q

قضية الرسوم المسيئة للنبي محمد (ص) والتي أثارت الكثير من الجدل وردود الأفعال، لاتزال وبحسب بعض المراقبين محط اهتمام واسع لما لها تأثير كبير على واقع العلاقات الاجتماعية والأمنية في مختلف دول العالم، خصوصا وان بعض الجهات والجماعات المتشددة إسلامية كانت او يمينة متطرفة، قد سعت الى استخدامها كورقة ومصدر مهم لتنفيذ خطط وسياسات خبيثة بهدف استفزاز المشاعر وإثارة الفتن والكراهية والصراع من تحقيق مكاسب خاصة.

ويرى بعض الخبراء ان حملة الإساءات المتواصلة عبر وسائل الإعلام المختلفة، ضد بعض الرموز المؤثرة وخصوصا نبي الرحمة محمد (ص) انما هي حرب جديدة هدفها تشويه صورة الإسلام وتضيق الخناق على الأقليات المسلمة في الدول الغربية واتهامهم بالإرهاب، هذه الحرب اثارت قلق العديد من المنظمات والمؤسسات العالمية التي أدانت مثل هكذا ممارسات ودعت الى ضرورة تشريع قوانين خاصة لتجريم هكذا أعمال استفزازية تهدف الى التحريض على الكراهية والعنف، كما أكد البعض على ضرورة استخدام أساليب وطرق انتقاد حضارية تهدف الى تشخيص الخلل والعمل على معالجته.

جدل مستمر

في هذا الشأن عرض النائب المعادي للاسلام غيرت فليدرز رسوما كاريكاتورية للنبي محمد على التلفزيون الهولندي خلال فترة بث مخصصة للاحزاب السياسية. وعرضت الرسوم العشرة خلال دقيقتين و44 ثانية على قناة عامة وقال النائب ان ذلك للتاكيد بان "العنف لا يمكنه ان ينتصر على حرية التعبير". وبنشر هذه الرسوم قال النائب انه "يدافع عن حرية التعبير امام العنف" ردا على الهجوم الذي نفذه تنظيم داعش على مسابقة للرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد في تكساس مطلع ايار/مايو.

وقال عيسى زنزن المتحدث باسم مجلس المساجد المغربية في هولندا احدى اكبر الهيئات التمثيلية للمسلمين في البلاد "يحاول استفزازنا ونتجاهله". واضاف "لن يحصل شيئا". وقال فرانس زونفلد المتحدث باسم النيابة العامة الهولندية "انها مسألة قانونية معقدة جدا". وصرح "سنرى ان كنا سنتلقى شكاوى وفي حال تلقينا سندرسها". وذكرت وسائل الاعلام المحلية ان السفارات الهولندية ابلغت بالتدابير الواجب اتخاذها في حال وقوع احتجاجات عنيفة على نشر هذه الرسوم.

وردا على إعلان النائب الهولندي المعادي للإسلام نشرت جمعية المساجد المغربية في هولندا رسما ساخرا يظهر فيه النائب فيلدرز على شكل طفل داخل قنبلة وهو يصرخ "أقل أقل" في إشارة إلى خطاب لفيلدرز في 2014 وعد فيه بخفض عدد المغاربة في هولندا، في حين يمر أناس عاديون بينهم امرأة محجبة غير مكترثين بصراخه تحت شعار "سنواصل بناء هولندا". وكان البرلمان رفض عرض هذه الرسوم. وقال فيلدرز إنه سيعرض هذه الرسوم على التلفزيون دفاعا عن حرية التعبير بعد أن استهدف هجوم تبناه تنظيم "الدولة الإسلامية" مسابقة للرسوم الساخرة من النبي محمد في تكساس مطلع أيار/مايو. بحسب فرانس برس.

من جانب اخر ادانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكووكما تنقل بعض المصادر، قيام حركة أوقفوا أسلمة الدنمارك، المعروفة بعدائها للإسلام، بتنظيم معرض رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن والذي تضمن رسومات جُلبت من ولاية تكساس الأمريكية.

