q

في حديث مع أصدقائي دار حول مقاطعة البضائع والمنتجات المصنوعة في تركيا أثر التوتر بين الحكومتين على خلفية دخول القوات التركية الى شمال العراق، بحجة مكافحة الإرهاب وتدريب القوات العراقية (المتطوعين)، من دون اذن او طلب مسبق من الحكومة العراقية... استوقفتني ردود الأفعال السابقة في مقاطعة المنتجات السعودية والقطرية، ومن قبلها الكندية والفرنسية وغيرها، التي افرزتها المواقف بحسب الازمات والمواقف السياسية... وقد بادرت بسؤال أصدقائي عن السبب وراء اعتمادنا المواقف التي تستند على رد الفعل بدلا من المبادرة؟

لقد استمعت الى المطالب السابقة والحالية والقادمة في المستقبل، والتي استندت جميعها على مطلب وطني بمقاطعة المنتجات الأجنبية (العربية وغيرها) كنوع من العقاب يوجه الى الدول التي تعتدي على مصالح وامن وسيادة العراق بالقول والفعل... وهي مطالب مشروعة وواقعية، ليس العراق من يلجأ اليها فحسب، بل أصبحت من اقوى الوسائل العقابية التي تتخذها الدول الكبرى من اجل الضغط على الدول الأخرى.

لكني لم اسمع، ولو صوتا واحدا، من ينادي بالاعتماد على المنتج المحلي (الوطني) من خلال دعمه وتطويره وتسويقه محليا ليحل بديلا للمستورد، ومنها الى دول الجوار وربما نحو الأسواق العالمية مستقبلا.

هذا الصوت الضعيف، صوت المنتج الوطني، هو الأهم من صوت الدعوة الى مقاطعة المنتجات الوطنية... هل تعلم لماذا؟

ببساطة شديدة، مقاطعة المنتج الأجنبي لدولة (س) سيجعلك تقاطعها لحساب منتجات الدولة (ص)، أي إنك حولت عملتك الصعبة من (س) الى (ص) كرد فعل او حل وقتي يمكن ان تتراجع عنه فيما بعد في حال تحسنت علاقتك بالدولة (س)، او ربما ستضطرك الظروف السياسية للبحث عن طرف ثالث بعد مقاطعة الطرفين السابقين.

اما دعم المنتج الوطني، صنع في العراق، لن يدعك تحتاج لا الى (س) ولا الى (ص) ولا الى أي طرف ثالث، فانت تملك صناعة وطنية خاصة بك تدر لك المكاسب المالية وتحافظ على استقلالك الاقتصادي وتوفر مصادر دخل إضافي للاقتصاد القومي للبلد بدلا من الاعتماد على مصدر واحد تسير به الميزانية السنوية صعودا وهبوطا.

وهنا يكمن الفرق بين ان تكون صاحب رد فعل (انفعالي) ينتهي بنهاية الازمة السياسية او الاقتصادية التي يمر بها البلد مع البلد او البلدان الأخرى، وبين ان تكون صاحب رؤية مستقبلية تعتمد على المبادرة والتغيير للنهوض بالواقع الاقتصادي الراهن الذي يعتمد فيه العراق على الاستهلاك بدلا من الإنتاج وعلى الاستيراد بدلا من التصدير.

صنع في العراق... هو أسلوب لبث الحياة من جديد في جسد العراق المليء بالخيرات والبركات، مثلما هو مليء اليوم بالجراحات والنكبات، قد تكون امنية صعبة التحقيق لكنها ليست بالمهمة المستحيلة، سيما وان الامس القريب كانت فيه الكثير من الصناعات العراقية منافسة لمثيلاتها في العالم الغربي، وفي وقت لم يكن فيه المنتج الإقليمي، خصوصا لدول الجوار، أي قيمة تذكر امام البضائع العراقية.

لهذا السبب دعونا نفكر بواقعية ووطنية خالصة، كيف يمكن ان نطور صناعتنا من جديد لتعود لها الروح بعد ان نكون مبادرين في الابداع، ونترك زمن ردود الأفعال (السلبية) التي لم تنجح حتى اليوم في مقاطعة فعلية لمنتج أي بلد أضر بمصالح العراق... ولو ليوم واحد.

اضف تعليق