q
سياسة - عنف وارهاب

من يحمي داعش من الزوال؟!

تنظيم داعش الارهابي ومنذ الاعلان عن دولته المزعومة وسيطرته على مساحات واسعة ومهمة من الاراضي السورية والعراقية، كان ولايزال بحسب بعض الخبراء محط اهتمام عالمي تزايد بشكل ملحوظ ومتسارع في الفترة الاخيرة، بعد ان سعى هذا التنظيم وبسبب الانتكاسات والخسائر كبيرة الى تغير خططه وتكتيكاته العسكرية بهدف تغير مسار الحرب وتقليل الخسائر، وذلك من خلال القيام بعمليات ارهابية خاصة ومنفردة في مناطق مختلفة من العالم، وهو ما عده البعض بداية لحرب عالمية طويلة خصوصا بعد ان سعت الدول المستهدفة الى تكثيف جهودها العسكرية في الحرب ضد هذا التنظيم الخطير والممول بشكل جيد للغاية، الذي استطاع التغلغل والوصول الى المجتمعات الغربية واستخدام التقنيات الحديثة لنشر ايديولوجيته وافكاره المتطرفة، وهو ما مكنه من تجنيد عناصر موالية ومطيعة تنفذ كل ما يطلب منها. ويمتلك تنظيم داعش الارهاب بحسب بعض التقارير اكثر من خمسين الف حساب على التويتر فقط، ويطلق انصارها مئة الف تغريده يوميا.

القدرات التي يمتلكها هذا التنظيم الارهابي وبحسب بعض المراقبين، اثارت القلق والخوف في العديد من المجتمعات التي تعيش هاجس التهديدات واحتمال وقوع عمليات وهجمات إرهابية واسعة في دول أوروبية عديدة، وهو ما كشفت عنه تصريحات وتقارير بعض المسؤولين في وكالات الاستخبار، والتي تعكس درجة الخطر الحقيقي التي تشعر به دول الاتحاد الاوربي، وفق معلومات حصلت عليها في اعقاب موجات اللاجئين. التقارير الاستخبارية كشفت عن تسرب اعداد كبيرة من عناصر التنظيم الى اوربا، بعضها قدرت عددهم ب 600 مقاتل مدرب.

وقد صرح رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الالماني ان تنظيم داعش "اشبه بدولة" ووصفه بتنظيم "ارهابي" يقلل من خطورة المشكلة، متهما التنظيم بالسعي الى "تشويه صورة" اللاجئين عبر ارتكابه اعتداءات باريس. وقال هانز يورغ ماسن في مقابلة تلفزيونية ان "وصف داعش بمنظمة ارهابية هو تقليل لحجم المشكلة". واضاف ان التنظيم لا يقارن بحركات مثل منظمة الجيش الاحمر اليساريو المتطرفة التي شنت هجمات دامية في المانيا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وقال ان "تنظيم داعش يشبه دولة ويريد شن حرب ضدنا". وحول اعتداءات باريس التي تبين ان اثنين من منفذيها تسللوا مع مهاجرين الى جزيرة ليروس اليونانية، قال ماسن ان "التنظيم قام (...) بعرض للقوة". واضاف ان الجهاديين ارادوا ان "يظهروا لنا ما يستطيعون فعله" و"التأثير علينا. كانوا يريدون ايضا تشويه صورة جزء من اللاجئين". واسفرت اعتداءات باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر عن سقوط 130 قتيلا واكثر من 350 جريحا. وقد تبناها تنظيم داعش.

يتساءل بعض المحللين ما سر قوة داعش ومن يحميها من الزوال حتى اللحظة الراهن، الاجابة تحمل الكثير من التكهنات بحسب هؤلاء المحللون الذي أكدوا أن (داعش) "يهدد جغرافيا المنطقة العربية"، بحيث أصبح "أداة لتقسيمها"، لكنهم تباينوا حول أسباب تمدد هذا التنظيم في المنطقة، فمن هو المستفيد من تقسيم العرب والمسلمين ومن هو الذي يلهث وراء ثروات الشرق الاوسط، حيث أنه يسيطر على الغالبية الساحقة من حقول النفط والغاز في سوريا، ومناطق مهمة من العراق، فيما يرى محللون آخرون أن داعش جزء من الخلل الإقليمي، وما بقي هذا الخلل بقي التنظيم، الذي لا يملك عقلا سياسيا أو عقلا لإدارة الدولة، وليس لديه مشروع سياسي، بل يقوم على بث الرعب، حيث أن داعش جزء من مخطط تقسيم العالم العربي، وهو مخترق من قبل بعض الدول بسبب ظروف نشأته في سياق إقليمي معين، مما لا شك فيه ان من له مصلحة في زعزعة الشرق الاوسط وضعف الدول فيه له المصلحة في صناعة داعش كما هو الحال عندما صنعت الجرثومة اسرائيل في جسم الوطن العربي لتحقيق مآرب غربية متعددة المقاصد.

