q

الكل يتذكر اللحظات المفعمة بالحماسة والتفاؤل... عندما اطلق رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، اولى حزمة الاصلاحية امام الشعب العراقي، في تعبير رمزي، لتعاطف المواطنين مع اي سلطة (تنفيذية، تشريعية، قضائية) من الممكن ان تمارس دورها في مكافحة الفساد المالي والاداري المستشري في البلد المنهك اساسا من سوء الادارة واستنزاف الموارد بسبب الارهاب والسرقات على مدى 13 عشر عام متواصلة.

في اب الماضي اعلن العبادي عن حزمة اصلاحية نزلت كالصاعقة على المسؤولين المتنفذين واحزابهم الكبيرة، طبعا العبادي لم يكن ليقدم على هكذا خطوة، وفي هذا الوقت تحديدا، مالم يتلقى الدعم الشعبي الواسع، اضافة الى مباركة المرجعية الدينية في النجف لتجفيف منابع الفساد، مهما كان الثمن.

وهو ما حصل فعلا، العبادي قام بالغاء ثلاثة مناصب مهمة تابعة لرئيس الجمهورية، وثلاث مناصب اخرى مهمة تابعة لرئيس الوزراء، اضافة الى الغاء ودمج (11) وزارة ليتقلص العدد الى 22 بدلا من 33، وقلص الرواتب واعلن ان هناك المزيد من الاصلاحات القادمة... لكنها لم يكن يمتلك "الشجاعة" و"الجرأة" التي طالبت بهما المرجعية كشرط للمضي بالاصلاحات "والضرب بيد من حديد" على رؤوس الفساد... خصوصا عندما وصل الامر الى الاطاحة بتلك الرؤوس الموجودة في في قمة السلطة القضائية.

منذ صعود العبادي الى السلطة خلافا لسلفه "نوري المالكي" بعد خلاف استمر لشهور، نهاية العام الماضي، لم يكن سقف التوقعات المطلوبة من رئيس الوزراء الجديد بالتغيير عالية... الكثير شكك في مدى قدرة السيد العبادي على الصمود امام من وصفهم بـ"الحيتان الكبيرة"، ومافيات الفساد التي مارست السلطة والنفوذ على مدى عقد من الزمن، وهي اليوم متجذرة في اغلب مفاصل الدولة الاقتصادية والسياسية ولا يمكن القضاء عليها بحزم من الاصلاحات التي لا تمس العصب مباشرة.

الصدام بين الاصلاحات والمعارضين لها، كما توقع الجميع، كان حتميا... ربما كانت مجرد مسألة وقت لا اكثر، فبعد تلقي الصدمة كان المتضررون يستعدون لاستلام زمام المبادرة، والخيار بتقييد صلاحيات العبادي بالاصلاحات صدرت من "السلطة التشريعية" بعد ان اقر مجلس النواب العراقي بالاجماع منع اي اصلاحات اضافية تصدر من العبادي من دون الرجوع الى مجلس النواب والموافقة عليها، على الرغم من تأييد نفس المجلس للاصلاحات السابقة والموافقة عليها بالاجماع، اضافة الى اطلاق حزمة برلمانية اصلاحية شبيهة بحزم العبادي.

قبل قرار التصويت على تقييد اصلاحات العبادي، كان هناك بيان لاعضاء في البرلمان ينتمون لنفس الجهة الحزبية التي ينتمي لها رئيس الوزراء، اتهموا فيه العبادي بالانفراد بالسلطة وعدم تنفيذ الوعود السابقة بالتشاور معهم، وهددوا بسحب التفويض الممنوح له في البرلمان... ويبدو ان التهديد الكلامي تحول الى واقع ملموس من خلال القرار الاخير.

هناك اسباب عديدة حولت الحماسة الى فتور وسخط لدى الشارع العراقي في دعم العبادي للتقدم نحو مزيد من الاصلاحات، والاطاحة بالمزيد من الاشخاص والمؤسسات الفاسدة... ربما من بينها:

1. لم يكن هناك تفاعل حقيقي بين الجهة الراعية للاصلاح وبين الشارع العراقي الذي كان يغلي ضد الفساد والفاسدين.

2. اعتبرت اكثر الاصلاحات شكلية ولم تصل الى الجوهر... سيما وان من تم عزلهم او ابعادهم لم يتعرضوا الى المحاسبة القانونية او مسألة العدالة، بل حافظوا على ذات النفوذ السلطوي والقوة الحزبية.

3. التوقيت كان مهم بالنسبة للطرف الاخر، امتصاص غضب الشارع بالموافقة على الاصلاحات، التي يمكن استردادها لاحقا عن طريق عدة اجراءات قانونية او سياسية، بل واستغلال الاوضاع الاقتصادية والخدمية والامنية المربكة للضغط على الحكومة او منعها من اي اصلاحات اضافية ممكن ان تمس الاطراف النافذة.

اذا بقي الحال على ما هو عليه... فالواقع السيء يفرض نفسه من جديد، الفساد يبقى ويتوسع، الاصلاح مجرد حبر على ورق، الاطراف المتصارعة على المصالح والنفوذ تعيد نفس الادوار المسرحية على خشبة السياسية، والاهم من ذلك هو (الاحباط) الذي اصيب به المواطن العراقي، وهو يرى حقوقه ومطالبة الاصلاحية تباع وتشترى بين ساسة العراق.

اضف تعليق