q

في الآونة الأخيرة تفاقمت الهجرة إلى أوربا بنحو غير مسبوق في التاريخ الحديث، على الرغم من المخاطر والصعوبات التي تواجه المهاجرين وتصل إلى الموت في بعض الاحيان، فيما يعزو خبراء في شؤون الهجرة ان تفاقم ظاهرة الهجرة في المرحلة الراهنة نتيجة لتصاعد الحروب والأزمات وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في بعض دول الشرق الأوسط وخاصة سوريا والعراق، مما اضطر أعداد هائلة من السوريين والعراقيين إلى الهجرة غير المشروعة، على الرغم من إن للغرب دوراً كبيراً في تفاقم هذه الظاهرة.

إذ يرى بعض المراقبين لملف الهجرة أن بعض الدول الأوربية كألمانيا وبريطانيا انتهزت هذه الأوضاع وظهرت بمظهر إنساني زائف من الوصول لأهدافها باستغلال الطاقات البشرية الوافدة إليها واستثمار أصحاب المهارات من الطبقة المتوسطة المهاجرة، فضلا عن توفير أيدي عاملة رخيصة تحت رحمة الإقامة، وفي الحقيقة همهم وهدفهم الوحيد هو خدمة أوطانهم وتطوير مجتمعاتهم من خلال استغلال طاقات وعقول الشباب، لكون بلدانهم تفتقر لفئة الشباب وتكثر فيها فئة كبار السن وليس لسواد أعين الشباب المهاجرة.

وفي هذا الشأن عزمت بريطانيا قبول حوالي 15 ألف لاجئ سوري على أراضيها، في حين استقبلت ألمانيا والنمسا آلاف المهاجرين الذين تمكنوا من عبور الحدود بعد أن خففت المجر من القيود على السفر، وتدفق خلال الليل على النمسا آلاف من المهاجرين واللاجئين جاءوا سيرا على الأقدام وعلى متن قطارات وحافلات أقلتهم إلى منطقة الحدود بين النمسا والمجر حيث استقبلهم متطوعون ثم توجه بعضهم إلى العاصمة فيينا والبعض الآخر اتجه إلى ميونخ جنوبي ألمانيا.

اما في باريس تجمع آلاف الأشخاص، تضامنا مع المهاجرين الذين وصلوا إلى فرنسا مطالبين بفتح الحدود و"بحقهم في اللجوء"، من جانب آخر لقى المئات من المهاجرين حذفهم بسبب الغرق في القوارب البحرية، لكن الوفيات على البر خلال الفترة الأخيرة كشفت عن جانب مأساوي اخر من الابتزاز الذي تمارسه عصابات تهريب البشر، لتكشف أبعاد مأساة للاجئين ومهاجرين يفرون من الصراعات والفقر في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا بأعداد غير مسبوقة.

فالملاحظ بأن قضية الهجرة المتنامية في أوربا باتت تشكل ضغطا كبيرا داخل المعترك الأوربي، بسبب الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين، والتي أضحت تشكل خطرا كبيرا على أكثر من صعيد قد يضع دول القارة العجوز في مأزق لا تحمد عقباه في المستقبل القريب، وقد رصدت (شبكة النبأ المعلوماتية) بعض الأخبار والدراسات نستعرض أبرزها في التقرير أدناه.

بريطانيا

من جهتها أفادت صحيفة صنداي تايمز البريطانية، بأن الحكومة البريطانية تعتزم قبول حوالي 15 ألف لاجئ سوري على أراضيها، والحصول على دعم حزب العمال المعارض لشن ضربات ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قد تعرض لضغوط في داخل بريطانيا وخارجها لحمله على الاهتمام بشكل أكبر بمشكلة المهاجرين. بحسب فرانس برس.

ذكرت صحيفة صنداي تايمز، أن الحكومة البريطانية مستعدة لاستقبال 15 ألف لاجئ سوري وتأمل في الحصول على موافقة البرلمان لشن غارات جوية على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وتعرض رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لضغوط في الداخل والخارج لدفعه إلى الاهتمام بأزمة اللاجئين، وقال إنه تأثر كثيرا بصورة جثة الطفل السوري الكردي آلان شنو التي لفظها البحر على شاطئ تركي.