نقل الحرب الى الغرب

في هذا الشأن فمن المحتمل أن تكون داعش قررت في سبتمبر ايلول نقل الحرب إلى فرنسا ودول أخرى بعد ما واجهته من انتكاسات في جبهات دولة الخلافة التي أعلنتها في سوريا والعراق والضربات الجوية المكثفة من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. فقد هدد التنظيم المتطرف مرارا بمهاجمة الدول الغربية في عقر دارها منذ رسخ أقدامه وسط الحرب السورية ثم مد نفوذه إلى شمال العراق في العام الماضي.

غير أن مقاتلا تم الاتصال به داخل سوريا قال إن المتحدث باسم داعش أبو محمد العدناني أصدر تعليمات من أجل التحرك في الخارج. وقال المقاتل السوري في صفوف التنظيم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي من شمال سوريا "جاء أمر من الشيخ العدناني بالتحرك منذ حوالي شهرين. لقد أرسل الشيخ العدناني أمرا خطيا لكل القواطع أي السرايا الأمنية بالتحرك بما فيها في إدلب وغيرها من الأماكن. لبنان أيضا." وأضاف "الذي حصل هو غيض من فيض. لبنان وفرنسا كله جزء من هذا."

وكان تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن هجمات باريس بالإضافة إلى تفجيرين انتحاريين في ضاحية في بيروت كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن حادث تحطم طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء. وقال مصدران أمنيان إن السلطات التركية تشتبه أن جهاديا بريطانيا اعتقل في تركيا ربما كان يخطط لتنفيذ هجمات في اسطنبول مماثلة لهجمات باريس. كما هدد التنظيم بشن هجمات تستهدف السعودية والولايات المتحدة وروسيا. ولم يمكن على الفور التحقق من صحة الأمر الذي قال أنصار داعش ومقاتلون فيها إنه صدر لخلايا نائمة في عدة أماكن. وقال المقاتل "رسائلهم إلينا تكون بالدماء والأشلاء ولذلك رسائلنا تكون بالمثل بكل بساطة."

يعمل التنظيم بأسلوب في غاية السرية كما أن له هيكلا تنظيميا معقدا. وبصفة عامة فإن صاحب القول الفصل في التنظيم هو أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة على المسلمين لكن نائبه يتمتع أيضا بنفوذ كبير. ويستشير الاثنان مجلس الشورى المؤلف من قيادات عسكرية ودينية وغيرها يقدم المشورة للبغدادي فيما يتعلق بالاستراتيجية والخطط العسكرية. ويتطلع جيل الشباب من الجهاديين للبغدادي بوصفه زعيما قويا سيسهم في إقامة دولة إسلامية كبرى تنشر الإسلام في مختلف أنحاء العالم.

وقد اجتذب التنظيم آلاف الجهاديين من مختلف أنحاء العالم بما في ذلك أوروبا. لكن تشديد القيود الأمنية التي فرضتها عدة دول أوروبية حال دول سفر الراغبين في المشاركة في الجهاد للانضمام إلى صفوف التنظيم في سوريا والعراق. وللتغلب على ذلك أنشأ التنظيم قنوات للاتصال من قواعده في الشرق الأوسط بهؤلاء الجهاديين وشجعهم على العمل "كذئاب منفردة" أو من خلال خلايا صغيرة لتنفيذ هجمات داخل الدول التي يعيشون أو يعملون فيها.

ويقول أحد المقاتلين إنه لا يمكن أن تتصل الخلايا النائمة ببعضها بعضا لكنها كلها على اتصال بجهاز خاص يتولى مسؤولية "العمليات الخارجية" ومنه تتلقى الخلايا أوامرها. ولم يذكر تفاصيل. ولا يعرف شيء يذكر عن رئيس الجهاز الذي قال المقاتل إنه أردني الجنسية ويعمل بالتنسيق عن كثب مع القيادة في سوريا والعراق ويسافر بين البلدين. ولا يعرف عنه سوى اسمه الحركي.

