q

على أعتاب حلول شهر محرّم الحرام 1437 للهجرة، وذكرى استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه، وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة بوفود العلماء والفضلاء والمبلّغين، الذين وفدوا على بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، في يوم الأربعاء الموافق للثالث والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1436 للهجرة (7/10/2015م) ، للاستفادة من إرشادات سماحته فيما يرتبط القضية والشعائر الحسينية المقدّستين. إليكم أهمّ ما جاء فيها:

استهلّ سماحته حديثه بالقول الشهير: (الإسلام محمّدي الوجود، حسيني البقاء)، وقال: لقد تحقّق الإسلام وصار له الوجود الخارجي عبر نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. ولكن وبما أن الله تعالى قد جعل الدنيا دار امتحان، وأن جميع الخلق يجب أن يمتحنوا، فقد أظهر بعض الناس إسلامهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يؤمنوا حقّاً، بل أبطنوا النفاق.

وأوضح سماحته: كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله من المنافقين، كما بيّن ذلك القرآن الكريم في آيات عديدة، وفي سورة سمّاها بالمنافقين، حيث خاطب الله تعالى فيها نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله: «هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ»(المنافقون/4). وهذه الآية الكريمة تتضمّن ثلاث كلمات هي في غاية الحدّة والقطع، ولا نجده مثلها في القرآن إلاّ قليلاً، بل قد تكون فريدة. فالكفّار، وحسب هذه الآية الكريمة، في عدواتهم لا يبلغون مرتبة المنافقين، لأن عبارة: «هُمُ الْعَدُوُّ» تفيد الحصر. وتستمر الآية الكريمة بقوله تعالى: «فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ».

وقال سماحته: وبما أنه يجب على الكل أن يمتحنوا، فإن هذه الجماعة المنافقة، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، استحوذوا على زمام الأمة، التي كان الكثير منها ممن وصفهم القرآن الكريم: (أكثرهم لا يعقلون)، ووصفهم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بـ: (همج رعاع)، وأبعدوهم عن الإسلام الحقيقي وأضلّوهم عنه. وهذه الحالة استمرت إلى يومنا هذا. فتلك الجماعة المنافقة اصطنعوا باسم الإسلام أموراً لا يمكن عدّها أو اعتبارها حتى من الكفر، بل هي أسوأ من الكفر. ولذا أقول للعالمين، بالأخصّ العلماء والمثقّفين، وباقي فئات المجتمع، عليكم بمطالعة التاريخ بدقة وتأمّل.

وأوضح سماحته، أيضاً: لقد ظلم فرعون كثيراً وكذلك نمرود وشدّاد. وكذلك مارس الظلم كثيراً كل من أبي سفيان وأبي جهل، ومَن كان على شاكلتهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن لا يبلغ ظلم هؤلاء ظلم الذين حكموا باسم الإسلام، أمثال بني أمية وبني مروان وبني العباس. فالحكّام الكفرة لم يرتكبوا ما ارتكبه معاوية في يوم واحد، وهو ذبحه لأكثر من ثلاثين إنسان من الرجال والنساء والأطفال، وحرقهم. وهذا ما ذكرته المصادر التاريخية للخاصّة والعامة عن واحدة من أفعال معاوية الذي كان يسمّي نفسه خليفة المسلمين، وحكم باسم الإسلام.

وأضاف سماحته: ذكروا عن أحد حكّام بني مروان وهو عمر بن عبد العزيز، قوله: (لو جاءت كلّ أمّة بشقيّها وجئنا بالحجّاج لغلبناهم) البداية والنهاية: ج9، ص139. وهل تعلمون مَن كان الحجّاج؟ لقد كان ممثّل أو والي ماسمّي بخليفة المسلمين وهو عبد الملك بن مروان، الذي حكم باسم الإسلام! فكان هذا الأخير يتظاهر بالإسلام وبالصلاة وبالصيام وبالحجّ. وهكذا كان مَن حكم قبله وبعده، ولكنهم لم يتوانوا عن ممارسة الظلم باسم الإسلام أبداً، وأظلموا كثيراً.

