q

انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، لا يزال محط اهتمام واسع من قبل العديد من الحكومات والمؤسسات الاقتصادية، وخصوصا تلك التي تكبدت خسائر مالية كبيرة جراء هبوط وتذبذب الأسعار في الفترة السابقة بسبب ما يسمى "أساسيات السوق"، متمثلة في التفاعل بين العرض والطلب، وفي ظل التوقعات باستمرار انخفاض أسعار النفط كما يقول بعض المراقبين، فقد ازدادت مخاوف بعض الدول المنتجة والمؤسسات النفطية العالمية، التي أصبحت تعاني اليوم من مشكلات وأزمات كبيرة ومعقدة بسبب تراجع الإيرادات النفطية وهو ما أجبرها على رسم خطط جديدة، خصوصا مع صعوبة التنبؤ بمستقبل أسواق النفط وتباين آراء الخبراء، حيث يعتقد البعض أن الأسعار ستبقى منخفضة خلال الفترة المقبلة ولأسباب كثيرة منها موقف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من ابقاء سقف إنتاج النفط كما هو والذي ساهم في رفع الكميات المعروضة والضغط على سعر النفط ومنعه من الارتفاع. يضاف الى ذلك الضغوط والعوامل الأخرى.

وفي هذا الشأن وبعد أن قلصت الإنفاق بمقدار 180 مليار دولار لمواجهة ركود من أسوأ ما عرفه القطاع في عشرات السنين ما زالت شركات النفط تعاني نزيف السيولة وتنزلق أكثر في هوة الديون كي لا تمس توزيعات الأرباح النقدية التي تصرفها للمساهمين. وينبئ انخفاض أسعار الخام بضرورة إجراء مزيد من التخفيضات في المشاريع الجديدة والعمليات القائمة. وقد تجد الشركات التي تحاول بيع الحقول النفطية لتدبير السيولة نفسها مضطرة إلى البيع سريعا وبسعر أقل مما كانت تأمله.

وما من مؤشر يذكر على أن سعر النفط سينقذ الشركات حيث تواصل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الضخ بقوة في سوق متخمة بالمعروض وذلك ردا على النمو الفلكي للنفط الصخري الأمريكي. ومن المتوقع بحسب ما أظهره استطلاع لآراء المحللين أن يبلغ متوسط سعر برنت 60.60 دولار للبرميل في عام 2015 و69 دولارا في عام 2017. وكانت وكالة الطاقة الدولية قالت في فبراير شباط إنها تتوقع أن يتعافى السعر إلى 73 دولارا في عام 2020 مع انحسار تخمة المعروض ولكن ببطء.

ويقول المحللون في بنك الاستثمار جيفريز إن شركات النفط العالمية خفضت نقاط تعادل الإيرادات والتكاليف لديها عشرة دولارات للبرميل بعد الجولة الأخيرة من تخفيضات الإنفاق لكنها مع ذلك بحاجة إلى سعر يبلغ 82 دولارا للبرميل في 2016 لتغطية الإنفاق والتوزيعات التي كانت نقطة الجذب الرئيسية للاستثمار في القطاع لعقود. وقال جيفريز في مذكرة "لتغطية النقص سيعمد القطاع إلى زيادة الإقتراض. ومع أن الاستدانة بالقطاع ما زالت تحت السيطرة فإنها ممارسة لا ينبغي المضي فيها إلى ما لا نهاية."

وتستفيد شركات النفط الكبرى مثل رويال داتش شل وشيفرون وتوتال من أرباح عمليات التكرير. ويقوم معظمها بزيادة إنتاج النفط والغاز لاعتصار أكبر قدر ممكن من الإيرادات من استثماراتها السابقة لكن ذلك يؤدي إلى تفاقم تخمة المعروض. ومن المتوقع بحسب ريستاد إنرجي الاستشارية التي مقرها أوسلو تراجع الإنفاق في العام القادم بين خمسة و15 بالمئة بناء على سعر النفط. واستغلت شركات النفط الكبرى في العالم نتائج الربع الثاني من العام لإظهار استعدادها لإجراءات أعمق وأشد إيلاما.

