q
علينا عدم إضفاء الطابع الرومانسي على حقبتها. ساعدت الملكة في التعتيم على قسم كبير من تاريخ إنهاء الاستعمار والذي لا يزال جزء كبير من هذا الإرث بحاجة للاعتراف به كما يجب. أنّ التفاعل العالمي مع وفاة الملكة طغى عليه حصرياً استعراض حياتها وليس استعراض الحقبة بشكلها الكامل...
بقلم: بيل ترو، مراسلة الشؤون الدولية في اندبندنت

،، تفسح حالة الحزن التي خيمت في أعقاب وفاة الملكة إليزابيث الثانية المجال أمام بريطانيا لكي تواجه ماضيها الاستعماري مهما كان ذلك مزعجاً، وليس الهرب منه ،،

ميّز وفاة الملكة إليزابيث الثانية، أطول الملوك حكماً في بريطانيا، وجود موجة حزن عارمة من كل أصقاع الكوكب عبّر فيها أناسٌ عاديون وقادة عن ثنائهم للملكة عما أظهرته من تفانٍ طوال 70 عاماً من خدمتها للمملكة المتحدة، وعن مكانتها على الصعيد الدولي كعنصر من عناصر الثبات والاستقرار. وما زاد في تأجيج العواطف أنها توفيت بعد احتفالات اليوبيل البلاتيني لتوليها العرش.

لكن ما سبق كان قد ترافق أيضاً مع دعوات للاعتراف بالإرث البغيض الذي خلّفته الامبراطورية البريطانية، ونقاشات حول مدى التورط المباشر لأحدث الملوك البريطانيين، بما فيهم الملكة إليزابيث، في هذه التَركة. كما تعالت أصوات من بعض دول الكومنولث، تطالب بفتح حوار جديد يتناول مستقبل النظام الملكي في حياتهم بعد تنصيب ملك جديد.

وفي هذه الأثناء، أعربت مجموعات حقوقية وأعضاء في البرلمان في المملكة المتحدة، وكذلك مسؤول مكافحة الإرهاب سابقاً في بريطانيا، عن شدة قلقهم من تقويض حرية التعبير على إثر سلسلة من الاعتقالات التي طالت المتظاهرين المناوئين للملكية. هذا إضافةً إلى ردود الفعل العنيفة التي قوبل بها انتقاد الملكة على الإنترنت فيما قال بعض المعلّقين أنهم واجهوا تعليقات عنصرية وتلقوا تهديدات تمس أمنهم وسلامتهم.

منذ وفاة الملكة منذ ما يزيد على أسبوع، ضجّت منصات التواصل الاجتماعي بسجالات حول سبل الحداد على رحيل ملكة، كانت من ثوابت الحياة بالنسبة إلى كثيرين، وشخص يقوم بواجبه حتى آخر أيام حياته، لكن في الوقت نفسه الحديث عن الإساءات التي قامت بها مؤسسة كانت تنتمي إليها، والدور الذي لربما لعبته في هذا الإطار.

مايا جاسانوف، أستاذة التاريخ في جامعة هارفارد، ومؤلفة ثلاثة كتب عن الامبراطورية البريطانية، أشارت لـ "اندبندنت" أنها تعرضت لردود فعل عنيفة على الإنترنت بسبب مقالة نشرتها في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان "احزنوا على الملكة وليس على الإمبراطورية".

في المقالة ذكرت جاسانوف أنه فيما يجب تذكّر الملكة بسبب العمل الذي أدّته طوال حياتها، "علينا عدم إضفاء الطابع الرومانسي على حقبتها". وتابعت: "ساعدت الملكة في التعتيم على قسم كبير من تاريخ إنهاء الاستعمار والذي لا يزال جزء كبير من هذا الإرث بحاجة للاعتراف به كما يجب".

وعن هذا تقول جاسانوف لـ "اندبندنت" أنّ التفاعل العالمي مع وفاة الملكة طغى عليه حصرياً "استعراض حياتها وليس استعراض الحقبة بشكلها الكامل". وتكلّمت عمّا بُذل من جهد في فصل الشخصية نفسها عن الإطار التاريخي الأوسع - على رغم أن الملكة تولّت موقعاً استثنائياً إذ كانت "فرداً ومؤسسة على حدّ سواء".

وتابعت بقولها: "لا شك في أنّ المواضيع المتعلقة بالامبراطورية وتجاهل أو نسيان الهيمنة الاستعمارية وحتى الحنين إلى الامبراطورية كلها أمورٌ اكتسبت أهميةً وزخماً في بريطانيا خلال الأعوام الأخيرة الماضية بين بعض أفراد الشعب ولكنها لم تؤخذ على محمل الجد بعد في أوساط المؤسسة الحاكمة. حتى أن البعض وصل إلى قناعة بأن هذا ليس الوقت المناسب للحديث في هذه المواضيع. لكن لا بد من القول هنا أن وقت فتح هذا الحديث قد تأخر بالفعل كثيراً، وحقيقة أنه تم تأجيله طوال هذه المدة هو ما يعيد فتحه الآن - فالآن هو الوقت المناسب لذلك".

وتختم جاسانوف "لا يمكننا التغاضي عن حقيقة أنّ الملكية كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالامبراطورية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين".

من جهتها، قالت مليسا موري، أستاذة الحقوق في جامعة نيويورك، التي تتحدر عائلتها من جامايكا والتي انتشرت تغريدات كتبتها على "تويتر" على نطاق واسع هذا الموضوع، إنه فيما كرّست الملكة حياتها للخدمة "فهذا لا يعفي المؤسسة التي تنتمي إليها من الانتقاد". وأضافت: "يمكن أن نتفهم شعور الناس بالاحترام والإجلال والمودة، نظراً إلى ثباتها في التعامل مع منصبها، وإلى أنها لم تُولد لكي تؤدي هذا الدور بالضرورة".

