q

اصبح الملياردير الأمريكي دونالد ترامب المرشح لانتخابات الرئاسة 2016، من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل لدى الاوساط السياسية والإعلامية في الساحة الأمريكية، بسبب تصريحاته وإراءة واسلوبه الغريب الذي مكنه من التفوق على بقية المرشحين الجمهورين في استطلاعات الرأي كما تنقل بعض المصادر الاعلامية، التي اكدت ان ترامب الذي دأب على طرح قضايا جدلية خلال خطاباته الانتخابية، يثير اهتماما كبيرا لكونه مرشحا غير عادي فهو يتكلم بلا رقابة ويطلق العديد من التصريحات النارية والعدائية المثيرة، ضد بعض الشخصيات والحكومات، وخصوصا فيما يتعلق بسياسة الرئيس الحالي بارك اوباما المتعلقة بقضايا الاقتصاد وسوق العمل وغيرها من الامور والقرارات الاخرى التي تتعلق بالأمن و السياسة الخارجية والحرب ضد الارهاب وقضايا الهجرة.

هذا بالإضافة الى تهجمه على الشخصيات السياسية والاعلامية حتى انه وبحسب بعض المصادر، وصف جميع القادة في البلاد بأنهم أغبياء. وقد اتهم ترامب الإعلاميين بأنهم غير منصفين له وأنهم عدائيون، وجاء هذا الاتهام لمحاوريه في شبكة الفوكس نيوز، والذين قدموا المناظرة الأولى في المرحلة الأولية من الانتخابات الرئيسية المبدئية للمرشحين الجمهوريين، وهو ما جعلة عرضة للانتقادات، وأسلوب ترامب هو الهجوم والانتقاد غير آبه بالظهور أمام الكاميرات، ومبدأ أنه على الشخصية العامة أن تتحدث بأسلوب سياسي. بهذا التكتيك، استطاع ترامب الضرب على الوتر الحساس، لدى كثير من الأميركيين، الذين سئموا سياسات واشنطن. وفي تعليق لحاكم ولاية أوهايو جون كاسش حول ترامب قال إن معظم الناس محبطون، وإن الناخب الأميركي ضاق ذرعا، بسبب عمل الحكومة، وإن المواطنين يرغبون بأسلوب وطريقة جديدين بالتعاطي مع واشنطن، وهذا ما يقدمه ترامب بتصريحاته وهجومه على السياسيين والمرشحين.

وبحسب المحلل النفسي والأنثروبولوجي مايكل ماكووبي، فإن هناك شخصية دونالد ترامب، وهي عبارة عن شخصية مركبة لديها درجة من درجات النرجسية، وبحسب ماكووبي فإن تقدير الذات يساعد على البقاء وتلبية الاحتياجات الأساسية في الحياة، وفي الأوقات المضطربة، تميل الشخصية إلى أن تكون قيادية وهذا ما يسمى “بالقادة النرجسيين” أمثال ترامب. وتتجمع فيهم صفات مثل القوة مع الرؤية الكبيرة، والكثير من الكاريزما، بالإضافة إلى ما يسمى بالمغناطيسية الخطابية والرغبة القوية للحصول على نتائج، غير آبيهن بأيّ مخاطر في المستقبل.

ترامب والخطوط الحمراء

وفي هذا الشأن قال دونالد ترامب المرشح الجمهوري إنه غير ملزم بالدفاع عن الرئيس باراك أوباما بعدما قال شخص في أحد تجمعاته الانتخابية إن الرئيس مسلم "بل وليس أمريكيا." وواجه ترامب انتقادات من منافسين جمهوريين وديمقراطيين في سباق الانتخابات الرئاسية لانه لم يرد على رجل خلال تجمع في ولاية نيو هامبشير قال إن المسلمين يمثلون مشكلة في الولايات المتحدة. وقال الرجل "نعرف أن رئيسنا الحالي واحد منهم (المسلمين) ونعلم حتى أنه ليس أمريكيا."

وسبق لترامب التشكيك في ميلاد أوباما بالولايات المتحدة وبالتالي في أهليته لرئاسة البلاد. وقال ترامب في حسابه على تويتر "هل لزام علي الدفاع عن الرئيس في كل مرة يقول أحدهم عنه شيئا سيئا أو مثيرا للجدل؟ لا أظن ذلك." وأضاف "هذه هي أول مرة في حياتي أثير فيها جدلا لأني لم أقل شيئا.. لو قال أحدهم للرئيس شيئا سيئا أو مثيرا للجدل عني هل تظنون أنه سيهب لنجدتي؟ لا يمكن."

