q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

لماذا نجحت حكومة النبي (ص) اقتصادياً وسياسياً؟؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

من مساوئ الحكومات الوضعية، أنها فشلت – ولا يزال بعضها قيد الفشل- في وضع اللمسات الادارية والاقتصادية التي تنتشل شعوبها من الفقر والحرمان والمرض، على الرغم من توافر عوامل وعناصر النجاح لها، حيث التكنولوجيا تضع ابتكاراتها في خدمة هذه الحكومات، وكذلك الأموال الضخمة التي يمكن استثمارها في مشاريع متميزة وناجحة، لكن للأسف ما نراه ونلمسه اليوم من تلك الحكومات، هو الفشل تلو الفشل، في انتشال الشعوب من محنة الفقر.

وعندما نعقد مقارنة بين الاوضاع الاقتصادية لعالم اليوم، وبين الأمس، ابان حكومة الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، على الرغم من حداثة التجربة، والظروف الاقتصادية البسيطة من حيث الاكتشافات والمعدات الانتاجية وعموم وسائل الانتاج التي كانت يدوية في الغالب، لكن مع ذلك كانت هناك وفرة كبيرة في الأموال والغلال، وكان شبح الفقر لا يراه أحد إلا قليلا.

على العكس تماما مما يحدث في عالم اليوم (التكنولوجي) المعاصر، المدجج بعالم الماكنة والألكترونيات، وبأنواع التقانات الهائلة، لكن لا يزال شبح الفقر يخيم على الملايين، ولا تزال المجاعات تضرب مجاميع كبيرة من فقراء العالم، كما تعلن مصادر الاخبار عما يحدث في افريقيا على سبيل المثال، بل حتى في دول اسلامية تعد من الدول الغنية.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية للمسلمين حول هذا الموضوع: (من يقرأ المجلاّت والصحف اليوم، يطّلع على العدد الهائل من البشر الذين يموتون جوعاً، مع العلم انه يمكن تحمّل الجوع كثيراً، خلافاً للعطش، لكن مع ذلك ترى الكثير من الناس يموتون جوعاً، حتى مع تطوّر العالم، وهذه الحالة لا تجدها في تاريخ النبي صلى الله عليه وآله).

في مقابل ذلك، لم يذكر لنا التاريخ مثل هذه النسب المرعبة من الفقراء، على الرغم من الفارق بين القدرات والتطور في الثروات والايرادات والصناعات في عالم اليوم، لذا من حقنا أن نتساءل، لماذا هذا الفشل الذريع للاقتصاد العالمي والاسلامي، على الرغم من توافر جميع شروط التقدم له، في حين كان الاقتصاد ابان حكومة الرسول الأكرم (ص) مثاليا، مع قلة الايرادات والثروات وما شابه؟، ترى أين يكمن الخلل بالضبط؟؟.

وتأكيد لهذا الفارق الكبير، يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة نفسها: (لم يذكر التاريخ في زمن حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله، موت حتى شخص واحد بسبب الجوع، ومن لا يقبل بهذا الكلام فعليه إثبات الضد منه، فيا ترى ما حلّ باقتصاد الدنيا اليوم لكي يموت أفواج من الناس بسبب الجوع؟).

نسبة كبيرة تحت خط الفقر

هناك أسباب لنجاح الاقتصاد أو فشله، ومن اهم أسباب النجاح، التخطيط، والايرادات، والايدي العاملة، وتوافر الكفاءات، والظروف الجيدة المصاحبة كالاستقرار السياسي للدولة، وهذه الأسباب موجودة في عالمنا المعاصر، لكن مع ذلك لا تزال نسبة الفقر كبيرة، ولا يزال الجياع ينتشرون في أصقاع الأرض، أما في اقتصاد الأمس، في عهد الرسول (ص)، لم تكن الظروف ملائمة، حيث الغزوات والمؤامرات وعدم الاستقرار السياسي، لكن كان النجاح الاقتصادي باهرا، في ذلك الوقت.

تُرى لماذا لا يستثمر حكام اليوم وحكوماتهم الظروف الاقتصادية الملائمة، كي ينجحوا في تحقيق الرفاهية لشعوبهم، ولماذا يغيب التخطيط، وينتشر الفساد الاداري والمالي، ويأكل القوي الضعيف، ويغيب العدل الاجتماعي والوظيفي؟؟، لماذا تسمح الحكومات الاسلامية بمثل هذه الأخطاء الفادحة، كي تستفحل مظاهر الفقر حتى في بعض الدول الاسلامية الغنية.

