أقارب الضحايا إن "العائلة كانت قد غادرت كركوك بداية كانون الأول/ ديسمبر، لغرض الهجرة إلى أوروبا". وتابع أن "الفقر والبطالة وانعدام الأمل بالحصول على العمل دفعتهم للهجرة على أمل الحصول على مستقبل آمن ". واستقبلت عائلة المفقودين جثث الضحايا الذين نقلوا عبر مطار السليمانية في شمال بغداد، بالتعاون مع منظمة لاجئي إقليم كردستان، وفقا للمصدر.

رحلة الموت

في السياق ذاته شيعت في محافظة نينوى جثامين ستة مهاجرين عراقيين مسيحيين بينهم اربعة اطفال قضوا غرقا في بحر ايجة اثناء محاولتهم الهجرة بحرا الى اوروبا. وجرت المراسم في مخيم اشتي للنازحين من مسيحيي محافظة نينوى، شمال العراق حيث تعيش ثلاثة الاف عائلة مسيحية. وبين الضحايا ستيفن مازين وزوجته وطفلهما فيما لم يعثر على جثة طفلهما الاخر، وشقيقة الزوجة وطفليها.

وقال مارك (28 عاما) شقيق ستيفن ان "الظروف الصعبة التي نعيشها هنا كنازحين دفعت اخي وزوجته لمحاولة الهجرة في قارب ضم 35 شخصا (...) وغرقوا في بحر ايجة". ونزح مارك وعائلة شقيقه من بلدة الحمدانية في سهل نينوى بعد سيطرة تنظيم داعش على البلدة العام الماضي. وقال الياس ششا (66 عاما) ابن عم احد اقرباء الضحايا ان "زوجة ابن عمي وابنته وابنه قضوا في الحادث وكانوا يريدون الوصول الى اوروبا بحثا عن الامان ".

وقال المطران ماير يوحنا بطرس موشي رئيس اساقفة الموصل خلال المراسم التي اقيمت في كنيسة "البشارة" الخاصة باهالي المخيم "اناشد الدول المستضيفة الا تشدد الخناق على الذين يهربون من الموت". واضاف "افتحوا ابوابكم للهجرة النظامية ولا تدفعوا الناس الى اختيار طرق غير مشروعة تودي بحياتهم". بحسب فرانس برس.

كما داعا السياسيين العراقيين الى "الكف عن التناحر على المناصب والكراسي وشعبكم ينقص يوما بعد يوم ويترك لكن بلدا من الخراب". ودفعت الاوضاع غير المستقرة في العديد من مناطق العراق، خصوصا التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش، الاف العراقيين للبحث عن حياة آمنة مستقرة في دول الاتحاد الاوروبي.

العودة الى الوطن

على صعيد متصل أول ما يعتزم الشاب العراقي ليث خضير عباس (27 عاما) طالب اللجوء في ألمانيا فعله حين يعود لوطنه هو السجود وتقبيل ترابه. وقال عباس في مطار تيجيل في برلين حيث كان يستعد مع نحو 50 شابا عراقيا مثله لركوب طائرة للخطوط الجوية العراقية إلى إربيل في شمال البلاد "فررت إلى ألمانيا لأبني مستقبلي. لكني أدركت أنه لا يمكنني بناءه على وعود زائفة."

ويتزايد عدد اللاجئين العراقيين في ألمانيا الذين يختارون العودة لوطنهم الذي تمزقه الحرب وكلهم يشعرون بخيبة الأمل من بطء إجراءات اللجوء في بلد استقبل 1.1 مليون طالب لجوء العام الماضي لا يزال غالبيتهم يعيشون في ملاجئ. وأضاف عباس وهو يلوح بذراعيه من فرط خيبة الأمل متذكرا الأوضاع السيئة في الملجأ في برلين حيث دورات مياه غير صحية والطعام بلا طعم "أشعر بالحنين لوطني.. وبالإهانة."

وتكلف عباس في الرحلة من مسقط رأسه بغداد لألمانيا أربعة آلاف دولار بينها أموال دفعها للمهربين الذين وضعوه في قارب من تركيا لليونان التي انطلق منها مع مئات من طالبي اللجوء في رحلة على مدى أسابيع إلى ألمانيا عبر البلقان والنمسا. وتظهر بيانات وزارة الداخلية الألمانية أن عدد العراقيين الذين يختارون العودة لوطنهم بدأ في الزيادة في سبتمبر أيلول الماضي حين غادر 61 منهم ارتفاعا من نحو عشرة فقط في كل من الأشهر السبعة الأولى من 2015. وفي ديسمبر كانون الأول تجاوز عدد العراقيين العائدين للوطن المئتين.

