q

استضاف مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي تعقده مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، الباحث حكمت البخاتي، قدم فيها ورقة حملت عنوان (الطائفية والانغلاق) جاء فيها:

تنشأ المذاهب بين اتباع الديانات على ضوء تصورات خاصة لمجموعات دينية حول النصوص الاصلية لهذه الديانات، وتكون في بداياتها الأولى مجرد اجتهادات او تصورات بشرية في اكثرها حول هذه النصوص.

ثم تتطور تلك التأويلات او الاجتهادات الى عقائد دينية، وأحيانا تأخذ تلك التأويلات البشرية صفة التنزيلات الإلهية، فيصير الكلام البشري بهذا كلام إلهي. لكن تحوله الى كلام إلهي دائما يمر عبر اختناقات الطائفية.

فالمذهبية تكشف عن مذاهب اهل الأديان في تفسير نصوصها (الأديان)، اما الطائفية فان المذاهب تتحول بها الى اديان.

واذا كانت المذاهب تنشأ بين مجالس العلماء والفقهاء في النظر والجدل، وتكتفي بتبيان وجهة نظر ما، فإنها لا تحكم بمصادرة النص الى جانبها على حساب مذاهب الاخرين من العلماء والفقهاء، وانما تكتفي بالاختلاف وتقاطع الآراء والأفكار. مثلما حدث مع نشأة مذهب المعتزلة في مجلس علمي كان ينعقد في مسجد البصرة، وكان الحسن البصري يدير هذا المجلس فاختلف واصل بن عطاء مع استاذه فذهب كل منهما الى مذهب مختلف في مسالة الايمان والكفر والمنزلة بين المنزلتين. ولم يرم أحدهم الاخر بالخروج من الدين او تغليب رايه البشري على النص الإلهي.

وكانت هذه المجالس منفتحة ومتصلة في الحضارة الإسلامية، وكانت تجمع مختلف العلماء والفقهاء أصحاب المقالات، ولم تكن هذه المجالس منغلقة على اتباع مذهب ما، او أصحاب مقال ما، في القرون الأربعة الأولى من الحضارة الإسلامية.

ولعل تجربة الشيخ المفيد في حضوره دروس المخالفين من المعتزلة والعامة خير دليل على هذا الانفتاح، وكذلك القبول العام لتلميذه الشريف المرتضى وحصول الشيخ الطوسي على (كرسي الافادة) وهو الكرسي الذي يمنح ليجلس عليه أكثر العلماء علما وفقها. ادلة أخرى على هذا الانفتاح، وكان الخلاف الكلامي والفقهي والعقائدي يدار في هذه المجالس بلغة الجدل والنقاش او ما يعرف في يومنا هذا بالحوار.

لكن بعد ان تسلل خلاف الأفكار واختلاف العقائد الى العامة وغير اهل الاختصاص من العلماء والفقهاء والمتكلمين، وكانت العامة وشيوخها او فقهاؤها نصف متعلمين تعيش انغلاقها في محلاتها الخاصة بها والموسومة بخاناتها واسواقها التي يرتادها اهل تلك المحلات، ودكاكين حرفها –جمع حرفة – وكانت تلك العامة ليست بذات نظر ولا فكر ولا يعرف لها موطئ قدم في حلقات الدرس والعلم، واما قادة الرأي فيها من انصاف المشايخ والعلماء فقد كانوا حشوية مولعين بالنقل والرواية وبعيدين عن العقل والدراية، ويأخذون من النص ظاهره بلا تدبر او حسن تفسير. فالرب له وجه وله يد وله رجل وله صورة.

وزادت تلك المواقع في بغداد من محلات ومدارس ومساجد من انغلاقها عبر سياجها العازل حول محلاتها انغلاقا اخر كان يمهد له هذا العزل او الانغلاق المكاني، وهو انغلاق تلك المواقع الفكري عبر تحريمها خوض العقل في النص ومحاولة فهمه من خلال الفكر والغوص في اعماقه في المعنى المراد به المعنى المشتق منه والحقل الخاص له.

لقد حرموا علم الكلام والمنطق والفلسفة وانغلقوا على الرواية وبدون تدقيق في المعنى، وشَرَهٌ في قبول السند، ثم زاد الشَرَهُ في قبول الحديث حتى كثر الوضع لاسيما الأحاديث التي توافق قولهم وتسكن اليها نفوسهم. وقد كفّروا (أبو الوفاء بن عقيل) أحد علمائهم لأنه خالط العلماء ومجالس الكلام وقد استتيب في ذلك.

وقد كانت محلات بغداد منغلقة على مذاهبها، فأهل الكرخ شيعة، واهل باب البصرة سنة، والنصارى لهم محلات بهم خاصة. وكانت المعارك تستمر أياما فيما بين المحلات، وفيها كانوا يغزون الأسواق والدور والمساجد، حتى احرق ونهب مشهد الامامين الكاظمين. واهل هذه المحلات هم العامة في بغداد. ولم يحدثنا التاريخ عن عراك او تنازع بين العلماء والفقهاء.

