q
إنسانيات - تعليم

ظواهر تهدد التعليم في العراق

عندما نبحث في قضية التعليم بصورة حيادية وعلمية، سنجد أن هذا القطاع المهم يعاني في العراق من مشكلات حقيقية تنتشر في واقع التعليم بصورة لا تقبل الإنكار أو التغاضي، فثمة ظواهر يقول بعض الخبراء المعنيين بالتعليم أنها تستدعي معالجات فورية، يقف في المقدمة منها (العنف أثناء التعليم)، واسلوب (التلقين) الذي يستهين بقدرات العقل، ومظاهر أخرى تتعلق بانتشار الفساد، كما حدث ذلك في قضية إعادة بناء بعض المدارس او أعمال الترميم وكل ما يتعلق بتجهيز المراحل الدراسية المختلفة.

وقد نبّه خبراء الى أن ثمة ظواهر في التعليم لا ينبغي السكوت عنها، إذ تتطلب التصدي الفوري حتى لا تتحول الى عقبة مزمنة، من جهتنا أكدنا دائما في مقالات سابقة، على تفاقم تلك الظواهر السلبية في جانب التعليم كافة، وأنبهنا على وجود العنف ضد الطلبة من لدن الكادر التدريسي في مراحل مختلفة خاصة الابتدائي والثانوي، مع تفاقم الفساد الاداري والمالي في القطاع التعليمي، لاسيما ما يتعلق بمشاريع بناء المدارس وغيرها من الصفقات التي يمكن أن تستنزف المال العام من دون أن تؤدي الغرض المطلوب منها.

ومن البديهي أن نرصد ظواهر عديدة، وأن نعيد ونكرر في مقالاتنا وكتاباتنا وتصريحاتنا، خطورة تلك الظواهر على التعليم، فنحن في الواقع لا نمتلك غير التعليم كصورة مشرقة لمعالجة البؤس العراقي، إذ نأمل القضاء على التخلف بالتعليم الصحيح، لذا نسعى لمعالجة كل ما هو سلبي في هذا القطاع، من لا يصح ولا ينبغي السماح بتفاقم الوضع نحو الأسوأ، خاصة أننا جميعا نتفق على أن بناء الدولة المدنية، يستدعي السعي لإنشاء قواعد تعليمية معاصرة تخلو بصورة قاطعة من الظواهر المعيقة للتعليم العصري.

علما أن علاقة التعليم بالتطور السياسي وثيقة، وأن تقدم النظام السياسي يعتمد على التعليم، حيث يقول بعض الخبراء أن هناك معادلة طردية بين السياسة والتعليم، أي كلما تطور الأخير تطورت سياسة الدولة، من هنا لا يمكن أن يتطور النظام الديمقراطي ويستقر، ما لم يدعمه نظام تربوي تعليمي راسخ، لذا لابد أن تتنبّه الحكومة الى هذه النقطة المحورية التي تستدعي تقديم الاهتمام اللازم بهذا الجانب وفقا لمعالجات علمية عملية بالغة الدقة.

لماذا تدهور التعليم؟

من الأسئلة الصعبة التي يتداولها الجميع، حيث يتكلم بها التدريسيون أنفسهم والمثقفون والمعنيون بالتعليم من صناع القرار، بل حتى عامة الناس يشغلهم هذا الهبوط في مستويات التعليم، وتُثار أسئلة كثيرة عن هذا الجانب، ولعل هذا الاهتمام مصدره معرفة الجميع وإيمانهم بأن الدولة المعافاة لا يمكن بناءها من دون تعليم معاصر سليم ومعافى من الظواهر المسيئة.

لذلك لا ينبغي للجهات المعنية أن تسمح بتدهور التعليم من خلال إهمال الخطوات العملية التي تتصدى لضعف العملية التعليمية في العراق، فقد ورد في هذا الصدد، أن هناك مشاكل رئيسية تعيق النظام التعليمي ظهرت منذ 2003 وتشمل نقص الموارد، وتسييس النظام التربوي، والهجرة والتشرد الداخلي من المعلمين والطلاب، والتهديدات الأمنية، والفساد. والأمية على نطاق واسع مقارنة مع قبل، حيث أن نسبه الأميه 39 ٪ لسكان الريف. تقريبا 22 ٪ من السكان البالغين في العراق لم يلتحقوا بالمدرسة، و 9 ٪ من المدارس الثانوية حيث انخفضت نسبه المساواة بين الجنسين.

