سيدة من السلالة الهاشمية شع نورها في سماء كربلاء، فقدمت أروع مثال في الصبر وكان حالها كحال أمها الثكلى، حديثنا اليوم عن السيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن ابي طالب (ع).
أمها الرباب بنت امرؤ القيس بن عدي الكلبي معدية، اسمها الحقيقي اختلفوا فيه، فمنهم من قال "آمنة" وقيل أمينة ولكن لشدة هدوئها وسكونها كنتها أمها بـ*سكينة*، فدرج ذلك الاسم عليها (ذكر في نفس الهموم الشيخ عباس القمي وايضا شذرات الذهب ج 1 ص 154) اشتهرت سيدتنا "سكينة" بهذا اللقب، وعلى ذلك فالمناسب فتح السين وكسر الكاف التي بعدها، لا كما يجري على الألسن من ضم السين وفتح الكاف.
وحول تاريخ ولادتها لم يعرف في التأريخ بشكل مفصل، إلا أنه أكثر الروايات رجّحت مولدها في العام السابع والأربعين من الهجرة الشريفة، وعلى هذا القول يكون عمرها عند استشهاد والدها الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء حوالي أربعة عشر عاماً.
حياة السيدة سكينة في السطور
كانت السيدة آمنة (سكينة) سيدة نساء عصرها وعقيلة بني قريش، وأجملهن وأوقرهنّ ذكاءً وعقلاً وفصاحة، معروفة بين قومها بالكرم، وجميل الخصال وطيب الشمائل، وكانت ذات عبادة وزهد حتى قيل عنها في كتب التاريخ بأنها كلما كبرت في سنها كلما كانت تزداد تقرباً من الله، واشتهرت أيضا بزينة المجالس تعقد الندوات والمحاضرات والدروس الفقهية في المدينة المنورة كما ورد في الخبر، وتحت رعاية واشراف سيد الشهداء (ع) ما لهذه التربية الإلهية من اثر بالغ في بناء شخصيتها ومن النواحي العلمية والدينية والاخلاقية ايضاً، فضلاً عن تأثير البيئة الصالحة والتي ترعرع فيها أكثر من معصوم فهي بنت معصوم وأخت معصوم وعمة معصوم.
في واقعة الطف وما جرى فيها من أحداث أليمة كانت صابرة مجاهدة في سبيل الله، كباقي الهاشميات، راضية بقضاء الله وقدره، ويذكر الخطباء اسم السيدة سكينة كثيراً في نعي الامام الحسين (ع).
فضلها
لقد نشأت السيدة سكينة عليها السلام وتربت في البيت النبوي في احضان والدتها الرباب واشراف أبيها الامام الحسين(ع)، اخذت أخلاقيات الرسالة المحمدية من بيت النبوة متمثلة بجدتها الزهراء (ع) وعمتها السيدة زينب(ع) ومما جاء في فضلها ومكانتها ان الامام الحسين عليه السلام كان يحب ابنته السيدة سكينة حتى انشد شعرا في حقها وحق أمها الرباب:
لعمرك انني لاحب داراً........تحل بها سكينة والرباب
احبهما وابذل جل مالي........وليس للأمي فيها عتاب
ولست لهم وان عتبوا مطيعاً........حياتي أو يعليني التراب
إخوتها من ابيها
1- علي بن الحسين الاكبر زين العابدين كنيته أبو محمد، وأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد.
2- علي بن الحسين الأصغر، قتل مع أبيه بالطف، وأمه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي.
3- جعفر بن الحسين عليه السلام وأمه قضاعية، وكانت وفاته في حياة الحسين عليه السلام.
4- عبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيراً، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه، وهو شقيق السيدة سكينة سلام الله عليها حيث ان امه الرباب ايضاً.
5- فاطمة بنت الحسين عليه السلام، وأمها أم اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله.
إدعاءات وافتراءات حول السيدة سكينةُ
السيدة سكينة (ع) تعرضت للكثير من التهم المنسوبة في زواجها. وهذه من الاقاويل الكاذبة التي لها طبل المطبلون. فهي لم تتزوّج غير ابن عمّها عبد الله بن الامام الحسن عليه السلام فقط فقط، وزواجها بغير ابن عمّها روايات ضعيفة ولاسند لها. من شدة بغضهم نسبوا لأهل البيت شتّى أنواع التهم والإفتراءات والأقوال الكاذبة، في بيت طهرهم الله من الرجس تطهيراً.
وروى السبط بن الجوزي عن سفيان الثوري قال: أراد علي بن الحسين (ع) الخروج إلى الحج أو العمرة فاتخذت له اخته سكينة بن الحسين سفرة انفقت عليها الف درهم وارسلت بها إليه فلما كان بظهر الحرة امر بها ففرقت في الفقراء والمساكين ويقول المؤرخ ابن طولون: قدمت دمشق مع أهلها ثم خرجت إلى المدينة وكانت من سادات النساء واهل الجود والفضل.
السيدة سكينة في كربلاء
لقد كانت السيدة الجليلة سكينة (ع) حاضرة مع والدها في كربلاء، تشاهد ما جرى من المأساة العظيمة على أبيها وأهل بيتها، وتشارك النساء مصائب السبي والسير من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام فالمدينة ويروى ان الحسين (ع) لما أراد توديع أهله يوم عاشوراء ظلت سكينة(ع) في الخيمة باكيةٌ حزينة فلاحظ سيد الشهداء (ع) ابنته الحبيبة على هذا الحال فتوجه اليها يكلمها:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي........منك البكاء اذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة........مادام مني الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي........تأتينه يا خيرة النسوان
فكانت زهرة من زهور الحسين يلطفها الإمام فيأنس لحديثها ويحب داراً تحلُّ بها سكينةُ والربابُ وأعلن الحب لهما عظيمة تلك المنزلة التي حظيت بها.
السيدة سكينةُ بعد يوم عاشوراء
في يوم عاشوراء بعد ما قتل والدها واخوتها وزوجها تجردت من عاطفتها في المواقف التي لا تنفع فيها العاطفة، تلبّست بثياب الصبر عند المصيبة، ساعة تواسي أمها الرباب وساعة تواسي عمتها، وأخرى تندب وتنوح، رغم صعوبة الحال ومواساة الواقعة إلا أنها صرخت في وجه الظالم أن الحسين مات عطشانا، وذبح كما تذبح الشاة، بئس القوم الظالمين، خصمكم جدنا رسول الله (ص) استجابت لنداء السبي هي وأمها مع باقي الهاشميات، في نصرة النهضة الحسينية ونشر مظلومية آل البيت عليهم السلام، وبخاصة اثناء السبي من الكوفة الى الشام. فكان لهما بلاءاً حسناً في كربلاء.
بعد السبي
حالة الحزن لم تفارق أهل البيت بعد استشهاد الامام الحسين (ع) حيث قال الامام الصادق عليه السلام (ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه). توفيت هذه السيدة الجليلة. المظلومة في المدينة يوم الخميس لخمس خلون في شهر ربيع الأول سنة 117 هـ. فسلام عليها يوم ولدت ويوم توفيت ويوم تبعث حية.
اضف تعليق