q

استمرار العمليات العسكرية لقوات ما يسمى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن التي أدت إلى تدمير البلاد ومقتل وتشريد آلاف اليمنيين بينهم عدد كبير من الأطفال، اسهمت وبحسب بعض المراقبين بزيادة قلق بعض الجهات الدولية خصوصا بعد تعثر مباحثات إنهاء الصراع الاخيرة بين الفرقاء، حيث شهدت الأزمة في اليمن تصعيدا خطيرا في عام 2015، خاصة بعد التدخل العسكري السعودي ضد الحوثيين، ما أعلن عن تحول الصراع في اليمن من صراع داخلي إلى صراع إقليمي. وقتل نحو 6 آلاف شخص، معظمهم من المدنيين، منذ بدأ تحالف بقيادة السعودية في مارس/ آذار حملة عسكرية ضد الحوثيين وأنصارهم من قوات الأمن الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح.

هذا وقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش وفي تقرير سابق تورط السعودية باستهداف المدنيين بشكل مباشر وارتكاب جرائم حرب. وذكرت المنظمة في تقرير لها أنها رصدت عدد من الغارات، جميعها كانت على أحياء سكنية، وفي ذات السياق، ذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية ومنظمة أطباء بلا حدود عن استهداف عدد من المدارس والمستشفيات في مختلف المحافظات اليمنية، دون أن يوضح قادة التحالف سبب الهجوم، بحسب تعبيرهم.

الى جانب ذلك ذكرت تقارير اعلامية الى ان التدخلات والضغوط الخارجية تمنع الطراف المتصارعة من الوصول الى حلول سلمية، وذكرت بعض هذه التقارير إن اغلب دول الخليج تقف عائقاً في الحسم داخل اليمن. فقد انتهت محادثات السلام بين الأطراف المتنازعة في سويسرا دون تحقيق نتائج في الوقت الذي استمر فيه القتال على الأرض.

وقد أعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه من انتهاكات الهدنة في اليمن التي أُعلنت في البلاد تزامنا مع محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة. وتهدف محادثات السلام إلى إنهاء الحرب الأهلية. وأصدر المجلس المؤلف من 15 دولة بيانا يعبر عن قلقه العميق من انتهاكات وقف الأعمال الحربية التي ترتكب أثناء المحادثات، كما أعرب أيضا عن القلق من الوضع الإنساني في اليمن الذي ما زال يتفاقم.

وصدر البيان الذي جاءت الموافقة عليه بالإجماع عن اجتماع المجلس بشأن اليمن في جلسة علنية هي الأولى للنظر في الصراع اليمني منذ اندلاعه قبل 9 أشهر. هذا وقال البيان أيضا إنه يؤكد على ضرورة أن يؤدي وقف الأعمال الحربية والامتثال لقرارات مجلس الأمن إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار.

مسؤولية التحالف

في هذا الشأن قال الأمير زيد بن رعد الحسين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لمجلس الأمن الدولي إن الحملة العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن تتحمل المسؤولية فيما يبدو عن "عدد غير متناسب" من الهجمات على مناطق مدنية. وأضاف في أول اجتماع علني للمجلس بشأن اليمن منذ بدء الحملة العسكرية قبل تسعة أشهر أنه "تابع بقلق بالغ" القصف الشديد من البر والجو على مناطق في اليمن بها كثافة عالية من المدنيين وتدمير بنية تحتية مدنية مثل المستشفيات والمدارس.

وقال إن كل أطراف الصراع تتحمل المسؤولية "على الرغم من عدد غير متناسب فيما يبدو نتيجة للضربات الجوية التي تنفذها قوات التحالف"، وتدخل التحالف بقيادة السعودية في الحرب الأهلية اليمنية في مارس آذار لإعادة الحكومة بعدما أطاح بها المقاتلون الحوثيون لكن عدد القتلى المتزايد بين المدنيين والوضع الإنساني المتردي أزعج المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.

وقال دبلوماسيون بالأمم المتحدة إن بلدانا غربية تزيد الضغط رويدا رويدا على السعودية للتوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الصراع. وقال دبلوماسيون إن اجتماع عقد بهدف تسليط الضوء على الصراع والضغط على كل أطرافه للتوصل لنهاية عبر التفاوض حقنا للدماء. وقالت سمانثا باور سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة وهي رئيسة المجلس لشهر ديسمبر كانون الأول إن كل الأطراف يتعين عليها الالتزام بالقانون الإنساني. وقالت إن الحوثيين عليهم وقف القصف العشوائي للمدنيين والهجمات عبر الحدود.

