q

باتت العشوائيات في عصرنا الحالي المليء بالحروب والازمات، آفة اجتماعية تنشر الفقر وتحتضن الجريمة، لتكشف واقع الحكومات الفاشلة لا سيما في الدول المتخلفة، فمن أهم مواقع مدن الصفيح حول العالم جنوب إفريقيا، البرازيل، مصر، العراق وغيرها الكثير من مدن الصفيح التي توجد غالبا في الدول النامية.

إذ يفتقر سكان العشوائيات لأبسط مقومات الحياة مثل، عدم وجود المرافق العامة وبخاصة مياه الشرب النقية أو الصرف الصحي ويستعمل هذا النوع الإسكاني للنوم فقط أو الحماية من الأمطار أما باقي الأنشطة الأخرى فيتم تأديتها في الأماكن الخارجية المفتوحة أو اللجوء إلى المباني العامة أو دور العبادة ان وجدت للحصول على المياه النقية أو لقضاء الحاجة أما الاضاءة فأكثرهم يستخدم مواقد الاضاءة التي تعمل بالكيروسين أو سرقة التيار الكهربائي من أي مصدر متاح لهم.

ويعيش معظم سكان العشوائيات او مدن الصفيح حول العالم سلسلة من المعاناة المتواصلة بشكل يومي، وتسمى بالعشوائيات لانها عبارة عن مجموعة من الأحياء الفقيرة والمعدمة اقتصاديا، تمتلك منازل غير شرعية، وتنتشر فيها الافات الاجتماعية.

وبحسب الخبراء في الشؤون الاجتماعية ان هناك عوامل اساسية ساعدت على نمو وانتشار الأسكان العشوائي يمكن أن تلخيصها بما يلي: زيادة معدلات النمو السكاني، تدفق الهجرة من الريف للحضر، وعدم استعداد المدن لاستقبال كل هذه الأعداد الوافدة من الريف، النقص في عدد الوحدات السكنية وزيادة الطلب عليها نتيجة الهجرة السريعة من الريف إلى المدينة، أصبحت المدن الرئيسية شديدة الجذب نتيجة تمركز الخدمات وفي المقابل أصبحت المدن الريفية شديدة الطرد نتيجة ندرة الخدمات والامكانيات بها.

ارتفاع أسعار الأراضي والشقق السكنية في المناطق الرسمية والتي تتمتع بالمرافق العامة (مياه نقيه – صرف صحى – كهرباء – شوارع مناسبه)، ضعف الاستثمارات الحكومية والقطاع الخاص في مجال الأسكان المنخفض التكاليف، التهاون مع منتهكي القوانين ومغتصبي الأراضي من قبل الجهات الرسمية نتيجة لعدم توافر بدائل أخرى مناسبه. فأصبحت هذه المناطق تفرض أمر واقع وشكلت جماعات ضغط أجبرت الحكومات على مد المرافق إليها، زيادة القيمة الايجارية للمعروض من الإسكان، ورغبة الأهالي في سكن أبنائهم وأقاربهم بجوارهم محدودية المساكن الشعبية.

ومن ابرز مفرزاتها السليبة هي استغلال الشباب من قبل عصابات المافيا والارهاب التي تزرع فيهم حب الانتقام والقتل والدمار والافكار المتطرفة بحيث تتفشى الفوضى والرعب، وغالبا ما يصفون سكانها بالمتطرفون، متخلفون، هاربون من القانون، فهذه بعض الصفات التي تُطلَق على سكان العشوائيات، دون أن ينصفهم أحد بالتذكير بأن واقعهم المتخلّف هو نتاج لسياسات حكومية فاشلة انتهجت اهمالهم وغض الطرف عمّا يعانيه هؤلاء من بؤس وشقاء وصعوبات في العيش على مدى عقود عديدة.

ففي البرازيل يتحدى سكان مدينة صفيح يوميا التماسيح الاستوائية التي تنتشر في المياه الآسنة لقناة مائية لـ"قرصنة" مياه الشفة من امدادات تابعة للشركة العامة للمياه.

أما في جنوب افريقيا وفي ظل عدم حل مشاكل مدن الصفيح والخلل في تأمين المساكن، يبحث علماء عن حلول لحماية خمسة ملايين شخص مكدسين داخل الجدران الاربعة للاكواخ الحجرية من العواصف الرعدية والحرائق.