وقالت الصحيفة إن الحكومة تنوي توسيع برنامج إيواء الأشخاص الضعفاء وقبول نحو 15 ألف لاجئ وشن عمليات عسكرية على مهربي المهاجرين، وأضافت إن كاميرون يأمل أيضا في إقناع نواب حزب العمال المعارض بدعم الغارات الجوية في سوريا وذلك خلال تصويت مطلع تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

وكانت بريطانيا قبلت على أراضيها 216 لاجئا سوريا منذ عام، كما حصل نحو خمسة آلاف سوري على حق اللجوء في بريطانيا منذ بدء النزاع في سوريا في 2011 وهو عدد يقل كثيرا عن عدد من استقبلتهم دول مثل ألمانيا والسويد وفرنسا، واختارت بريطانيا عدم المشاركة في نظام حصص للتكفل بطالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي رغم ضغط الاتحاد بهذا الاتجاه.

وغادر أكثر من أربعة ملايين سوري بلادهم هربا من الحرب منذ بداية النزاع الدامي، وقتل ربع مليون آخرون، وتلقى كاميرون دعما غير متوقع بشان الغارات الجوية ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" من جورج كاري كبير أساقفة كانتربري السابق للكنيسة الانغليكانية، وكتب الأحد في صحيفة صنداي تلغراف أن على بريطانيا "سحق" تنظيم الدولة الإسلامية وقد يكون من الضروري شن "غارات جوية".

وأضاف "لا أرى أن إرسال المساعدة الإنسانية إلى مخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط كاف بل يتعين بذل جهود عسكرية ودبلوماسية جديدة لسحق التهديد المزدوج للدولة الإسلامية والقاعدة بشكل تام"، ومنذ نهاية صيف 2014 يشن تحالف بقيادة الولايات المتحدة حملة ضد الجهاديين لم تسفر عن نتائج كبيرة.

ألمانيا والنمسا

في حين وصل إلى ألمانيا والنمسا آلاف المهاجرين الآتين من المجر، نقل بعضهم في حافلات إلى الحدود، وسار بعضهم الآخر مشيا على الأقدام، ما يعكس الأزمة التي تشهدها أوروبا مع عبور أكثر من 366 ألف شخص المتوسط منذ مطلع العام، تدفق آلاف المهاجرين القادمين من المجر إلى النمسا وألمانيا في مشاهد أظهرت حجم الأزمة التي اعتبرها مسؤولون أوروبيون "طويلة" ويجب أن "تفتح العيون". بحسب فرانس برس.

وقالت فيديريكا موغيريني بعد اجتماع غير رسمي استمر يومين لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ "إنها (أزمة) طويلة الأمد"، وأعلنت النمسا، التي تتوقع وصول عشرة آلاف شخص خلال اليوم، وألمانيا التي تتوقع وصول سبعة آلاف، موافقتهما على استقبال هؤلاء اللاجئين وغالبيتهم من السوريين الذي فروا جراء الحرب.

وبدأ 500 مهاجر على الأقل السير من مدينة بودابست باتجاه النمسا السبت للحاق بمئات آخرين خرجوا من مخيمات اللاجئين المنتشرة في أنحاء البلاد، وبدأ نحو 1200 شخص السير مسافة 175 كلم من محطة كيليتي للقطارات في بودابست ما دفع السلطات إلى نقل الآلاف إلى الحدود في نحو 90 حافلة، إلا أن قائد الشرطة المجرية كارولي باب أعلن أنه لن يتم توفير مزيد من الحافلات لنقل المهاجرين إلى الحدود النمساوية.

وقال هانس بيتر دوسكوزيل قائد شرطة ولاية برغنلاند (شرق النمسا) "أنا على الحدود أتابع الأمر، تدفق الناس متواصل"، مضيفا أن الحافلات ستنقل المهاجرين "إلى فيينا وربما ألمانيا"، وكانت النمسا أحصت وصول 6500 وافد جديد في فترة ما بعد الظهر، وفي محطة القطارات في فيينا، تم استقبال اللاجئين الملتفين بالبطانيات والذين حمل بعضهم أطفالا، من قبل حشد من المتطوعين الذين وفروا لهم مواد غذائية ومشروبات وصابونا وتذاكر قطار، وقال سوري يبلغ من العمر 26 عاما من مدينة حمص المدمرة في غرب البلاد "لدي وجع ونزف في أصابع رجلي، مشينا كثيرا، أريد أن أذهب إلى ألمانيا، وسأبقى هناك".