إن الاستقرار الذي تتحلى به كثير من الدول الاسلامية اليوم، لم يكن متوافرا لحكومتي الرسول (ص) والامام علي (ع)، ولكنهما نجحا أيما نجاح في القضاء على الفقر، وتحقيق العدل في توزيع الايرادات، وصناعة الاقتصاد المتين؟؟، لقد تحقق النجاح الاقتصادي آنذاك على الرغم من كثرة المشاكل السياسة والاقتصادية.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (علماً بأن النبي صلى الله عليه وآله كان في زمانه مبتلياً بمشاكل داخلية، وحروب وغزوات، وبالمنافقين، حتى انه ولأكثر من مرة أرادوا قتله واغتياله وهو على علم بذلك وكان يعرف المتآمرين). ويضيف سماحته قائلا: (مع المشكلات التي كانت في زمانه صلى الله عليه وآله، ولكن لم يبقَ أي أحد من الناس على فقر، أو بقي أعزباً).

من المؤكد أن النموذج الاقتصادي لحكومة النبي (ص)، يصلح في كل حين، لاسيما بالنسبة للحكومات في الدول الاسلامية، فلماذا لم يتم الاستفادة من تلك التجربة البناءة، في بناء الدولة واقتصادها؟ حتى يتم التخلص من الفقر، ويقضي المسلمون على أسباب المجاعات التي تضربهم بين حين وآخر، مع وفرة الثروات الطبيعية والبشرية لديهم، فضلا عن تراكم التجربة في المجال السياسي والاقتصادي والاداري، ولكن لا يزال الفقر حاضرا بينهم ومؤثرا على حياتهم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لقد قرأت قبل سنوات عن إحدى البلدان الإسلامية أنه أكثر من ثمانين بالمئة 80% من شعبها هم تحت خط الفقر، فهل هذا هو الإسلام؟).

الفارق بين اقتصاد الأمس واليوم

كنتيجة منطقية للبون الشاسع الذي يفصل بين اقتصاد الأمس واليوم، لابد أن يكون هناك اختلاف واضح بين النموذجين في الجانبين النظري والتطبيقي، فالاقتصاد في حكومة النبي (ص)، كان قائما على اركان واضحة وقواعد ثابتة، كالعدل والمساواة وتفضيل الكفاءات، واستثمار الموارد بصورة ايجابية، ومنع الفاسدين من الوصول الى المناصب القيادية والادارية الحساسة، في الاقتصاد وفي صناعة القرار عموما، فضلا عن ارتفاع قيم الجانب الاخلاقي، وعلى رأس ذلك مخافة الله التي تعد بدورها، رأس الحكمة والسلوك القويم بخصوص التعامل مع السلطة والجاه والنفوذ.

فهل يمكن القول أن منظومة القيم حدث فيها نوع من الخلل، وهل انسان الأمس هو نفسه انسان اليوم في قيمه وإيمانه وأخلاقه ورؤيته للسلطة والمال؟، وهل استفادت الأجيال الحالية، من تراكم التجارب الاقتصادية والسياسة الناجحة للمسلمين؟، إن واقع الحال يؤكد العكس، وأن الفارق بين اقتصاد حكومة النبي (ص)، يكمن في فشل المسؤولين عن الاقتصاد والسياسة، وعدم قدرتهم على بناء المجتمع من خلال بث القيم الخلاقة في نفوسهم، لذلك انتشر الاقتصاد المادي (الرأسمالي والاشتراكي)، على حساب الاقتصاد الاسلامي المثالي.

ولذلك يتساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (فهل اقتصاد النبي صلى الله عليه وآله الذي لم يوجد فيه حتى فقير واحد، هو الاقتصاد نفسه الذي نجده في زماننا اليوم، أم هو اقتصاد الرأسمالية والاشتراكية، اللذين أوجبا تفشّي الفقر في العالم؟).

ثم يجيب سماحته عن هذا التساؤل، استنادا الى الواقع الاقتصادي العالمي المؤسف، بالاضافة الى فشل الاقتصاد للدول الاسلامية، والدليل على ذلك، الضائقة الكبيرة التي تعصف بهذه الدول ومجتمعاتها، على الرغم من الثروات الطبيعية الطائلة التي استثمرتها حاليا، والتي لم تكن موجودة في عهد الرسول (ص)، ولا في عهد الامام علي (ع) ومع ذلك تمتعت حكومتيهما، بتراجع الفقر الى أدنى مستوياته، على العكس مما يحدث اليوم بين المسلمين، حيث الفقر يزدهر ويصل الى أعلى مستوياته.

لذا يجيب سماحة المرجع الشيرازي عن تساؤله بنفسه عندما يقول: (بالتأكيد - اقتصاد اليوم - هو غير اقتصاد النبيّ صلى الله عليه وآله، وهو ليس إلاّ ضلالاً).

اضف تعليق