وأوباما مسيحي يحضر مناسبات في الكنائس من حين لاخر بحكم منصبه. وقال جوش إيرنست المتحدث باسم البيت الأبيض "هل تفاجأ أحد بما حدث خلال التجمع الخاص بدونالد ترامب؟" في إشارة إلى طبيعة الأشخاص المؤيدين لترامب. وقال مرشح جمهوري واحد على الأقل هو السناتور لينزي جراهام إن ترامب قد تجاوز الخطوط الحمراء وخلق "لحظة فارقة" لترشحه. وقال جراهام "لو كنت مكان دونالد ترامب لخرجت عبر التلفزيون الوطني لأقول إني تعاملت مع الموقف بشكل سيء ولو واجهته مرة أخرى فسأرفض سؤاله." وأضاف "الاعتذار أمر جيد." وانتقدت المرشحة الديمقراطية المحتملة هيلاري كلينتون والمرشح الديمقراطي المحتمل بيرني ساندرز موقف ترامب. وقالت كلينتون في دورهام بولاية نيوهامبشير "كان يعرف أو كان ينبغي أن يعرف أن ما قاله ذلك الشخص لم يكن فقط متجاوزا للحدود بل وغير حقيقي وكان عليه من البداية أن يرفض مثل هذا النوع من الحديث."

واحدث ترامب هزة في صفوف المعسكر الجمهوري هذا الصيف بعدما تصدر استطلاعات الرأي وتفوق على جيب بوش الذي توقع البعض أن يكون المرشح المفضل للجمهوريين. لكن أداءه في مناظرة للمرشحين الجمهوريين كان باهتا حيث اضطر لاتخاذ وضع دفاعي لرد هجمات خصومه مما دفع المراقبين للتساؤل إن كان صعوده المفاجئ قد وصل لخط النهاية.

إلا أن كلماته القوية ضد المهاجرين التي وصفها حتى بعض أعضاء حزبه بأنها تثير الانقسام لاقت صدى كبيرا وسط مؤيديه الذين يتبنون نفس آرائه. وفي أغسطس آب الماضي قال شقيقان من بوسطن -اتهما بضرب مشرد مكسيكي والتبول عليه- للشرطة إن مواقف ترامب مصدر إلهام لهما. ووفقا لتحقيق الشرطة قال الشقيقان "دونالد ترامب على حق.. يجب ترحيل كل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين." واشتبك مؤيدون ومعارضون لترامب أمام تجمع انتخابي له وصاح محتجون غالبيتهم من ذوي الأصول اللاتينية "عار عليك" بينما هتف مؤيدوه "اطردهم". بحسب رويترز.

وبدلا من السعي لإنهاء الجدل حول هذا الموقف سعى ترامب لكسب المزيد من المؤيدين بالتلميح إلى أن المسيحيين يعانون تحت قيادة أوباما. وكتب ترامب تعليقا على تويتر يقول "المسيحيون يحتاجون للدعم في بلدنا (وفي مختلف أنحاء العالم).. حرياتهم الدينية في خطر.. لقد كان أوباما مروعا.. سأكون أنا عظيما".

تصريحات مناهضة للمرأة

الى جانب ذلك اثارت تصريحات مناهضة للمرأة ادلى بها المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الاميركية دونالد ترامب استياء الجمهوريين، ما دفع مناصرين للحزب الى الغاء دعوة كانت وجهت اليه للمشاركة في تجمع سياسي. ويبدو ان ترامب الذي يتصدر المرشحين الجمهوريين استعدادا للانتخابات الرئاسية عام 2016 اشار بشكل غير مباشر الى العادة الشهرية لصحافية مشهورة تعمل في شبكة فوكس نيوز ادارت مناظرة المرشحين الجمهوريين.

وفي كلامه عن المعاملة "غير المنصفة" له من قبل الصحافية ميغين كيلي خلال هذه المناظرة على شاشة فوكس نيوز بحضور عشرة مرشحين جمهوريين طامحين لكسب ترشيح الحزب الجمهوري، قال ترامب في حديث لشبكة سي ان ان انه "لا يكن الكثير من الاحترام لها". واضاف ردا على سؤال للصحافية حول شتائم مناهضة للمراة نسبت له في السابق "كان بالامكان مشاهدة الدم يخرج من عينيها والدماء تخرج من ..... اي مكان".