واشهر جماعات العامة التي عرفت بالخصومة والنزاع والشغب في بغداد هم الحنابلة، فقد عرفوا بالشغب على اتباع كل المذاهب من إمامية وحنفية ومالكية وشافعية. بل شكى منهم حتى علماء من الحنابلة واختفوا عن الأنظار بسبب تهديداتهم كما فعلوا مع (ابن عقيل) وهو فقيه حنبلي برز في الكلام، ومثلما فعلوا مع الفقيه والمؤرخ (الطبري) حتى اغلقوا بابه بكثرة الحجر الذي رمي به بيته، ومنعوا الناس من تشييعه لأنه قال ان (ابن حنبل) محدث وليس فقيه.

ولا ننسى ان السلاجقة كان لهم الدور في تشجيع هذه الخلافات والوقوف الى جانب العامة من الحنابلة، لانهم سند من ناحية، ومن ناحية أخرى فالسلاجقة بدو من الاتراك، والبدو هم الأكثر انغلاقا على تطورات العصر في كل زمان ومكان.

فهم لا يرون أكثر من دائرة الغزو والنهب ولا يقيمون وزنا للدول والمدن. وقد كان أثرهم كبيرا في تخلف بغداد وانهيار حضارتها وخراب الزرع والضرع فيها.

وقد طرح الباحث ثلاثة أسئلة جعلها مداخل لمناقشة الأفكار الواردة في الورقة، وكانت الأسئلة هي على التوالي:

السؤال الأول: كيف يتسق هذا القول ومذهب الشيعة في تكونه وتأويله؟

السؤال الثاني: بغداد في تاريخها تحكي قصة بدء الطائفية ثم ها هي تعود لتبدأ مع الطائفية من جديد وما يحدث في العالم الإسلامي تاريخيا هو انعكاس لما يحدث في بغداد؟

السؤال الثالث: اذا كان الانغلاق هو الذي تتولد الطائفية في مناخاته فهل الانفتاح هو علاجه؟ ثم كيف يكون العلاج دينيا ام ثقافيا؟

اشترك عدد من الحضور في التعليق على ما اثارته الورقة ومقاربة الأسئلة بأجوبة متعددة، اغنت هذه الاصبوحة بما طرحته.

السؤال الأول: كيف يتسق هذا القول ومذهب الشيعة في تكونه وتأويله؟

السيد علي الطالقاني:

 لا شك أن هناك خلاف عقائدي وفقهي تنطلق منه هذه التصورات مع بقية المذاهب، ونحن كوننا قريبين من مواقع العلماء والفقهاء وكوننا في مدينة مقدسة، راينا الفتاوى التي انطلقت منها وخصوصا في ما يتعلق بالصراعات الطائفية وبالذات في العراق، تختلف عن ما ينطلق من المرجعيات السنية، هذا أولا، ثانيا من حيث النص، ربما بسبب قيودنا الدينية، نحن بطبيعة الحال كمجتمعات لا اعتقد اننا نطعن او نشكك في انطلاق تصوراتنا الشيعية ولكن حتى الشيعة في ما بينهم هم مختلفون حول نظرتهم للطائفية. هناك بعض وجهات النظر تنظر الى الخطاب الديني العقائدي على انه خطاب يجب ان يكون ويتوضح بالصورة المطلوبة والتأكيد على الاحاديث الدينية سواء كانت هذه الاحاديث متفق عليها او غير متفق عليها مثل ما موجود في البحار او في الكافي. هناك من يؤمن حتى بالأحاديث التي تنطلق من البحار ولا يشكك في صحتها، وهناك داخل الشيعة أيضا، من يؤكد على التعايش السلمي وعلى اللاعنف ويجب ان يكون الحوار ويجب ان يكون التعايش هو المنطلق للتصورات. فاعتقد حتى داخل المذهب الشيعي هناك خلاف، وما نراه من تعامل مع احداث سياسية انطلقت منها بعض الفتاوى بعد 2003 هناك من كفّر حتى من داخل الشيعة وهناك من لم يكفّر بل استخدم أسلوب الحوار واعتقد ان هذه المسالة خلافية.

الدكتور لطيف القصاب:

لا نستطيع القول يوجد مذهب شيعي ومذهب سني، فالعالم السني فيه مذاهب شتى، وكذلك العالم الشيعي فيه مذاهب كثيرة، هذا معروف لمن قرأ كتابا في العقائد الإسلامية مجتمعة، واعتقد ان المشكلة ولب الاختلاف في تفرع المذاهب كلها هو إخفاء جانب المتن والاتكاء على السند، وهذه المشكلة هي التي تمثل حجر الزاوية في الاختلاف المذهبي والعقائدي بين كل فريق وأصحاب كل اجندة دينية.

 هم عندما ذهبوا الى السند وتركوا المتن اصبح لدى كل واحد من المذاهب سلالة سندية، يحيى بن معين لديه سند يختلف عن الاخرين والبخاري سنده يختلف عن مسلم، وكذلك بقية أصحاب السنن، وكذلك الحال بالنسبة للشيعة، دعنا من الاخباريين، حتى الأصوليين نفسهم عندهم اختلافات سندية، ولهذا تجد احدهم يقول بجواز المسالة الفلانية والأخر يقول بعدم جوازها اعتمادا على سلسلة سند يؤمن بها المجتهد سين ولا يؤمن بها المجتهد ص، ولهذا السبب هذا قال بالوجوب وهذا قال بالجواز، في مقابل ذلك مقالة التحريم.