وقال بن فان بوردن الرئيس التنفيذي لشل "النبرة تغيرت. ربما لم نترك الانطباع الصحيح المعبر عن مدى إلحاح الوضع في يناير" كانون الثاني. وقال بوب دادلي الرئيس التنفيذي لشركة بي.بي "أسعار النفط ستكون منخفضة لفترة طويلة." ويتمثل جزء من المشكلة بالنسبة لشركات النفط الكبرى في أن شركات النفط الوطنية الكبيرة ومنتجي النفط الصخري زادوا حصتهم من الإنتاج العالمي تدريجيا لسنوات مما جعل الشركات تحت رحمة عوامل خارج نطاق سيطرتها.

ومن المتوقع أن تؤدي تخفيضاتها الاستثمارية الكثيفة إلى تقليص الطاقة الإنتاجية العالمية مليوني برميل يوميا بحلول 2020 وفقا لريستاد إنرجي. لكن منتجي أوبك سيتدخلون لتعويض النقص. وقال دادلي بعد إعلان بي.بي تراجع الأرباح الفصلية بمقدار الثلثين تقريبا "إنه وقت عصيب حقا للقطاع وفي كل الأنحاء من أبردين إلى أنجولا وهيوستن... يشبه ذلك عام 1986."

وكان يشير إلى ما حدث أواخر 1985 عندما هوت أسعار النفط إلى عشرة دولارات من حوالي 30 دولارا على مدى ثمانية أشهر مع قيام أوبك بزيادة الإنتاج لاستعادة حصتها من السوق إثر زيادة إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة. وتجاوب القطاع عن طريق خفض الإنفاق بمقدار الربع تقريبا وتقليص العاملين بمقدار الثلث وفقا لمورجان ستانلي. وتعافت الأسعار تدريجيا على مدى العشر سنوات التالية مع نمو الطلب العالمي.

لكن تخمة المعروض قد تستمر لفترة أطول هذه المرة. فقد قال مورجان ستانلي في مذكرة "إذا اقتفت أسعار النفط أثر المسار الذي ينبئ به منحنى الأسعار الآجلة... فسيكون هذا التباطؤ أشد من تباطؤ 1986." وبحسب ريستاد تعادل التخفيضات البالغة 180 مليار دولار نحو 20 بالمئة مقارنة مع 2014. وأرجأت شركات النفط مشاريع تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار منها مشاريع صعبة وعالية التكلفة تحوي احتياطيات ضخمة مثل رمال النفط الكندية ومشاريع في المياه العميقة بافريقيا وجنوب شرق آسيا والمتجمد الشمالي.

ويتأخر الإنتاج عن الاستثمار ما لا يقل عن ستة أشهر لعمليات الحفر البري لكن ما يصل إلى عشر سنوات للمشاريع الصعبة في حقول المياه العميقة ومشاريع الغاز الطبيعي المسال أو المشاريع الضخمة لرمال النفط الكندية. ويقول بعض المراقبين إن القطاع بحاجة إلى تحسين الكفاءة بصرف النظر عن انخفاض سعر النفط بعد أن ارتفعت تكاليف التشغيل إلى ثلاثة أمثالها على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة.

ووجدت بي.بي سهولة أكبر في التأقلم مع تقلص أسعار النفط بمقدار النصف لأنها باعت بالفعل أصولا قيمتها 45 مليار دولار وخفضت التكاليف لتغطية التعويضات والغرامات الضخمة الناجمة عن حادث التسرب بخليج المكسيك عام 2010. وقال جيسون جاميل المحلل لدى جيفريز الذي يعطي بي.بي وشيفرون توصية بالشراء "من المرجح أن بي.بي هي الأكثر تقدما بين تلك الشركات على صعيد وفورات التكلفة."