ألمانيا ترصد ميزانية لاستقبال المهاجرين، وفي الجانب الألماني، وصل المهاجرون بالمئات إلى محطة القطار في ميونيخ، ونقلوا على الفور إلى مراكز المدينة، فيما ينتظر وصول قطارات إلى فرانكفورت (غرب) وتورينغن (وسط)، وأكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أنها لا تزال تهدف إلى ضبط ميزانية البلاد رغم تكاليف استقبال المهاجرين.

وقدرت صحيفة فرانكفورتر الغيميني تسايتونغ أن كلفة استقبال ألمانيا لعدد قياسي من اللاجئين ستزيد على 10 مليارات يورو (11 مليار دولار)، أي أربعة أضعاف ما أنفقته على اللاجئين العام الماضي، وقال مسؤول في منظمة العفو الدولية "بعد أمثلة لا تحصى من التعامل المخزي مع اللاجئين والمهاجرين من قبل الحكومات الأوروبية، فأنا نرى أخيرا قليلا من الإنسانية هو أمر يبعث على الارتياح، ولكن الأمر لم ينته بعد، سواء في المجر أو في أوروبا".

وبلغت الأوضاع في المجر مستوى يفوق قدرات السلطات المجرية على السيطرة عليها بعدما وصلها خلال آب/أغسطس وحده أكثر من 50 ألف مهاجر يرغب معظمهم في الذهاب إلى ألمانيا ودول أخرى في أوروبا الغربية، ويتعرض الأوروبيون لضغوط لإظهار تضامن مع عبور أكثر من 366 ألف شخص المتوسط منذ مطلع العام ومصرع أكثر من 2800 غرقا أثناء هذه المجازفة البحرية.

وجاءت أزمة اللاجئين لتلقي الضوء على تخبط الاتحاد الأوروبي في التعامل مع تزايد أعداد طالبي اللجوء السياسي، وشهدت العاصمة المجرية بودابست مشهد يتسم بالفوضى حيث علق مئات اللاجئين أمام محطة قطار رئيسية سعيا لاستقلال قطارات لدول غرب أوروبا، ورفض كثير من المهاجرين أن يأخذوا إلى معسكرات في المجر للتسجيل حيث أصروا على الوصول إلى ألمانيا والنمسا. بحسب البي بي سي.

واخترقت جموع من اللاجئين، من بينهم أطفال، الخطوط الأمنية وساروا نحو 175 كيلومترا حتى الحدود، وتحت كثير من الضغوط، رضخت بودابست وفتحت حدودها مع النمسا التي تتوقع أن تستقبل نحو 10 آلاف شخص، وقالت وزيرة الداخلية النمساوية، يوهانا ميكل- ليتنر، إن النمسا لن تستخدم القوة لمنع آلاف من اللاجئين الذين تدفقوا على البلد قادمين من المجر.

وجاء كلام وزيرة الداخلية تجاوبا مع الدعوات الأوروبية لتقاسم أعباء اللاجئين المتدفقين على النمسا، وقالت في بيان إن "أكثر من 3000 لاجئ وصلوا إلى النمسا ليلة البارحة، كل لاجئ بإمكانه تقديم طلب لجوء في النمسا ويُخبر بهذه الإمكانية"، وأضافت قائلة "نحو 10 لاجئين تقدموا بطلبات لجوء في النمسا حتى الآن، الآخرون يرغبون في إكمال الرحلة، وأساسا باتجاه ألمانيا، أؤكد أمرة أخرى أن أفراد الشرطة لن يستخدموا القوة لصد هؤلاء الأشخاص والأسر والأطفال".

وقالت السلطات النمساوية إنها تتوقع مجيء عشرات الآلاف من المهاجرين، والكثير منهم فروا من الحرب الأهلية في سوريا، ووفرت سلطات المجر قطارات خاصة تقل اللاجئين، وتقول حكومة بودابست إنها لن توفر قطارات أو حافلات إضافية لنقل اللاجئين، ولهذا، بدأ مئات من اللاجئين المشي على الأقدام باتجاه الحدود النمساوية.