وعليه في ظل تنامي العشوائيات التي تغذيها الازمات يبدو ان العالم سيواجه معضلات اجتماعية جما قد تصنع مجرمين من الشباب ومتسولين من الاطفال، خصوصا وان الاحصاءات المتخصصة تشير عدد سكان مدن الصفيح في العالم سيبلغ 1,4 مليار نسمة في 2020 اي ما يساوي عدد سكان الصين، مما يعني ان العالم سيواجه طوفان جارف من الافات الاجتماعية في المستقبل القريب.

سكان العشوائيات يتحدون التماسيح للحصول على مياه

في سياق متصل أوضحت اليساندرا دوس سانتوس البالغة 43 عاما وهي من سكان مدينة الصفيح فيلا اميزادي المحاذية للقناة، لوكالة فرانس برس "مع هذا الجفاف، نفتقر في كثير من الاحيان للماء والسكان يأتون الى هنا لحملها. يتعين عليهم الهاء التماسيح الاستوائية عبر رمي الاطعمة لها".

ويتكرر المشهد يوميا في حي ريكريو دوس بانديرانتيس في المنطقة الغربية لريو دي جانيرو على بعد بضعة كيلومترات من ورش البناء للمنشآت الرياضية المخصصة لدورة الالعاب الاولمبية في 2016، وتعاني سائر مناطق جنوب شرق البرازيل جفافا خطيرا تسجل فيه السدود ادنى مستوياتها التاريخية.

وأكد ماركوس كونتي نائب رئيس بلدية فيلا اميزادي التي يعيش فيها اكثر من خمسة الاف شخص لوكالة فرانس برس ان "الوضع في ساو باولو اخطر بكثير مما هو في ريو دي جانيرو، لكن مع أن شركة المياه ريو سيداي لا تقول ذلك، فإنها تعمد الى تقنين المياه في مدن الصفيح قبل المناطق السكنية". بحسب فرانس برس.

وعند مدخل مدينة الصفيح هذه على قارعة الطريق، استحدث السكان يدويا مسارب غير قانونية للمياه على شبكة الامدادات الرئيسية التابعة لشركة المياه العامة التي لا تزال توزع المياه، حتى عندما تكون التشعبات الاخرى للشبكة مقطوعة.

ويعرف المكان بـ"بيكا دوس جاكاريس" اي صنبور التماسيح الاستوائية، ويمر الانبوب الضخم لشركة المياه العامة فوق القناة الضيقة التي اصبحت حفرة للصرف الصحي تسبح فيها التماسيح الاستوائية، وتأتي هذه التماسيح من البحيرات والمستنقعات التابعة لمجمع "شيكو مينديس" البيئي الواقع وراء مدينة الصفيح مباشرة. "وسبق لها ان التهمت قطا وانتزعت احدى قوائم كلب" على حد وصف اليساندرا، وأكدت لوسيان دي اوليفيرا البالغة 36 عاما "اننا نخاف في اوقات المطر لأن المياه تطوف احيانا ويتعين عندها على السكان ابعاد التماسيح الاستوائية الى المياه بالاستعانة بعصي"، وروى كلاوس غورديس المهندس المتقاعد المقيم في الناحية الثانية من الطريق منذ 18 عاما في منزل فخم - لا يفتقر للمياه --، مشاهداته عن "تدهور وضع الحي"، وأشار الى ان "المكان هنا كان في الماضي عبارة عن غابة ومستنقعات، ثم تحول الى مدينة صفيح توسعت من دون اي بنية تحتية للماء او الصرف الصحي".

من جهته قال الاخصائي في علوم الاحياء ريكاردو فريتاس فيليو منسق "معهد جاكاري" ان "الناس هنا يتعين عليهم العيش +في الغائط+ وسط البعوض والتعايش مع التماسيح الاستوائية في ظروف غير صحية ولاانسانية بالكامل"، وأَضاف "هذه حقيقة ريو دي جانيرو، +المدينة المذهلة+ المضيفة للالعاب الاولمبية". وهذا الاخصائي يدرس منذ 12 عاما تطور اعداد التماسيح الاستوائية المهددة بالانقراض من فصيلة "كايمان لاتيروستريس" التي يعيش كل حيوان منها 70 عاما كمعدل عام.