ولا يزال في ألمانيا نحو 30 ألف عراقي طلبوا اللجوء إليها العام الماضي ليصبح العراق خامس أكثر بلد جاء منه لاجئون لألمانيا بعد سوريا وألبانيا وكوسوفو وأفغانستان. لكن هذا التوجه الجديد للرحيل يسلط الضوء على الواقع الصعب لطالبي اللجوء الفارين من الصراعات في الشرق الأوسط بعدما جاءوا لألمانيا يحلمون بمستقبل أفضل ليجدوا أن البلد المستضيف المعروف بكفاءة جهازه البيروقراطي وثروته يواجه صعوبات في استيعاب عدد كبير من الوافدين.

وقالت أنديشة كريم وهي ممثلة لمكتب الخطوط الجوية العراقية في مطار تيجيل "من المؤسف رؤية هذا العدد الكبير من الشبان يعودون لمنطقة حرب." وتسير الخطوط العراقية ثلاث رحلات كل أسبوع إلى العراق من برلين ودوسلدورف وفرانكفورت. ويبدو أن أسباب العودة تتعلق بالظروف غير الملائمة في ألمانيا أكثر منها بتحسن الوضع على الأرض في العراق حيث حققت القوات الحكومية تقدما في مواجهة تنظيم داعش.

وقال حسن وهو عراقي كردي عمره 19 عاما "أوروبا ليست لطيفة. لم يصدروا لي تصريح إقامة ولم يعطوني أموالا. سأعود إلى كردستان.. إلى العراق. يمكنني الانضمام لقوات البشمركة والقتال ضد داعش." وكان غالبية الشبان الذين ينتظرون ركوب الطائرة في الرحلة التي تتكلف 280 دولارا وتستغرق خمس ساعات يسافرون إلى أربيل بوثائق سفر في اتجاه واحد صادرة عن السفارة العراقية في برلين. وفقد الكثير منهم جوازات سفرهم أو أتلفوها على الحدود الألمانية النمساوية على أمل أن يصعب ذلك عملية ترحيلهم إذا رفضت طلباتهم للجوء.

وقالت وزارة الخارجية الألمانية إن السفارة العراقية أصدرت منذ نهاية أكتوبر تشرين الأول الماضي 1400 وثيقة من هذا النوع بعدما أصدرت 150 فقط خلال الأشهر العشرة الأولى من 2015. وبوسع من لا يملكون ثمن رحلة العودة التقدم بطلب للحصول على مساعدة مالية من المنظمة الدولية للهجرة. بحسب رويترز.

لكن اليأس من ألمانيا لم يتمكن من الجميع حتى الآن. وحضر عبد الله وهو عراقي آخر إلى مطار تيجيل لتوديع صديقه عباس لكنه لا يزال يأمل في الحصول على حق اللجوء قريبا. وقال "سأبقى. إذا لم يحدث تقدم في طلبي فسأنتقل إلى بلد أوروبي آخر. لست مضطرا للبقاء في ألمانيا." وغالب عباس دموعه وهو يودع عبد الله قبل أن يمضي في طريقه لإنهاء إجراءات سفره. وصاح عبد الله يناديه "قل لأمي أن ترسل لي طعاما طيبا" ليرسم ابتسامة على وجه عباس.

الى جانب ذلك أفادت أجهزة الهجرة الفنلندية بأن حوالي 70 بالمئة من طالبي اللجوء العراقيين تخلوا عن طلبات لجوئهم. وتلقت الأجهزة المعنية قرابة 20500 طلب لجوء من عراقيين في 2015، لكن لم تتم دراسة سوى 3700 طلب منها فقط. وترجح السلطات تخلي البعض عن طلب اللجوء لطول الإجراءات أو الشعور بأن الأجواء في فنلندا معادية بحسب مسؤول في الهجرة.

وقال جحا سيميلا، المسؤول عن شؤون اللجوء في أجهزة الهجرة "يقولون إن شؤونهم الأسرية في بلدانهم الأصلية تجبرهم على العودة إليها، وبعضهم يجد أجواء فنلندا معادية، والبعض الآخر لا يبقى بسبب أجواء العتمة في الخريف وبرد الشتاء". وأضاف أيضا أن بعض العراقيين يتخلون عن طلباتهم بسبب طول مدة دراستها. وفي تشرين الأول/أكتوبر، كثفت سلطات فنلندا شروط الحصول على اللجوء فيها على العراقيين، باعتبار أن بلدهم أصبح أكثر أمنا مما كان عليه في الماضي.

