q

الظلم والفساد والتكفير والطائفية البغيضة، وغياب العدالة والحرية وعدم احترام التعددية حسب دستور يمثل الإرادة الشعبية، وإعتقال وإعدام كل من يطالب بالإصلاح والتغيير الوطني بشكل سلمي، في ظل سيطرة نظام على السلطة يتعامل بأن البلاد والعباد ملك له ولعائلته،.. جعل مجتمعاتنا غارقة في أزمات عديدة، غير قادرة على النهضة وبناء دول قوية حضارية قائمة على أصول ديمقراطية مؤسساتية؛..

ومن العوامل التي ساهمت في وصول الأمور إلى هذه الدرجة وتفاقمها يعود إلى سياسة تكميم الأفواه من قبل الأنظمة الحاكمة، والأهم يعود إلى الصمت السلبي من قبل الأكثرية من الشعب، وبالتحديد بعض المثقفين (علماء وساسة وإعلاميون وأصحاب الأموال إذ ينبغي ان يكونوا في طليعة المطالبين بالحقوق ورفض الظلم)، ومن المخجل أن يسيطر الصمت السلبي على مشاعر المجتمع عندما تسفك دماء المظلومين ويقتل الأبرياء ويعتقل النشطاء السلميين، بل هذا الصمت السلبي له تداعيات خطيرة جدا على الجميع -من يعبر عن رأيه أو من يلتزم الصمت- وعلى الوطن في الحاضر والمستقبل.

بلا شك إن الصمت من قبل شريحة كبيرة من المواطنين وفي طليعتهم المثقفين عن فساد السلطة الحاكمة واعتداءتها على حقوق المواطنين بالإعتقال لدرجة الإعدام بسبب التعبير عن الرأي، والتخاذل عن نصرة الحق والمظلومين، وتفضيل –اي شريحة المثقفين– الوقوف مع السلطة الحاكمة الظالمة هو الذي جعل السلطة تستمر في ظلمها وتجعل الوطن والمواطنين في دائرة الخطر.

الصمت الإجتماعي السلبي –وعدم المطالبة بالحقوق ورفض الظلم والإعتقالات التعسفية والإعدامات.. بسبب التعبير عن الرأي مثل الشهيد الشيخ نمر باقر النمر-، تعبير يلجأ إليه بعض الضحايا لشعورهم بالخوف والرعب من النظام القمعي الوحشي، وعدم الثقة بالنفس، والضعف وعدم القدرة على البوح والشكوى، وغياب الاستعداد النفسي لمواجهة النتائج المترتبة على التعبير عن الرأي، وهناك من يلجأ للصمت السلبي لتحقيق مصالح خاصة.

ومجتمعاتنا بشكل عام قائمة على العادات والتقاليد الإجتماعية الموروثة، مجتمع يؤمن بالقبلية والعائلة الكبيرة، وبمكانة الشيخ أو الرئيس أو كبير العائلة؛ كما أن أفراد المجتمع من الجنسين يعشقون الاستقرار ولو كان استقراراً يؤدي إلى الجمود والكسل وضياع الحقوق وعلى حساب المصالح الكبرى، كما تنتشر في أوساط المجتمع حالة المجاملة في التعامل وعدم الصراحة والشفافية، والإزدواجية في الشخصية داخل المنزل وخارجه، وداخل الوطن وخارجه!.

الصمت والسكوت على التجاوزات من قبل السلطة الحاكمة مرض خطير على الفرد والمجتمع والأمة، يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل للقضاء عليه؛ والعلاج مسؤولية مشتركة بين الجميع، يبدأ أولا بمعالجة الأسباب التي ساهمت في نشوء ثقافة الصمت السلبي؛ انطلاقا من المنزل والمجتمع والمدرسة بكسر حاجز الخوف والرهبة، وتنمية روح الثقة والمطالبة والمشاركة والصراحة والشفافية والمبادرة، ودعم الحركات الإصلاحية السلمية، والتضامن مع النشطاء والمعتقلين، بالإضافة إلى تعميم المساواة والعدالة والأمان، والتعددية المذهبية والفكرية، والتعامل مع المواطن بناء على المواطنة لا على المناطقية والقبلية والمذهبية، والوعي بالحقوق الوطنية، وتفعيل ممارسة الديمقراطية الحقيقية من خلال مؤسسات المجتمع المدني، ومنها لجان حقوق الإنسان الأهلية، وتطبيق العمليات الانتخابية، والحريات الإعلامية، والمحاسبة من خلال مجلس نواب له صلاحيات واسعة، ومن المهم جدا إعطاء فئة الشباب من الجنسين مساحة واسعة من التعبير والمشاركة والنقد فهم مستقبل أي أمة، وذلك بعد إعطاء المرأة حقها من المشاركة الوطنية الحقيقية.

في الدول التي تقتل الإنسان بسبب التعبير عن الرأي مثل مملكة الصمت، يفضل البعض ممارسة الصمت نتيجة الخوف للحفاظ على أرواحهم، وهذا من حقهم، ولكن ممكن تحويل هذا الصمت إلى سلاح مفيد ومؤثر إذا تم استخدامه بشكل صحيح يدل على الغضب والرفض للظلم والفساد، ليكون أبلغ من الكلام، وكي يتحول الى وقود للحراك والتغيير، لا أن يتحول إلى إستسلام وذل، فالأصل هو الكلام وقول كلمة حق والدفاع عن المظلومين ورفض الفساد.

لا يمكن أن يتحقق الإصلاح في مجتمعاتنا دون كسر حاجز الخوف وحاجز الصمت والسكوت عن التجاوزات وانتشار الفساد، الذي ساهم في صناعة مجتمع سلبي فاقد للوعي والحيوية، ولا خيار أمام أفراد المجتمع سوى كسر قيود الصمت والجمود، والتحرك بوعي ووطنية للمطالبة بحقوقهم ومحاربة الفساد، ومنع الإعتقالات التعسفية وإعدام النشطاء بسبب التعبير عن الرأي، والأهم وجود دستور يمثل إرادة الشعب يضمن العدالة والحرية والتعددية وفصل السلطات الثلاث وإنتقال السلطة السلمي.

سياسة تكميم الأفواه من قبل الأنظمة الحاكمة التي تستخدم كافة الوسائل الأمنية والإعلامية –إعتقال وتعذيب وسجن وإعدام، وتخوين وتشويه سمعة– لترهيب الشعب وتخويفه، قادرة على جعل الشعب يلتزم الصمت كخوف مؤقت، فالصمت لا يعني دائما القبول والرضا؛ ولكن ممكن للشعب الواعي تحويل الصمت إلى مشاعر غضب ووقود احتقان سيعجل من الانفجار ضد تلك الأنظمة الظالمة المستبدة وتحقيق التغيير. والله أعلم كيف سيكون الأنفجار القادم؟.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق