q

مرت علينا الذكرى الخامسة والعشرين لحرب الخليج الثانية، او عاصفة الصحراء، او حرب تحرير الكويت، وهي الحرب التي سماها رئيس النظام العراقي السابق "ام المعارك" ولازلنا ندفع اثمانها حتى الان..

بعد خروج العراق منتصرا من حربه الضروس مع ايران "لاوجود لانتصار على حساب الارواح في أي حرب" واجه عدة تحديات، كانت تختفي تحت اصوات المدافع المدوية..

فالاقتصاد العراقي الذي استنزف خزين العراق طيلة سنوات الحرب وهو الذي يعتمد على النفط كسلعة رئيسية، واجه معضلة هبوط اسعاره مابين 8 – 12 دولارا للبرميل الواحد، مع مستحقات تسديد الديون الى دول الخليج التي وقفت الى جانبه في تلك الحرب.

اضف الى ذلك، هذه الالاف الكبيرة من المجندين والذين خلعوا بزاتهم العسكرية ويطمحون الى بداية حياة مدنية جديدة، تفرض عليهم التزامات معيشية جديدة، لم يستطع الاقتصاد المنهك توفيرها لهم، مع مشاكل اجتماعية ونفسية لاتعد ولاتحصى لعموم العراقيين.

في لحظة رعونة سياسية وحماقة اشعلتها اهازيج المديح لبطل التحرير القومي وللقائد الضرورة، توجه صدام حسين بجيشه الى الكويت في الثاني من اب عام 1990 الى الكويت ليحتلها ويلحقها اداريا بالعراق كمحافظة تاسعة عشرة من محافظاته.

لحظة احتلال الكويت، اعقبتها لحظات كارثية ساهمت في صنعها اوهام الجهل السياسي للقائد الضرورة، وقادت الى وضع مقدرات البلدان العربية بيد الاخرين بصورة كاملة، وقلبت معادلات الشرق الاوسط راسا على عقب.

اعقب تلك اللحظة، غير تدمير الجيش العراقي والبنى التحتية للدولة العراقية، سنوات حصار مرت على العراقيين شديدة الوطأة، ساعدت الى حد كبير في قتل منظومة واسعة من الاخلاقيات والقيم في المجتمع العراقي، واخذت تنخر فيه، وما الصور التي نراها لسلوكيات وقيم جديدة هي بتأثير من تلك السنوات.

يكتب أحدهم في وصف مافعلته تلك اللحظة الحمقاء وما اعقبها:

"لم يشهد العراق حدثاً أرعن مثل حرب الكويت، حدث مفصلي، غيّر مسيرة العراق تماماً، جوّع الناس، وقتل سلوكهم مع أخلاقهم، جعل المعلّم مرتشي، والطبيب رخيص، والدكتور في كليّة الطب، يأخذ من طالبه رشوة ليعطيه شهادة تحوّله إلى مطي بدل ان يكون من ملائكة الرحمة.. نحن نعيش عذابات حرب الكويت للآن، بعض مما نعيشه الآن هو إفراز كارثي عن هذا القرار الذي أتخذه صدام بلحظة لم يُحسب لها اي حساب".

لم تكن تلك الحرب حدثا عابرا في حياة العراقيين، رغم قصر مدتها "استمرت 38 يوما" بعد ان استمر احتلال الكويت مدة "6 أشهر، 3 أسابيع و 5 أيام" فهي قد تركت اثارا وذيولا لازالت مستمرة حتى الان، على الجميع، رغم ان العراق هو الخاسر الاكبر من هذه الاثار والتداعيات.

فقد كان من نتائجها على الكويت إشعال وتدمير أكثر من 727 بئر نفطي من أصل 1080 بئراً كويتياً. وقدرت قيمة المفقود من النفط والغاز الطبيعي من تلك الآبار بحوالي 120 مليون دولار يومياً. وأدى ذلك إلى فقد قيمة النفط المحروق كما فقدت قيمة غير محققة ناتجة عن وقف الإنتاج. كما أن تكاليف إعادة إعمار القطاع النفطي قد وصلت إلى 80 مليار دولار حسب تقديرات وزارة المالية الكويتية.

فيما يتعلق بتكلفة الحرب، فقد دفعت الكويت والسعودية والإمارات 53 مليار دولار لصالح الولايات المتحدة منها 48 مليار مدفوعات نقدية والباقي مدفوعات عينية.