وقال مصدر جهادي على صلة وثيقة بالتنظيم "يوجد الكثير من الإخوة حاليا في الغرب بصفة خلايا نائمة وهم على تواصل مباشر مع الإخوة في القطاع الخارجي وهو جهاز معين مخصص لهذا الأمر." وأضاف "هو بمثابة فرع استخباراتي قوي. إن مسؤوله أردني وهو يقوم بالتخطيط والتنسيق مع الإخوة في الخارج." ولم يمكن التحقق من صحة روايته من مصدر مستقل. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين من أوروبا والولايات المتحدة قولهم إن المهاجمين الذين شنوا الهجمات في فرنسا أجروا اتصالات قبلها بأعضاء معروفين في بتنظيم داعش في سوريا.

قال مقاتلون في داعش إن هجمات باريس رفعت الروح المعنوية داخل التنظيم بعد هزيمه في بلدة استراتيجية في سوريا قرب الحدود العراقية بالاضافة إلى مدينة سنجار العراقية في واحد من أكبر الهجمات المضادة منذ اجتياح مقاتلي التنظيم لشمال العراق في العام الماضي. كما استطاع الجيش السوري وحلفاؤه ومن بينهم مقاتلو حزب الله اللبناني تدعمهم ضربات جوية روسية فك حصار فرضته داعش لمدة عامين تقريبا على قاعدة عسكرية للجيش السوري وحرروا الجنود المحاصرين فيها. وفي حين أن داعش هددت مرارا بتوجيه ضربات داخل الدول الغربية فإن أنصارها يقولون إن معركتهم مع فرنسا بصفة خاصة تمثل أولوية لهم بسبب التمييز ضد المسلمين فيها.

وأشار مقاتل إسلامي غير سوري في سوريا تم الاتصال به عبر الانترنت إلى التدخل العسكري الذي قادته فرنسا في مالي في غرب افريقيا عام 2013 لدحر متمردين إسلاميين فقال "فرنسا ظنت أنها انتصرت في مالي. لم ينس الإخوة ما حصل في مالي. هذه بداية فقط. الغرور الفرنسي ودعمه للطغيان زاد في الأمر. الإخوة متحرقون للرد على اللي صار فيها." وكانت باريس قالت إن هؤلاء المتمردين قد يشنون هجمات في أوروبا. بحسب رويترز.

وتزايدت مشاعر العداء للغرب بصورة كبيرة بين أنصار داعش بعد أن بدأ التحالف ضرباته في سوريا والعراق. ويقول أنصار التنظيم إنهم لن يتزحزوا عن موقفهم. وقال أحد مؤيدي التنظيم "ما لا يفهمه العالم أن مناصري الدولة وجنودها يعملون عن عقيدة. والذي لديه مثل هذه العقيدة ممكن يعمل أي شيء. هل يظنون أنهم يمكن أن يهزموا عقيدة أو انسان مؤمن حقيقي؟ كلما زادت هجمتهم على الإسلام .. الاسلام الحقيقي .. كلما زاد ايماننا واشتد ولاؤنا للخليفة." وأضاف "أنصار الدولة لا يخافون من التراجع ويتفاءلون بالتقدم. كيف يمكن أن يهزم من يرى أنه من الفرقة الناجية والطائفة المنتصرة. الدولة لا تتحدث عما ستقوم به غدا. ولكنها أخبرت العالم أنه سيأتي الرد والعقاب. إذن سيأتي".

ما مقدار ثروة تنظيم داعش"؟

في السياق ذاته قال خبراء في الامم المتحدة ان تنظيم داعش يدفع لانصاره ما يصل الى 10 الاف دولار عن كل شخص يجندونه للانضمام الى صفوف التنظيم. وقالت اليزابيتا كارسكا التي ترأس مجموعة دولية تدرس هذه المسالة، ان التنظيم يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات غير الرسمية التي تضم اصدقاء واقارب العديد منهم في سوريا، لتجنيد مقاتلين جدد في بلجيكا.