ومنذ 2005، سجل فريتاس وجود اكثر من 500 تمساح استوائي في البحيرة الملوثة التابعة للمنتزه البيئي وهو يرسل تقريرا فصليا للسلطات. لكنه اضاف "البلدية والشركة العامة للمياه لم تبذلا اي جهد لازالة التلوث في مياه المنتزه"، وأوضح الاخصائي في علم الاحياء ان "المحطة المحلية لمعالجة المياه التابعة لشركة المياه العامة هي بمثابة ذر للرماد في العيون. ليست لديها القدرة على تكرير كل المياه المبتذلة". وقد تفاقم الوضع بحسب فريتاس خصوصا لأن حي ريكريو دوس بانديرانتيس شهد نموا عقاريا بنسبة 300 % خلال السنوات الخمس الاخيرة استعدادا للالعاب الاولمبية، ولفت فريتاس الى انه احصى "13 مسربا غير قانوني للمياه المبتذلة في المنتزه والاكثرية تأتي من شركة المياه العامة".

وحذر هذا العالم ايضا من ان بحيرة داس تاشاس التي تأتي منها التماسيح الاستوائية باتت تفتقر للاكسجين والسمكة الوحيدة التي تصمد في ظل هذا الوضع هي من فصيلة قادرة على التنفس خارج الماء، وقال فريتاس "في بحثه عن وسط طبيعي اكثر ملاءمة له، يظهر التمساح الاستوائي احيانا في البحر او بوتيرة اكبر في المدينة"، معتبرا ان هذا الحيوان آيل الى الانقراض، ورأى ان المطلوب على الاقل "وضع لافتة تمنع اطعام هذه الحيوانات كي تعود الى البحيرة" لأنها "تشعر بالذبذبات في المياه على بعد 1,5 كلم. وهي حاليا تنتظر ان تعطى الغذاء لتأكل"، وختم فريتاس "المضاربة العقارية لها تأثير اكبر. فالالعاب الاولمبية تعني سياحة عالمية. لكن ماذا يريد سائح اجنبي ان يرى؟ هل يريد رؤية مركز تجاري ام مناظر طبيعية؟".

مدن الصفيح والمعالجات المؤملة

وفي اروقة معرض الابتكار "اينوفيشن بريدج" في بريتوريا، الملتقى الاول للمخترعين والمستثمرين بمبادرة من وزارة العلوم والتكنولوجيا الجنوب افريقية، تقف نونكولوليكو شونغوي امام مجسم صغير من الكرتون والبلاستيك، وهو استعادة مصغرة للنموذج الاولي لمدينة صفيح "لن يخسر سكانها كل ممتلكاتهم" في حال حصول فيضان مستقبلا على حد تعبيرها.

ويحوي المكعب الكرتوني الشبيه بمخابئ الدمى ثقوبا عند النافذة والباب. كما انه ملقى داخل طبقات بلاستيكية موضوعة الواحدة في داخل الاخرى ومملوءة بعبوات بلاستيكية معاد تدويرها تمثل اساسات مدينة الصفيح المقاومة للغرق هذه والتي بامكانها ان تطفو في حال ارتفاع منسوب المياه. بحسب فرانس برس.

وأوضح اياندا نوما مدير الابتكار ونقل التكنولوجيا في وزارة البحوث الجنوب افريقية ان هذا النوع من البيوت "يمكنه ان يرتفع او ينزل"، مضيفا "نبحث عن راع او مستمثر لصنع الاساسات. وحتى اللحظة هذا الامر ليس متوافرا. يجب علينا ايضا القيام باختبارات اخرى لفهم الوزن الاقصى الذي يمكننا القاؤه عليها وعدد الخزائن البلاستيكية التي نحتاج اليها"، ويعود أصل المشروع المسمى "مخوخو فلوت" الى مسابقة دولية لماركة الالعاب "ليغو" نتج عنها تحفيز خيال ست طالبات. والموضوع المفروض عليهم كان "غضب الطبيعة"، وروى نوما ان الطالبات "نظرن حولهن وتساءلن عن طريقة حل مشاكل الغرق والسكن غير الاعتيادي. إحدى هذه الفتيات تعيش في تمبيسا (مدينة صفيح قرب جوهانسبرغ) وترى ذلك كل سنة".