وفي الوقت الحالي تستطيع شركات النفط الكبرى تغطية النقص عن طريق زيادة الاقتراض الذي يعادل حاليا نحو 15 بالمئة من قيمتها السوقية في المتوسط وهي نسبة منخفضة نسبيا مقارنة مع القطاعات الأخرى. واضطرت شركات التنقيب والإنتاج الصغيرة التي تفتقر إلى أنشطة تكرير كبيرة مثل بريميير أويل وتالو أويل إلى عدم دفع توزيعات أرباح نقدية هذا العام. وقال مسؤولون تنفيذيون في تالو إن الشركة "أعادت ضبط النشاط" كي تكون قادرة على المنافسة عند سعر للنفط يبلغ حوالي 50 دولارا. وشأنها شأن نظيراتها قلصت الشركة التي تتركز أعمالها في افريقيا الإنفاق على المشاريع الجديدة وتحولت عن الآبار الصعبة لتركز على العمليات البرية والبحرية السهلة. بحسب رويترز.

ويقول المحللون في مورننج-ستار إن تالو دبرت تمويلا قبل انخفاض سعر النفط وهو ما يعني أنه سيكون بوسعها تحمل تبعات التباطؤ لبعض الوقت. لكنهم قالوا إن معدل استهلاك تدفقاتها النقدية سيدفعها في نهاية المطاف إلى بيع أصول لن تدر مقابلا جيدا في ظل المستوى الحالي لسعر النفط. وقالت مورننج-ستار إن استثمارات تالو في اكتشافات نفطية كبيرة قيد التطوير "ستتطلب تمويلا رأسماليا أعلى من أن تستطيع شركة بحجمها توليده من عملياتها".

المشتقات النفطية

من جانب اخر تقول أسواق المشتقات النفطية إن أسعار النفط ستظل منخفضة لسنوات قادمة وهو ما يكبح جماح التضخم ويساهم في دعم النمو العالمي. وفقدت أسعار النفط ما يزيد عن نصف قيمتها على مدى العام الماضي نظرا لتخمة المعروض وتقول شركات كثيرة - لاسيما في الولايات المتحدة - إنها ربما تضطر قريبا لخفض الإنتاج وهو ما سيقلص الإمدادات إذا لم تتعاف السوق.

ودفع ذلك كثيرا من المحللين إلى التنبؤ بصعود أسعار النفط في وقت لاحق هذا العام أو في 2016 وهو ما يدفع التضخم للارتفاع. لكن أسواق المشتقات النفطية لها رأي آخر. فالعقود الآجلة للنفط الخام في أسواق السلع الأولية الكبرى مثل بورصتي نيويورك التجارية وإنتركونتيننتال تظهر أن أسعار النفط لخمس سنوات قادمة انهارت في الأشهر الماضية.

ويبلغ سعر الخام الأمريكي الخفيف الآن نحو 42 دولارا للبرميل للتسليم الشهر القادم ويرتفع بحوالي 20 دولارا فقط للتسليم في 2020. وأسعار النفط في عقود التسليم في المستقبل عادة ما تكون أكثر استقرارا من الأسعار المتقلبة على الأمد القصير وتتماسك حتى عندما تنهار السوق الفورية. لكن الهبوط الحاد الأخير في أسعار الخام يبدو مختلفا.

فأسعار جميع العقود الآجلة الشهرية لسنوات قادمة والمعروفة أيضا "بمنحنى" الأسعار المستقبلية تراجعت بشكل حاد. وقالت امريتا سين محللة شؤون النفط لدى إنرجي أسبكتس لاستشارات الطاقة "يظهر المنحنى أن الأسعار ستظل منخفضة لبعض الوقت." والأسعار المستقبلية ليست توقعات نظرا لأن السيولة تتجه إلى الانخفاض في العقود الطويلة الأجل. لكنها مؤشرات جيدة على المعنويات لأنها سوق يراهن فيها المضاربون على الأسعار في المستقبل وتتيح أيضا لكبار المنتجين والمستهلكين التحوط للأنشطة المستقبلية.