 بقدر ما يتعلق الامر بفهمي لتجذر الاختلافات او بداية تفرع الاختلافات هو نابع من هذه المشكلة الاصلية حيث انهم اداروا ظهورهم الى المتن واتجهوا الى السند الذي هو في الحقيقة فيه الموضوع وفيه الكذاب وذلك باعترافهم فهذا يقول هذا كان كذاب وهذا كان منافق. مشكلة السند هي التي أدت الى اختلاف المذاهب في العالمين السني والشيعي. طبعا بالنتيجة العامة أصبح كل حزب بما لديهم فرحون.

اما فيما يتعلق بقضية الطائفية، من المؤكد انا أحب ما انتمي اليه والعكس صحيح انا اختلف مع من يختلف عني. هذا موجود عند كل الملل والنحل سواء كانت إسلامية، او مسيحية او يهودية، حتى العلمانيين والملحدين لديهم اختلافاتهم الجوهرية فليس كلهم على قلب رجل واحد.

الدكتور حازم البارز:

 حقيقة في كل دول العالم ان التعاطف الإنساني لا يحدث الا من خلال السلم، السلم الاجتماعي، ولم يحدث في الإسلام الا النزر القليل من خلال التعاطف الإنساني، السبب في ذلك هو تعدد المذاهب، تعدد المذاهب او الطائفية بصورة عامة، حدثت من خلال الانغلاق الفكري، والتقييد الفكري، فظهرت هذه النزعات والتزمت في الامر. وطبعا كذلك من خلال التحديات في القرون الماضية من خلال مصطلحات تختلف بين فترة وأخرى، كما نشهد ذلك في وقتنا الحاضر التحديات من خلال العولمة او من خلال الإرهاب، ظهر هذا التزمت والتقيد بالراي.

الدكتور قحطان الحسيني:

موضوع الطائفية والطائفة ليس بالموضوع الجديد بل موغل في القدم وفي المجتمعات الإنسانية. اوربا التي سبقت العرب والمسلمين في عصر النهضة والحداثة كانت قد عانت بشكل مسبق قبل العرب والمسلمين من موضوع الطائفة. فالمجتمع المسيحي كان مقسما الى طوائف وهذه الطوائف أيضا دخلت في حروب طاحنة استطاعت ان تصل في النتيجة الى عدم الجدوى من الطائفة والانتماء الطائفي فتحولت الى الدولة المدنية.

الطائفية هي سمة من سمات الخلاف بين افراد المجتمع الإنساني وهي مسألة طبيعية جدا، ولا خوف منها ابدا الا اذا تحول الانتماء الى الطائفة والشعور به الى خلاف وصراع فكري يجر بالنتيجة الى التكفير والقتل والتهجير والانغلاق عن الاخر وعزله. هذه هي الخطورة الكامنة في الطائفية.

الطائفية في المجتمعات الإسلامية لا تنم عن وعي ولا عن فكر وظفت وبسبب الازمات التي مرت بها الدول الإسلامية والعربية، الصراعات على السلطة وخصوصا ان هذه الدول تعرضت الى موجات احتلال من خارج الحدود، وبغداد بالتحديد كانت في دوامة احتلال يخرج احتلال ويأتي احتلال جديد آخر الاحتلال الإيراني والاحتلال العثماني كانا يتعاقبان السيطرة على العراق وعندما يحتل الإيرانيون بغداد يقربون الشيعة وعندما يحتل العثمانيون بغداد يقربون السنة. المشكلة في طائفية بغداد انها ليست عاملا داخليا صرفا وانما عاملا خارجيا ادى الى واجج وعزز الطائفية كما حدث بعد العام 2003 عندما قاد بريمر مشروع الحكومة الطائفية والمحاصصة في العراق.

الطائفية في الظروف الاعتيادية في وقت الاستقرار السياسي والثقافي والأمني لا خوف على أهلها ولا خوف على من يختلف معهم في الراي. الخوف في ان يتحول هذا الاختلاف الى صراع في وقت الازمات فيتم اللجوء الى الطائفة للاستقواء بها وكسب الحلفاء بوجه الأعداء، وهذا اخطر ما في الطائفية السياسية. التوظيف السياسي للطائفة هو الذي أدى الى تناحر المجتمع العربي الإسلامي والصراع بين الطوائف حتى وصل الى القتل والتهجير والتصفية ومع الأسف وصلوا الى درجة ممكن ان نقول بدأت تظهر ملامح الانغلاق والانعزال مابين الطوائف الإسلامية. يعني قبل 2003 و2006 مسالة العلاقات بين السنة والشيعة كأصدقاء او في الاحياء في بغداد علاقات التصاهر او العلاقات الاقتصادية علاقات طبيعية جدا لكن بعد 2006 نرى ان هذه العلاقات بدأت تخف وتتلاشى وتنعدم تدريجيا، لان كل واحد اصبح مقيدا بإدراكات ومشاعر طائفية يحسب لها الف حساب ويخشى من عواقبها.

فالمسالة الطائفية أخطر ما فيها هو توظيفها السياسي في وقت الازمات والصراعات التي تحدث في دولة ما.

محمد الصافي:

عادة ما ترتبط الطائفية وخاصة الانغلاق الطائفي في مجتمعاتنا بالدرجة الأساس بقيم البداوة والقبيلة والعشيرة وتتسبب بالعصبية والتناحر حتى قبل ظهور الإسلام.