النتائج السياسية

انقسام العرب الذين تعرضوا لشرخ كبير أثر هذا الغزو، حيث شاركت كثير من الدول العربية، مثل مصر وسوريا والمغرب ولبنان والسعودية ودول الخليج الأخرى، في مساندة قوى التحالف ضد العراق لإخراج قواته من الكويت، فيما عارض ذلك البعض الاخر، مثل الأردن واليمن، في حين تحفظت دول أخرى على ذلك، كما فعلت الجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية وليبيا والسودان.

وايضا من النتائج، وجود دائم لقوات أجنبية في جميع دول الخليج العربي حيث تركز وجودها في الكويت والسعودية وقطر والبحرين.

اما فيما يتعلق بالنتائج البيئية، فقد تعرضت الكويت ودول الخليج العربي لأحد أسوأ الكوارث البيئية في ذلك الوقت.اذ كان لحرق أكثر من 727 بئر نفطي الأثر المدمر لجميع عناصر البيئة. ولم يقتصر تأثير حرائق الآبار النفطية على الكويت فقط، حيث وصل آثار الدخان المرئي إلى اليونان غرباً والصين شرقاً. كما نجم عن قيام الجيش العراقي بضخ النفط في مياه الخليج العربي - بدأً من الأسبوع الثالث من شهر يناير لعام 1991 - تكوّن أكثر من 128 بقعة نفطية مسببةً أكبر حادث انسكاب نفطي. وتعرضت البيئة الصحراوية للتلوث من عدة عوامل أهمها تشكل البحيرات النفطية الناتجة من تدمير الآبار. كما كان لقيام الجيش العراقي بحفر الخنادق الدفاعية وزرع الألغام الأرضية أثراً كبيراً في تفكك التربة.

اما عواقب تلك المغامرة على العراق، فيمكن تلمسها من خلال تدمير بنية العراق التحتية وجيشه الذي كان يعد من أقوى جيوش المنطقة..

 فالأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للعراق من مصافي النفط ومولدات الطاقة الكهربائية ومحطات تصفية المياه أدت إلى تدني هائل في جميع المرافق الاقتصادية والصحية والاجتماعية في العراق. نتج عن الحرب الجوية تدمير 96% من مولدات الطاقة الكهربائية لتعيد مستويات إنتاج الكهرباء في العراق لما قبل عام 1920. كما أقامت الولايات المتحدة، منطقة حظر الطيران لحماية المدنيين العراقيين في منطقة الشمال والجنوب وهذه المنطقة كانت العامل الرئيسي في اقامة اقليم كردستان في شمال العراق لاحقا. وكان للحصار تأثير كبير شمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية. فقد أدى الحصار إلى ارتفاع نسبة التضخم ليصل إلى 2400% في عام 1994. كما أدى الحصار إلى هجرة أكثر من 23 ألف باحث وطبيب ومهندس عراقي إثر انخفاض معدلات أجر الفرد إلى أكثر من النصف. وقد صاحب الحصار ارتفاع معدلات وفيات الأطفال وسوء التغذية وانخفاض معدلات التحصيل العلمي. فقد تعرض أكثر من 4,500 طفل شهرياً للوفاة نتيجة سوء التغذية والأمراض حسب تقديرات اليونسيف.

كما ألزم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العراق بتخصيص 5% من عائدات بيع النفط لتعويض الكويت عن الأضرار التي خلفها الجيش العراقي. وقد جمعت اللجنة التابعة للأمم المتحدة ما قيمته 386 مليار دولار حصلت الكويت منها على 39 مليار دولار فقط.

كل هذا واكثر هو من نتائج تلك اللحظة الحمقاء، فإقليم كردستان الذي بدأ صغيرا وضعيفا واخذ يتطاول الان هو من نتائج تلك اللحظة، والبنى التحتية التي يعاني منها العراقيون هي من نتائج تلك اللحظة، وانحدار القيم الاجتماعية والاخلاقية هو بتأثير تلك اللحظة وما جلبته من حصار على العراقيين.

اضافة الى الكثير من النتائج والاثار التي يمكن رصدها لتلك اللحظة الحمقاء، على مستوى التعليم او الصحة او الاقتصاد او الثقافة او السياسة، رغم مرور ربع قرن على ذلك الحدث المفصلي في تاريخ العراقيين.

اضف تعليق