q

تحديات كبيرة ومختلفة تواجه حركة طالبان المتشددة، عقب إعلان وفاة زعيمها التاريخي الملا عمر الذي قاد الحركة لمدة 20 عاماً، حيث برزت انقسامات جديدة بين قادة هذه الحركة بسبب تعيين الزعيم الجديد للحركة، الملا أختر منصور وهو ما أثار غضب العديد من القادة ولأسباب كثيرة، منها سرعة اختيار هذا القائد الذي يعد وبحسب البعض منهم مقرب المؤسسة العسكرية الباكستانية وغيرها من الأسباب الأخرى، وقد رفضت عائلة زعيم حركة طالبان افغانستان الراحل الملا عمر مبايعة خلفه ودعت العلماء الى تسوية خلاف يتفاقم في اوساط المتمردين بخصوص انتقال السلطة. وممن رفضوا اختياره نجل الملا عمر يعقوب وشقيقه الملا عبد المنان. وصرح عبد المنان ان "عائلتنا لم تبايع احدا وسط هذه الخلافات" من دون تسمية الملا منصور. وأضاف "نريد من العلماء حل الخلافات عوضا عن مبايعة اي طرف كان".

يضاف إليها وكما يقول بعض المراقبين تحركات وخطط تنظيم داعش الإرهابي الذي يمثل تهديد حقيقي لمشروعية حركة طالبان، فسيعمل على الاستفادة من الواقع الحالي بهدف تقسيم طالبان إلى جماعات، لاجل توسيع نفوذه في هذه المنطقة و كسب أنصار جدد من أعضاء وقادة الحركة. هذه الخلافات والانقسامات وبحسب بعض الخبراء ربما قد تسهم أيضا بتفاقم وازدياد الهجمات الانتقامية وأعمال العنف من اجل إثبات الوجود للقيادة الجديدة التي حظيت أيضا بدعم وتأيد ومبايعة بعض الشخصيات المهمة.

انقسامات داخلية

وفي هذا الشأن يمثل التعبير عن المعارضة داخل قيادة الحركة أوضح مؤشر حتى الآن على التحديات التي يواجهها منصور في توحيد الجماعة المنقسمة بالفعل بشأن ما إذا كان يجب أن تواصل محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية وتواجه خطرا خارجيا جديدا الا وهو تنظيم داعش. ومن المرجح أن تتسع هوة الانقسامات داخل قيادة طالبان. ويؤيد منصور - نائب عمر الذي كان الزعيم الفعلي للحركة منذ سنوات - إجراء المحادثات لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 13 عاما. وأرسل في الآونة الأخيرة وفدا لاجتماعات افتتاحية مع مسؤولين أفغان واستضافتها باكستان جرت الإشادة بها بوصفها انفراجة. لكن منصور (50 عاما) يواجه خصوما أقوياء داخل الحركة يعارضون المفاوضات ويسعون ليتولى يعقوب ابن الملا عمر قيادة طالبان.

وقال ثلاثة أشخاص حضروا اجتماع مجلس الشورى إن يعقوب وعمه عبد المنان شقيق الملا عمر الأصغر كانا بين عدة شخصيات انسحبت من اجتماع القيادة الذي عقد في مدينة كويتا بغرب باكستان. وقال أحد المصادر وهو عضو كبير في طالبان بكويتا "في الحقيقة لم يكن اجتماعا لمجلس قيادة طالبان. منصور لم يدع سوى أعضاء من مجموعته ليمهد الطريق لانتخابه... وعندما لاحظ يعقوب وعبد المنان ذلك غادرا الاجتماع."

ومن بين من يعارضون قيادة منصور الملا محمد رسول والملا حسن رحماني وهما شخصيتان بارزتان في طالبان لكل منهما قاعدة مؤيديه ويدعمان يعقوب. لكن منصور تلقى دفعة حين حصل على تأييد مفاجىء من خصمه لفترة طويلة القائد الميداني عبد القيوم ذاكر الذي كان مسجونا في معتقل جوانتانامو الأمريكي في كوبا. وفي خطاب نشر بموقع طالبان على الانترنت كتب ذاكر يقول إنه قرأ تقارير "عن أن هناك خلافات بيني وبين الملا اختر محمد منصور. دعوني أؤكد أن هذا غير صحيح." وأكد نصر الله اخوند وهو قيادي في طالبان قريب من ذاكر في اتصال هاتفي أن ذاكر كتب الخطاب.