الإسلام حاول توحيد هذه القبائل وحاول ان يحد من تلك العصبيات والتناحر ويعطي لها مفهوم الامة الواحدة.

مشكلة النقل التي سببت مشاكل بين الطوائف، سبقتها اختلافات وصراعات بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ولم يكن قد ظهر بعد رواة الحديث ولدينا امثلة، من ذلك الغدير والوصية وقضية رزية يوم الخميس. الاختلاف ظهر في الأيام الأولى ولم تكن هناك حاجة لرواة الحديث لان الأشخاص كانوا قريبين من العهد النبوي وهم عاصروا هذه الاحداث.

في اوربا أيضا كانت لديهم القبلية مثل البرابرة والقبائل الجرمانية قبل وصولهم الى التمدن، كلما تتجه المجتمعات نحو التمدن ونحو الصناعة تجدها تنفر من قضية الطائفية والتعصب والمناطقية. الثورة الصناعية التي حدثت في اوربا كانت السبب الرئيسي في تقليل التناحر.

احمد جويد:

مسالة الطائفية متعلقة بالذهنية العربية، والانغلاق ليس بالطائفة بل بالتفكير العربي فيها. وهي مشكلة لازلنا نواجهها حتى الان، الطوائف لاتوجد في الدين الإسلامي وحده، شاهدنا ذلك في بريطانيا وفي ايرلندا، حيث الحرب الحرب الطاحنة بينهما.

الدين والطائفية دائما مايستخدمهما الحكام للحفاظ على السلطة، ودائما ما كان الحاكم او المستعمر اذا أراد السيطرة على مكان او على شعب ما، يحاول ان يوظف هذه القضية للسيطرة، لان اقرب ما يمس الانسان الى مشاعره هو الدين والطائفة.

الحاكم عند مجيئه يحاول ان يقرب طائفة على أخرى للاستقواء بها عليها وذلك يخلق صراعا بين الطوائف حتى تضعف هذه الشعوب ويبقى من السهل السيطرة عليها ويستقوي بطائفة على أخرى، ولاحظنا ذلك عند المستعمر البريطاني في الخليج في دولة مثل البحرين ولان محيطها سني جاء بحاكم سني وسلطه على رقاب الأكثرية المجتمعية والذين هم من الشيعة واستطاع بذلك ان يحصل على تأييد المحيط السني والتلاعب به وخلق عدو وهمي له دائما من طائفة أخرى.

وفي طوائف كثيرة هناك من يسمون بعلماء السلطة ومفتي الحكام وهؤلاء نشأوا في الدولة الاموية. ويمكن ملاحظة استغلال الحاكم والمستعمر للقضية الطائفية من خلال الدولة الفاطمية والصراع الذي نشأ ضدها بدافع السلطة والسيطرة على مصر ولو كانت دولة سنية لما تم اسقاطها في تلك الفترة.

السبب الرئيسي لاستغلال الدين والطائفية اما ان يكون الاستعمار لأجل خلق عدو وهمي للطائفة الأخرى واما العقلية التي تحكم علماء السلطة او عقلية الحكام وبعض الشعوب التي لا تنسجم مع بعضها.

حيدر الجراح:

متى تحولت المذاهب الى طوائف، اذا كانت المذاهب في بدء نشأتها منفتحة على الاخر؟ في أي فترة زمنية حدث مثل هذا التحول، حيث بدأت تستعير تقاليد الطائفة في مسالة الانغلاق وعدم الانفتاح على الاخر. هل يعني هذا خاصة بعد 2003 اننا نعيش عقلية العامة وخاصة النخب الدينية وصعدت هذه العقلية لتصبح هي النخبة ام ان النخبة تجاوبت مع العامة بحيث اخذت تتماهى معها؟

مرتضى معاش:

لا يمكن ان نفكر في يوم من الأيام في الغاء القناعات والأفكار لذلك فمسالة الطوائف هي امر طبيعي في كل المجتمعات. التعددية موجودة ولكن المشكلة الأساسية هي استخدام العنف الطائفي. الطائفة او الطائفية كمصطلح ليس فيه إشكالية. فكل انسان لديه الحق ان يكون لديه جماعة وتجمع ورأي.

بدأت الطائفية العنيفة اذا صحت التسمية منذ يوم السقيفة وبالذات بدأت منذ يوم منع تدوين الحديث عند مصادرة فدك، هنا حدث استخدام للقوة والعنف ضد الاخر من اجل منعه. فبدأت عملية الغاء التعددية وهيمنة طائفة على طائفة أخرى وهيمنة فكر على فكر اخر.

 السلطة دائما تحتاج الى شرعية فاذا اردت الحصول على تلك الشرعية لابد ان تقمع الاخر الذي يرفض هذا الأسلوب. القضية بدأت من هناك بالنسبة الى السنّة والشيعة.

