q

دور المثقفين يعاني من الضعف حيال الوضع الراهن الذي يمر به العراق، علما أن الفرصة كانت سانحة لهم، منذ اكثر من عشر سنوات لصناعة مجتمع واعٍ ودولة متطورة، بعد التحولات الكبيرة التي أعقبت نيسان 2003، فهل قام المثقفون بدورهم الصحيح في استثمار الفرص المتاحة لبناء الدولة القادرة على مضاهاة الدول المتقدمة؟.

يتبع هذا التساؤل المطروح على الساحة الثقافية منذ اكثر من عشر سنوات، تساؤلات أخرى، منها على سبيل المثال هل هناك من يدّعي الانتساب الى الثقافة، وهو لا يحملها، وهل يوجد مثقفون مدّعون، ليس في ملامحهم، أو أفكارهم، أو سلوكهم، ما يشي بأنهم مثقفون فاعلون وقادرون، على الإسهام في بلورة منهج ثقافي، يدفع بالآخر نحو طريق التحضّر والتقدم بما يضع العراق الى جانب الدول التي يُشار إليها بالبنان؟.

إن الإجابة عن هذه التساؤلات وسواها، يمكن أن نحصل عليه من الواقع الذي يحاول أن يجتازه العراق، وهو واقع وصفه بعضهم بالمأزق، ليس في مجال الثقافة وحدها، وانما في السياسة وادارة الاقتصاد والمال العام وسوى ذلك، من هنا يرى كثيرون أن ثقافتنا اليوم تقف قاصرة عن الفعل والتأثير في المجتمع، كما أنها عاجزة عن تغييره نحو الأفضل، وهذا يدل على وجود أزمة ثقافة، سببها المثقفين بطبيعة الحال.

ونعني بهم أولئك الذين (يركبون الموجة)، ولا يكفّون لحظة عن اقتناص الفرصة حتى لو كانت خاطئة، أو أنها تجيء على حساب الشعب، فمثل هؤلاء المثقفين، لا يترددون عن اقتناص أية فرصة تتاح لهم حتى لو كانت غير مشروعة، أو انها من حصة غيرهم، وبهذه الطريقة يقدمون نموذجا فاشلا للمثقف العراقي الباحث عن المنافع، وفي نفس الوقت يتخلى عن دوره حيال الشعب.

اقتناص الفرص اللامشروعة

ومثل هؤلاء المثقفين الذين يتحينون الفرص لاقتناصها على حساب الناس، لا يتورعون عن إعلانهم الانتساب للثقافة، ولكن حين تبحث في الجهد الفكري او حتى السلوكي الذي قدموه للثقافة، فإنك لن تجد ما يشير الى فعل ثقافي جوهري سوى الادّعاء بالانتماء، وبذل المحاولات المستمرة، لاستثمار الثقافة لمصالح مادية لهم ولذويهم، كأن يتعلق الأمر بالمناصب والوظائف على حساب الآخرين حتى لو كانوا من ذوي الكفاءات.

ومن يسلك هذا السلوك من المنتمين للثقافة، لا يمكن أن يشعر بالمأزق الذي يمر به البلد، ولا يمكن أن يتفاعل مع معاناة الشعب، لذلك نرى ونلمس لمس اليد ورؤية العين، ضعف دور المثقفين في الأحداث الراهنة التي تشكل المأزق العراقي الراهن، سواء ما يتعلق بخطر داعش المحدق بالبلد، أو المظاهرات الشعبية التي تحاول لفت الانتباه بجدية لخطر إرهاب الفساد والفاسدين الذين يتلاعبون بأموال الفقراء.

ولعل المفارقة تكمن في أن هذا النموذج (النفعي) من المثقفين الذي يحاول أن يستحوذ على كل شيء، لا يمتلك من مواصفات المثقف الحد الأدنى منها، فهو مثلا ليست لديه أية مؤهلات تمنحه صفة الانتماء للثقافة والمثقفين، بل هو عاجز عن مجاراة العصر الالكتروني، وضعيف في أدواته التي ينبغي أن يتقنها أبسط المثقفين للتواصل مع الناس في الداخل والخارج والتأثير فيهم، لأنه في الواقع لا يشغله التطوير الذاتي او النهوض بالمجتمع، بسبب انشغاله بمنافعه أولا!.

لذلك هو غير معني بالمظاهرات الشعبية مثلا، ومساراتها وأسبابها الحقيقية، في حين يمكن أن تشكل للمثقف الحق معيارا لبناء الدولة ومؤسساتها، وتكون حافزا على التصحيح، ويمكن أن تشكل حافزا للمثقف كي يسهم في وضعها على السكة الصحيحة، من اجل بناء العراق ثقافيا ومن ثم سياسيا واقتصاديا وتعليميا في الوقت نفسه.

من هنا يعد المثقف عنصر التطوير الأول للمجتمع والدولة، لذلك فإن ثقافة الشعوب المتمدنة تُقاس بمستوى نمو مثقفيها كمّاً ونوعاً، ولا ينحصر الامر بالكمّ مطلقا، وهو ما يحدث في الشعوب التي لا تزال بعيدة عن التمدن والتحضّر المقبول، حيث الكم الثقافي للثقافة والمثقفين، يطغي على النوع والجوهر معا، ولو اردنا الانصاف في هذا الصدد، فلابد أن نعترف بأننا لا زلنا ننتمي الى الشعوب التي لم تكتمل مقومات الثقافة لديها، وهذا مؤشر واضح على عدم تفاعل المثقفين مع الواقع العراقي الراهن.

التأثير الثقافي الأفقي بالمجتمع

وهذا يؤشر أيضا عدم قدرة ثقافتنا ومثقفينا على التأثير أفقيا في المجتمع، وتغيير الفكر والسلوك العام، ونقله من التخلف والارتجال، الى خانة التحضّر والتمدّن، ولو أردنا التقصّي والانصاف في هذا المجال، فإننا يمكن أن نضع نسبة قليلة لما تقوم به الثقافة في مجال تمدين المجتمع، ليس من حيث المظهر الخارجي وتلميعه بطريقة صارخة، وإنما دور الثقافة في تطوير الفكر والسلوك ونقلهما الى خانة التحضّر.

وهكذا يستطيع المعني أن يكتشف مكامن الضعف لدى المثقفين والثقافة وكما يلي:

- تفضيل المثقف لمصلحته بدلا من مصالح الجماهير.

- عدم بلورة رؤية سليمة تسهم في تطوير الوعي الجمعي بخصوص الأمل بالمستقبل، وتصحيح الواقع الراهن.

- سطحية الثقافة وانشغال المثقف بالثانويات.

- خفوت الابداع وتراجعه وهو ما يفسر حالة العسر في ظهور مبدعين جدد.

- انتشار ظاهرة الادعاء الثقافي، ونمو الشكل على حساب الجوهر، وعلو صوت المدّعي حتى صار يفوق بنبرته صوت المثقف الأصيل.

- غياب المؤسسات الثقافية المهنية، مقابل انتشار مؤسسات او منظمات ثقافية هابطة، تنحو الى القشرية الثقافية لكسب بعض الامتيازات المادية وغيرها.

- عدم ظهور مشروع ثقافي وطني قادر على استعياب المتغيرات وتوظيفها لصالح الثقافة الرصينة.

- عدم تفاعل المثقف مع ما يحدث في الواقع من حراك مدني، الأمر الذي يثير التساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء غياب دور المثقف فيما يحدث على الساحة العراقية الآن.

اضف تعليق