ويقول محللون إن منحنى الأسعار المستقبلية يظهر أن الانهيار الحالي في أسعار النفط سيستمر لفترة نظرا لأنه حدث بفعل تخمة كبيرة في المعروض من المرجح أن تستمر. وانهارت أسعار النفط على مدى العام الماضي مع قيام السعودية ومنتجين آخرين في منظمة أوبك بزيادة الإنتاج للحفاظ على حصتهم في السوق في مواجهة منافسين مثل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.

وهبط سعر خام القياس العالمي مزيج برنت إلى نحو 45 دولارا للبرميل في يناير كانون الثاني من أكثر من 115 دولارا قبل ذلك بنحو ستة أشهر. وارتفعت الأسعار بعد ذلك لكنها تراجعت إلى مستويات لم تصل إليها منذ أن بدأت الأزمة المالية والركود الطويل في 2008-2009. وزاد إنتاج النفط في الولايات المتحدة بما يزيد عن أربعة ملايين برميل يوميا خلال السنوات الخمس الماضية بفضل التقنيات الجديدة لاستخراج النفط الصخري مثل "التكسير" ليقلص ذلك مبيعات أوبك.

ويزيد الإنتاج العالمي من النفط الآن بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميا عن الطلب. ومع انخفاض الأسعار يلجأ كثير من المنتجين إلى التحوط لإنتاجهم في المستقبل من خلال المشتقات وبيع عقود آجلة للنفط الذي سيضخوه في 2016 و2017 وما بعدها. وساعد ذلك في دفع الأسعار الآجلة للتراجع مع انهيار الأسعار الفورية وهو ما خفض بدوره منحنى الأسعار المستقبلية بأكمله. وتماسكت العقود الآجلة في 2008-2009 إلى حد كبير. وتم تداول العقود الآجلة للخام الأمريكي لخمس سنوات قادمة أعلى 30 دولارا من الأسعار الفورية وهو ما أبقى المنحنى المستقبلي في اتجاه نزولي حاد. بحسب رويترز.

والآن فإن هذا المنحنى أقل انحدارا بكثير مع تقلص الهامش في عقود الخمس سنوات القادمة إلى أقل من 20 دولارا. وقالت سين محللة شؤون النفط لدى إنرجي أسبكتس "يوجد في الوقت الحالي خلل في التوازنات بالمقارنة مع 2008 . لدينا حاليا ثلاثة ملايين برميل يوميا زائدة يتحوط لها المنتجون في مواجهة شركات النفط الصخري." وترسم أسواق المشتقات الأخرى صورة مماثلة حيث انخفضت عقود الخيارات - التي تعطي الحق في بيع النفط عند مستوى معين في المستقبل - إلى 35 دولارا للبرميل بل و30 دولارا للخام الأمريكي. وقال أوليفييه جاكوب محلل شؤون النفط لدى بتروماكس السويسرية للاستشارات "يقول كثير من المحللين إن أسعار النفط لا يمكن أن تبقى عند تلك المستويات المنخفضة لفترة طويلة جدا .. لكن ذلك ليس ما تخبرنا به أسواق العقود الآجلة "تظهر تلك الأسواق أن الأسعار لن تتعافى في أي وقت قريب."

قلق أوبك

على صعيد متصل قال مندوبون لدى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إن بعض الدول الخليجية الأعضاء بالمنظمة تشعر بالقلق من الهبوط في أسعار النفط والذي لم يكن متوقعا لكنهم لا يرون فرصة تذكر لتخلي المنظمة عن سياستها الخاصة بحماية حصتها في السوق. وقال المندوبون ومن بينهم مندوبو دول خليجية أعضاء في أوبك رفضوا الكشف عن أسمائهم إن الصين ما زالت تشتري وتخزن الخام ويتوقعون أن يؤدى النمو القوي للطلب إلى رفع الأسعار مجددا إلى 60 دولارا للبرميل العام المقبل.