السنّة دائما كانت لديهم مشكلة شرعية ويمكن ملاحظة ذلك في الكتابات الدستورية والقانونية التي يكتبها الكثير من الباحثين السنة حول كيفية وصولهم الى الخلافة واستحواذهم على السلطة. الشيعة ليست لديهم هذه المشكلة. لهذا نجد ان العنف عند بعض السنة هو عنف كامن في جوهره ضد الأخر، سواء كان الاخر من السنة انفسهم او من بقية الطوائف وخصوصا الشيعة. لذلك دائما كانت السلطة السنية سلطة مستبدة غير ديمقراطية لهذا كان دائما ما يصبح الحاكم سنيا حين تؤول اليه السلطة مثلما حدث للعباسيين الذين كانوا شيعة ومن اهل البيت عندما أصبحت السلطة بأيديهم اصبحوا سنة بحثا عن شرعية جديدة مقابل شرعية أئمة اهل البيت (عليهم السلام) لهذا شجعوا على تأسيس المذاهب واكسابها شرعية الوجود مقابل الشرعية الشيعية.

واتصور ان ما حدث من عنف فان جذوره تعود الى تلك الفترات الزمنية.

يجب ان نفكر بهذه الطريقة: الشيعة لا يحتاجون الى العنف حتى يثبتوا شرعيتهم، وما حدث من الشيعة هو رد فعل لما حدث ضدهم بعد العام 2003 وما حصل ضدهم في السابق.

بعد تلك المداخلات قام الباحث حكمت البخاتي بمناقشة عدد من النفاط التي وردت فيها حيث رأى، ان الشيعة لدى كل القدامى من المؤرخين والفقهاء - ونحن نعتمد على المؤرخين لانهم يؤرخون لحالات اجتماعية دينية - لم يطلق احد منهم تسمية المذهب على الشيعة على اعتبار انه كان هناك اسلام في القرن الأول في بداياته ثم ضمن هذا القرن في الثلث الأول منه ظهرت كلمة شيعة ثم تطورت الى (الشيعة) والمعني بهم هم أصحاب امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام). وأضافوا إليهم انهم من قالوا بالنص على الامامة. أي ان الشيعة لا تذهب الى التأويل وفق أصحاب المقالات ولكنهم منذ البداية يحددون ارتباطهم بالنص.

 اذا راجعنا كتب المقالات الإسلامية القديمة ولدى كتابها الاقدمين مثل أبو الحسن الاشعري والشهرستاني والنوبختي وغيرهم نجد تعريف الشيعة بانهم من قالوا بالنص على الامامة.

ظهور المذاهب كتسميات هو ظهور تاريخي ظهر في القرن السادس او السابع الهجري في مصر عندما حكم أحد المماليك بلاد مصر حين اعتمد بعد الدولة الفاطمية المذاهب الأربعة (المالكي الشافعي الحنفي الحنبلي) ولم يجعل موقعا للمذهب الجعفري.

ما نقوله في المذاهب لا ينطبق على المذهب الشيعي، ومن الخطأ ان نقول مذهب الشيعة والصحيح ان نقول المذهب الجعفري وهي التسمية المعتمدة لدى المحاكم الرسمية سابقا في العراق والان في الكويت وفي لبنان.

بخصوص الأسباب الداخلية والخارجية انا اعتبر الانغلاق عاملا مساعدا على تكوين الفكر الطائفي، الأسباب السياسية وعند المراجعة التاريخية لكل توظيفات الطائفية، نجد مثلا ان المتوكل العباسي (دائما احيل مشكلة الطائفية والسلفية في واقعنا العربي - الإسلامي حتى استثني المجتمعات الأخرى الى زمن المتوكل والى احمد بن حنبل) فقد استعان بالعامة من اجل مواجهة ضغط الاتراك عليه. والعامة كان لها ميل الى احمد بن حنبلـ، وذلك لان الرؤية والتصورات الفكرية تتساوى بين العامة وبين بن حنبل.

ولذلك ملأ الاذهان لكي يتحصل على تخفيف الضغط من الاتراك فعمل توحيد كلمتهم ورفع من مقام احمد بن حنبل كثيرا. والغاية هي سياسية وهي مواجهة الترك.

العرب انفصلوا عن السياسة منذ ان وصل السلاجقة الى الحكم في القرن الخامس الهجري، انفصل العرب تماما عن السياسة، وبقيت البلاد الإسلامية تابعة للترك السلاجقة والاقوام الأخرى التي تبعتهم الى أيام الدولة العثمانية على مدى ألف سنة يحكمنا الترك.

 والترك هم قبائل بدوية ولذلك لا نجد في أيام حكمها أي تطور حضاري. البويهيون كانت لديهم حضارة خالدة وكذلك الدولة الفاطمية، لكن ما اعقبها هو انتهاء الحضارة مع البدو الترك. العرب انقطعوا الف عام عن الحكم وعن السياسة. بعد سقوط الدولة العثمانية عادوا الى الحكم.

 صحيح كانت هناك تأثيرات مدنية بفعل الحداثة الوافدة الى البلاد العربية، مثل طبقة الافندية، طبقة العسكريين الذين ذهبوا للدراسة في الاستانة، ولكن في الخمسينات في فترة الانقلابات العسكرية عاد البدو من جديد الى الحكم، لان جميع زعماء الانقلابات هم اصولهم من القرية والصحراء (القذافي - جمال عبد الناصر - صدام حسين) فأعيدت البداوة من جديد الى حكم البلاد ولذلك أيضا توظفت معها الطائفية بشدة وبقوة. معمر القذافي في المناهج التدريسية في ليبيا كان يذكر كفر الشيعة وكذلك عبد السلام عارف. بخصوص وعاظ السلاطين هم ركيزة الطائفية سواء كانوا من السنة او الشيعة.