وعقّب سماحته: أنا لا أريد أن أشرح أو أن أبيّن لكم التاريخ، فأنتم أهل العلم والفضل والتحقيق لكم دراية بالتاريخ، ولكن الهدف من ذكري لهذه النماذج من التاريخ، ليعرف من يسمع كلامي أو من سيسمعه بالمستقبل، أن هذه الجماعة الظالمة وأتباعها ليسوا من الإسلام الحقيقي الذي أتى به النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله. ولذا عليكم أنتم أهل العلم، أن تسعوا إلى نجاة الناس كافّة، حتى الناس في الغرب الذي يعتبرونه مهد الحرية، وأن تبيّنوا لهم الإسلام الأصيل والحقّ. وكذلك على المثقّفين وطلاّب العلم، أن يطالعوا التاريخ، لكي يضعوا حلاًّ لمستقبل البشرية، كل حسب قدرته. وأسأل الله عزّ وجلّ، بحكمته البالغة، أن يعجّل في فرج مولانا الإمام بقيّة الله المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لكي ترتفع مشاكل البشرية كلّها. علماً بأن ساعة الظهور الشريف خافية علينا، ولا نعلم متى يتحقّق هذا الفرج وهذا الأمل.

وحول مسؤولية حفظ الإسلام وصونه من ثقافة المعادين والمسيئين وممن ليسوا منه، قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: لقد كان ثمن خلود الإسلام هو دم مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه. وعن أهمية وقيمة هذا الدم الشريف، نقول أن دم الإمام الحسين صلوات الله عليه، هو أغلى وأفضل من دماء سبعة مليار من نسمة العالم اليوم، ومن الأولين والآخرين، سوى المعصومين صلوات الله عليهم. بعبارة: لو أريق دماء الناس كافّة في كل التواريخ، فإنها لا تبلغ مقام دم الإمام الحسين صلوات الله عليه. وخلاصة القول: اقتضاء لحكمة الله تعالى، كان يجب صون الإسلام وحفظه من كل انحراف، وهذا الأمر لم يتحقّق إلاّ باستشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه وبإراقة دمه الطاهر في تلك الظروف، وهو دم لم يوجد أكرم وأثمن منه.

وأردف سماحته: ذكرت الروايات الشريفة أنه (ما من سماء يمرّ به روح الحسين عليه السلام إلاّ فزع له سبعون ألف مَلَك، يقومون قياماً ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة) الكامل في الزيارات: ص 153، ح190. فلقد نسمع أو نرى أن الخبر المفجع يفجع الإنسان ويؤلمه لأيام معدودة، ولكن كم كان كبيراً وعظيماً إراقة دم الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ وماذا رأت الملائكة بحيث جعلها تفزع إلى يوم القيامة؟! فلنعلم ان كل ما نؤدّيه من صلاة، وكل ما لدينا من اعتقاد، ومن الفضائل الأخلاقية، فهذه كلها مدينة لدم الإمام الحسين صلوات الله عليه. لأن الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه، بتضحياته، أحيى الإسلام الحقيقي وأبقاه خالداً. وكان من أهداف الإمام الحسين صلوات الله عليه، فيما اختاره في كربلاء، أيضاً، هو أن يوصل الإسلام إلى البشرية كلّها بلا استثناء، ويعرّفه لها، بلا إجبار أو إكراه على اعتناقه أو التديّن به، لأن القرآن الكريم قد قال: «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيكْفُرْ» (الكهف/29).

