q

على الرغم من أن مناسبة زيارة أربعينية الامام الحسين (ع) تعد من المناسبات الدينية السنوية المقدسة للمسلمين عموما، وللشيعة على وجه الخصوص، إلا أنها من حيث الجوهر تنطوي على أهداف متعددة لا تنحصر في جانب محدد، فهي بالاضافة الى صفتها الدينية والشعائرية والاجتماعية وما شابه، تنطوي على هدف ثقافي مهم جدا، يشمل الفئات العمرية كافة، ويركز على الشباب على نحو الخصوص، ليرتفع بمستواهم الثقافي الى أعلى درجة ممكنة، لما للثقافة من دور كبير في تطوير حياة الناس، فضلا عن وضع الشباب أمام مسؤولياتهم وجها لوجه.

إن الثقافة اصبحت العلامة الفارقة للشعوب، وهي ايضا علامة فارقة للأفراد، فالشعب المثقف سوف يكون واعيا بلا أدنى شك، ووعيه سوف يقوده الى الصدارة من بين الشعوب والأمم، لما يتمتع به من حسن الرؤى والأفكار الثقافية والقدرة على تطبيقها في المجال العملي، بعكس المجتمع المتأخر، حيث الخمول والكسل والتراجع يشمل كل مرافق الحياة لديه.

ينطبق هذا على الافراد والشباب منهم على وجه الخصوص، فعندما يكون الشاب مسلحا بالثقافة المتوازنة، وصاحب عقيدة راسخة، يستمدها من جذورها الصحيحة، عند ذاك سوف يكون في صدارة المجتمع، وتأتي زيارة الاربعين لتكون الرافد الثقافي العقائدي للشباب، وهي التي تمدهم بنبع الأفكار الثقافية الجماعية على نحو سنوي، ففي كل سنة في مثل هذا الوقت يعيش الشباب المسلم أجواء هذه الزيارة الخالدة، ويستمدون منها ثقافة ايجابية لاسيما في مجال الأفكار التي تدعم مساراتهم الانسانية السليمة في الحياة.

ومما يلاحظه المراقبون والمتابعون للشأن الشبابي العراقي والاسلامي عموما، أن مناسبة الأربعين الدينية، تستقطب فئة كبيرة جدا من الشباب، وتعمل على تحريك طاقاتهم وتثوير افكارهم، ومن ثم منحهم حيوية مضاعفة تجعلهم أكثر أملا بالحياة واكثر تشبثا بالتطور والتقدم والانتاج والابتكار، وهذا ما نلاحظه لدى الجموع الشبابية الغفيرة التي تجوب ارض كربلاء المقدسة، وتسهم في فعاليات فكرية وثقافية وخدمية متعددة، تنبع من قناعة الشباب التامة من ان خدمة الانسان هي الهدف الأول لديهم.

منطلقين ومسترشدين في ذلك بالفكر الحسيني الذي وضع قواعد تفضيل الآخرين على النفس من خلال ترسيخ قيم الايثار، وجعلها قيمة ثقافية سلوكية تمثل ثقافة حياة للشباب المسلم، ولا شك أن الشباب ينبغي أن يُدعم ثقافيا وسلوكيا وتوجيهيا، من لدن الجهات ذات العلاقة، ومناسبة زيارة الاربعين هي الأكثر أفضلية وأهمية من حيث النجاح وتحقيق النتائج الراقية، كون الشباب يعيشون في هذه المناسبة الخالدة اجواء المحبة والسلام.

وهذه الثقافة العريقة لها جذورها الضاربة في اعماق التاريخ، فهي مستمدة من ثقافة الفكر الحسيني ومبادئه القائمة على دعم كل ما من شأنه الارتقاء بحياة المسلمين والانسانية على نحو العموم، لهذا دعت المرجعية الرشيدة الى أهمية أن يستثمر المسلمون والشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام، زيارة الاربعين لتحقيق التفوق الثقافي الذي يخدم الاسلام والمسلمين، ولا شك أن الحضور الشبابي له قصب السبق في هذا المجال.

من أهدف زيارة الأربعين الثقافية

وكما يؤكد العلماء والمعنيون بفحوى هذه الزيارة المباركة وأهدافها الانسانية الكبيرة والاستفادة القصوى منها، فأننا نحتاج الى أن تكون هذه الزيارة المباركة مصدر اشعاع ثقافي للشباب المسلم، وشباب الشيعة واتباع اهل البيت (ع)، وهذا يستدعي تهيئة وتحضير واعداد برامج ثقافية فعلية، يتم وضعها مسبقا من لجان لها الخبرة والكفاءة التامة في هذا المجال، فالثقافة باتت من المشاريع العملية المهمة التي ينبغي أن ترافق بحضورها زيارة الاربعين، وينتهز القائمون عليها، هذا الكم الهائل من الشباب، لضخ الثقافة الحسينية في عقولهم وأذهانهم، حتى يكونوا اكثر استعدادا لتطوير حياتهم على المستوى الفردي والاجتماعي ايضا.