واثر هذا التصريح قام انصار للحزب الجمهوري بسحب دعوة كانوا وجهوها له للمشاركة في تجمع سياسي في اتلانتا في جنوب شرق البلاد. وكتب اريك اريكسون رئيس تحرير موقع رد ستيت القريب من الجمهوريين الذي نظم التجمع "مع انني اقدر شخصيا دونالد ترامب فان ملاحظته بشأن ميغين كيلي على السي ان ان تجاوزت كل حدود". وكتبت كارلي فيورينا المراة الوحيدة التي تنافس لكسب ترشيح الحزب الجمهوري على تويتر "سيد ترامب ما قلته لا يمكن مسامحته، انا ادعم ميغي كيلي". بحسب فرانس برس.

وفي الاطار نفسه كتب حاكم ويسكونسن سكوت ووكر المرشح الجمهوري على تويتر "انا اوافق كارلي فيورينا على كلامها، ان تعليقات ترامب غير مبررة، نحن ندعم ميغي كيلي". وحاول دونالد ترامب تبرير ما قاله شارحا انه كان يقصد الكلام على "انف" الصحافية. وكانت المناظرة بين المرشحين الجمهوريين جمعت نسبة مشاهدة تاريخية وصلت الى 24 مليون مشاهد، وتمكن ترامب من السيطرة على مجرياتها.

السياسة وازدهار الاعمال

على صعيد متصل يؤكد دونالد ترامب الملياردير الذي يعتبر من اكبر اقطاب القطاع العقاري في الولايات المتحدة انه نموذج للنجاح على الطريقة الاميركية. فما الذي يمكن ان يدفعه الى تعريض امبراطوريته للخطر في محاولة للفوز بمنزل ابيض صغير في واشنطن؟ يملك دونالد ترامب، نجم برامج تلفزيون الواقع، في سن التاسعة والستين فنادق ومباني وملاعب غولف في الولايات المتحدة والخارج وقدر بنفسه ثروته بعشرة مليارات دولار لدى الافصاح عنها للجنة الانتخابية الفدرالية، ولو ان مجلة فوربس المتخصصة قدرتها باربعة مليارات وبلومبرغ ب2,9 مليار.

وتميز ترامب الذي يتصدر استطلاعات الراي بين الجمهوريين المرشحين لتمثيل حزبهم في السباق الى البيت الابيض عام 2016، منذ دخوله الحملة الانتخابية بمواقف صاخبة وتصريحات مدوية بعضها اثار موجة استنكار ولا سيما حين وصف المكسيكيين بانهم لصوص ومغتصبون وشتم خصومه، ما جعله يخسر عدة عقود اعمال. لكن الاعمال هي على الارجح ما يبرر قرار ترامب الترشح للبيت الابيض، برأي الخبراء وهم يوضحون ان البيت الابيض ليس ما يطمح اليه ترامب الذي هو ابعد ما يكون عن شخصية المرشح المقبول للرئاسة، بل هو يسعى للحصول على الدعم الذي يمكن ان يساعده على توسيع ثروته.

وقال لاري تشاغوريس استاذ التسويق في جامعة بايس في نيويورك ان "دونالد ترامب يعمل على زيادة وهج علامة ترامب التجارية وهو يعرف انه لن يكون رئيسا". وفي مقال بعنوان "عبقرية ترامب الوقحة" رأت مجلة ذي ايكونوميست انه يطمح الى الحصول على أرضية سياسية "تساوي ثروة"، تدعم مصالحه لدى الدوائر العقارية. وراى لاري تشاغوريس انه اذا اكتسب نفوذا كافيا وحصد ما يكفي من الاهتمام فسيكون في موقع يسمح له بالحصول على مكسب من المرشح الذي سيعينه الحزب مستقبلا. وتابع انه سيبقى حتى النهاية، حين لا يعود هناك سوى مرشحين اثنين، ويمكن عندها ان يقدم دعمه لاي من الاثنين".

ويصف دونالد ترامب نفسه بانه مفاوض لا مثيل له. وتساءلت ذي ايكونوميست عما يمكن ان يطالب به لقاء دعمه. هل يطلب اعفاء ضريبيا كبيرا؟ او بناء كازينو او وقف كازينو منافس؟ ويشير تشاغوريس الى امكانية ان تكون اهدافه تشمل كوبا ومنتجعا سياحيا جديدا في الجزيرة. وقال "ربما يريد ترامب ان تهيمن علامته التجارية على المشهد الكوبي، وسيكون ذلك اسهل عليه في حال كان رئيس الولايات المتحدة داعما لعلامة ترامب التجارية".