وعقد اجتماع مجلس الشورى خارج كويتا حيث يقيم العديد من قادة طالبان منذ سقوط نظامهم الحاكم في أعقاب التدخل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001. ولطالما وجد قادة طالبان الأفغانية ملاذا لهم في باكستان على الرغم من نفي مسؤولي الحكومة الباكستانية تقديم الدعم لهم في السنوات الأخيرة. وقال جريم سميث وهو كبير محللي الشؤون الأفغانية في مجموعة الأزمات الدولية إن منصور يقود أقوى فصيل في طالبان ويبدو أن معظم المتحدثين باسم الحركة ومواقعها الالكترونية وبياناتها تحت سيطرته. لكنه قال إن بعض مسؤولي المخابرات يقدرون أن منصور ليست له سيطرة مباشرة سوى على نحو 40 في المئة من المقاتلين في الميدان.

وقد يجعل هذا من الصعب عليه تنفيذ اي اتفاق لوقف إطلاق النار قد تتمخض عنه المحادثات في المستقبل. وتقول مصادر مطلعة على شؤون حركة طالبان إن منصور أثار انتقادات جديدة حين أرسل وفدا من ثلاثة أفراد للاجتماع مع مسؤولين أفغان في منتجع موري الباكستاني في وقت سابق. وكان أكثر من أثارت هذه الخطوة غضبهم أعضاء المكتب السياسي لطالبان في قطر الذين يصرون على أنهم هم الوحيدون المخولون بالتفاوض.

وقال قيادي في طالبان يقيم في كويتا "الناس.. لم يكونوا راضين عندما اتفق الملا منصور مع باكستان... على عقد اجتماع مع كابول." وأضاف "لم يتم التشاور مع مكتب قطر قبل اتخاذ هذا القرار المهم". ووفقا لمصدر آخر من طالبان مقرب من القيادة فقد أرسل مجلس شورى كويتا فريقا من ستة أفراد للعاصمة القطرية الدوحة للاجتماع مع طيب أغا أحد قياديي المكتب السياسي للحصول على التأييد لمنصور.

وتهدد الخلافات بأن تنقسم طالبان رسميا كما تفتح المجال أمام تنظيم داعش المنافس الذي اجتذب بالفعل قادة منشقين من طالبان أفغانستان وباكستان. وبايعت حركتان أفغانيتان متشددتان التنظيم وقد تحذو جماعات أخرى حذوهما. وعلى الرغم من التهديدات الداخلية والخارجية فقد سيطر مقاتلو طالبان على أراض في أفغانستان حيث يحاولون الإطاحة بالحكومة المدعومة من الغرب.

ويواجه منصور انتقادات من معارضيه بسبب قربه الشديد من جيش باكستان الذي لطالما اتهم بدعم التمرد في أفغانستان للحفاظ على نفوذه في المنطقة. وضغطت باكستان بشدة على قادة طالبان في أراضيها للجلوس إلى مائدة المفاوضات بطلب من الصين والرئيس الأفغاني. لكن الكثير من أعضاء طالبان وبعض المسؤولين الأفغان يخشون أن تكون المحادثات الأخيرة حيلة من باكستان لتحتفظ بالسيطرة وهو أمر تنفيه إسلام أباد.

وقال سيف الله محسود الباحث بمركز فاتا للأبحاث ومقره إسلام أباد إن منصور لا يملك رفاهية استعداء باكستان. وقال "بغض النظر عمن هو المسؤول عن طالبان في أفغانستان فإنها لن يكون أمامها خيار سوى إقامة علاقات طيبة مع الدولة الباكستانية. إنها مسألة تتعلق بغريزة حب البقاء." وتابع قوله "لا أعتقد ان هذه الموافقة على الذهاب لمائدة المفاوضات تحددت بناء على الشخصية بل بناء على الظروف." بحسب رويترز.

ورغم المعارضة لا يزال منصور يتمتع بقاعدة تأييد قوية داخل طالبان وإذا استطاع أن يحافظ على وحدة الحركة فقد يقود ذلك إلى حقبة جديدة للمتشددين. وقالت بيتي دام وهي مؤلفة كتاب عن سيرة الملا عمر يصدر في وقت لاحق إن غياب الزعيم الأعلى أصاب الكثير من مسؤولي الحركة بالشلل. وقالت "إذا حصل (منصور) على المصداقية فربما لا تكون خلافته للملا عمر الخفي أمرا سيئا."

من جانب اخر ناشد الزعيم الجديد لطالبان الأفغانية الملا أختر محمد منصور وحدة صف المتشددين في أول رسالة علنية له في ظل تقارير عن معارضة أسرة سلفه الملا عمر اختياره للزعامة. وقال منصور في تسجيل صوتي قدمه أعضاء طالبان للصحفيين "لا يمكن للعدو هزيمتنا إذا أظهرنا الوحدة". وتابع قوله "سأستغل كل طاقاتي للسير على نهج الملا الراحل محمد عمر. نحتاج للتحلي بالصبر وينبغي أن نتوجه لأصدقائنا المستائين ونقنعهم ونضمهم لصفنا."