هل ان الشيعة يميلون الى الانغلاق في ثنائية الانغلاق والانفتاح؟

 حسب اراء علماء الاجتماع فان الشيعة تتقبلها الحواضن المدنية فهم اقل ميلا الى الفكر الطائفي من الحنابلة. وابن المدينة يكون اقل ميلا للفكر الطائفي. كل الأديان تتحول الى مذاهب وهي تتحول أيضا الى طوائف فالدين أولا ثم المذهب ثم الطائفة.

في الحقيقة ان المذهب لا ينقسم الى طوائف بل تنقسم المذاهب الى رؤى واجتهادات وتأويلات لكنها حين تدخل فيها السياسة والمصالح تتحول تلك الجزئيات المذهبية الى طائفية.

حول السؤال الثاني كانت الإجابات والمداخلات على الشكل التالي:

السؤال الثاني: بغداد في تاريخها تحكي قصة بدء الطائفية ثم ها هي تعود لتبدأ مع الطائفية من جديد وما يحدث في العالم الإسلامي تاريخيا هو انعكاس لما يحدث في بغداد؟

علي الطالقاني:

طبيعة النظام السياسي الذي عادة ما يتمركز في العاصمة، بغداد معروفة تاريخيا انها عاصمة العراق، طبيعة النظام السياسي تتحكم في استقطابه لأجندات معينة، هذا عامل، العامل الثاني له علاقة بالكثافة السكانية، بعد العام 2003 ركز النظام السياسي على استقطاب النظام العشائري، العوامل الاقتصادية التي تجذب السكان وتحدث خلافات حول الموضوع.

الدكتور لطيف القصاب:

الطائفة مصطلح يعبر عن وجود جماعة في اطار معين وقد ذكرت في القران الكريم، لكن متى ما اقترنت الطائفة بالعنف واستعمال السلاح عندما تتحول الطائفة الى حزب سياسي يسعى للاستيلاء على السلطة حينئذ تأخذ طابعا سلبيا. ممكن للطائفة ان تكون ملفوظا محايدا او إيجابيا او سلبيا اعتمادا على تسييق الكلمة داخل السياق العام.

بغداد لا تدري طوائفها من بعد هذا الخسف ماهو الخطر.

الدكتور حازم البارز:

رمزية بغداد ومركزيتها لها الدور الفاعل في الانفتاح الفكري والتاريخ يشهد بذلك، حتى العالم لا يثبت على انه عالم الا من خلال المكاتبة وهذه لا تحدث الا في بغداد. وكان العالم يقطع الاف الاميال من بلاد الاندلس ومن مصر ويأتي الى بغداد ويثبت انه عالم. كان الانفتاح الفكري واوج ازدهاره هو في بغداد فبالتأكيد تظهر هذه الطائفية.

الدكتور قحطان الحسيني:

تتميز بغداد بخصوصيتها عن باقي المدن العربية والإسلامية فهي حاضرة الدنيا وهي مركز اشعاع حضاري وفكري وهي لسببين كانت تؤثر في باقي المناطق، السبب الأول انها مركز حضاري وعلمي، والسبب الثاني انها كانت مركز السلطة في الدولة العباسية التي هي اقوى دولة في التاريخ الإسلامي وهي كانت نتاجاتها على كل المستويات كبيرة جدا. من هذين السببين كان تأثير بغداد على باقي المناطق العربية والإسلامية واضحا جدا فحدث التلاقح والاختلاط أي المجتمع غير المتجانس لا في الأفكار ولا في المذاهب ولا في الانتماءات ففيها العربي وغير العربي فيها السني وفيها الشيعي.

احمد جويد:

الطائفية تأسست في وقت المتوكل العباسي وباعتبار بغداد هي عاصمة الدولة العباسية ولا زالت هي في المحيط السني بغداد هارون، وثارت ثائرتهم في إسطنبول في وقت ما ان بغداد الرشيد يدخلها القرامطة الجدد فتمثل بغداد رمزية لطوائف معينة وحتى للشيعة فبغداد هي الجوادين. القضية هي قضية صراع على المركز ومن يسيطر عليه.

 مرتضى معاش:

كانت بغداد على طول التاريخ الإسلامي رمزا للتنوع وهي إضافة الى القاهرة في زمن الفاطميين المدينة الوحيدة التي جمعت مختلف المذاهب في مكان واحد ولا يوجد في مكان اخر، وهي حالة فريدة لعاصمة إسلامية في تنوعها المذهبي والحضاري والثقافي وهي محسودة، فهكذا مدن تكون محسودة دائما وكذلك بيروت حتى دمروها. بالنسبة الى بغداد نلاحظ ان اغلب علماء الشيعة الذين كانوا خلف تأسيس النهضة الشيعية الحديثة قبل الف سنة هم من بغداد، من السيد المرتضى والسيد الرضي والشيخ المفيد والشيخ الطوسي مؤسس حوزة النجف. نلاحظ ان بغداد هي رمز الظهور الشيعي والبويهيون كان لهم دور كبير جدا في هذا الظهور.