ومنذ نهاية نظام الفصل العنصري سنة 1994، وزع حوالى ثلاثة ملايين بيت في اطار مشروع "ار دي بي" (برنامج اعادة الاعمار والتنمية) الحكومي لمساعدة المحتاجين - مع مطبخ وغرفتين وحمام، لكن 13,6 % من الاسر الجنوب افريقية لا تزال تعيش في اكواخ، وذلك بنتيجة التوسع الحضري المتزايد والنقص المزمن في المساكن منذ عهد الفصل العنصري عندما كانت المدن مخصصة حصرا لافراد الاقلية من البيض، واضاف نوما "متى سيكون للناس منزل؟ لا نعلم. لا نحاول تحسين وضع مدن الصفيح بل تفادي ان يموت الناس او يخسروا املاكهم"، وفي هذه المناطق التي شهدت نموا حضريا عشوائيا، الحرائق متكررة ومدمرة، كما الحال في كايليتشا اكبر مدينة صفيح للسود في مدينة الكاب حيث قضى خمسة اشخاص خلال رأس السنة 2012، ولفت المهندس والباحث في جامعة الكاب سامويل جينسبرغ الى انه حين سمع هذا النبأ على الاذاعة راودته فكرة البحث عن حل وحث طلابه على التفكير بهذه المسألة، وأوضح بول ميسارسيك احد هؤلاء الطلاب "بدأنا في التساؤل عن كيفية وقف الحرائق في مدن الصفيح، وأول رد لنا كان القول انه يتعين انهاء مدن الصفيح ومساعدة الناس على ان يعيشوا في منازل فعلية الا ان هذا الامر مستحيل".

وبعد ثلاث سنوات، بدأ بيع نظام انذار لمكافحة الحرائق مخصص لمدن الفيح لصالح الاشخاص الذين يسكنون في ظروف سيئة في كايليتشا مقابل 18 الى 20 راند (1,75 دولار) عن طريق مؤسسات تشتريها مقابل 90 راند (حوالى ثمانية دولارات)، وهذا الجهاز الشبيه بكاشفات الدخان يبدأ بالعمل عندما ترتفع الحرارة. كما يؤدي الى تشغيل نظام الانذار لدى الجيران على بعد مئة متر، وقال جينسبرغ "هذا امر كريه لكنه الواقع: ففي سنة 2020، سيكون هناك 1,4 مليار شخص يعيشون في مدن الصفيح" في العالم.

يجوب رجل ابيض بشاحنته الصغيرة احدى مدن الصفيح في جنوب افريقيا ليوزع الطعام والحلوى على الفقراء.. ومعظمهم يجهلون ان هذا الرجل المحسن نفسه كان في ما مضى من صقور الدفاع عن نظام الفصل العنصري الرهيب.

فهذا الرجل الذي يحبه الفقراء السود اليوم ويتحلقون حوله مرتين في الاسبوع وهو يوزع الطعام على العائلات المعدمة، هو ادريان فلوك، وزير الداخلية بين العامين 1986 و1991، واحد رموز نظام التمييز العنصري الذي سقط في العام 1994. بحسب فرانس برس.

ويقول فلوك البالغ من العمر اليوم 77 عاما لمراسل وكالة فرانس برس "كان عملنا يقضي بترهيب الناس.."، ويضيف "كانت لدينا قوانين طوارئ تجيز لنا حبس الناس من دون محاكمات"، ويقر قائلا "كنت اظن حينها ان نظام الفصل العنصري محق".

في نهاية الثمانينات اشرف فلوك على هجمات بالقنابل استهدفت كنائس ونقابات.. أما اليوم فهو الوزير الوحيد في حكومات نظام الفصل العنصري الذي اعتذر من ضحاياه وطلب منهم العفو، فلوك واحد من مسؤولين سابقين كثيرين لم يعاقبوا على ما ارتكبوه، وهو امر يثير مرارة الكثيرين من مواطني جنوب افريقيا الذين يرون ان العدالة لم تتحقق.

