q

يرى بعض المراقبين ان ازمة الملف النووي الايراني وفي ضوء التطورات والاحداث، التي طرأت على المشهد الاقليمي والعالمي خلال الفترة الأخيرة، التي اعقبت التدخل الروسي في الحرب السورية يضاف اليها الهجمات الارهابية التي ضربت باريس وامريكا وغيرها من الازمات والمشاكل الاخرى، قد قاربت على الانتهاء الامر خصوصا وان الدول الست الكبرى قد سعت الى تذليل بعض الصعوبات الخاصة بتطبيق الاتفاقية التي تم التوصل إليها في يوليو مع طهران بخصوص تقليص ومراقبة نشاطاتها النووية في مقابل رفع الكثير من العقوبات الدولية التي تثقل كاهل اقتصادها، حيث سعت الاخيرة ايضا الاسراع في اثبات حسن نواياها من خلال تكثيف جهودها في هذا المجال، خصوصا بعد ان حصلت على ما تريد بموافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإنهاء تحقيق استمر 12 عاما في شبهات بوجود "أبعاد عسكرية محتملة" للأنشطة النووية لإيران. وقال دبلوماسي غربي "إيران ستصبح برنامجا في مجلس الوكالة نأمل أن يركز على مدى التزامها بالاتفاقية مما يسمح لها بأن تنتقل من وضع كانت فيه قيد البحث كما هو حال برنامجي سوريا وكوريا الشمالية اللتين ارتبط اسمها بهما تاريخيا".

ويعتبر مؤيدو الاتفاق أن اتفاقية يوليو تموز تمنح الوكالة صلاحيات أكبر للدخول إلى منشآت إيران النووية ومراقبة ما تفعله كما أنها تمدد الوقت الذي ستحتاجه إيران لبناء قنبلة نووية إذا ما أرادت ذلك. ويرى آخرون أن إقفال ملف الأبعاد العسكرية المحتملة هو بمثابة إعفاء إيران بسهولة للغاية من المماطلة في التحقيق في ماضيها النووي من أجل المضي قدما بالاتفاقية السياسية التي تم التوصل إليها في يوليو تموز. وقالت طهران إنها تتوقع رفع العقوبات عنها في يناير كانون الثاني. ووفق مصطلحات تقارير الوكالة الدولية فإن الملف الإيراني سينتقل من قضية في إطار منع الانتشار النووي إلى تتبع تنفيذ اتفاقية يوليو تموز ما إن تفي طهران بوعودها مما يسمح بتخفيف العقوبات.

من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان هذا الاتفاق ربما لن يستمر طويلا بسبب غياب الثقة بين ايران والولايات المتحدة، يضاف الى ذلك وجود اطراف وجهات داخل وخارج ايران تسعى الى افشال الاتفاق النووي بهدف تحقيق مكاسب سياسية خاصة، وقد دعا 36 عضوا جمهوريا بمجلس الشيوخ الأمريكي، الرئيس باراك أوباما إلى عدم رفع العقوبات عن إيران بسبب مواصلتها إجراء تجارب إطلاق الصواريخ. واعتبر المشرعون أن التجربة التي أجرتها طهران على إطلاق صاروخ باليستي في الآونة الأخيرة، أظهرت "تجاهلا صارخا لالتزاماتها الدولية"، وعبر مشرعون جمهوريون وعدد من الديمقراطيين عن شكوك عميقة إزاء الاتفاق النووي، وزادت هواجسهم منذ التجرية الصاروخية التي أجرتها إيران في 10 أكتوبر/تشرين الأول. وكان وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان قال أمس إن إيران لن تقبل أي قيود على برنامجها الصاروخي، وإنها ستواصل تجاربها الصاروخية.

موافقة مشروطة

في هذا الشأن وافق الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي على الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة الإيرانية بشأن برنامجها النووي مع القوى العالمية الست لكنه قال إن طهران لن تتخلى عن العناصر الرئيسية للبرنامج لحين حسم المزاعم عن أنه كانت له أبعاد عسكرية فيما مضى. وأمر خامنئي في رسالة نشرها على موقعه الإلكتروني ووجهها إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني بتنفيذ الاتفاق النووي الذي أبرم في 14 من يوليو تموز وفق شروط محددة ينص عليها قانون أقره البرلمان الإيراني.

وبموجب اتفاق فيينا تحد إيران من أنشطة برنامجها النووي ذات الحساسية للمساعدة في ضمان ألا يستخدم في تصنيع قنابل ذرية مقابل رفع العقوبات التي عزلت الجمهورية الإسلامية وأضرت باقتصادها بشدة. وكانت موافقة خامنئي العقبة الإجرائية الأخيرة في طريق تنفيذ الاتفاق الذي أنهى مواجهة استمرت عشر سنوات وأثارت مخاوف من نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط.

