q

منذ أن ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الاخيرة، وخاصة الفيسبوك منها، صارت هناك حياة أخرى موازية لحياتنا، ونعني بها حياة مواقع الاتصال، أو حياتنا في الفيسبوك، أو ما يطلق عليها بالحياة الافتراضية، وهي وإن كانت ليست حياة واقعية ملموسة، إلا أنها لا تختلف كثيرا من حيث الجوهر مع الحياة الواقعية، لسبب واضح يتمثل في أن هذه الحياة الافتراضية، صارت تؤثر في حياتنا الواقعية وتوجّه بعض مساراتها.

فمثلا معظم احتجاجات الدول العربية كان المحرك الاساس لها هو الفيسبوك ومواقع التواصل الاخرى، كذلك يمكن شن حملات اعلامية ضد اشخاص او احزاب او جماعات او شركات عبر الفيسبوك، وغالبا ما تعطي نتائج تقترب مما يخطط له اصحاب الشأن، وعلى العموم يمكن أن نفهم بصورة واضحة أن الفيسبوك او حياتنا الافتراضية لا تختلف كثيرا عن حياتنا الواقعية، ولذلك فإنها تحمل ثقافتنا نفسها، أي أن كلامنا وسلوكنا في الفيسبوك نتاج لثقافتنا.

وهذا الدور الهام يركد أن الصحف والكتب والمجلات الورقية، لم تعد هي الوسط الاوحد لنقل الافكار وبثها بين الناس، كما كان الامر هكذا في السابق، فقد تعددت وسائل الاتصال والنقل الفكري بكل انواعه واشكاله، فبالاضافة للصحافة والتواصل عبر الورق والكتابة، هناك مواقع الكترونية كثيرة ومتنوعة، اخذت على عاتقها نقل الفكر، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي، ودورها الذي بات في عصرنا الراهن قويا ومؤثرا، في رسم الاحداث وبلورة المواقف والنشاطات، الاجتماعية والسياسية، ولهذا فإن ما ينعكس عن حياتنا الافتراضية هو حاصل للأفكار والثقافة التي يتأسس على ضوئها سلوكما.

مرآة تعكس ثقافة المجتمع

فهل يمكن القول أن ثقافة الانسان يمكن الاطلاع عليها في الحياة الافتراضية، أم أنها تظهر في الحياة الواقعية فقط، يقول الخبراء من أهل التخصص، إن مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما الفيسبوك، بات لها تأثير كبير على المستوى العالمي، من حيث تلاقح الثقافات، فضلا عن ربط الافراد والمجموعات مع بعضها، عبر تبادل الاخبار والمعلومات والاراء والثقافات بصورة فورية وعلى مدار الساعة، وقد شكل المثقفون والادباء حضورا لافتا في هذا المواقع، وبات نقاشهم مع بعض مباشرا، فضلا عن اعلان آراءهم وتصريحاتهم حول الشؤون السياسية والثقافية وسواها، بصورة مباشرة، وهذا يعني أن المجتمع يتحرك في الفيسبوك ومواقع التواصل الاخرى استنادا الى ثقافته الواقعية، اذ ليس هناك ثقافة افتراضية.

فالنقاشات والحوارات والاراء التي يتم طرحها وتبادلها في الفيسبوك، هي في أصلها واقعية، يستمدها اصحابها من ثقافة المجتمع، ولذلك فإن ما يدور في مواقع الاتصال وما يظهر من كلمات وجمل وحوارات هو انعكاس لثقافة الفرد والمجتمع، وهذا يعني أننا ازاء مسؤولية اظهار الوجه الصحيح لثقافة المجتمع في حياتنا الافتراضية، فلا يصح أن نهمل هذا الجانب، ونتساهل في تبادل الاراء والحوارات، وإظهار ثقافة افتراضية رديئة بحجة انها حياة ليست واقعية.

بل ما يظهر في مواقع الاتصال وبالاخص في الفيس بوك من امور اجتماعية وثقافية وسياسية، تمثل بلا ادنى شك ثقافة المجتمع، وهذا دليل على أن مواقع الاتصال صارت مرآة تعكس عن طبيعة ثقافة الشعوب الى العالم أجمع، وهذا يضاعف من مسؤولية الجميع اخلاقيا لكي يعكس ثقافة جيدة من خلال الحوار والمفردات، ولتقدم صورة متميزة للمجتمع، وليست مسيئة له بحجة انها غير مؤثرة كونها غير واقعية!.

