q

من طبيعة الانسان الميل الى كل ما يبعث على البهجة والسرور لأنه يدخل على النفس الراحة والانبساط، بينما نلاحظ الابتعاد عن كل علائم الحزن، لانه يدخل على الانسان حالات غير مريحة من الاكتئاب والتأزم النفسي. لذا نجد الواحد منّا يقبل بنفسه على مناسبات الفرح، بينما مناسبات الحزن فانه يحتاج لجهد نفسي خاص للمشاركة فيها والهدف أحياناً "لأداء الواجب".

هذه الحالة الفطرية المنبعثة من صميم تكوين الانسان، نجدها تتحول الى تقاليد ورسوم اجتماعية لدى شعوب وأمم، بل وايضاً، طقوس دينية مقدسة، لما فيها من المردود الايجابي على نفوس افراد المجتمع، لاسيما الاطفال، فتبعث فيهم روح الأمل بالحياة وتبلور لديهم الرؤية الايجابية لما حولهم. وهو ما جربه المجتمع الاسلامي الأول، فكانت الأعياد المباركة، مناسبة للإعراب عن مشاعر البهجة والسرور والارتياح ومشاركتها الآخرين. ولعل قصة القلادة التي استعارتها إحدى بنات الامام علي، عليه السلام، من بيت المال، والموقف الرافض له، عليه السلام، وإعادتها الى بيت المال، حتى تكون جميع فتيات المسلمين قادرات على التزيّن في ذلك العيد البهيج، إحدى الامثلة على أصالة هكذا مناسبات في التاريخ الاسلامي.

ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، والى يوم القيامة، يتضح أن حالات الفرح والابتهاج، تمثل مناسبات اجتماعية تعبر عن هوية شعب وأمة، حتى أصبحت هكذا مناسبات، سمة تُعرف بها الشعوب والأمم، كما نجد ذلك في ذكرى مولد نبي الله عيسى، عليه السلام، حيث يحتفل به المسيحيون في العالم تزامناً مع رأس السنة الميلادية. أما عن مظهر الفرح والابتهاج هنا، فيفترض ان يكون في المولد – المعجزة، لهذا النبي العظيم، كما في أعيادنا الاسلامية، ثمة مظاهر، مثل عيد الأضحى الذي يُعد بالأساس عيداً للحجاج بعد أدائهم من مناسك الحج، واكتسابهم حالة النقاء والبراءة من الذنوب، فيما عيد الفطر هو الآخر يتضمن نفس الحالة مع فارق شكل العبادة في شهر رمضان المبارك، الى جانب عيد الغدير الذي يحمل فرحة الولاية. أما عن اتباع الديانة المسيحية الذين يحتفلون كل عام في مثل هكذا أيام، فانهم يتخذون من "شجرة عيد الميلاد" رمزاً لهذا الاحتفال ومناسبة لإظهار مشاعر الفرح والسرور، لاسيما اذا ازدانت هذه الشجرة الخضراء، بمصابيح ملونة ومضيئة، فانها تبعث في الرائي، مشاعر الارتياح والسرور.

وبمراجعة بسيطة الى المصادر المسيحية، نجد المفاجأة في عدم وجود علاقة بين مولد النبي عيسى المسيح، عليه السلام، وبين هذه الشجرة التي نراها منتشرة في كل بيت مسيحي بالعالم، كما لو أنه نسخة من كتابهم المقدس، وتعود فكرة هذه الشجرة الى جماعة وثنية في المانيا في القرون الوسطى، حيث كان الناس هناك يعبدون "إله الغابات"، وحصل أن أرسل "القديس بونيفاسيوس" عام 727 للميلاد، وفداً تبشيرياً، وبعد اعتناقهم المسيحية، لم يتخلّوا عن تقديس شجرة الصنوبر أو البلوط، وظلّت مقدسة لدى مسيحيي المانيا ضمن تقاليدهم الاجتماعية حتى القرن الخامس عشر، حيث انتقلت الى فرنسا فأضيفت عليها الزينة مثل الشرائط الحمراء والشموع والتفاح الاحمر، على أن ضوء الشموع – حسب المصادر نفسها- يرمز الى "نور العالم" وهو المسيح، عليه السلام، كما جاء في "سفر التكوين". ومنذ ذلك الحين تم الترويج لهذه الشجرة بين البلاد الغربية، مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وغيرها من بلاد العالم.

وهنا يأتي دور السؤال عن علاقة جموع المسلمين بهذه الشجرة، او رمز العيد، التي يعود أصلها الى تقاليد وثنية وشركية، وليست الى الديانة السماوية...؟

كما أسلفنا؛ فان وضع شجرة خضراء مزدانة بالمصابيح والأشرطة والنجوم وأشكال الزينة الاخرى، في زوايا البيوت وعلى واجهات المحال التجارية، وفي كل مكان، يمثل تعبيراً عن الفرح والابتهاج، وهو نفس المبرر الذي يسوقه البعض في بلادنا الاسلامية، بيد أن الحقيقة التي لا يجب مجانبتها، أن حقيقة دوافع المسيحيين إزاء مظاهر الفرح هذه، لا تشبه تماماً الدوافع الموجودة لدى أفراد مجتمعاتنا الاسلامية، فهنالك مشاكل وأزمات كامنة في النفوس تدفع البعض لأن يلجأ الى "الشجرة" أو الى أي رمز آخر في محاولة للخلاص وصياغة بديل جديد لحياة جديدة. والسبب في ذلك يكشف عنه سماحة المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي- قدس سره- في عديدة مؤلفاته الثقافية، وتحديداً في "الى نهضة ثقافية اسلامية" و"نحو يقظة اسلامية"، وايضاً "السبيل الى إنهاض المسلمين"، لذا فانه يدعو لاعتماد "النظرة الايجابية" في الحياة، لاسيما الى الاجواء الثقافية والدينية والتطلع الى المنجز وما يمكن انجازه في المستقبل، بل والاسهام في انجاز المزيد وليس بالضرورة ان تكون في مشاريع ضخمة، إنما في مجرد تداول القيم الانسانية والاخلاقية، في الشارع والمدرسة والدائرة الحكومية والسوق وكل مكان. فما أحوجنا الى قيم التسامح والتكافل والاحترام المتبادل...!

ورب سائل عن وجود المظاهر التي تبعث على الفرح والسرور في بلادنا هذه الايام؟!

حقاً انه سؤال جدير بالإثارة، لأن الاجابة عليه حاضرة في واقعنا، فما تعني تلبية حاجات أسرة فقدت معيلها في الحرب، سواء في العراق او في سوريا او في لبنان او في اليمن، وغيرها من البلاد الاسلامية، او بسبب السياسات القمعية، كما هو حال عوائلنا في البحرين؟

إن الفرحة التي تدخل على قلوب هؤلاء، او حتى غيرهم من المعوزين والمحتاجين لمختلف ملمّات الحياة ومكارهها، هي التي تبعث الفرحة الحقيقية في نفس المعطي وصاحب اليد البيضاء، عندما يغمره شعورٌ بالارتياح لانه وجد في نفسه القدرة على إدخال السرور والطمأنينة في حياة طفل او امرأة او انسان ملهوف.

اضف تعليق