لكن الزعيم الأعلى استبعد أي وفاق مع الغرب يتجاوز الاتفاق النووي وقال إن إيران ستوقف تنفيذه اذا فرضت القوى الست -وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا والصين وروسيا- اي عقوبات جديدة. وقال خامنئي في الرسالة "أي تعليقات تشير الى أن العقوبات ستظل قائمة أو أنه سيتم فرض عقوبات (جديدة) على أي مستوى وتحت أي ذريعة (ستعتبرها ايران) انتهاكا للاتفاق." وأضاف أن تنفيذ الاتفاق يجب أن "يخضع لرقابة ومراقبة صارمة" بسبب بعض "أوجه الغموض" فيه.

وقال خامنئي "غياب الرقابة الصارمة قد يلحق ضررا كبيرا بحاضر البلاد ومستقبلها." وأشاد بجهود فريق التفاوض الإيراني. وكتب خامنئي في رسالته "أي نشاط يتعلق (بمفاعل) آراك وبإرسال اليورانيوم للخارج... سيجري بعد إغلاق ملف الأبعاد العسكرية المحتملة." واتفقت ايران مع القوى العالمية على صب خرسانة في قلب مفاعل أراك حتى لا ينتج البلوتونيوم الذي يمثل الى جانب اليورانيوم العالي التخصيب الوقود للقنابل النووية.

وقال خامنئي أيضا في رسالته إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعث إليه برسالتين ذكر فيهما أن واشنطن ليس لديها أي نية للإطاحة بالمؤسسة الدينية في الجمهورية الإسلامية. وأضاف "لكن سرعان ما تبين أن هذا كذب... فلم تتخذ امريكا في القضية النووية أو اي قضية أخرى أي موقف سوى العداء والمشاكل (إزاء إيران) وبالتالي فإن أي تغيير مستقبلا غير مرجح."

حرب العقوبات

في السياق ذاته قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو إن هدف إيران رفع العقوبات المفروضة عليها بنهاية يناير كانون الثاني بمقتضى الاتفاق الذي توصلت إليه مع القوى الكبرى "ليس مستحيلا". وتحث إيران الخطى للإسراع بتنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق ليتسنى رفع العقوبات التي تكبل اقتصادها. وبمقتضى الاتفاق يتعين على طهران تقليص برنامجها النووي. وسترفع العقوبات الدولية حالما تتحقق الوكالة الدولية من وضع سلسلة قيود على أنشطة طهران الذرية.

وعبر الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قاد التحسن في العلاقات بين إيران والغرب عن الأمل في رفع العقوبات المفروضة على إيران في يناير كانون الثاني المقبل "ليحقق أحد وعوده الانتخابية" قبل أن تجرى الانتخابات البرلمانية في فبراير شباط. وسئل أمانو هل من المحتمل أن يأتي بنهاية يناير كانون الثاني ما يسمَّى يوم التنفيذ الذي يتعين أن تشهد فيه الوكالة الدولية بأن طهران وضعت القيود النووية المطلوبة ويتم فيه رفع العقوبات فرد بقوله "إذا سار كل شيء بسلاسة فليس مستحيلا."

وقال مبعوث إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران تسارع لتنفيذ الجزء الخاص بها من الاتفاق مع القوى العالمية. وقال المبعوث رضا نجفي "ننوي إكمال العملية في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع .. التعجيل بيوم التنفيذ بأسرع ما يمكن." وقال أمانو إن إيران تتحرك بسرعة للوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي. وأضاف قوله "مفتشونا على الأرض وهم يراقبون أنشطتهم واستنادا إلى إفادتهم يمكنني القول إن إيران تنفذ أنشطة بسرعة كبيرة." ورفض الخوض في تفاصيل تلك الأنشطة.

وتشتمل القيود التي يتعين على إيران الالتزام بها على تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي المركبة من 19 ألفا إلى 6100. ويتعين عليها أيضا إزالة قلب مفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل ليفقد قدرته على إنتاج البلوتونيوم الصالح لتصنيع أسلحة. وفي خطوة إضافية يراد بها ضمان ألا تحول إيران الطاقة النووية بطريقة غير قانونية إلى تصنيع قنابل فإن الجزء الأكبر من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب سيجري تبديله بشكل أقل تخصيبا من اليورانيوم يعرف باسم الكعكة الصفراء.

وذكرت وكالة فارس للأنباء نقلا عن علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "الكعكة الصفراء وصلت إلى البلاد وهي الآن في مدينة أصفهان." وأضاف "إيران ستنقل مخزونها من اليورانيوم المخصب من بوشهر إلى روسيا خلال الأيام القليلة المقبلة." وعقب انتهاء مفتشي الوكالة الذرية من ضمان تطبيق جميع القيود على برنامج إيران النووي سترفع العقوبات الدولية. بحسب رويترز.

ولمح تقرير أصدرته الوكالة الذرية هذا الشهر بقوة إلى أن إيران انخرطت في أنشطة منسقة بهدف تصنيع قنبلة نووية حتى عام 2003 لكن لم يعثر على أي علامة ملموسة على أعمال تتعلق بالأسلحة بعد عام 2009. ومع ذلك فإن رد الفعل الدولي على التقرير جاء خافتا وعكس رغبة في الضغط باتجاه تطبيق الاتفاق الذي أزال مخاوف من حرب أوسع بالشرق الأوسط بسبب طموحات إيران النووية بدلا من التنقيب في أفعالها السابقة.