وعلم خبراء في الامم المتحدة من اشخاص في بلجيكا ان 500 مقاتل اجنبي يتواجدون في العراق وسوريا جاؤوا من بلجيكا، وهو اعلى عدد في اي بلد اوروبي مقارنة بعدد السكان، بحسب كارسكا. وصرحت في مؤتمر صحافي في بروكسل "سمعنا عن حالات يحصل فيها المجندون على مبلغ يراوح بين 2 و3 و10 الاف دولار اعتمادا على الشخص الذي يجندونه"، مشيرة الى ان نتائج الدراسة اولية.

واوضحت انه "اذا كان الشخص الذي يتم تجنيده حاصل على تعليم جيد مثل ان يكون مختصا في الكمبيوتر او طبيبا، يتم دفع مبلغ اكبر لمن يجنده". واضافت زميلتها المحامية التشيلية باتريشيا ارياس ان "داعش هي الجهة التي تدفع". وقالت المجموعة التي ترأسها كارسكا ان المجموعة البلجيكية المتطرفة Sharia4Belgium جندت اول مجموعة من المقاتلين الذين توجهوا الى سوريا في 2010. ومع تفكيك هذه المجموعة واعتقال العديد من اعضائها، تغيرت طرق التجنيد.

فخلال العام الماضي "كانت الوسيلة الرئيسية للتجنيد عبر الشبكات غير الرسمية من الاصدقاء والاقارب ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي"، بحسب كارسكا. واضافت "يتم جزء كبير من التجنيد حاليا من خلال الاصدقاء والاقارب في سوريا الذين يتم دفع المبالغ المالية لهم وكذلك اعتمادا على عدد الاشخاص الذين يجندونهم، وما اذا كان الاشخاص المجندين سيتزوجون لاحقا".

وقالت كارسكا وارياس ان اعدادا متزايدا من النساء والفتيات يتركن بلجيكا للتزوج من جهاديين او لرعاية المرضى والجرحى، ولكن بعضهن يشاركن في القتال. وكانت المجموعة التي شكلتها مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان قامت بزيارة لتقصي الحقائق في تونس قبل اشهر وتعتزم القيام بزيارة ثالثة لاوكرانيا حيث تقاتل الحكومة المدعومة من الغرب الانفصاليين الموالين لروسيا شرق البلاد. ومن المقرر ان تصدر المجموعة تقريرها العام المقبل.

وتختلف التقديرات بشأن الثروة المالية التي يملكها التنظيم الذي يسيطر على أجزاء من سوريا والعراق. فالبعض يقدرها بمليارات الدولارات والبعض الآخر يقول إنها ثروة محدودة تستند فقط على المصادرات وعلى الضرائب التي يفرضها هذا التنظيم على سكان المناطق التي يسيطر عليها. فما هي حقيقة هذا التقييم لثروات هذا التنظيم المتطرف؟

فالبنسبة للمركز الفرنسي لتحليل الإرهاب، تقدر ثروة "تنظيم داعش" بحوالي 2.2 مليار دولار، أما عائداته النفطية فتصل إلى ثلاثة ملايين دولار شهريا، حسب خبراء أمريكيين. ويبدو أن الجواب الأكثر دقة جاء من أيمن جواد التميمي (23 عاما) وهو متخصص في الحركات الجهادية، وباحث مشارك في مركز للدراسات بضاحية "حرزليا" وفي المنتدى الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط.

فقد عثر على تقرير مالي مفصل حول ميزانية التنظيم في مدينة دير الزور بسوريا لشهر ديسمبر/كانون الأول 2014، وتخضع المنطقة لسيطرة التنظيم المتطرف. ويكشف هذا التقرير أن منطقة دير الزور هي مصدر أهم الأرباح التي يجنيها التنظيم في سوريا، بفضل مبيعات النفط التي تصل إلى حوالي مليوني دولار شهريا. وبالرغم من أن هذا المبلغ لا يستهان به، فهو يبقى بعيدا عن التقديرات التي قام بها مختصون آخرون والذين تحدثوا عن العشرات من الملايين.

من جهته، يرى الباحث أيمن جواد آل تميمي أن المبالغ المالية التي يجنيها التنظيم في سوريا تمثل حوالي 5 إلى 10 بالمائة من التقديرات التي تحدث عنها الخبراء الأمريكيون، والتي قدرت بحوالي 2000 مليار دولار؟. وعلى ضوء هذه التقديرات، من الواضح أن النفط ليس المصدر الرئيسي لـتنظيم داعش حسب الباحث أيمن جواد التميمي الذي رجح أن القسط الأكبر من الأرباح يأتي من الضرائب التي يفرضها الجهاديون (حوالي 70 بالمائة) على السكان الذين يعيشون في منطقة دير الزور وفي مناطق أخرى". بحسب فرانس برس.