واستهجن المدير العام للإيسيسكو، في بيان قيام السلطات الدنماركية المختصة بالترخيص بتنظيم هذا المعرض تحت حماية الشرطة، وبحضور ممثلي وسائل الإعلام. وقال: إن تنظيم هذا المعرض هو تصرف غير أخلاقي يراد منه استفزاز مشاعر المسلمين، ويشجع على الكراهية والعنصرية. ودعا المدير العام للإيسيسكو الدول الأعضاء، ومجلس أوروبا والبرلمان الأوروبى واليونيسكو والأمم المتحدة والفاتيكان، إلى إدانة هذا العمل الاستفزازي المناهض للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وللقرار الأممي رقم 65/224 بشأن مناهضة تشويه صورة الأديان، ولقرار مجلس حقوق الإنسان رقم (16/18) الخاص بمكافحة التحريض على الكراهية والتمييز والعنف بسبب الدين والمعتقد. كما طالب الحكومة الدنماركية بالتدخل مستقبلا لمنع تنفيذ مثل هذه الأنشطة المتنافية مع الجهود الدولية الداعية إلى تعزيز الحوار بين الثقافات، والتعايش بين أتباع الأديان، واحترام التنوع الثقافي للشعوب والأمم، من أجل استتباب السلم والأمن الدوليين.

بعد 10 أعوام

الى جانب ذلك عبر الرسام الدانماركي كورت فيسترغارد، الذي كان قد أنتج رسوما مسيئة للنبي محمد في سبتمبر،2005 عن غضبه، بعد عشر سنوات من رسومه المثيرة للجدل، لأنه تعرض للتهديد، ولكنه لا يشعر اليوم بالأسف. وكان فيسترغارد قد نشر 12 رسما كاريكاتوريا للنبي محمد اندلعت على إثرها مظاهرات ضخمة في عدد من الدول المسلمة.

وبعد عشر سنوات على التظاهرات الدامية التي انطلقت ضد الرسوم الكاريكاتورية التي تمثل النبي محمد ونشرت في الدنمارك، يعرب صاحبها عن شعوره "بالغضب" لكن ليس بالأسف. ويقيم كورت فيسترغارد البالغ 80 عاما تحت حماية الشرطة منذ رسم رجلا ملتحيا على رأسه قنبلة مكان العمامة، لصحيفة ييلاندز بوستن التي نشرته في 30 أيلول/سبتمبر 2005. في 2010 اقتحم رجل يحمل ساطورا وسكينا منزله، فاختبأ في غرفة أكثر أمانا فيما بقيت حفيدته البالغة 5 سنوات بمفردها في غرفة الجلوس. وأوضح في مقابلة هاتفية مع وكالة الأنباء الفرنسية "شعوري العميق لطالما كان الغضب، وما زال. عندما نتعرض للتهديد اعتقد أن الغضب رد فعل جيد، لأنه بمثابة هجوم مضاد معنوي".

ويبدو فيسترغارد، بوشاحه الملون وعصا سير مطعمة بالفضة ولحية صهباء غزاها الشيب، متميزا عن سائر الحشد. وسبق أن تعرض لشتائم من مارة ذوي أصول أجنبية. وصرح الرسام الملحد الذي شب في عائلة مسيحية محافظة "ليست لدي مشكلة مع المسلمين بمجملهم، وسأكافح دوما من اجل حق الناس في ممارسة ديانتهم ومعتقداتهم. هذه مسألة خاصة". واعتبر أن رسمه ليس تهجما على الإسلام، بل انتقادا "للإرهابيين الذين يستوحون ذخيرتهم الروحية من آيات قرآنية". وعادت رسوم ييلاندز بوستن إلى الذاكرة الجماعية بعد الهجوم الذي استهدف في باريس في كانون الثاني/يناير هيئة تحرير صحيفة تشارلي ايبدو التي أعادت نشرها.