وبسبب هذا القصور في فهم طبيعة الثقافة الافتراضية التي يرسمها الفيسبوك للفرد والمجتمع، برزت ظواهر غير جيدة تمثل انعكاسا لثقافة المجتمع ، فعندما نقول من الافضل ان نجد مساحة مفتوحة لحرية الحوار بين الجميع، هذا لا يعني اطلاق العنان لكل الاساليب حتى السوقية منها، كونها في جميع الاحول تمثلنا وترسم انطباعا عنا لدى الآخرين، ولا يمكن القول أن ظهورنا وحوارنا ومفرداتنا ووعينا في الفيس بوك ومواقع التواصل الاخرى لا يمثل حقيقتنا.

مسؤولية مضاعفة

من هذه النقطة بالذات تبدأ مسؤولية المثقف الافتراضية اذا صح القول، فهو العنصر الواعي في المجتمع، وتقع عليه مسؤولية مضاعفة في ايصال رسائل للاخرين بأن الفيسبوك وحياتنا الافتراضية هي هوية ثانية موازية لهويتنا الواقعية ولا يمكن التنصل منها في اي حال من الاحوال، فالمثقف بالاضافة الى بث افكاره وطروحاته وعرضها للجمهور الواسع من القراء، تقع عليه مسؤولية قيادة الحوار البناء بين الجميع، من خلال كونه النموذج الذي يحتذي به الاخرون، في طريقة الحوار وعرض الافكار، واستخدام اللغة بالطريقة السليمة والمناسبة، فهذه هي مهمة المثقف والثقافة والتي لا تختلف عن بعضها سواء في الحياة الواقعية أو في مواقع التواصل.

وحتما أن بسطاء الناس والشباب وغيرهم، سوف يتعلمون من اصحاب الفكر والثقافة مزيدا من التعامل السليم في الحياة الافتراضية، لذلك عندما يرى الاخرون المثقف وكيفية تعامله مع وسيلة الاتصال والطريقة التي يتعامل بها لعرض ونقل افكاره، فإنهم سوف يتخذون من المثقف مثالا، لذلك لابد أن يكون مؤثرا وذا رؤية دقيقة متنورة تبث المحبة والسلام والتعايش بين الجميع، لاسيما أننا اصبحنا على قناعة بأن ثقافتنا في الفيسبوك مصدرها ثقافتنا الواقعية وسلوكنا الواقعي الذي يجري بصورة حقيقية على الارض.

من هنا فإن المثقفين ومنتجي الأفكار، مطالبون بأن يكونوا النموذج السليم لعامة الناس، وقد نجد عذرا للانسان البسيط في وعيه وثقافته عندما يخطئ في الفيسبوك، ويتلفظ بكلمات غير لائقة، فمثل هذا السلوك يحتاج الى التنبيه والتصحيح، ولكن ما بالك اذا أخطأ حامل الفكر والمثقف، كما تظهر احيانا مثل هذه الحالات في حياتنا الافتراضية؟.

من سيكون الموجّه للمثقفين اذا تعرضوا للخطأ الذي لا ينبغي الوقوع به في الفيس بوك كونه يعطي انعكاسا مسيئا للفرد والمجتمع عموما، ان اهمية ان يكون المثقف انموذجا للآخرين، تكمن اهميته هنا تحديدا، لاسيما انه يفهم بأن ما يتم عرضه في الفيسبوك هو نتاج ثقافة مجتمع، لذلك لابد ان يكون المعروض لغةً وافكارا مقبولا وجيدا بالنسبة للآخرين.

ولا شك أننا من خلال متابعتنا لما يدور في مواقغ التواصل والفيس بوك تحديدا، لاحظنا بطبيعة تجاوزات واخطاء كثيرة في مواقع الاتصال، وخاصة قضية التعصب، ورفض الرأي الاخر، وهناك اثارة مقصودة لنوع من الصراعات، لكن على العموم، يبقى المثقف هو صاحب المبادرة للتصحيح، وهو القادر على أن يقدم المثال المناسب والصحيح للجميع، وعليه أن يقنع الآخرين بأنه لا فرق بين ثقافتنا الواقعية وثقافتنا الافتراضية ان صحّ التعبير.

اضف تعليق