وأكد طبعا هذا التنظيم يقول إنه يملك مؤسسات وإدارات، لكن المعطيات المالية التي حصلنا عليها تؤكد عكس ذلك". ويضيف أنه "في منطقة دير الزور مثلا يستمد التنظيم أرباحه من الممتلكات التي قام بمصادرتها، على غرار الأراضي ( حوالي 180 كلم مربع) والمنازل ( حوالي 70 منزلا) وأيضا علب السجائر ( حوالي 4300 علبة)". ورغم كل تصريحات التنظيم الذي أعلن سابقا عن تأسيس خلافة إسلامية وامتلاكه عملة. تبين المعطيات المالية حسب التميمي أن تنظيم "داعش" يخصص حوالي 70 بالمائة من أمواله أي حوالي 3.9 مليون دولار شهريا لتمويل برامج عسكرية وأمنية، كإعادة تأهيل القواعد العسكرية في المنطقة، ولدفع رواتب المقاتلين الإسلاميين و "الشرطة الإسلامية". أما أهالي المناطق التي يسيطر عليها التنظيم فهم يعيشون تحت وطأة الفقر والحرمان وفي جو من الرعب والخوف.

هدف الارهاب بث الرعب بالدعاية

من جانب اخر يقول ريتشارد باريت نائب رئيس مجموعة "صوفان غروب" في نيويورك ان تنظيم داعش اصبح ينشط على مستوى "عالمي". تولى باريت في السابق ادارة شعبة مكافحة الارهاب في الاستخبارات البريطانية ثم وحدة مراقبة القاعدة والطالبان في الامم المتحدة. ويضيف "في الوقت الحالي فان الدوران حول أنفسنا وارسال المزيد من المقاتلات والقاذفات لن يحل المشكلة لا بل سيعقدها. ولكن السياسيين يواجهون صعوبات كثيرة في ادارة هذه الامور. والناس يشعرون بالخوف وهذا هو هدف الارهاب: بث الرعب. اذا لم نبن نوعا من المقاومة الاجتماعية في مواجهة هذا سنواجه مشكلات جمة، لأن هذا ما ستتحول اليه حياتنا".

تكمن قوة تنظيم داعش في امكانية الاعتماد على عناصر يرسلون من معاقله في سوريا والعراق لتنفيذ عمليات في اوروبا كما حصل بالنسبة لمنفذي هجمات باريس وعلى مناصرين موجودين اصلا في المكان كما كانت حال سيد رضوان فاروق وتشفين مالك اللذين اعتنقا التطرف وقررا القيام بهجوم دون اتصال مباشر على ما يبدو مع التنظيم الجهادي.

ويضاف الى هذا التهديد المزدوج المتمثل في الجهاديين المتمرسين مثل الاخوين كواشي منفذي الهجوم على شارلي ايبدو اللذين كانا تحت المراقبة ثم اعتبرا اقل خطورة وعرفا كيف يتواريان قبل ان يوجها ضربتهما المفاجئة. تجد قوى الامن والشرطة صعوبة في الحفاظ على مستوى اليقظة امام زيادة عدد المشتبه بهم رغم تعزيز قدراتها في كل الدول المستهدفة بهجمات داعش والقاعدة.

ويقول بروس ريدل من مركز "بروكنغز" البحثي في واشنطن ان "كل عناصر قوات الامن الاوروبيين الذين التقيت بهم خلال السنة الماضية يشعرون بحالة من العجز عندما يتحدثون عن مشكلة المقاتلين الاجانب" العائدين من سوريا والعراق "انها مشكلة مستعصية على الحل عمليا". ويضيف المسؤول السابق في الاستخبارات الاميركية (سي آي ايه) ان مجرد القيام بمراقبة مكثفة لهؤلاء تستدعي استنفار كافة القوى الامنية وجيوش العالم الغربي باستمرار وهذا "مستحيل بالطبع. نحن إذن امام مشكلة عويصة وهذا يعني ان ما نواجهه يفوق قدراتنا".