وألقى منصور بمسؤولية الانقسامات داخل طالبان على "أجندة العدو" وتوعد بمواصلة القتال من أجل الحكم بالشريعة والسير على نهج الملا عمر. كما حذر من قتل المدنيين. وأفاد تقرير للأمم المتحدة أن المتشددين يتحملون المسؤولية عن مقتل 75 في المئة من المدنيين في أفغانستان للعام الثاني على التوالي. وقال "باسم الجهاد فإن قتل الأبرياء ليس من الإسلام. ينبغي أن نفوز بقلوب الناس ومن ثم نستطيع أن نحكم قلوبهم".

الظواهري وحقاني

على صعيد متصل بايع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الزعيم الجديد لحركة طالبان، في رسالة صوتية نشرت على الإنترنت. وبثت مبايعة الظواهري للملا أختر منصور في موقع السحاب الذراع الإعلامي للقاعدة في أول رسالة للظواهري منذ شهر سبتمبر/أيلول العام الماضي. وقد انتشرت تكهنات بشأن الظواهري نفسه، وإن كان ما زال على قيد الحياة، عقب تأكيد وفاة زعيم طالبان السابق، الملا عمر الشهر الماضي. وقدم الظواهري تعازيه في وفاة الملا عمر.

وكان الظواهري يعتبر الملا عمر زعيم الحركة الجهادية الدولية. ولكن تنظيم داعش المنافس الجديد للقاعدة، الذي أعلن تأسيس خلافة العام الماضي نازعه في ذلك. وقال الظواهري، في تسجيل صوتي نشر على المواقع الجهادية مصحوبا بصورة له، "إني بوصفي أميرا لجماعة قاعدة الجهاد أتقدم إليكم ببيعتنا لكم، مجددا نهج الشيخ أسامة وإخوانه الشهداء الأبرار في بيعتهم لأمير المؤمنين الملا محمد عمر". واستغل تنظيم داعش وفاة الملا عمر لمحاولة الانشقاق عن القاعدة، بحسب ما يقوله محللون. وقد أخذ التنظيم في التوسع باطراد على حساب ما أحرزه تنظيم القاعدة. بحسب بي بي سي.

وكان أعضاء كبار في طالبان قد اعترضوا على تعيين الملا منصور زعيما جديدا للحركة، وأدى هذا إلى شق الصف فيها. وتعد رسالة الظواهري التي لم يؤكد صحتها مصدر محايد رسالة مهمة. ويقول خبراء إن البيعة بالولاء أمر مهم لشرعية زعيم حركة طالبان، إذ إن الحنث في العهد كما يقولون يعد خطيئة.

من جانب اخر نشرت حركة طالبان الافغانية رسالة نسبت الى جلال الدين حقاني يعلن فيها مؤسس الشبكة التي تحمل اسمه دعمه لزعيم طالبان الجديد الملا منصور والذي تشكك بعض شرائح التمرد في شرعيته. وقالت الحركة نقلا عن بيان نسب الى جلال الدين حقاني ونشرته على موقعها بالانكليزية "نحن على ثقة بان الزعيم الجديد أختر محمد منصور تم اختياره وهو يتمتع بكامل الشرعية وبعد اجراء المشاورات الضرورية". ودعا جلال الدين حقاني الذي تم تعيين نجله سراج الدين نائبا للملا منصور، جميع المقاتلين الى مبايعته "وتقديم الطاعة له".

وجلال الدين حقاني البالغ من العمر 70 عاما، هو مؤسس الشبكة التي تحمل اسمه والمسؤولة عن العديد من الهجمات على قوات اجنبية ومحلية في افغانستان. وهو ايضا من اهم المؤيدين لحركة طالبان. ونفت حركة طالبان باكستان "الشائعات" حول وفاة مؤسس الشبكة وكانت وسائل اعلام باكستانية ذكرت ان جلال الدين حقاني الذي تتمركز شبكته في منطقة بين باكستان وافغانستان، توفي قبل عام لأسباب طبيعية. وقالت وسائل الاعلام الباكستانية ان المتمردين الاسلاميين تعمدوا اخفاء وفاته. واكد مقاتلو طالبان باكستان على موقعهم الالكتروني ان جلال الدين حقاني "كان مريضا لكن صحته تحسنت منذ بعض الوقت وليس لديه اي مشكلة". واضافوا ان "الشائعات المتعلقة بموت جلال الدين حقاني (...) لا اساس لها".