وقال مندوب إحدى الدول الخليجية "هناك تخوف بشأن متانة الاقتصاد الصيني لكن كما أظهرت البيانات تزداد الحاجة إلى استيراد النفط." وقال المندوب إن "أسعار النفط ستظل متقلبة... لكنها ستتعافى" مضيفا أنه لا يتوقع أن تتخذ أوبك أي خطوة الآن "بسبب الضبابية" في السوق. وتتمتع الدول الخليجية الأعضاء في أوبك الثرية نسبيا بقدرة أكبر على التكيف مع انخفاض أسعار النفط مقارنة بالدول الأفريقية الأعضاء في المنظمة وإيران وفنزويلا. وقادت السعودية الأعضاء الخليجيون نحو تغيير استراتيجية أوبك العام الماضي للسماح بهبوط الأسعار وحماية حصتهم في السوق في مواجهة المنتجين المنافسين.

وبينما عبر الأعضاء غير الخليجيين في المنظمة مرارا عن قلقهم منذ ذلك الحين بشأن هبوط الأسعار فإن الأعضاء الخليجيين قلما عبروا عن تلك المخاوف بل حتى لا توجد مؤشرات على أنهم يتوقعون تغير سياسة أوبك. وقال مصدر آخر في أوبك "الجميع قلقون بالطبع لكننا نأمل أن تبدأ السوق في التعافي بحلول الربع الأخير" وعزا ذلك إلى انتهاء أعمال الصيانة الموسمية للمصافي بما سيعزز الطلب على الخام.

أكد مسؤولو أوبك على استراتيجية حماية الحصة السوقية خلال الاجتماع الأخير للمنظمة في يونيو حزيران. وفي الوقت الحالي يتوقع المندوبون تعافي الأسعار قرب نهاية 2015 بدعم من الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي. لكن تلك النظرة تغيرت مع موجة الهبوط الذي شهدتها أسعار النفط في الآونة الأخيرة وتنامي المخاوف بشأن آفاق الطلب في الصين. وقال مندوب ثالث لدى أوبك "من المتوقع أن تبقى الأسعار تحت ضغط نزولي لحين تحقق الزيادة المتوقعة في الطلب العام المقبل." وتتوقع أوبك حاليا تسارع نمو الطالب العالمي على النفط العام المقبل إلى 1.34 مليون برميل يوميا مقابل 1.28 مليون برميل يوميا العام الحالي وزيادة الطلب على خام المنظمة في الوقت الذي يتباطأ فيه نمو إمدادات المعروض خارج أوبك.

وعلى الرغم من استمرار قوة الطلب الصيني على الخام حتى الآن حيث تستغل السلطات انخفاض أسعار النفط لتكوين احتياطات استراتيجية ويواصل المستهلكون الإنفاق رغم تباطؤ الاقتصاد توجد مؤشرات على تراجع الطلب حيث من المحتمل أن يؤدي خفض قيمة اليوان إلى تراجع واردات الوقود. ويقول مندوبون من أوبك ومصادر بالقطاع إنه من الصعب على السعودية التخلي عن السياسة التي دافعت عنها بقوة وبخاصة في الوقت الذي تتأهب فيه إيران والعراق لتعزيز صادراتهما من الخام.

وقال مصدر بقطاع النفط وخبير في أوبك إن "دول الخليج متخوفة من الهبوط لكن لن يكون هناك تغير في الاتجاه ما لم تقود السعودية هذا التغيير... في الوقت الراهن لا تزال السعودية هي المسؤولة وستلتزم بها (الاستراتيجية)." ومما زاد من حالة الضبابية بشأن متانة الاقتصاد الصيني المخاوف من زيادة الإنتاج العالمي للنفط في سوق تشير توقعات أوبك نفسها إلى أنها تعاني من تخمة في المعروض تتجاوز المليوني برميل يوميا. بحسب رويترز.