وأضافت باور "سنواصل أيضا حث التحالف الذي تقوده السعودية على ضمان الاستهداف القانوني والمحدد والتحقيق الشامل في جميع المزاعم الموثوقة عن سقوط ضحايا من المدنيين وإجراء التعديلات اللازمة لتجنب مثل هذه الحوادث." ووافقت الأطراف المتحاربة في اليمن على وقف لإطلاق النار مدته سبعة أيام قابلة للتجديد تحت رعاية الأمم المتحدة بدأ يوم 15 ديسمبر لكنه تعرض للانتهاك مرارا.

وقال الأمير زيد "أدعو أيضا المجلس لبذل كل شيء في نطاق سلطاته للمساعدة في كبح استخدام القوة لدى كل الجهات وحث جميع الأطراف على الالتزام بالمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي." وقالت الأمم المتحدة إن الصراع أودى بحياة زهاء ستة آلاف شخص نصفهم تقريبا من المدنيين. وقال الأمير زيد إن أكثر من 600 طفل قتلوا وجرح نحو 900 آخرون وهي زيادة بمقدار خمسة أمثال الرقم في 2014.

وتأجلت أول جولة في محادثات السلام وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد إن الطرفين سيلتقيان مجددا في 14 يناير كانون الثاني. وأبلغ المبعوث المجلس إنه لا يزال توجد انقسامات عميقة وإن "الثقة بين الطرفين لا تزال ضعيفة." ووضعت الأمم المتحدة اليمن كواحدة من أكبر أزماتها الإنسانية بجانب جنوب السودان وسوريا والعراق. وتقول المنظمة إن نحو 21 مليون شخص في اليمن يحتاجون مساعدات أو نحو 80 في المئة من السكان.

وأبلغ الأمير زيد المجلس المؤلف من 15 دولة "ان التداعيات المحتملة لدولة يمنية فاشلة ستخلق حتما ملاذات آمنة للجماعات المتشددة والطائفية مثل ما يطلق عليها (تنظيم داعش)." وقال "هذا بدوره قد يوسع الصراع إلى خارج حدود اليمن مما سيزعزع على الأرجح استقرار المنطقة." وكانت منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان انتقدت الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من البلدان الغربية لدعم السعودية بأسلحة تستخدم في الحرب واتهمت أيضا القوات العربية باستخدام القنابل العنقودية التي تحظرها معظم الدول. بحسب رويترز.

وأبلغ جيرارد فان بوهمن سفير نيوزيلندا لدى الأمم المتحدة المجلس بأن "الأعمال العدائية داخل وحول المناطق المدنية بما في ذلك استخدام الأسلحة الثقيلة والذخائر العنقودية فضلا عن الغارات الجوية ونيران المدفعية المضادة للطائرات تسببت في سقوط عدد كبير من القتلى بشكل غير مقبول بين السكان المدنيين." ولم يتسن الوصول إلى بعثة السعودية في الأمم المتحدة على الفور لطلب التعقيب على تصريحات الأمير زيد والاتهامات بشأن استخدام القنابل العنقودية.

مرتزقة كولومبيين

من جانب اخر ذكر ضابطان سابقان وخبير امني ان الامارات ارسلت سرا نحو 300 من المرتزقة الكولومبيين للقتال نيابة عن جيشها في اليمن، ودفعت مبالغ كبيرة لتجنيد جيش خاص من الجنود الجنوب اميركيين المدربين والمتمرسين على القتال. وقالت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها ان خبرة الجنود الكولومبيين السابقين في قتال المليشيات اليسارية وتجار المخدرات في بلدهم شجع الامارات على الاستعانة بهم نظرا لان جيش الامارات قليل الخبرة نسبيا. وتشارك الامارات في التحالف العربي الذي يقاتل المتمردين الحوثيين في اليمن.

وقال ضابط سابق في الجيش الكولومبي في بوغوتا ان "الجنود الكولومبيين معروفون بمهاراتهم القتالية نظرا لأنهم تدربوا على قتال المليشيات". واضاف "الكولومبيون لديهم سنوات عديدة من الخبرة في خوض الحروب". ويزيد تواجد جنود كولومبيين في النزاع اليمني الدامي، من الوضع المعقد في الحرب التي تجري بالوكالة ما بين ايران التي تدعم الحوثيين والتحالف العربي الذي تدعمه الولايات المتحدة بقيادة السعودية. وغالبا ما تلجأ شركات الامن الخاصة في العالم لتوظيف الجنود الكولومبيين في مناطق النزاع ومن بينها العراق وافغانستان والسودان.