،، لقد حان الوقت للاعتراف بالكثير من ضحايا العنف الاستعماري والحداد عليهم، وكذلك الحزن على أولئك الذين ورثوا هذه المعاناة.. بريمفادا غوبال، جامعة كامبريدج ،،

لكن ذلك، بحسب موري "لا يخفف من شعور أولئك الذين يعيشون داخل دول الكومنولث بالأثر الذي خلّفته الامبراطورية وتعرضهم للاستعمار أثناء حكمها. هذا إضافة إلى ما تعرضوا له خلال فترة إنهاء مرحلة الاستعمار، والتي كانت عملية مزعزعة للاستقرار بشكل لا يصدق وعنيفة في بعض الأحيان".

وتضيف موري: "لا بأس من الحديث في الموضوع، يمكنكم إجراؤه من دون التقليل من أهمية أيٍ من إنجازاتها. من المسيء بالنسبة إليها وإلى أي زعيمة أخرى أن تُختصر لكي تصبح خالية من الشوائب".

بدورها، اعتبرت بريمفادا غوبال، أستاذة دراسات ما بعد الاستعمار في جامعة كامبريدج، أنّ الصادم في رد الفعل على وفاة الملكة هو "مدى فرض هذا الحزن بالقوة في بريطانيا والتشديد على الأهمية العالمية للوفاة ولا سيما داخل دول الكومنولث، والتي تُعتبر ابتكاراً آخر يجمّل عنف الإمبريالية البريطانية".

وتابعت بقولها "يمكننا الحداد على وفاة شخصية عامة بشكل عقلاني ولكن الوقت قد حان أيضاً للاعتراف بالكثير من ضحايا العنف الاستعماري والحداد عليهم، وكذلك الحزن على أولئك الذين ورثوا هذه المعاناة".

غوبال رأت أن "قدراً كبيراً" من العنف الاستعماري ارتُكب باسم العرش لكنه أحيط إجمالاً بالنكران والتعتيم. وأضافت: "لم تشر الملكة سوى نادراً إلى وقوع أحداث مؤلمة مثل مذبحة جليانوالا باغ في الهند (والتي ارتكبها الجنود البريطانيون في العام 1919 حين أطلقوا النار على مئات المتظاهرين المسالمين) لكن أي محاولة لإجراء محاسبة وطنية لحقيقة الامبراطورية لم تتم أو حتى فتح المجال أمام تدقيق في طبيعة ثروتها الموروثة تحديداً".

كما كانت هناك مخاوف متزايدة بشأن قمع الحريات في أعقاب عدد من الاعتقالات للمتظاهرين المناهضين للنظام الملكي، والذي تم انتقاد الشرطة عليه لتجاوزها الحدود.

ففي يوم الأحد الفائت في إدنبره، أُلقي القبض على سيدة عمرها 22 عاماً خلال مراسم إعلان تنصيب الملك خارج كاتدرائية سانت جايلز. وفي اليوم التالي، اعتُقل متظاهر آخر، هو رجل عمره 22 عاماً، على طريق رويال مايل، فيما ظهر في التصوير أنه يضايق الموكب الملكي.

وفي هذه الأثناء، وفي وسط لندن، انتشر فيديو يُظهر المحامي بول بولسلاند في ساحة البرلمان وهو يرفع ورقة بيضاء، فيما يسأله شرطي عن معلوماته الشخصية. وقال السيد بولسلاند إن الشرطي أخبره بأنه قد يُعتقل إن كتب "ليس ملكي" على الورقة.

واحتُجز رجل آخر للاشتباه في ارتكابه جرم الاخلال بالنظام بعدما صاح "من انتخبه؟" حين صادف قراءة رسمية علنية لإعلان تنصيب الملك في كارفاكس، أكسفورد. وأُخلي سبيله لاحقاً.

أثارت هذه الاعتقالات أو التهديدات بالاعتقال مزيداً من التظاهرات، حيث تجمّع ناشطون خارج كاتدرائية سانت جايلز يوم الثلاثاء وهم يحملون "لوحات بيضاء" تضامناً مع الذين اعتُقلوا أثناء المراسم الملكية.

وأثار هذا القمع خوف السياسيين والمجموعات الحقوقية والمسؤولين السابقين. حيث قام النائب عن حزب المحافظين، ديفيد ديفيس، بتوجيه رسالة إلى رئيس شرطة اسكتلندا السير إيان ليفينغستون هذا الأسبوع، حثّ فيها الشرطة على "الاستمرار باحترام الحق في حرية التعبير".

وصرّح مسؤول مكافحة الإرهاب السابق في المملكة المتحدة نيك ألدورث لوكالة برس أسوسيشن بأن الشرطة "بالغت بشكل غير مناسب في حماية وقار المناسبة".

وتعليقاً على الاعتقالات، قال "لم يتصرفوا بشكل مناسب، هذه مبالغة".

كذلك أشارت المجموعة البريطانية "إندكس أون سنسورشيب"Index on Censorship التي تناضل في سبيل حرية التعبير، إلى وجود "مؤشرات مقلقة" عن إسكات التظاهرات المناوئة للملكية.

وقالت روث سميث، الرئيسة التنفيذية للمجموعة "من المقلق للغاية أن نتابع هذه الاعتقالات. يجب حماية الحق الأساس الذي يكفل حرية التعبير، بما فيها الحق في التظاهر، بغض النظر عن الظروف".

© The Independent

اضف تعليق