في الشهر التالي قتل دنماركي فلسطيني الأصل مخرجا سينمائيا على هامش ندوة حول حرية التعبير في كوبنهاغن شارك فيها السفير الفرنسي والفنان السويدي لارس فيلكس الذي رسم النبي في 2007. كسائر العاملين في ييلاندز بوستن، الصحيفة اليمينية في منطقة زراعية ومحافظة، صدم فيسترغارد بالعنف الذي ولده عمله. وقال متذكرا "على مر السنوات رسمت الكثير من الأعمال التي تنتقد الطبقة السياسية، بالتالي كان هذا عملا روتينيا. لم يكن أكثر من يوم كغيره في العمل". وأثار حوالي 12 رسما، بعد اشهر على نشرها، تظاهرات عنيفة في عدد من الدول المسلمة. وكانت الرسوم ترمي إلى المشاركة في جدال حول الرقابة الذاتية وحرية التعبير، بعد أن عجز ناشر عن العثور على رسام لكتاب حول النبي محمد خشية ردود الفعل على ما تحرمه المرجعيات الإسلامية، أي تصوير النبي والصحابة.

وبعد عقد على تلك الأحداث، اعتبر الرسام أن التبعات كانت محتمة. وقال "حسنا، رسوم الكاريكاتور هي التي ولدت هذه المواجهة أو الصدام، لكن كان يمكن ان يكون المحفز عملا آخر، كتابا أو أي شيء". تقاعد فيسترغارد في 2010 على أمل تراجع التهديدات الإرهابية ضد هيئة تحرير الصحيفة. هذا العام، كانت صحيفته الوحيدة التي لم تعد نشر رسوم شارلي ايبدو، لدواع أمنية على ما أكدت. وعلق رئيس التحرير يورن ميكلسن "الحقيقة، سيكون أمرا عديم المسؤولية بالنسبة ألينا اليوم أن ننشر رسوما للنبي، قديمة كانت أم جديدة". ورأى فيسترغارد أن هذا يثبت تقدم الخوف على حرية التعبير. وقال "اعتقد أن الدنماركيين اليوم خائفون جدا من الإرهاب، ومن تلك الهجمات المفاجئة. ومن الصعب جدا الاعتراف بالخوف".

كما دان على الأخص رفض مدير نقابة مدراء المؤسسات المدرسية إطلاع التلاميذ على الرسوم. وأوضح "قالوا انه ينبغي اليوم إبداء المزيد من التسامح والحرص على عدم إهانة مواطنينا المسلمين. لكن الواقع هو ان هذا ما يعنيه الخوف، وهذا أمر مؤسف جدا". وتابع "بالطبع أتفهم خوف الناس، أنا أيضا خائف، لكنني غاضب أكثر مما أنا خائف". واليوم يبيع الرسام أعماله في معرض في الريف، سبق ان وهب جزءا من أرباحه إلى مؤسسات خيرية أو شارلي إيبدو. بحسب فرانس برس.

ومع وشوك مرور عشر سنوات على انطلاق شهرته العالمية، أعرب أنه "لا يسعه الانتظار" ليرى كيف ستتذكر وسائل الإعلام الدانمركية الحدث، لكنه لا يتوقع نشر رسوم جديدة، معتبرا أن الأمر خطير جدا. لكنه أكد أن الفكر الظلامي لن ينتصر. وقال "لا يمكن ردع أو منع الصحافيين والمثقفين والمبدعين من ممارسة حريتهم في التعبير".

دليل ذا سمبسون

الجدل في هذا الموضوع ليس جديداً، ولكن يبقى السؤال ما هو الموقف الذي يمكن لنا الدفاع عنه فكريا وثقافيا عند محاولة رسم الخط الفاصل بين حرية التعبير والسخرية الدينية؟ إلى أي مدى نستطيع أن نتخطى هذا الخط في مجتمع مفتوح؟ هل من الممكن لحدة الذهن أن تحل مكان الكراهية لتوصيل فكرة ما؟ يرى الكاتب مارك بنسكي أن مسلسل الكرتون الشهير "ذا سيمبسون" أفضل مثال لمعضلات كهذه. على الرغم أن "ذا سمبسون" معروف بجرأته في السخرية، لكن نكته ذكية بدلا من أن تكون فظة، ويوصل المعلومة بطريقة تثقيفية، وبهذا فهو يهدف الى رسم الابتسامة عوض إثارة الغضب.