واوضح ريك ويلسون محلل وسائل الاعلام لدى المرشحين الجمهوريين انه ليس هناك لدى ترامب ما يوحي بانه يتمتع بحس سياسي متين. ويقول انه ليس جمهوريا تقليديا ولا محافظا نموذجيا، مشيرا في هذا الصدد الى موقفه من الاسلحة النارية ومن الاجهاض والى المبالغ المالية التي قدمها لمرشحي الحزبين في الماضي. وهو في مطلق الاحوال كان ديموقراطيا في فترة ما.

وراى ويلسون ان "الخيار السيء" هو ان يصمد حتى المؤتمر الجمهوري حيث سيعين الحزب مرشحه لانتخابات تموز/يوليو 2016، مضيفا ان "الخيار الكارثة" سيكون ان يتقدم كمرشح مستقل، فيقسم الاصوات الجمهورية ويضمن عندها فوز هيلاري كلينتون. وحتى لو انه خسر بعض العقود على اثر تصريحاته حول المكسيكيين، الا ان ترامب الذي يمول بنفسه حملته الانتخابية، ليس لديه ما يقلقه. فامبراطورية ترامب متشعبة للغاية تشمل الى العقارات والفنادق وملاعب الغولف شتى وسائل الترفيه وصولا الى الكتب عن سبل جني المال والفرش والعطور.

وفي تصريحه للجنة الانتخابية الفدرالية، ادرج ترامب قائمة باملاك يقارب عددها العشرين وتتخطى قيمتها 50 مليون دولار. وبدأ مساره بالعمل مع والده، المليونير في مجال العقارات، في مكتب في بروكلين حيث تقيم اليوم مجموعة كبيرة قدمت من الاتحاد السوفياتي سابقا. ونشأ في المنطقة المجاورة لكوينز وكانت والدته اسكتلندية. اما جداه لوالده، فقدما من المانيا وبدلا اسمهما من درامف الى ترامب عملا بتقليد شائع في تلك الفترة لجعل الاسماء تبدو انكليزية. واليوم يكتظ السياح في متجر التذكارات في برج ترامب على الجادة الخامسة، حيث تغلف ابسط قبعة في كيس ذهبي ضخم. ويعلو المحل فندق باهظ ومطعم بثلاثة نجوم بحسب تصنيف ميشلان. بحسب فرانس برس.

واسم ترامب في كل مكان في نيويورك، بين "ترامب بارك" و"ترامب بالاس" و"ترامب بلازا" وبرج "ترامب بارك افنيو". وهو قام بترميم الواجهات الخارجية لمحطة غراند سنترال، وكان يملك فندق "بلازا هوتيل" الشهير قبل ان يبيعه. حتى انه كان يملك حتى 2002 الارض التي يرتفع عليها برج امباير ستايت بيلدينغ. وبحسب تصريحه للجنة الانتخابية الفدرالية، فهو يتقاضى مبالغ تصل الى 450 الف دولار لقاء خطاب. ويملك كذلك كرما للعنب في فرجينيا.

من جانب اخر قال المرشح الرئاسي الامريكي الملياردير دونالد ترامب انه لا يريد الاربعمائة ألف دولار الراتب السنوي لرئيس الولايات المتحدة ولن يتقاضاها إذا انتخب رئيسا للبلاد. وفي لقاء في اطار حملته الانتخابية في روتشستر بولاية نيوهامبشاير سئل ترامب عما اذا كان سيمدد معاش التقاعد السخي ومزايا الرعاية الصحية المقدمة لاعضاء الكونجرس.

وقال ترامب "أقول لكم ان أول شيء سأفعله هو انه إذا انتخبت رئيسا فانني لن أقبل أي راتب... ذلك ليس مبلغا كبيرا بالنسبة لي." ومن بين رؤساء الولايات المتحدة السابقين تبرع هربرت هوفر -الذي جمع ملايين الدولارات من العمل في مجال التعدين قبل ان يصبح رئيسا في 1921- وجون كنيدي -الذي جاء من عائلة ثرية- براتبيهما الرئاسي للاعمال الخيرية.

اضف تعليق