q

مرت أيام على حادثة اسقاط الطائرة القاذفة الروسية (سو-24) على يد الاتراك قرب الحدود مع سوريا، ولم تخفف حدة التوتر بين البلدين، ومن يتابع تصريحات الزعمين التركي (اردوغان) والروسي (بوتين)، يعتقد للوهلة الأولى وكان الامر قد تحول الى عداء شخصي بين الرئيسين بدلا من العمل بالأعراف السياسية والبرتوكولات المتبعة في مثل هكذا قضايا كدولتين مهمتين في الشرق الأوسط واوروبا.

ربما تكون ردة الفعل من قبل بوتين واردوغان متوقعة ومتشابهة ومتشنجة الى حد كبير، إذا أدركنا حجم الشبه الذي قد يجمعهما في سدة الحكم والمصالح:

- كلاهما يتمتعان بنفوذ وشعبية قوية داخل بلدهما ولهما كاريزما خاصة غيرت ملامح الحكم السابق للبلد وقلصت نفوذ الأخير.

- فترة طويلة في الحكم (تزيد عن 10 سنوات) مع تبادل في المناصب (رئيس وزراء ورئيس للدولة) وتعديل القوانين والدستور ليتناسب وحجم قوته، مع وجود حكومة ضعيفة يسيطر عليها بالكامل.

- لروسيا وتركيا مصالح خاصة في سوريا تقاطعت بين البلدين بالكامل منذ عام 2011 وبالتالي زادت من توتر العلاقات بين البلدين (التي لها سوابق في التوتر) بعد التدخل الروسي المباشر في تركيا عام 2015، وجاءت نقطة الانفجار عند اسقاط الطائرة الروسية.

- التشابه في الشخصية الحاكمة (مع الاختلاف في التوجهات) او المسيطرة على السياسية الداخلية والخارجية للبلاد، غالبا ما تؤدي الى تصادم بين هكذا شخصيات، وغالبا ما تحول الى أمور شخصية بدلا من اعتبارها امرا يخص العلاقات بين الدولتين.

لكن إذا تحول هذا الخلاف السياسي الى خلاف شخصي... هل يمكن ان يؤدي الى نتائج سلبية خطيرة يمكن ان تنعكس على مصالح الدولتين والعالم مثلا؟

الواضح من تصرفات بوتين الغاضب واردوغان المنزعج انهما ما زالا في طور مراجعة خياراتهما الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية وربما حتى العسكرية من دون ترجيح كفة لخيار على حساب الاخر... وقد يأتي التردد او التأخير في اتخاذ قرار عسكري او اقتصادي مباشر من قبل روسيا وما ستتبعه من ردود أفعال تركية... لحسابات روسية في عدم خسارة المزيد من الأرباح وتجنب المزيد من الضغوط (خصوصا الاقتصادية) بعد جملة العقوبات الاقتصادية الاوربية المفروضة عليها (بعد ازمة القرم وأوكرانيا) وانخفاض أسعار النفط الحاد (روسيا ثاني اكبر مصدر للنفط في العالم).

لكن كل هذ لن يمنع الرئيس الروسي توجيه الأوامر الى الحكومة "بصياغة قائمة من الردود على هذا العدوان في المجالين الاقتصادي والانساني"، بحسب ما قاله رئيس الحكومة الروسية، دميتري ميدفيديف، مضيفا: أن الاجراءات ستركز على "استحداث قيود أو منع على المصالح الاقتصادية التركية في روسيا وتحديد الواردات التركية بما فيها المنتجات الغذائية، وستشمل المشاريع الاستثمارية والسياحة والنقل والتجارة والعمالة والجمارك اضافة الى كل اشكال التواصل الإنساني".

بالمقابل فقد هدد اردوغان بوتين من "اللعب بالنار" خارجيا حيث أكد اردوغان ان روسيا "تلعب بالنار في هجومها على المعارضة السورية، التي لديها شرعية دولية، تحت حجة القتال ضد داعش"، في خطاب متلفز طالب فيه من بوتين اللقاء وجها لوجه في باريس الاثنين المقبل، رغم تأكيد متحدث باسم الرئيس الروسي ان تقدم تركيا اعتذارا عن الحادثة قبل الموافقة على المقابلة.

تركيا التي علقت مشاركتها في الضربات الجوية التابعة للتحالف الدولي بشكل مؤقت خوفا من انتقام روسي بإسقاط طائرة تركيا، لن ترغب بالمزيد من التصعيد روسيا في جميع الأحوال... واغلب الظن ان غرور اردوغان انتهى بحدود اسقاط الطائرة الروسية كعمل انتقامي وهو لن يسعى للمزيد من الاعمال الاستفزازية على أي حال... اما بوتين فسوف يسعى هو الاخر لإرضاء غروره بجملة من العقوبات التي درج العادة على تنفيذها في مثل هكذا خلافات، وربما سيطور الامر بعمل انتقامي عسكري محدود (إذا ما اوتيت الفرصة لذلك).

اضف تعليق