برنامج إيران الصواريخ

من جهة اخرى نقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية عن وزير الدفاع قوله إن إيران لن تقبل أي قيود على برنامجها الصاروخي وذلك بعد أن قال مراقبون للعقوبات المفروضة على طهران إنها انتهكت قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باختبارها إطلاق صاروخ. وقالت لجنة الخبراء المختصة بإيران والتابعة لمجلس الأمن في تقرير سري إن الصاروخ عماد المتوسط المدى الذي تم اختباره في أكتوبر تشرين الأول يحمل المواصفات التي تكفل اعتباره صاروخا يمكن استخدامه لنقل سلاح نووي.

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية عن الوزير حسين دهقان قوله "قمنا باختبار الصاروخ عماد وهو صاروخ تقليدي (في 11 أكتوبر) كي نظهر للعالم أن الجمهورية الإسلامية سوف تتصرف بما يخدم مصالحها الوطنية فقط، وأنه لا توجد دولة أو قوة يمكنها فرض إرادتها علينا." ويحظر قرار مجلس الأمن رقم 1929 الصادر في عام 2010 على إيران إجراء اختبارات لصواريخ باليستية. ويظل القرار ساريا حتى تنفيذ الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية.

وحتى بعد بدء تنفيذ الاتفاق ستظل إيران "مدعوة" لعدم إجراء أي أنشطة متعلقة بالصواريخ الباليستية تهدف لنقل أسلحة نووية لفترة تصل إلى ثمانية أعوام بحسب قرار لمجلس الأمن صدر في يوليو تموز الماضي عقب توقيع الاتفاق النووي. وتقول إيران إن القرار يحظر الصواريخ "المصممة" لحمل رؤوس حربية نووية فحسب وليس الصواريخ "القادرة على" حمل رؤوس نووية ولهذا لن يؤثر على برنامجها العسكري لأن طهران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية. بحسب رويترز.

ووصف وزير الدفاع الإيراني الصاروخ عماد بأنه "تقليدي" وأكد أن الجيش لن يقبل "أي قيود على برنامجه الصاروخي". وأضاف "منذ توقيع الاتفاق النووي لم نوقف اختبارات وإنتاج وأبحاث (الصواريخ) ولو ليوم أو ساعة أو ثانية." وبرغم أن اختبارات الصواريخ الباليستية قد تنتهك عقوبات مجلس الأمن فقد أشار بعض الدبلوماسيين إلى أن مثل تلك الاختبارات لا تنتهك الاتفاق النووي. وتمتلك إيران واحدا من أكبر البرامج الصاروخية في الشرق الأوسط.

الاتحاد الأوروبي وإيران

على صعيد متصل نشر الاتحاد الأوروبي إجراءات قانونية تفتح الطريق أمامه لرفع العقوبات عن إيران إذا التزمت طهران بالشروط الواردة في اتفاق نووي تاريخي ابرم بين إيران والقوى العالمية. وليس للإجراءات القانونية أي تأثير فوري لكنها ترسخ إجراءات اتفق عليها بين القوى العالمية الست وإيران. وقالت فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بيان مشترك "تبنى الاتحاد الأوروبي الإطار التشريعي لرفع كل العقوبات الاقتصادية والمالية المرتبطة ببرنامج (إيران) النووي".

وأضاف البيان في اشارة إلى الأهداف التي يتعين ان يتحقق منها مفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة والتي تضمنها الاتفاق بين إيران وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين "سيسري ذلك في يوم التنفيذ بالتزامن مع تنفيذ إيران للإجراءات النووية المتفق عليها تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية." وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن من المرجح استمرار العقوبات المفروضة على إيران حتى يناير كانون الثاني القادم على الأقل فيما تراقب القوى العالمية مدى احترام طهران لالتزاماتها الواردة في الاتفاق.

وتعني هذه الاجراءات القانونية انه بمجرد تنفيذ إيران لشروط الاتفاق فانه يمكن رفع العقوبات دون اجراء أي تعديل على ما تم الاتفاق عليه، وفرضت على إيران مجموعة من القيود خلال العقود الماضية ترجع إلى عام 1979 عندما اقتحم الطلبة الإيرانيون مبنى السفارة الأمريكية في طهران. وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عام 2012 عقوبات نفطية على طهران. بحسب رويترز.

وستظل عقوبات أخرى تتعلق باتهامات خاصة بارتكاب إيران انتهاكات لحقوق الإنسان سارية. وسيُرفع حظر فرضته الامم المتحدة على الاسلحة التقليدية في غضون خمس سنوات كما يُرفع حظر آخر فرضته المنظمة الدولية على الصواريخ الباليستية في غضون ثماني سنوات.

اضف تعليق