هجمات جديدة

في السياق ذاته قالت حركة طالبان إن زيادة في الهجمات في كابول تهدف الى إثبات أن القيادة الجديدة تحكم سيطرتها على زمام الأمور لكن منصب الملا اختر محمد منصور لايزال موضع شك بينما يجتمع كبار أعضاء الحركة مع رجال دين سرا لتحديد ما اذا كانوا سيدعمونه زعيما للحركة. وأكد ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان أن تفجيرين انتحاريين من جملة ثلاثة تفجيرات نفذت في غضون 24 ساعة جاءت ردا على شائعات بأن المقاتلين أضعفتهم الخلافات بعد تأكيد مقتل مؤسس الحركة الملا محمد عمر.

وأضاف "بعض هذه الهجمات كانت مخططة مسبقا لكن الهدف في هذه المرحلة هو توصيل رسالة لمن يقولون إن طالبان انقسمت الى فصائل." وأضاف "أردنا توصيل رسالة وهي أن إمارة افغانستان لاتزال متماسكة وقادرة على شن هجمات على منشآت تخضع لحراسة مشددة." ولن يتضح ما اذا كان العنف في العاصمة يشير الى تصعيد في هجمات الحركة على الأمد الطويل وتخل عن محادثات السلام التي بدأت الشهر الماضي الا حين يحل زعماء طالبان وعلماء الدين الخلاف بشأن القيادة. بحسب رويترز.

وذكرت عدة مصادر في طالبان أن نحو ألف من علماء الدين يعقدون اجتماعات مع كبار الشخصيات المعارضة لمنصور داخل الحركة. وكان مجلس الشورى عينه زعيما في مدينة كويتا بغرب باكستان. وقال مقربون من منصور إن من المقرر أن يجتمع العلماء معه شخصيا وإن كان لم يتسن إجراء اتصال مباشر بسبب مخاوف أمنية.

من جهة اخرى لقي 37 مقاتلًا من حركة طالبان وعنصران من قوات الأمن مصرعهم في اشتباكات نشبت بين الطرفين، خلال عملية أمنية انطلقت منذ ثلاثة أيام في قضاء قيصر بولاية فارياب، شمالي أفغانستان. وقال نائب الرئيس الأفغاني، رشيد دوستم، الذي يشرف بنفسه على العملية الأمنية ضد طالبان في قيصر، إنها أسفرت أيضًا عن جرح العشرات من مقاتلي الحركة، والقبض على 12 آخرين منهم، بينهم باكستانيون. واتهم دوستم الاستخبارات الباكستانية بالضلوع في أحداث الإرهاب في أفغانستان، مضيفًا أن جنرالات باكستانيين يتزعمون تنظيمات تقوم بأعمال إرهابية في البلاد، تحت اسم طالبان أو داعش، على حد تعبيره.

على صعيد متصل أقدم عناصر من حركة طلبان تخفوا بزي الشرطة على قتل 15 شرطيا في هجوم على مركز أمني بجنوب أفغانستان، حسب ما أعلن مسؤولون. ووقع الهجوم في إقليم موسى كالا بولاية هلمند وهي أحد معاقل طالبان وقد تبناه متحدث باسم المتمردين يدعى قاري يوسف أحمدي. وقال عمر زواق المتحدث باسم حاكم ولاية هلمند إن "ما لا يقل عن تسعة شرطيين قتلوا بعد أن هاجم متمردون بزي الشرطة مركز مراقبة في إقليم موسى كالا". ومن ناحيته، قدم بشير شاكير وهو مسؤول في الولاية حصيلة أكبر وتحدث عن مقتل 15 شرطيا.

من جانبه أعلن الجيش الباكستاني، مقتل 40 مقاتلا من حركة طالبان، في عملية جوية بوزيرستان الشمالية القبلية. وأفاد الجيش في بيان له، أن "العديد من المقاتلين أصيبوا بجروح، فضلا عن العدد المذكور من القتلى، لدى استهداف معاقل المقاتلين في وادي شافال، الحدودي مع أفغانستان". وأشار البيان إلى "تدمير كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة. تجدر الإشارة أنَّ الحكومة الباكستانية أعلنت عملية أمنية واسعة النطاق، على معاقل طالبان في شمال وزيرستان، عقب هجوم على مطار كراتشي الدولي تبنته طالبان، أسفر عن مقتل 37 شخصًا بينهم عشرة مسلحين. وبدأت العملية المذكورة منتصف يونيو 2014، وقتل خلالها أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل من طالبان باكستان، فيما تجاوز عدد قتلى الجيش 350 عسكري. وردًا على العملية، هاجمت طالبان باكستان، في ديسمبر الماضي، مدرسة تضم أبناء أفراد القوات المسلحة في بيشارو، وقتلت أكثر من 130 طالبا.

اضف تعليق