q

للحوزات العلمية حضورها الفاعل في الأوساط المجتمعية المختلفة، لاسيما الشعبية منها، ولها تأثيرها الكبير في توجيه الرأي، وتقديم الإرشاد والنصح عمّا تراه بحاجة الى ذلك، فيكون وجودها فاعلا مؤثرا على مدار الساعة، وقد توطّدت هذه العلاقات المتبادلة عبر خط بياني تراكمي متصاعد، أعطى لهذه العلاقة سمة الثبات والقوة، وأسهم ذلك الى حد بعيد في احتراز الحكومات في قراراتها وأفعالها، فالحكومة اليوم لا يمكن أن تغامر في معاداة الحوزات العلمية، إلا اذا كانت مستبدة وضاربة لرأي الشعب عرض الحائط، وهذا السلوك الحكومي الغبي، هو حجر الزاوية في التعجيل بسقوطها ساعة قبل أخرى.

ومع كل هذه المكانة التي تتحلى بها الحوزات العلمية، ومع قوة العلاقة التراكمية المتصلة بالمجتمع، ومع الاحتراز الذي تتخذه الحكومات في ادارتها للسياسة الداخلية والخارجية، بسبب وجود الحوزة العلمية ودورها المؤثر، مع هذا كله تذهب الحوزات العلمية الى مد جسور متينة مع جماعات الضغط، ونقصد بهم (منظمات المجتمع المدني) المتعددة، فالتواصل مع هذه الجماعات الضاغطة، وتطوير سبل التقارب معها، وتقديم الاستشارة لها، وتوجيه مساراتها بما يخدم المجتمع، ويحقق العدالة بين الحاكم والمحكوم، يعد اليوم من أهم الأساليب التي تعتمدها الحوزات العلمية في تخطيطها وعملها، من اجل تحقيق قوة ضغط على الحكومات، تضمن على الأقل، الحد الادنى من السلوك الحكومي المتوازن.

ولا شك أننا يمكن أن نخسر الكثير، في حالة غياب دور وتأثير الحوزات العلمية في جماعات الضغط الرقابية، فتطور العلاقات بين الحوزة العلمية ومنظمات المجتمع المدني يسهم الى حد بعيد، في نشر قيم سياسية وسلوكيات حكومية مهمة، كلها تصب في الصالح العام، وفي حالة ضمور هذه العلاقة بين الطرفين، فإن الحكومات ستكون منفلتة، ويمكن أن تشطّ في قراراتها وسياساتها الداخلية او الخارجية.

لذلك يهدف المجتمع الى الحفاظ على حرياته وحقوقه، بمساعدة الحوزات العلمية، ويأتي هنا دور منظمات المجتمع المدني كقوى ضاغطة على الحكومة، ومراقبة لأعمالها وقراراتها وسياساتها، حتى تكون النتائج مقبولة، وحتى تكون في صالح بناء دولة المؤسسات التي تسودها قيم عمل سياسية بناءة ومتطورة، تحمي حقوق الفرد، وتنشر منهج التداول السلمي للسلطة، وتحمي الحريات وتكفلها وفق تشريعات ديمقراطية ضامنة، يتم إقرارها نظريا وقانونيا، على أن يتم العمل بها، مع تسليط الدور الرقابي للمنظمات المدنية على التطبيق.

ولأننا مجتمعات حديثة العهد في معرفة دور منظمات المجتمع المدني، ولا نعرف ما هو دورها الفعلي بالضبط، ولأننا بحاجة الى ان تتحول الأفكار في هذا المجال، (أي مجال الضغط على الحكومة ومراقبة أدائها)، الى عمل قائم ومستمر، فإننا نحتاج بقوة الى دور الحوزات العلمية في هذا المجال، لذلك يحتاج الامور الى تقوية أواصر العلاقة بين منظمات المجتمع المدني وبين الحوزات العلمية، بهدف توجيه العمل الضاغط بالصورة التي تجعل منع أكثر تأثيرا وفعالية.

فلا تكفي الرقابة وحدها لحفظ حقوق المجتمع من التجاوزات الحكومية، بل لابد أن تحث الحوزات العلمية هذه المنظمات الرقابية على القيام بدورها على أفضل وجه، وهي بالنتيجة تهدف الى تقويم الأداء الحكومي وتصحيحه اذا كان قاصرا او خاطئا، وعندما تلاحظ الحكومات طبيعة العلاقة التي تربط بين الحوزات العلمية من جهة، والمنظمات المدنية من جهة اخرى، فإنه لا شك سوف تكون أكثر حذرا من التمادي في التجاوز على حقوق الفرد والمجتمع.

وهنا تحديدا تكمن أهمية تواصل الحوزات العلمية مع منظمات المجتمع المدني، فعندما يلتقي هذا الطرفان، في الأهداف والرؤى والعمل، فإنهما سوف يشكلان قوة ضاغطة لا تقبل الردّ او الإضعاف، إلا اذا ارادت السلطة أن تخرج على قواعد اللعبة، وتستخدم جبروتها، فتذهب الى التصادم مع الحوزات العلمية وجماعات الضغط، واذا حدث ذلك فسوف تكون هذه النقطة، بداية شروع لإسقاط الحكومة وطردها من سدة الصدارة ودفة الحكم، طال الوقت أم قصر.

هنا في هذه النقطة تماما، تكتسب العلاقة بين الحوزات العلمية ومنظمات المجتمع المدني أهمية جوهرية، ولذلك يمكن ان نستخلص من ذلك، معادلة ذات طرفين في هذا المجال، تقول هذه المعادلة (كلما ازدادت سبل التواصل وتضاعفت بين الحوزات العلمية ومنظمات المجتمع المدني وقوى الضغط، كلما كانت الحكومة أفضل في الأداء والإدارة)، مع استثناء الحكومات الاستبدادية من هذه المعادلة.

وهذا يتعلق بطبيعة الحال، بدرجة متانة العلاقة المتبادلة بين الطرفين المذكورين، وهو الأمر الذي يستدعي زيادة التلاحم والتواصل ومد الجسور، والتفاهم والتقارب، والتنسيق بين الحوزات العلمية ومنظمات المجتمع المدني، من اجل بلورة رؤية علمية عملية منسجمة، يمكنها أن تضاعف من قوة الضغط على الحكومات، وتراقب أداءها بصورة فعالة، وتحد من نزعتها الاستعلائية المنفلتة، وتضعها في إطار القوانين الدستورية التي تحدد وتنظم عمل الحاكم والمحكوم بصورة متَّفق ومصوَّت عليها مسبقا.

اضف تعليق