ولابد أن يفهم الشباب جوهر الفكر الحسيني، على ان يتم استثمار اجواء زيارة الاربعين من اجل تحفيز الشباب ثقافيا على الاستفادة من جوهر هذا الفكر لاسيما في مجال رفض الخنوع وعدم الاستجابة للظلم ومقارعة الانحراف بكل اشكاله، هذا هو جوهر الثقافة الحسينية التي ينبغي أن يتسلح بها الشباب المسلم في مواجهة مخاطر الثقافات الوافدة، والتي غالبا ما تروج لأفكار الترويض لصالح الظلم والطغيان.

فالطغاة كانوا ولا يزالون يخشون مبادئ الثقافة الحسينية، كونها هي التي تقف لمآربهم بالمرصاد، ولهذا يسعى الظالمون الى تعطيل طاقات الشباب عبر نشر الثقافات المضادة للخير، والمؤازرة للظلم والفساد، فعندما يتمكن الاعداء من خلخلة الثقافة لدى الشباب وإضعاف ايمانهم وعقيدتهم، سوف يمكنهم تحقيق اهدافهم، ولذلك سعى الحكام الطغاة الى محاصرة الثقافة وتكميم افواه المثقفين الرافضين للانحراف؟، لاسيما أن الثقافة الحسينية تستمد جوهرَها من الفكر الحسيني الرافض للقمع والظلم، لذلك منذ أن ظهر الاشعاع الثقافي الحسيني وهو يحمل في كيانه بذرة الرفض لأفعال الطغاة وأفكارهم، من هنا نشأ ونما هذا العداء التاريخي بين الثقافة الحسينية وبين الظلم وأصحابه.

لذلك يصف المختصون بالثقافة الحسينية أن عمودها الفقري هو رفض القيم المنحرفة، متمثلة بقيم الظلم والفساد والطغيان، ولهذا لم يسجل التاريخ ولا الواقع أية إشارة أو سند أو دليل مهما بلغ من الصغر على حالة توافق بين الثقافة الحسينية وبين الظالمين المنحرفين على مر العصور.. ولا شك أن هذا العداء المبدئي ينبغي أن يتم تعميق لدى الشباب الحسيني، على أن تكون مناسبة زيارة الاربعين المنطلق الدائم والمتجدد لتحقيق هذا الهدف الجوهري.

أدوار ومسؤوليات الشباب

على المعنيين بأمر الشباب المسلم وشباب الشيعة، أن يخططوا لتحقيق الحصانة الشبابية من خلال انتهاز فرصة الزيارة الاربعينية، وانتعاش الروح الحماسية للشباب واقدامهم على تنفيذ المطلوب منهم برحابة صدر، فالاجواء مناسبة تماما لكي نسعى لتثقيف الشاب المسلم ومضاعفة وعيهم وترسيخ عقائدهم الحسينية اكثر فأكثر، فهؤلاء هم الذخيرة الدائمة لمواصلة دربنا الطويل على طريق الامام الحسين (ع)، لذا فإن الاهداف التي ينبغي أن تتحقق في ظل زيارة الاربعين متعددة، والثقافة جزء لا يتجزأ من هذه الاهداف، فضلا عن الاهداف المرادفة الاخرى.

إن لزيارة الأربعين دور مهم في تحريك الجماهير للأهداف السامية التي مثلها الامام الحسين (عليه السلام) وثار من أجلها وهي قيم الايمان والحرية والعدالة والانسانية.. لذلك نحتاج الى أن تكون الزيارة عملاً ثقافياً توجيهياً وتوعوياً لإرشاد الناس واستثمار العواطف الجياشة لتعريفهم بكل تلك القيم. فما هي الأدوار والمسؤوليات التي تقوم بها أصناف متعددة من المجتمع في مثل هذه الزيارات، وخصوصا زيارة الأربعين:

- التشجيع على التوعية الثقافية وتنشيط العمل الثقافي في الجامعات والمعاهد والتجمعات الطلابية الاخرى، من خلال معارض الكتاب، والمسرحيات، والاناشيد، وإقامة المعارض الفنية، وتأسيس الاذاعات السيارة، وبث الرسائل الانسانية والتوجيهية للتعريف بجميع القيم التي استشهد الحسين (ع) من اجلها.

- الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في شبكة الانترنت، وكذلك المنتديات الافتراضية المتنوعة، في نقل الحماس الشبابي وقيم البناء الأخلاقي الرصين والعقائد الاصيلة الى الاخرين.

- التشجيع على ممارسات البذل والعطاء الإنساني والعمل الطوعي في نفوس الشباب، من اجل البناء روح التضحية والتكافل خاصة في مجال خدمة زوار الامام الحسين عليه السلام ودعم مقاتلي الحشد الشعبي في قتالهم لداعش وغيرها من الفصائل الارهابية.

- عقد المؤتمرات والملتقيات الشبابية من اجل مناقشة مشكلاتهم وخلق الروح الحماسية من اجل التنمية والتطور وبناء المسؤولية الحضارية، وبرعاية ومشاركة الحوزات العلمية ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الاجتماعية.

اضف تعليق