وكان الضابط السابق وهو رجل عمره 48 عاما ترك الجيش في اواخر التسعينات، وعمل في السابق في شركة بلاكووتر التي اثارت الجدل والتي غيرت اسمها الى "اكاديمي". وكانت وزارة الدفاع الاميركية تعاقدت مع الشركة لتوفير الخدمات العسكرية والامنية في العراق. وانضم الى الشركة في العام 2004 وسط ما وصفه ب"الطفرة في تجنيد الكولومبيين للقتال في العراق"، وعمل في افغانستان والامارات وقطر وجيبوتي.

ويعتبر جنود اميركا اللاتينية مفضلون لدى شركات مثل بلاكووتر، حيث يقول الضابط السابق "بلغ عدد المتعاقدين مع الشركة في العراق في الفترة من 2004 و2006 نحو 1500 من كولومبيا، والف من البيرو، و500 من تشيلي، و250 من السلفادور". واضاف انه ابتداء من 2010 تقريبا بدأت الامارات في تجنيد الكولومبيين لتشكيل جيش خاص في قاعدة وسط الصحراء تدعى مدينة زايد العسكرية. ويحصل الكولومبيون من قادة القوات الخاصة او قائدي المروحيات في شركة بلاكووتر على مبلغ 3300 دولار شهريا، اي اقل بخمس مرات من المبلغ الذي يتلقاه المتعاقدون الاميركيون، ولكنه يعتبر ثروة صغيرة بمعايير كولومبيا. واضاف انه "لم يتم تجنيدهم لخوض مهمات قتالية بل للقيام بمهام الامن والحماية. ولذلك فانهم لا يعتبرون مرتزقة".

ولكن قبل شهر قرر نحو 300 من بين هؤلاء الذين تجندهم الامارات "التطوع" للمشاركة في القتال كمرتزقة في جنوب اليمن، وتم نشرهم في ميناء عدن، بحسب المصدر. وجاء ذلك بعد مقتل 30 جنديا اماراتيا في اليمن في هجوم صاروخي القيت مسؤوليته على الحوثيين. وقال المصدر ان الامارات خططت في البداية لارسال 800 كولومبي، الا ان المجندين رفضوا ذلك، واشتكوا من ان القتال في اليمن يتجاوز شروط عقودهم الاصلية.

واضاف "كان من المفترض ان يشارك الكولومبيون في تلك المعارك دون ان يلاحظهم احد بوصفهم جنودا اماراتيين، وقد دفع ذلك عددا كبيرا منهم الى رفض الخدمة (..) وقالوا ان عقودهم تقضي بعملهم في الامارات وليس القتال في حروب نيابة عن اخرين". وقال ان الامارات حاولت اغراء هؤلاء المجندين من خلال اقتصار مناوباتهم على ثلاثة اشهر، وعرض دفع 120 دولارا اضافية عن كل يوم قتال.

ولم يقتل اي كولومبي في اليمن حتى الان، بحسب المصدر الذي نفى تقارير نشرتها وسائل اعلام مرتبطة بالحوثيين بان كولومبيين قتلوا في اليمن. وذكر مصدر كولومبي اخر هو خبير الشؤون الامنية جون مارولاندا ان الراتب السخي الذي تدفعه جهات خارجية يتسبب في فقدان الجيش الكولومبي للخبرات العسكرية المدربة بسبب ضعف الرواتب. وقال "في العام 2011 بدأ الاشخاص المدربون بشكل جيد في المغادرة". واضاف "الامارات تشارك في التحالف من خلال ارسال مرتزقة بشكل سري الى اليمن. وصحيح ان من بين هؤلاء المرتزقة جنود سابقين في الجيش الكولومبي". بحسب فرانس برس.

وذكر ضابط كولومبي سابق طلب عدم الكشف عن هويته ان ذلك "خلق عددا كبيرا من المشاكل" لوزارة الدفاع الكولومبية. واضاف ان "افضل الضباط يتوجهون الى الامارات التي لا تجند مواطنيها وتفضل تجنيد الاشخاص الجاهزين والمتخصصين". وخاض الجيش الكولومبي على مدى خمسة عقود نزاعا ضد الجماعات اليسارية المتمردة. وادى النزاع الى مقتل اكثر من 220 الف شخص، وكانت كتائب الاعدام ومهربي المخدرات اطرافا فيه.