في تعقيبه على المداخلات تساءل الباحث:

لماذا بغداد هي مصدر لهذه المشكلة؟

 لقد في بغداد ظهر مصطلح اهل السنة والجماعة وتم التنظير له وادامته فيها، خارج بغداد لم يكن السنة يستخدمون هذا المصطلح، لأنه لم يكن له وجود على امتداد البلاد الإسلامية بحيث ان (أبو الحسن الاشعري) في كتابه (مقالات الإسلاميين) كان يقول اهل السنة والاستقامة وقد ألف كتابه في بغداد، اهل السنة والجماعة مصطلح حنبلي وضعه فقهاء الحنابلة وايده المتوكل بقوة وتبناه ورسخه في ذهنية الحنابلة ومن ثم انسحبت الى السلفية. الاشعري لأنه لم يكن من الحنابلة لم يستخدم مصطلح السنة والجماعة في كل كتابه.

ابن حزم الاندلسي الذي عاش في نفس العصر أيضا في كتابه (الفرق بين الملل والنحل) لم يستخدم مصطلح اهل السنة والجماعة بل استخدم فقط مصطلح اهل السنة.

 كانت مشكلة بغداد ان هذا التنوع مثلما أحدث ازدهارا وتطورا لدى العلماء أحدث انشقاقا وانحيازا بين العامة وانصاف الفقهاء فجاءت هذه الكلمة في وسط هذه الأجواء. وكذلك في بغداد ظهرت المؤلفات الفقهية لفقهاء السنة الكبار في مسألة الخلافة خصوصا كتاب الاحكام السلطانية للماوردي وأيضا الاحكام السلطانية لابي الفراء الحنبلي. فلذلك الان ما تنظّر له التنظيمات الإسلامية الأصولية حول مسألة الخلافة مرجعها وبتأويل وليس مباشرة لهذين الكتابين.

أضف الى ذلك، ان جميع الحركات الأصولية الان هي مرجعها لابن تيمية حتى وصفها راشد الغنوشي في كتاب أصدره في الستينات والسبعينات بانه (أبو الصحوة الإسلامية الحديثة) وابن تيمية يعد التلميذ الأمين لابن حنبل. وكل هذه الحركات مصدرها ابن تيمية وقبله ابن حنبل.

 لا ننسب الى بغداد التطرف لأنه بعد القرن الخامس والسادس الهجري وما تلاهما انقرض الحنابلة من بغداد وعادت مدينة طبيعية الى ان ظهرت الوهابية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والتقى بمشايخ ال سعود في الجزيرة العربية عدد من علماء السنة، منهم أبو الثناء الالوسي الذي ارسله السلطان العثماني لمفاوضة الوهابيين وقد عاد متأثرا بالوهابية وعائلته أيضا تبنت هذا الفكر السلفي لكن لم يصل الى حد العنف والتطرف الموجود لدى الوهابية. الشخص الاخر الذي نقل السلفية وأعاد الحنبلية الى بغداد هو أحد مشايخ العبيد محمد بن عبد العزيز الشاوي ارسله والي بغداد العثماني لمفاوضة ال سعود على قتلى لهم في النجف بعد ان مر الوهابيون فيها وشاهدوا احد الشيوخ يقبل القبر فهجموا عليه وقتلوه في النجف فثارت العشائر وقتلت بحدود مائة وهابي فثارت ثائرة ابن سعود فارسل والي بغداد الشاوي لمفاوضته وعقد الصلح وقد عاد متأثرا اشد من ابي الثناء بالوهابية. وكان عبد الرحمن السويدي واحدا من تلامذة أبو الثناء وكان عالما فقيها فنقل السلفية الى تلامذته الذي احدهم هو عبد الكريم الصاعقة وهو ذو أصول يمنية وكان يسكن في بغداد والدكتور خليل الربيعي في كتابه السلفية في العراق يعيد عودة السلفية الى بغداد الى عبد الكريم الصاعقة.

حول السؤال الثالث كانت المشاركات على الشكل التالي:

السؤال الثالث: اذا كان الانغلاق هو الذي تتولد الطائفية في مناخاته فهل الانفتاح هو علاجه؟ ثم كيف يكون العلاج دينيا ام ثقافيا؟

الدكتور قحطان الحسيني:

الانفتاح احد الحلول الناجحة في مشكلة الطائفية والتعصب الطائفي، لان الأساس في المجتمعات الانسانية هو تعدد الآراء، وتعدد الآراء لا يمنع من الحوار مع الاخر واحترام الراي الاخر لأنه لاوجود لآراء صحيحة بالمطلق ولا اراء خاطئة بالمطلق الا النصوص النازلة من السماء. فالانفتاح هو أحد الحلول الممكنة لمعالجة مخاطر الطائفية لان الانغلاق سوف يزيد من التعصب وسف يزيد من البعد عن الاخر وسوف يصنع صورة غير مقبولة لديك عن الاخر باعتباره عدو لك ومخالف لك في الفكر. كلما انفتحت عليه وتحاورت معه وتقربت اليه أكثر يفهمك وتفهمه فالانفتاح ضرورة لابد منها لمعالجة الطائفية. وهناك أساليب على مستوى السلطة والدولة من خلالها يمكن معالجة الطائفية، مثل تأسيس ثقافة المواطنة والعيش المشترك في المجتمع المتنوع، تفعيل القانون وعدم عرض الخلافات المذهبية والطائفية بدون رقيب قانوني او محاسبة قانونية، نشر ثقافة حرية الآراء (حرية الراي والعقيدة) التي كفلها الإسلام والشرع قبل ان تحفظها القوانين.