وقالت ألمانيا إنها تتوقع تدفق العديد من اللاجئين على المدن الألمانية، وذكرت الشرطة الألمانية إن 450 لاجئا وصلوا على متن قطار خاص إلى مدينة ميونيخ جاءوا من المجر، وقال نيك ثورب مراسل بي بي سي على الحدود المجرية النمساوية استمر تدفق اللاجئين نحو الحدود بعضهم استقل قطارات محلية من المجر ومع اقترابهم من الحدود تسارعت خطواتهم رغم الارهاق والخوف الذي احاط برحلاتهم.

وذكر ثورب أن الجموع استمرت في التوافد على الحدود حتى بعد حلول الليل وارتدى البعض ملابس صيفية رغم برودة الجو ولف البعض أجسادهم ببطانيات، وفي اليونان، وصلت عائلة إلى جزيرة اغاثونيسي اليونانية بعد أن مات رضيعها خلال الرحلة عبر البحر بينما اشتبك مهاجرون مع عناصر الشرطة في جزيرة ليسبوس، وفيما تتواصل الأزمة وتتصاعد، يواجه الاتحاد الأوروبي ضغطا متزايدا لاعتماد سياسة موحدة وشاملة لمواجهة تدفق اللاجئين وهو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

باريس

بينما تظاهر الآلاف بعد ظهر في باريس دعما للمهاجرين وتلبية لنداء وجه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ورفع المتظاهرون من مختلف الأعمار لافتات كتب عليها "افتحوا الحدود" و"حق اللجوء لكل شخص مضطهد" و"نعم لاستقبال" اللاجئين. بحسب فرانس برس.

ورفع بعضهم صورة الطفل السوري آيلان الكردي الذي قضى على أحد الشواطئ التركية وأثار موجة تعاطف كبيرة في أنحاء العالم.، وقالت إحدى المشاركات فيرونيك فاتيو (60 عاما) "لقد ضقت ذرعا بخوف الناس، أريد أن أمثل من يؤيدون استقبال" اللاجئين، ويعارض أكثر من نصف الفرنسيين (52 في المئة) استقبال المهاجرين واللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، وفق ما أظهر استطلاع للرأي.

وقال أحد المنظمين المؤلف والمخرج رافاييل غلوكسمان إن هذا التجمع نشأ "من مناقشة عبر فيس بوك ومن أناس كانوا يتساءلون عن كيفية التحرك للتعبير عن شيء تلقائيا، لرفض سياسات الهجرة القمعية التي تؤدي إلى موت آلاف الأشخاص"، وتجاوبت جمعيات عدة مع النداء الذي وجه عبر فيس بوك، بينها الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السامية، وكان ممثلون لأحزاب يسارية واشتراكيون وشيوعيون ومن حزب الخضر أعلنوا نيتهم المشاركة في التظاهرة، وأعلن تنظيم تحركات مماثلة في نهاية الأسبوع في مدن فرنسية عدة.

بودابست

عندما كانوا السوريون عالقين في محطة بودابست للقطارات، ناشدوا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بصورة مباشرة، رفعوا صوراً لها، وناداها البعض بـ“ماما”، ميركل عازمة أن ألمانيا تستطيع مساعدة اللاجئين الشرعيين وستقوم بذلك، وتقدم آلاف المتطوعين للحاق بها، ليجلبوا المستلزمات، والألعاب، والابتسامات للاجئين، حتى أنهم أطلقوا مصطلحاً على هذه الظاهرة، وهو “ثقافة الترحيب”. بحسب السي ان ان.

استطاعت ميركل مواجهة منتقديها بالإصرار على فكرة مساعدة الناس المحتاجة، وذلك لأن باستطاعتها أن تكون جريئة، فاقتصاد ألمانيا قوي جداً، وستضخ حكومتها الملايين في مدن ألمانيا للمساعدة مع سيل اللاجئين، ميركل: “حرفياً، هي مهمةٌ شاملة للدولة بأسرها، لا يمكننا أن نترك مجتمعات تعيل نفسها بنفسها”.

كما تعد بأن تفعل كل ذلك دون زيادة الضرائب، لكن ميركل تعلم أنه سيختلف الأمر لو لم تقبل دول أوروبية أخرى لاجئين أكثر، ميركل: “من المستحيل أن تتحمل 4 أو 5 دول العبء لوحدها”، تقول ميركل إنها تعتمد على القيم الأوروبية، التي تشمل حماية المحتاجين.

اضف تعليق