وتضخ السعودية والعراق - أكبر منتجين للنفط في أوبك - كميات قياسية من النفط هذا العام في الوقت الذي أبقت فيه دول أخرى مثل روسيا على مستويات الإنتاج مرتفعة. ولن يجتمع أعضاء أوبك قبل الرابع من ديسمبر كانون الأول كما أنهم رفضوا دعوات من الجزائر لعقد اجتماع طارئ. وبينما تقول قواعد أوبك إن الدعوة لاجتماع طارئ تحتاج إلى تصويت أغلبية بسيطة من أعضاء أوبك البالغ عددهم 12 عضوا تقول مصادر من داخل المنظمة أنه من غير المرجح عقد أي اجتماع طارئ إلا إذا كانت السعودية ضمن المؤيدين له. وقال المصدر الثاني في أوبك إن "الاجتماعات الطارئة تحتاج تنسيقا واتفاقا أو على الأقل مقترحا قبل أن يذهب الوزراء له ولا أرى أن هذا يحدث."

النفط الايراني

الى جانب ذلك يرتقب ان يؤدي رفع العقوبات عن ايران الى تراجع اسعار النفط التي تشهد هبوطا اصلا بسبب وفرة العرض لان طهران تنوي زيادة صادراتها بينما لا تبدو دول عدة في منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك) مستعدة للتنازل عن حصص في السوق. وقال المحلل لدى مجموعة ساكسو بنك اولي هانسن ان "السوق تتوقع ان يرتفع انتاج ايران وهذا سيضاف الى العرض الوافر الحالي". وكان وزير النفط بيجان نمدار زنقانة اكد في حزيران/يونيو الماضي خلال اجتماع لاوبك ان بلاده يمكن ان تنتج مليون برميل اضافي يوميا في الاشهر الستة او السبعة التي تلي رفع العقوبات.

لكن مراقبي سوق النفط ليسوا متفائلين الى هذا الحد في ما يتعلق بالنفط الخام الذي سيستخرج من الآبار لان المنشآت النفطية المتقادمة يمكن ان تكبح عودة سريعة. ورأى تشارلز روبرتسون من مجموعة رينيسانس كابيتال ان الانتاج الايراني سيترفع بمقدار 750 الف برميل يوميا ليبلغ 4,4 ملايين برميل يوميا في 2016. واكد انه "اذا اضيفت الى 19 مليون برميل مخزنة (في ايران) فانها سترفع الصادرات الايرانية الى 2,4 مليون برميل يوميا في 2016 مقابل 1,6 مليون برميل في 2014". بحسب فرانس برس.

اما ريتشارد مالينسن المحلل لدى مجموعة اينرجي اسبكتس فقد قال "اتوقع زيادة في الانتاج وصادرات تتراوح بين 250 الف و400 الف برميل يوميا ما ان يتم تخفيف العقوبات منتصف 2016 على الارجح". لكن في سوق بلغ فيها فائض النفط بين 1,5 مليون ومليوني برميل يوميا على الرغم من طلب عالمي يشهد تحسنا، تستقبل الاسواق بشكل سلبي اي زيادة في العرض وان كان رفع العقوبات ليس فوريا. وقال المحلل في مجموعة بتروماتريكس اوليفييه جاكوب "اذا لم تخفض السعودية انتاجها لتسهيل عودة ايران فان المعركة على حصص السوق ستتفاقم وسيكون الامر سلبيا على اسعار النفط". وفي هذا الاطار، لن يكون هناك سببا لوجود سقف اوبك المحدد بثلاثين برميل يوميا لكن تم تجاوزه بشكل كبير مؤخرا. وقال مالينسون انه "سيكون على الكارتل بالتأكيد العودة الى حصص فردية لكل دولة لفرض انضباط".

خيار صعب

من جانب اخر تجد الدول المنتجة للنفط نفسها امام خيار صعب سياسيا، لكن تراجع عائداتها بسبب انخفاض اسعار الخام يجعلها مضطرة لتقليص نفقاتها وخصوصا دعم اسعار المحروقات. فقد اعلنت السلطات في الامارات العربية المتحدة احدى اكبر الدول المهمة المنتجة للنفط في العالم رفع الدعم الحكومي عن اسعار الوقود والديزل. وقالت وزارة الطاقة في بيان ان "سياسة التسعير الجديدة ستخضع للمراجعة الشهرية"، وستحدد على اساس الاسعار الدولية.