التشيك وفنلندا

من جانب اخر قال رئيس وزراء التشيك بوهوسلاف سوبوتكا إن بلاده سوف تستقبل 153 لاجئا مسيحيا من العراق فروا من مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش. وكان الرئيس التشيكي ميلوس زيمان -الذي يشدد منذ وقت طويل على خطر المتشددين الإسلاميين- قال في يوليو تموز إنه يفضل المهاجرين المسيحيين بينما تتدفق موجة من الأشخاص معظمهم من المسلمين عبر جنوب شرق أوروبا باتجاه الشمال. وصدرت تصريحات مماثلة عن المسؤولين في سلوفاكيا المجاورة.

وقال سوبوتكا "انهم اناس من الأقلية المسيحية في العراق اضطروا للفرار من داعش في منطقة الموصل حيث أقاموا هناك على مدى أجيال." وأضاف سوبوتكا أن العائلات المسيحية السبع والثلاثين ستصل إلى البلاد من شمال العراق الخاضع لسيطرة الأكراد ومن مخيمات للاجئين في لبنان وسوف يصلون في أربع مجموعات من يناير كانون الثاني إلى ابريل نيسان.

وترفض براج الموافقة على حصص الاتحاد الأوروبي لتوزيع المهاجرين. وأظهرت استطلاعات للرأي أن غالبية التشيك يرفضون حتى استقبال الفارين من منطقة حرب. وأظهرت بيانات وزارة الداخلية أن التشيك التي يبلغ تعدادها 10.5 مليون نسمة سجلت 1245 طلب لجوء بحلول نهاية أكتوبر تشرين الأول ومنحت 52 شخصا فقط الحماية. ومر آلاف الأشخاص ومعظمهم مسلمون عبر الأراضي التشيكية ضمن موجة هجرة جماعية عبر جنوب شرق أوروبا. ويحتجز كثيرون في منشآت شبيهة بالسجون تفتقر للظروف الصحية والتغذية المناسبة وهو ما أدى إلى انتقادات حادة من الأمم المتحدة وهيئات أخرى.

في السياق ذاته احتشد طالبو لجوء عراقيين في وسط هلسنكي ووقعوا عريضة ضد خطط فنلندا للتفاوض لإبرام صفقة مع بغداد ربما تؤدي إلى ترحيله‬ قائلين إنه لا يجب اعتبار بلادهم آمنة. وتدفق مئات الآلاف طالبي اللجوء إلى أوروبا هذا العام من مناطق تجتاحها النزاعات ويسودها الفقر في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا ووصل بعضهم إلى فنلندا التي تقع في أقصى شمال أوروبا حتى إن فنلندا التي تقع في اقصى شمال أوروبا باتت المحطة النهائية في رحلة نحو 21 ألف لاجئ معظمهم من العراق. وقام اللاجئون العراقيون برحلة طويلة غير مباشرة عبر وسط أوروبا والسويد للوصول إلى الحدود الفنلندية على مقربة من الدائرة القطبية الشمالية بعد أن شجعتهم معايير الهجرة الفنلندية المرنة نسبيا ووجود جالية عراقية هناك.

وبعد توافد اللاجئين ردّت الحكومة بتعليق البت في طلبات لجوء العراقيين والصوماليين مشيرة إلى أنها قد تشدّد المبادئ العامة لمنح حق اللجوء على أراضيها بعد إعادة تقييم الوضع الأمني في البلدين. كما بدأت هلسنكي التفاوض بشان اتفاقية مع العراق بشأن ترحيل طالبي اللجوء الذين لا توجد خشية حقيقية على سلامتهم أو من تعرضهم للاضطهاد بل وفدوا إلى فنلندا لأسباب اقتصادية وسعيا لتحسين مستوى حياتهم. بحسب فرانس برس.

ووقع أكثر من 300 طالب لجوء عراقي عريضة رفعوها إلى الحكومة الفنلندية منتقدين خططها في حين تجمع نحو 50 منهم في وسط هلسنكي حاملين لافتات كتب عليها "بغداد ليست آمنة لا ترحلوا العراقيين". وقال سعد (37 عاما) من بغداد الذي لم يشأ إعطاء اسم عائلته إنّه ترك العراق عام 2006 بعد مقتل شقيقه في أعمال عنف طائفية. وأشار إلى أن السويد رحلته الى العراق عام 2010 بعد أن وقعت ستوكهولم اتفاقية مماثلة لتلك التي تنوي فنلندا توقيعها مع الحكومة العراقية.

اضف تعليق