السعودية والولايات المتحدة

في السياق ذاته قالت صحيفة نيويورك تايمز وكما نقلت بعض المصادر الاعلامية، إن الولايات المتحدة، تعمدت، في جلسة لمجلس الأمن برعاية الأمم المتحدة، لفت الانتباه إلى العواقب الوخيمة للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. وأشارت الصحيفة، أن الاجتماع أثار، أيضاً، أسئلة حول جرائم محتملة ارتكبها هجوم عسكري بقيادة السعودية التي تدعمها وزارة الدفاع الأمريكية لوجستياً واستخباراتياً.

ولفتت، أن الولايات المتحدة تزود طائرات التحالف السعودي العسكرية، وتقدم له الدعم الاستخبارتي واللوجيستي للحرب في اليمن منذ تسعة أشهر، مشيرة أن ذلك أدى إلى مقتل الكثير من المدنيين، كما تعرضت عشرات المدارس والمستشفيات للهجوم في وقت حذرت الأمم المتحدة من الانتهاكات للقانون الدولي والإنساني. وتحدثت "نيويورك تايمز"، أن مسئولاً كبيراً في الأمم المتحدة حمّل، خلال جلسة الأمن، قوات التحالف التي تقودها السعودية، القسط الأكبر من المسؤولية عن المجازر بحق المدنيين.

نائب الأمين العام للأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، كيونغ وا كانغ، حذرت، أيضاً، من المعاناة التي يتعرض لها المدنيون بسبب الحرب، لافتة إلى أن مليوني يمني يعانون سوء التغذية، وأن النظام الصحي في البلاد "على وشك الانهيار". واعتبرت الصحيفة، أن السعودية وضعت الولايات المتحدة في موقف دبلوماسي حرج. مشيرة، أن دعوة المسؤولين الأميركيين السيد الحسين للإحاطة في مجلس الأمن، يُعد مؤشراً على ظهور تصدع في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وأوردت، أن إحاطة المندوب الأمريكي في مجلس الأمن سامانثا باور، حثت المسئولين السعوديين النظر في الهجمات التي تعرضت لها المواقع المدنية اليمنية واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفاديها في "المستقبل". وقالت السيدة سامانثا باور إن المسئولين الأمريكيين، حثوا المسئولين السعوديين على الالتزام بالقانون الإنساني الدولي في الصراع، وأخذ الاحتياطات اللازمة في تفادي المدنيين.

وعلى الرغم من تلك المحادثات والتحذيرات الأمريكية للمسئولين السعودين، لم تعترض إدارة أوباما صفقة الأسلحة بـ 1.29 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية. ولم تقترح، أيضاً، بأنها ستسحب دعمها للعمليات التي تقودها السعودية، ولم تقل أنها ستجري تحقيقاتها، خاصة في الضربات الجوية العسكرية التي قد ترقى إلى جرائم حرب، بحسب الصحيفة.

وبحسب نيويورك تايمز، فإن الحرب في اليمن تتحول، وبشكل متزايد، إلى مسؤولية سياسية بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يعتبر الكثيرون بأن اجتماع مجلس الأمن كدليل على إحباط إدارة أوباما. ونقلت "نيويورك تايمز"، عن ستيوارت M. باتريك، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، أن "الولايات المتحدة تريد "لف" هذا الصراع عاجلاً وليس آجلاً، وتشعر بخيبة أمل بسبب الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار، بما في ذلك التحالف الذي تقوده السعودية. مضيفاً أن الولايات المتحدة قلقة للغاية بسبب ارتباطها بالفظائع الكارثية، وتدهور الوضع الإنساني بسبب تزويدها التحالف السعودي الذي استخدمها ضد أهداف مدنية في اليمن.

وقالت الصحيفة، إن السيد زيد الحسين، كان أوصى، في سبتمبر، بلجنة مستقلة للتحقيق في الاتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن، لكن محاولة إدخال مثل هذا القرار إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف فشلت. في حين لم تبدِ الولايات المتحدة أي حماس عن ذلك القرار في ذلك الوقت. وحتى الآن، تم تدمير 70 مرفقاً صحياً عن طريق الغارات الجوية، وفقاً للأمم المتحدة.

اضف تعليق