لكن بخلاف معظم زملائه، قرر ادريان فلوك ان يكفر عن ذنوبه من خلال الاحسان، التزاما بايمانه المسيحي المتجدد، مع علمه ان كثيرين من ضحاياه قد لا يسامحونه، ويقول "اخجل كثيرا من الامور التي فعلتها...كنت قاسيا وبلا قلب".

في العام 2006 اراد فلوك ان يتمثل بالمسيح الذي غسل اقدام تلاميذه، فغسل قدمي الكاهن فرانك شيكان الذي حاول اغتياله في الماضي. لكن محاولة القتل باءت بالفشل، وصدر على فلوك حكم بالسجن عشر سنوات في تلك القضية، ولكن مع وقف التنفيذ.

يتحرك فلوك اليوم وحيدا من دون اي مرافقة، ويقود شاحنته الصغيرة الى مدينة الصفيح اوليفنهاوثبوش احدى ضواحي بريتوريا، بعد ملئها بالحصص الغذائية التي يتبرع بها تجار واصحاب افران، وفي بيته المتواضع في بريتوريا يستضيف شابا اسود، وعائلة مشردة من البيض، وسجينا سابقا، وهم لا يدفعون له اي بدل ايجار، وانما يتشاركون معه في دفع الفواتير المترتبة، ويقول السجين السابق المقيم عنده ويدعى رودي هودسون "حين كنت صغيرا، كان كل ما نسمعه عن هذا الرجل امورا سيئة".

ونشأت صداقة بين هودسون البالغ من العمر 47 عاما وادريان فلوك بعد زيارة الى السجن قام بها الوزير السابق "تحدثنا خلالها عن ماضينا نحن الاثنين، وقال لي ان الامور كادت تنتهي به هو ايضا وراء القضبان لاسباب عدة، وحين خرجت من السجن ساعدني على ان استأنف حياتي"، بعدما كان مدمن المخدرات ودخل السجن لقتله زوجته.

اما الشاب الاسود موزيس نيماكوندي فهو حرفي يقيم مشغله للنسيج في مرآب بيت الوزير السابق، ويقول "كان زبائني يسألونني عن صاحب المشغل، فسألته عن اسمه وحينها عرفت انه كان مسؤولا سياسيا، ووزير الشرطة وكل هذه الامور..".

يجهل الكثيرون من سكان مدينة الصفيح التي ينشط فيها فلوك تاريخه، ويرى الذين يعتمدون على مساعداته ان ما يقدمه لهم اليوم اهم من من البؤس الذي سببه لهم في السابق، وتقول انجيلينا ماماليكي البالغة من العمر 77 عاما "في زمن الفصل العنصري كنت عاملة منزلية، وكنت دائما اخاف من الشرطة" على غرار ما كان يشعر به السود ازاء السلطات القمعية آنذاك، وتضيف "ولكن ما حصل في ذلك الزمن اصبح وراء ظهرنا".

سكان ضاحية فقيرة في ليما يعيشون وسط الموتى

الى ذلك يطالع مانويل غارسيا صبيحة كل يوم عند فتحه باب منزله المشهد القاتم نفسه إذ يرى اكواما من النعوش ومدافن مدنسة يحلق الذباب فوقها في مقابر سانتا روسا حيث يقيم هذا الرجل في احدى ضواحي ليما الفقيرة، هذا المدفن القائم خلافا للقانون منذ اكثر من قرن موجود في كاياو بضاحية عاصمة البيرو بين مدينتي صفيح.

وتعيش نحو الفي عائلة على هذه الارض الصخرية البالغة مساحتها 27 الف متر مربع والتي تضم ايضا مدرسة ومتنزها يلعب فيه الاطفال في فترة بعد الظهر، وعمدت البلدية اخيرا الى اقفال هذه المقبرة التي تعتبر خطرا على الصحة العامة. الا ان رئيس البلدية لا يزال يجهل ما العمل بعشرين الف مدفن يحويها المكان ولا يملك ميزانية كافية لتسييج الموقع ومنع حصول عمليات دفن جديدة. بحسب فرانس برس.