ويبلغ سعر الوقود في الامارات حاليا 1,83 درهما (50 سنتا) والديزل 2,35 درهما (64 سنتا). وقال الخبير النفطي بيار تيرزيان مدير مجموعة بتروستراتيجيز "في منطقة الخليج انه البلد الوحيد الذي يذهب الى هذا الحد (...) وهو استثناء ايضا في منطقة اوبك" منظمة الدول المصدرة للنفط. والى جانب الالتزامات المالية، تستعد الامارات بجد لمرحلة ما بعد النفط باهداف طموحة في مجال تطوير الطاقات المتجددة.

وقال تيرزيان ان "الدول الاربع التي تسجل ادنى اسعار للمحروقات هي اربعة بلدان اعضاء في اوبك: فنزويلا وليبيا وايران والجزائر". وكلها تدعم بشكل ما الاسعار المتدنية للمحروقات. لكن في الاشهر الاخيرة اعادت بعض الدول النظر في هذه السياسة عبر خفض الدعم ان لم يكن الغاؤه بالكامل.

وفي كانون الثاني/يناير بدأت الكويت بيع الكيروسين باسعار السوق لكنها ابقت الدعم على اسعار الوقود. واعلنت البحرين وسلطنة عمان ايضا انهما ستخفضان الدعم للمشتقات النفطية. وفي ايران، الغت الحكومة في نهاية ايار/مايو كمية الستين لترا المدعومة لبعض سائقي السيارات وحددت اسعارا موحدة للجميع. ويبلغ سعر لتر الوقود بين 31 و37 سنتا والديزل تسعة سنتات من اليورو. وقبل من ذلك، قررت انغولا خفض دعمها للمحروقات الذي يبلغ اربعة مليارات دولار سنويا.

لكن هذا الخيار صعب. فخلافا لدول الخليج حيث القدرة الشرائية مرتفعة، يلعب دعم المحروقات في عدد من الدول المنتجة دورا مهما في حفظ السلام الاجتماعي والقدرة الاقتصادية التنافسية. ففي 2013، ادى قرار السودان رفع الدعم عن المحروقات الى تظاهرات قمعها النظام بعنف. والامر نفسه حدث في نيجيريا في 2012 حيث اضطر الرئيس غودلاك جوناثان لاعادة الدعم لاسعار المحروقات جزئيا. وفي فنزويلا حيث تحتكر الدولة توزيع المحروقات، تبقى اسعار البيع اقل من كلفة الانتاج والتسويق.

الا ان الرئيس نيكولاس مادورو كما سلفه هوغو تشافيز، رفض باستمرار زيادة الاسعار مع انه تحدث منذ بداية الازمة الاقتصادية في بلده عن "مراجعة" ضرورية لاسعار الوقود في اطار حملة في في الصحافة والتلفزيون. لكنه لم يذهب ابعد من ذلك. وفي الجزائر تفكر الحكومة ايضا في الغاء الدعم لمواجهة تراجع العائدات النفطية. وقد ترفع الاسعار او تحدد سقفا للاستهلاك باسعار مدعومة. ويشجع انخفاض الاسعار على التهريب. ففي الجزائر يتم تهريب النفط الى المغرب او تونس حيث يباع باسعار اكبر. بحسب فرانس برس.

وفي نيجيريا البلد المستورد للمحروقات ويقدم دعما ماليا للمستوردين والموزعين من اجل المحافظة على ثبات الاسعار في المحطات، يعتبر هذا النظام مشجعا على الاحتيال اذ ان بعض المستوردين متهمون بتضخيم حجم المحروقات التي يسلمونها. وقال تيرزيان انه "يجب ايجاد مستوى للاسعار لا يؤثر على القدرة الشرائية للسكان ولا يعرض القدرة التنافسية للاقتصاد للخطر لكن بدون تشجيع الناس على التبذير". وهو يشير بذلك الى اضرار الاسعار المخفضة جدا التي تدفع الى زيادة الاستهلاك "وتقلل امكانيات تصدير النفط والغاز وبالتالي عائدات البلاد".

اضف تعليق