ورغم تشكيل تحالف تحت رعاية السعودية يضم 34 بلدا اسلاميا في غالبيتها لمحاربة الارهاب "بالسبل العسكرية والفكرية"، يقول جان-بيار فيليو استاذ العلوم السياسية في باريس ان "العالم عاجز عن تنسيق جهوده والتعاون في محاربة تنظيم داعش". ويضيف ان "اعتداءات باريس ومن ثم سان بيرناردينو ذكرت الدول الغربية بان داعش يمكن ان يضرب في اي وقت".

ويتابع "واضح ان فرنسا ورغم الدعم البريطاني والالماني لم تحصل على دعم جدي من باقي الدول الاوروبية. اما الولايات المتحدة فتفضل حملة طويلة الامد تترك لداعش الوقت لتطوير شبكاته عبر الحدود. وروسيا اكثر اهتماما بمساندة حليفها بشار الاسد وتقوم بضرب معارضيه اكثر من التركيز على ضرب داعش". ورغم ادراكها بالتهديد الذي يحيق بها فان الدول المستهدفة بتنظيم داعش تفادت حتى الان الوقوع في الفخ الذي نصبه التنظيم الجهادي والمتمثل في كسب تعاطف مسلمي هذه الدول وانضمامهم اليه على اساس وصمهم واتهامهم بالتواطؤ معه. بحسب فرانس برس.

وكتب استاذ العلوم السياسية الفرنسي جيل كيبل في كتابه "الارهاب في فرنسا" انه "عدا عن الرعب الذي تثيره فان الارهاب الذي شهدت سنة 2015 اقصى تجلياته هدفه ان يدفع المجتمع الكافر الى التقاتل بعد تحويله الى مجتمع مقسم إلى غيتوات طائفية تنغمس في الحرب الاهلية". ويضيف ان "رؤية الجهاديين التي تدفع المجتمع الى حافة الكارثة تتغذى على استقطاب المسلمين الذين يشعرون بانهم ضحايا كراهية الاسلام التي تتغذى بدورها على المجازر التي يرتكبها الاسلاميون المتطرفون".

حرب السخرية

على صعيد متصل اختارت مجموعة هاكرز السخرية من تنظيم داعش وحددت يوم 11 ديسمبر/كانون الأول موعدا لذلك. وخلقت المجموعة لهذا الغرض هشتاجا على تويتر #Daeshbags# ودعت متابعيها إلى نشر صور وتعليقات ساخرة. ووصفت المجموعة، التي تطلق على نفسها "أنونيموس"، يوم 11 ديسمبر بـ"الانتفاضة"، مفسرة هذا الاختيار بكونه وسيلة لإظهار عدم الخوف من الإرهابيين وتحديدا تنظيم "داعش"، وقالت المجموعة "سنريهم أننا لسنا خائفين منهم، ولن نختبئ خوفا، نحن الأغلبية وبقوتنا وأغلبية أعدادنا نستطيع إحداث فارق، سنسخر منهم لأنهم حمقى".

وإضافة إلى دعواتها لنشر الصور الساخرة عن تنظيم "داعش"، حثت المجموعة على اقتحام الحسابات التي يستخدمها التنظيم على تويتر ونشر صور ساخرة عليها. ودعت لأن تكون العملية على نطاق واسع على الإنترنت لتشمل جميع المواقع الاجتماعية، بنشر صور تظهر الاستعداد للتصدي للتنظيم على إنستغرام، والعمل على إغلاق صفحات التنظيم على فيس بوك بتوجيه إشعارات لإدارة الموقع بإشراك أكبر عدد ممكن من الأصدقاء. بحسب فرانس برس.

وشجعت من لهم الإمكانيات الفنية والمالية لإنتاج أعمال مرئية أكثر احترافية من خلال إنجاز أغان مصورة وأفلام قصيرة تسخر من التنظيم، ومشاركتها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكدت المجموعة على طبع ملصقات تؤكد أن تنظيم "داعش" لا يمثل الإسلام، ونشرها في أرجاء المدن التي يقطن فيها صاحب كل ملصق. وانطلقت الحرب الإلكترونية للمجموعة ضد الإرهاب منذ الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت صحيفة "شارلي إيبدو". وتتكون المجموعة من متطوعين منتشرين حول العالم لا تربطهم صلة ببعضهم. ونجحت حسب أحد التحقيقات في قرصنة 149 موقعا له علاقة بالتنظيم.

اضف تعليق