وبيّن سماحته: إذن، وطبقاً لقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فإنّه وبلا شكّ يتحمّل العلماء، وتتحمّل الحوزات العلمية، مسؤولية إيصال تعاليم الإسلام إلى البشرية، وهو الإسلام الذي أحياه دم الإمام الحسين صلوات الله عليه. وبما أن رجال الدين لهم قدرة أكثر على العمل، فإنّ مسؤوليتهم أكبر. وكذلك كبيرة هي مسؤولية المثقّفين والمتعلّمين في إيصال تعاليم الإسلام إلى العالمين. فيجب عليهم وعلى الجميع أن يعلموا بأن الإسلام الحقيقي والأصيل هو إسلام رسول الله، وإسلام أمير المؤمنين، وإسلام الإمام الحسين، وإسلام سائر المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وليس إسلام معاوية ويزيد، حتى يتّضح للناس كافّة بأن الإسلام الحقيقي هو ثمرة دم الإمام الحسين صلوات الله عليه.

وعن كيفية وسبل إيصال الإسلام وتعالميه للبشرية، أوضح سماحته: لا يعرف الكثير من الناس في عالمنا، اللغة العربية ولا الفارسية، ولذلك، وبهذا الصدد، ولتحقيق الهدف وأداء المسؤولية الملقاة علينا، يجب أن نستفيد من كل الإمكانات ومن قدراتنا كلّها.

وقال سماحته: إن الإسلام مَدين لتضحيات الإمام الحسين صلوات الله عليه، فيجب علينا أن نحول دون طمس أهداف الإمام الحسين صلوات الله عليه، وعلينا أن نؤدّي مسؤوليتنا في هذا المقام. فيجب أن تكون أخلاقنا أخلاقاً حسنة، وأن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله، كما قال عزّ من قائل: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (الأحزاب/21)، وأن نحذر من أن لا نكون سبباً في ابتعاد وفرار ضعّاف الإيمان من الناس من الإسلام.

وأضاف ساحته، أيضاً: خطابي للمثقّفين، ولطلاّب العلم بالعالم كافّة، مهما كان دينهم ومذهبهم، وكذلك للمسلمين القاطنين في البلدان غير الإسلامية، وللهيئات الإسلامية، والأمناء للمساجد، وأصحاب الحسينيات، وللمجتمعات الإسلامية، والمؤسسات الثقافية، وأمثالهم، هو أن ما حفظه التاريخ في مصادره عن الإسلام الحقيقي الذي بقي خالداً بسبب تضحيات الإمام الحسين صلوات الله عليه، يجب إيصاله وتعريفه للعالمَين، لكي تتعرّف الدنيا كلّها على طريقة وأسلوب حكومة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وحكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

وأردف سماحته: مع وفور الثروات التي منّ الله تعالى بها على الكرة الأرضية، نرى اليوم موت المئات من الناس بسبب المجاعة والجوع، في حين لم نر في أي مصدر من المصادر التاريخية، أنه مات مسلم واحد من الجوع أو غير مسلم في طوال عشر سنين من حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله، أو في حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي استمرت لخمس سنوات، ولم نجد ذلك حتى في مصادر الأعداء والمعادين لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. علماً بأن رقعة حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كانت ممتدّة في ذلك الزمان إلى خمسين دولة من دول اليوم. وفي المقابل ذكرت المصادر التاريخية أنه في زمن أحد من حكم قبل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، مات الصحابي الجليل أباذر بسبب الجوع.

إذن، على ماذا يدلّ وجود هذا الكم الهائل من الجوعى في العالم اليوم؟ ولماذا يمارس أكثر الظلم في الدول الإسلامية؟ فبين فترة وأخرى تشتعل نار الحرب بين بلدين مسلمين، أو بين شعب واحد لبلد إسلامي، ويزهق إثر ذلك أرواح الألوف من الأبرياء.