إن هذه المؤشرات السلبية تعد عوامل معيقة للعملية التربوية، ولا يمكن النهوض بالتعليم في حالة استمرارها، كونها تؤثر بصورة فعلية على تطور هذا القطاع الحيوي، لذا فإن التدهور المستمر في قطاع التربية والتعليم، يعني استحالة بناء الدولة المتطورة التي تحكمها المؤسسات والقانون، وذلك بسبب تفشي الامية والجهل بين العراقيين، وهو أمر لا ينسجم مع التوجّه نحو المسار الديمقراطي وتعميق التجربة التحررية التي يأمل العراقيون أن يقطفوا ثمارها بصورة فعلية بمساعدة قطاع التعليم أولا.

لذلك ينبغي البحث الدائم في الأسباب التي تقود الى تدهور التعليم، وتحديدها بصورة واضحة، حتى تكون عمليات المعالجة والتصدي لها واضحة ايضا وممكنة التنفيذ، ان بوادر تدهور التعليم يمكن ملاحظتها من خلال بعض الارقام إذ تؤكد المعلومات حسب آخر الإحصاءات الدولية، أن نسبة القادرين على القراءة والكتابة قد وصلت إلى أقل مستوياتها في تاريخ العراق الحديث، إذ بلغت في العقد الأخير ما يقارب 60%، حيث عاني أكثر من 6 ملايين عراقي بالغ من الأمية التامة نتيجة للحروب التي اتت على البلاد والحصار الاقتصادي الذي دام أكثر من 13 عام. أما اليوم، فيبلغ معدل التعليم في البلاد 78.1% ، المرتبة 12 عربيا.

ومن الواضح للمتابع والمعني بشأن التعليم في العراق، أن الارقام السابقة تؤكد بوضوح هشاشة القطاع التربوي التعليمي، وعدم جدية الجهات المسؤولة على معالجة الظواهر السلبية، كالعنف ضد الطلبة، حيث يبدي الكثير من الطلبة لاسيما الصغار في مرحلة الابتدائية، تخوفهم من التعامل العنيف كالضرب وما شابه، فيما تتفاقم الرشوة وبعض الظواهر المسيئة التي لا ينبغي السماح بها، كونها لا تتوافق مع الآمال العريضة التي نتطلع لها جميعا من قطاع التعليم

تحسين القطاعين التربوي والتعليمي

أمام المعنيين في الجهات الحكومية بالدرجة الاولى وفي القطاع الخاص، اي التعليم الأهلي، فرصا كثيرة وسانحة، لمعالجة الأخطاء التي حدثت في السابق، إذ لابد من رصد هذه الاخطاء وتحديد أنواعها، ومن ثم اقتراح الحلول لها من لدن خبراء ومختصين في هذا المجال، حتى لا يقع فيها التعليم مرة أخرى.

وقد تبدو مهمة تحسين القطاع التربوي التعليمي عسيرة ومعقدة، لكنها في واقع الحال ليست مستحيلة، بل هي واردة وممكنة كونها تتعلق بالتخطيط السليم من المختصين مع وضع آلية سليمة للتنفيذ، مع وجود خريطة عمل واضحة تساندها ضوابط عمل رصينة وحازمة تمنع حدوث الخطأ قبل وقوعه، وهذه مهمة الحكومة والوزارات المعنية، حيث يتطلب الامر بعض الخطوات الاجرائية المباشرة، التي تسعى بصورة فعلية لتحقيق هذا الهدف المهم، ومن هذه الاجراءات مثلا:

- أهمية تأشير ومحاصرة الظواهر التي تسيء للتعليم، ومعاقبة من يقف وراءها بصورة فورية.

- العمل على مضاعفة المخصصات المالية التي من شأنها تحقيق قفزة في العملية التربوية والتعليمية، خاصة ما يتعلق بالبنية التحتية وانشاء المختبرات ووسائل الايضاح وما شابه.

- تخصيص الاموال اللازمة لقطاع التربية والتعليم.

- اعادة هيكلة الوظائف في هذا القطاع وفق ما يسمى بترشيد العمل الوظيفي على أن لا يؤثر ذلك على الاعداد المطلوبة للكادر التعليمي للمراحل كافة.

- معالجة مشكلة بناء المدارس ومنع حالات التجاوز على المال العام تحت هذا البند.

- هناك بطالة مقنعة واضحة في دوائر ومؤسسات التعليم، لابد من اعادة هيكلتها، ومعالجتها بصورة صحيحة.

- توظيف طاقات الطلبة لتحقيق فائدة متبادلة بين الطالب والمعلم، عبر خطوات عملية يضعها خبراء ومتخصصون.

- مضاعفة الزمالات الدراسية الى الخارج، ووضع ضوابط عادلة للقبول فيها.

- تبقى الخطوات السابقة قيد الترقب والمقترحات (كحبر على ورق)، ما لم تتوفر الارادة الحكومية القادرة على تحويلها، من صيغتها الكتابية، الى العملية المتحققة على أرض الواقع.

اضف تعليق