محمد الصافي:

الأنظمة السياسية حين تقدم مبادرات للحوار الفكري بين المذاهب وبين الأديان كما في السعودية وإيران فهي لا تحدث تقاربا حقيقيا لأنها بالأساس أنظمة مستبدة ليس من الممكن ان تصنع انفتاح فكري داخل المذاهب والأديان.

في زمن الصراعات العنيفة لم نعد نمتلك فسحة التعددية والانفتاح الفكري مثلما كان الحال في القرون الهجرية الأولى.

احمد جويد:

اعتقد ان العلاج الرئيسي هو تغيير الأنظمة السياسية، متى ما كانت هناك أنظمة ديمقراطية تعطي فسحة من الحرية وتحترم حقوق الانسان وجد الانفتاح على الاخر، بدليل ان قارة اوربا كانت تعيش معارك طاحنة بين قوميات وبين مذاهب في ظل الحكومات المستبدة، وبعد تحولها الى أنظمة ديمقراطية أصبحت اوربا موحدة ومنفتحة على الاخرين. فتغذية الانغلاق الطائفي يتم من قبل الحكام لغرض الاستمرار في السلطة وبالتالي العلاج الوحيد هو اللجوء الى نظم سياسية ديمقراطية تسمح لكل شخص ان يفكر بما يريد وان يعتنق ما يريد ويفعل ما يريد في اطار القانون.

مرتضى معاش:

بالنسبة الى الجانب السياسي هناك تحالف قوي جدا بين الاستبداد والطائفية والعنف الطائفي اما في بلدان الحرية والتعددية فان الطائفية تخف. الأنظمة السياسية تقوم بتضخيم بعض الامراض او بعض الظواهر والمفاهيم وحتى بعض السلطات الاخرى تفعل ذلك، مثل تضخيم الخوف من الاخر، سوء الظن به، وأيضا هناك خوف من سقوط القناعات الذاتية. فالخوف من الطائفة الأخرى تجعل الانسان يتمسك بقناعاته الذاتية، حتى ان بعض الطوائف تحرم الحوار مع الاخر حتى لا يتأثر به.

 أتصور ان التواصل الثقافي يكون مؤثرا جدا. المشكلة ليست في الاعلام بل في التسامح مع الاخر وتقبل حريته، في عقيدته وفي مذهبه. ترسيخ مبدأ التسامح والحوار والتعددية الدينية والتي أساسها في العقيدة الإسلامية توجد في العدالة الإلهية. العدل الإلهي قائم على الحرية حرية الاختيار، فلسفة الامتحان الإلهي قائمة على ذلك. أتصور الحرية الإعلامية، الحرية الدينية، التعبير عن الذات قضية جدا طبيعية لكن تحتاج الى التسامح ووعي الناس بهذا التسامح.

الطائفية ليست حقيقية وانما قضية سياسية. قضية التقريب بين المذاهب قادها الشيعة حيث بدأت في الخمسينات وكانت غير مسيسة وانما كانت خلفها جهات دينية ليس لها علاقة بالسياسة. فالسيد البروجردي في قم وكان المرجع المرجع الأعلى وقد نجحت نجاحا كبيرا جدا وكانت لديهم مجلة وقد اصدر الازهر فتواه الشهيرة بجواز التعبد بالمذهب الشيعي أيام الشيخ محمود شلتوت لكن الان التقريب الذي تقوده بعض الدول اصبح سياسيا وعقيما دون قيمة او جدوى. فالصراع السياسي السعودي-الإيراني هو للهيمنة على المنطقة لكن ادواته طائفية.

اختتم الباحث حكمت البخاتي هذه الاصبوحة تعقيبا على المداخلات السابقة بقوله:

مشاريع المصالحة الوطنية فشلت لان الدوافع والغايات منها سياسية. مشاريع حوار الأديان قديمة تعود الى الستينات حيث عقد مؤتمر في اسبانيا حول الحوار بين المسيحية والإسلام واستمرت في السبعينات وخصوصا في لبنان التي اهتمت بمسألة الحوار الديني لكن نجاحاتها جزئية وليست كبيرة لأنها لم تلامس وقائع في حياة الانسان في المنطقة على صلة بموضوعة الاختلاف الديني، وانما انشغلوا بالمسائل النخبوية النظرية والمعرفية (الله -الروح –النبوة) وغيرها ولذلك هي اجدت فيما بين المتحاورين لكن كمسلمين افراد ومسيحيين لم تجد شيئا.

اوربا تقسمت على أساس الحروب المذهبية فهذه دولة كاثوليكية وهذه بروتستانتية، حين المقارنة استعير التاريخ الأوربي حيث قسمت ممالكه على الأساس المذهبي. المسالة المذهبية مؤثرة جدا في هويات الدول الاوربية في الوقت الحاضر.

علينا ان نعلم أنفسنا مسلمين سنة وشيعة وحتى الفرق الأخرى على ثقافة الاعتراف بالخطأ، فحين اعترف بخطأي والسني يعترف بخطأه والاباضي يعترف بخطأه نكون قد انجزنا الخطوة الأهم في الخلاص من الحرب الطائفية والانقسامات الطائفية.

اضف تعليق