يستهدف المسلسل البروتستانتية المسيحية، ديانة عائلة سمبسون، في أغلب الأحيان. ولكن يحرص فريق عمل المسلسل على جعل الديانات الأخرى محور حلقة واحدة على الأقل كمعتقدات الطوائف المسيحية الأخرى، مثل الخمسينية والكاثوليكية، فضلا عن أديان أخرى مثل الهندوسية واليهودية والبوذية، حيث قدم كل من الديانات من خلال ضيوف الشخصيات وأصدقاء عائلة سمبسون. ولكن الديانة الإسلامية كانت ملاذهم الأخير.

في عام 2000، عندما كان بنكسي يقوم بأبحاث الطبعة الأولى من كتاب "الإنجيل وفقاً إلى عائلة سمبسون: الحياة الروحية لأشهر عائلة رسوم متحركة في العالم"، العديد من كُتاب المسلسل صرحوا أن السبب الوحيد الذي منعهم عن ذكر الدين الإسلامي في المسلسل يرجع الى عدم معرفة أي من الكُتاب ما يكفي عن الإسلام. يقول بنكسي: "في ذلك الوقت، نظرت بسخرية إلى هذا العذر المقدم منهم، واعتبرت أنهم يرغبون بحماية أنفسهم.. آنذاك كانت الفتوى الإيرانية لقتل سلمان رشدي كاتب ’آيات شيطانية‘ حاضرة في ذهن العالم."

ولكن الكُتاب أكدوا لبنكسي، أن الوقت سيأتي لذكر الإسلام. لكن الأخير شك في ذلك، خاصة في عام 2005، عندما نشرت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية 12 رسما كاريكاتوريا للنبي محمد، أدت الى إثارة غضب المسلمين في جميع أنحاء العالم، ونشر المزيد من تهديدات القتل ضد الفنانين. ولكن بالفعل، حان الوقت للتطرق إلى الإسلام عام 2008 في حلقة "مايبودز اند بومستيكس" التي أظهرت شخصية جديدة لطفل أردني اسمه بشير بن لادن. في أحداث الحلقة تذهب الشخصية الرئيسية، بارت سمبسون، إلى بيت بشير لأكل خاروف لذيذ، في أثناء ذلك يشرح بارت لبشير ان الطعام الوحيد اللذيذ في المدرسة هو شرائح لحم الخنزير، عندها يشرح بشير أن المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير.

في هذه الأثناء ينتاب والد بارت "هومر" كابوساً يرى فيه أن قناة أخبار فوكس نيوز أعلنت استيلاء المسلمين على مدينة سبرينغفيلد، أما الطريقة فهي لا تقل طرافة، إذ أن المسلمين المزعومين يعملون بقيادة الجني من فيلم "علاء الدين"، حيث تصبح كنيستهم مسجدا، وقسيسهم شيخا، وتنتشر موسيقى المغني كات ستيفن، المعروف بـ"يوسف إسلام" في كل مكان. ويستيقظ "هومر" مشتبها أن والد بشير إرهابي على وشك أن يفجر قنبلة. ولكن يكتشف لاحقاً أن الوالد مهندس، وُظف لهدم مركز سبرينغفيلد التجاري المهجور.

في حين أن هذه الحلقة واجهت العديد من الصور النمطية للمسلمين، إلا أنها لم تتعد الخط الأحمر النهائي كتصوير النبي محمد، لذا لم يكن هناك عنف، ولم تتسبب الحلقة بانتقادات إسلامية للبرنامج. وعندما بُثت الحلقة، قام نهاد عوض، المدير التنفيذي لفرع لوس انجليس لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية آنذاك، بتهنئة منتج "ذا سمبسون" مات غرونينغ قائلا:" إنني أحيي جهودكم في حلقة من ذا سمبسون من اجل إعطاء المسلمين الأميركيين طابعهم الانساني من خلال تحدي المشاعر المعادية للمسلمين في مجتمعنا." بحسب CNN.

في استعادة لأحداث الماضي، ونظرا لقصة الهجوم على صحيفة "شارلي ابدو" الفرنسية، والهجمات ضد رسامي الكاريكاتير الأخرين، تبدو حلقة "ذا سمبسون" شجاعة وحكيمة، ومحافظة على تقاليد المسلسل عند تصوير ديانة غير مألوفة بطريقة مطلعة، تتخلص من الفكرة النمطية للإسلام والتحيز الديني.

اضف تعليق