إذن يجب علينا أن نعرّف الإسلامي المحمّدي الأصيل إلى العالمين، وهو الإسلام الذي بقي خالداً بسبب الإمام الحسين صلوات الله عليه. ففي القرون الثلاثة عشر الماضية، لم تتوفر الإمكانات التي يمكن عبرها إيصال الإسلام الحقيقي إلى البشرية كلها. فيجب علينا في عالم اليوم الذي تتوفّر فيه الإمكانات، وتوجد فيه نسبة من الحريّات أيضاً، أن نعرّف الإسلام الرحيم المحمّدي الحسيني إلى الدنيا كلّها، وذلك: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ» (النساء/165). وهذا يعني أنه علينا أن نوصل رسالة الإسلام وأن نعرّفه إلى البشرية كلّها، بلا إكراهها أو إجبارها على اعتناق الإسلام أو القبول به، كما صرّح القرآن الكريم بذلك، وكما قام بذلك، أيضاً، مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، في الخطبة الغديرية الشريفة، حيث خاطب صلى الله عليه وآله الناس بقوله: «يَاأَيُّهَا النَّاسُ»، لأن الغدير هو للناس كافّة، وليس لأهل العراق أو إيران، بل للناس في كلّ العالم. ومثل ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله، عندما أرسل رسائل إلى الأكاسرة والأباطرة والملوك، عرّف فيها لهم الإسلام، ودعاهم إليه، بلاإجبار أو إكراه، كما أكّد القرآن الكريم: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (البقرة/256). فإذن يجب علينا في هذا الصدد أن نستفيد من التكنولوجيا الإعلامية الحديثة، بالأخص القنوات الفضائية، في إيصال رسالة الإسلام، إلى الدنيا كلّها، وهي رسالة الحقّ والحقيقة.

وأكّد دام ظله، قائلاً: فعلى الشباب، والكبار، والجميع، أن يعبّئوا ويبذلوا كل ما لديهم من قدرات في سبيل إيصال الإسلام وتعريفه إلى العالم كلّه وإلى العالمين أجمع، أي الإسلام المحمّدي الوجود والحسيني البقاء. ولا شكّ، أن هذا العمل تصاحبه الصعوبات، وترافقه المشاكل الكثيرة، ولكنه محفوظاً عند الله تبارك وتعالى. ولنعلم ان العلماء الماضين قدّس الله أسراهم، قد ساروا على هذا الطريق وتحمّلوا ما تحمّلوه من الصعوبات والمشاكل، ومنهم العلاّمة السيد بحر العلوم قدّس سرّه، الذي كان يبعث ما يؤلّفه من كتاب إلى الهند، لكي يطبع هناك، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف ووسائل ذلك اليوم، وباذلاً ما لديه من قدرات، لكي يكون قد نشر الإسلام وأوصله رسالته إلى الناس.

لذا، فتحمّل الصعوبات والمشاكل في هذا الطريق، هو أمر واجب وضروري، يجب أن لا نغفل عنه، لأن الله تعالى لا يعذرنا عن التقصير في هذا الطريق.

وفي ختام كلمته القيّمة، دعا سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، الله تبارك وتعالى، أن يعجّل في ظهور مولانا الإمام وليّ العصر صلوات الله عليه وعجّل الله تعالى فرجه الشريف، وخاطب رجال الدين والمثقّفين، وطلاّب العلم، وباقي فئات المجتمع، بقوله: أتمنى لكم التوفيق، بأن توفّقوا في شهري محرّم الحرام وصفر المظفّر، وفي باقي الفرص المواتية والأيام القادمة، في تأسيس وإطلاق القنوات الفضائية الشيعية، وأن تنتجوا البرامج القيّمة والغنيّة والجيّدة، التي تسهم في تعريف الإسلام المحمّدي الوجود والحسيني البقاء، إلى العالمين أجمع، وأن توسّعوا رقعة الإسلام الذي تبلور في أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.

جدير بالذكر، أنه بعد كلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، وبحضور سماحته، أقيم مجلس حسيني في بيت المرجعية الشيرازية، وارتقى المنبر فيه فضيلة الشيخ الزهري.

اضف تعليق