وأكد الدو لاما المدير الاقليمي لمديرية الصحة في كاياو ان "هذه المقبرة تمثل تهديدا للصحة العامة ويواجه السكان خطر الاصابة باوبئة". وقد صدر قرار اقفال المقبرة عن الهيئة المذكورة سنة 1998، ولفتت مديرية الصحة في كاياو الى ان "وجود اعداد كبيرة من البعوض والذباب يمكن ان يسبب مشكلات جلدية وأمراضا صدرية وحمى الضنك اضافة الى مخاطر ناجمة عن الجرذان والقمامة"، الا ان السكان اعتادوا على التعايش مع هذه المدافن الشبيهة بقفران النحل اذ ان النعوش توضع في المكان داخل حجرات متراصفة بدل دفنها تحت الارض، ويتنزه القاطنون في كاياو بين هذه المدافن لدى توجههم لشراء الخبز او ذهابهم للتنقل عبر الحافلات العامة او الى المدرسة. وعلى سبيل المثال يقع قبر زينوبيو زيا المتوفي في 26 كانون الثاني/يناير 1979 وسط السلالم المؤدية الى احدى مدن الصفيح القائمة في الموقع.

وفي حين يحظى بعض سكان ليما بشقة مطلة على البحر، فان الشقة التي يقيم فيها مانويل منذ سنتين، تطل على المدافن التي يبعد اقربها خمسة امتار فقط عن منزله. ويروي لوكالة فرانس برس "نحن لا نخاف من ذلك لكننا لسنا معتادين بعد على الروائح الكريهة ولا على الذباب الذي يتسلل حتى الى داخل مطبخنا".

وتقول بائعة سكاكر في المنطقة "يتم الاتجار بالموتى اذ تباع الجثث الى جامعات. لا تسألوني عن اسمي لا احد يسعه الكلام هنا، الكل يخشى البنائين (الذين يبنون المقابر) وحفاري القبور"، وترتفع هذه الحجرات المطلية بالوان زاهية على عشر طبقات، ويمكنها استقبال حوالى مئة نعش، وتقول امرأة تبحث عن قبر ابيها منذ نصف ساعة لتضع باقة من الزهر عليه "لقد توسعت المقبرة بشكل عشوائي". وهي راحت تتقدم في دروب ضيقة ينتشر فيها براز حيوانات، وتنتشر في الاجواء رائحة الكحول والنفايات. وللوصول الى القبور الاعلى يجب ان يتمتع الشخص بليونة كبيرة، ومع قرار اغلاق المكان بات زيارة قبور الموتى صعبة جدا. وتقول زائرة رفضت الكشف عن اسمها "كيف لنا زيارة اقاربنا وهم يمنعونا من الدخول؟".

وقد نشأت المقبرة العام 1912 على تلة لاريغلا. ومع توسع المدينة، بدأ استغلال عشوائي لاراض بور مع انتقال اشخاص للاقامة تدريجا في وسط الموتى الذين راح عددهم يزداد ايضا، ويقول اقارب الموتى ان هذا المكان هو المقبرة الوحيدة التي يمكن للفقراء اللجوء اليها. ففي مقبرة خاصة يكلف القبر ثلاثة الاف الى 3500 دولار اما في مقبرة البلدية فالكلفة الف دولار على الاقل. وهذه الاسعار بعيدة عن متناول غالبية البيروفيين، اما في سانتا روسا فتشير السلطات الى وجود وكالة غير رسمية تدعى "تابوادا" تنظم بناء قبر بسعر 250 دولارا.

ويقول دويل كوستا من بلدية كاياو "لا تتمتع هذه الوكالة بترخيص عمل وسيلاحق المسؤولون عنها بتهمة المساس بالصحة العامة الا ان احدا لا يعرفهم"، وقد اغلقت السلطات ايضا "كنيسة" مفترضة حيث كان رجل يحمل الكتاب المقدس يفرض على اهالي الموتى دفع المقابل في مقابل اقامة جناز، الا ان سانتا روسا ليست المقبرة غير القانونية الوحيدة في المنطقة. ففي منطقة ليما التي تضم 10 ملايين نسمة احصت وزارة الصحة حوالى خمسين مقبرة بينها 18 فقط قانونية. اما الاخرى فهي تقع شكل عام في الضواحي حيث تنبت الاحياء الفقيرة عشوائيا على سفوح تلال جدباء ومغبرة.

اضف تعليق