q

ثلاثة قرارات استهلت بها المملكة العربية السعودية، عامها الجديد:

الأول؛ الكشف عن موازنة "مثقوبة" بعجز مالي مقدّر كبير (87 مليار دولار)، أعقبت موازنة بعجز فلكي قارب المائة مليار دولار، مصحوبة بجملة من قرارات رفع الدعم والأسعار وفرض ضرائب ورسوم جمركية...

الثاني؛ إعدام الشيخ الشيعي نمر باقر النمر وصحبه، بعد تحميلهم مسؤولية التظاهرات في القطيف والعوامية في العام 2011، والمطالبة بحقوق للسعوديين الشيعة...

والثالث؛ إلغاء وقف إطلاق النار في اليمن رسمياً، مع أن إطلاق النار والصواريخ والغارات الجوية، لم يتوقف للحظة واحدة.

بهدوء، ومن دون اتهامية أو مواقف مسبقة، وبقراءة تحليلية نقول: إنه سيكون لكل قرار من هذه القرارات انعكاساته وتداعياته على أمن السعودية والإقليم واستقرارهما، وغالباً بالاتجاه السلبي، الأمر الذي يدعو للاعتقاد بأن 2016، ستكون سنة حافلة بالتطورات، سعودياً وخليجياً وإقليمياً، فكيف ذلك؟

القرار الأول؛ تأسس على انهيار سعر برميل النفط، وبصورة تتهدد "صندوق الاحتياط" السعودي بالنضوب خلال خمس سنوات إن استمر الحال على هذا المنوال، بترجيح مؤسسات مالية ونفطية عالمية وازنة وموثوقة... الصندوق فقد أكثر من مائة مليار دولار في أقل من عام واحد على أقل تقدير، إذ هبطت موجوداته من 750 مليار دولار عند رحيل الملك عبد الله، إلى أقل من 650 مليار اليوم... التعليقات والتحليلات التي سبقت الكشف عن الموازنة الجديدة وأعقبته، تحدثت عن نهاية عصر "الدولة الأبوية" ودخول السعودية حقبة صعبة جديدة، لن تخفف منه آلامها التغطيات المتفائلة لخطة "التحول الوطني" التي كشفت الموازنة وقراراتها بعضاً من جوانبها... هنا، وفي هذه النقطة بالذات، تبدو الأزمة خليجية بامتياز، لا تتوقف حدودها عند السعودية فقط، ذلك أن جميع موازنات دول الخليج، صدرت بأرقام عجوزات متفاوتة، وقد عمدت هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات متشابهة لمواجهة تحدي تآكل سعر برميل النفط.

القرار الثاني؛ ويتصل بإعدام الشيخ نمر النمر وصحبه، في "وجبة" إعدامات واحدة، أُستهل بها العام الجديد، وضمت قائمة من 47 شخصية سعودية، غالبيتهم متهمون بالانتماء إلى "القاعدة" ومشتقاتها، وبتهم إرهابية... لا أدري لماذا جرى الزج بالنمر في هذه القائمة ولائحة الاتهامات التي بنيت عليها الأحكام، مع أن الرجل في موقع "نقيض" للقاعدة والسلفية عموماً، وهل تكفي "تهمة" قيادة تحركات شعبية ومظاهرات ومطالبات، لإطلاق أحكام بالإعدام، وتنفيذها على رأس السنة الجديدة؟... لا شك أن تنفيذ هذه الأحكام سيكون له ما بعده، فللرجل مؤيدون وتابعون ومريدون كثر، في السعودية وخارجها، وثمة قناعة واسعة، بأن الحكم وتنفيذه، إنما انطويا على قدر من التعجّل والاستخفاف، وأن النتائج المترتبة عليهما، ستأتي بخلاف المأمول بهما... فهل ستتصاعد وتيرة التنازع المذهبي في المملكة بعد الإعدامات؟... المؤكد أن ستتصاعد، وأنها ستستهم في إذكاء وتائر الصراعات المذهبية في الإقليم، بدلالة ما بدأنا نلسمه ونسمعه من ردود أفعال لفظية وعملية، سعودية وعلى مستوى الإقليم، منذ الساعة التالية، لثبوت تنفيذ حكم الإعدام.

القرار الثالث، ويتعلق بوقف العمل باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن... صحيح أن النار لم تقف ولو للحظة واحدة، لكن الإعلان رسمياً عن وقف إطلاق النار، ومن جانب واحد من قبل قوات التحالف، يكشف، ربما، عن نوايا توسيع دائرة النار والمعارك في هذا البلد المنكوب بحروبه وحروب الآخرين عليه... ولا شك أن قراراً هذا، سيضع "عملية جنيف" برمتها، في مهب الريح... وسيطيل من أمد هذه الحرب التي دخلت شهرها العاشر...

فهل نحن أمام قرار تكتيكي للضغط على الجانب الآخر من المعادلة، عشية الموعد المقررة للجولة القادمة من محادثات السلام؟... هل نحن بإزاء رد فعل على تزايد فاعلية "حرب الصواريخ" التي تستهدف الداخل السعودي انطلاقاً من اليمن؟... هل نحن جدياً أمام احتمال توسع نطاق الحرب وصولاً لصنعاء وعمران والحديدة وصعدة وغيرها من مدن الشمال ومحافظاته؟.... صدق من قال: أن الدخول إلى اليمن ليس كالخروج منه، وأن "اليمن مقبرة للغزاة منذ فجر التاريخ"، وصدق من تحدث عن "مستنقع يمني" و"رمال يمنية متحركة" و"فخ يمني" إلى غير ما هناك من تعبيرات، تشف عن صعوبة المهمة إن لم نقل استحالها.

وفي ظني أن استمرار الحرب على اليمن وتفاقم التداعيات المترتبة عليها، معطوفة على أزمة أسعار النفط، وأفول عصر "الدولة الأبوية"، مضافة إلى أزمة "الهوية" و"المكونات" التي تثيرها وتشفّ عنها، الإعدامات الأخيرة، ليست استهلالاً طيباً للسنة الجديدة، والأرجح أن تداعيات هذه التطورات الثلاثة، ستحكم وتيرة الأحداث في المملكة خلال العام المقبل، بل وربما خلال العقد القادم، الذي يعتقد كثيرون، بأنه سيكون عقد سعودي بامتياز.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق