q

اثارني تصريح رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وهو يتحدث عن انتشار الفساد في بلاده، الهند، وكيفية القضاء على هذه الافة المزمنة... مودي شبه الفساد بـ"النمل الأبيض"، قائلا "الفساد يشبه النمل الابيض، هو ينتشر ببطء ويصل الى كل مكان ولكن يمكن القضاء عليه بواسطة حقنات تعطى في الوقت المناسب".

مودي خاطب الشعب الهندي في عيد الاستقلال، بوعود للقضاء على الفساد، "اريد ان اجدد التأكيد على ان هذه الامة ستتخلص من الفساد، بإمكاننا ان نخلص البلاد من الفساد، علينا ان نبدأ من الاعلى"...

اعلى السلطة او هرم القيادة، حيث النخبة الحاكمة، "الفاسدة"، هي التي تنشر الفساد من الأعلى وصولا الى القاعدة، وغالبا ما تختفي خلفها واجهات نافذه تحكم قبضتها على مؤسسات الدولة، سيما التي تدر أموالا وعوائد اقتصادية يمكن الاستفادة منها لصالح هؤلاء، وهي مافيات نظامية، تسرق وتختلس وتقتل وتهرب تحت إطار الدولة القانوني والشرعي... طبعا كل هذه الأفعال تمر من دون عقاب او شبه او دليل، والاغرب انها تمر بصورة ناعمة وغير محسوسة... او كما شبهها "مؤدي"، بالنمل الأبيض، الذي يتحرك ببطء لاكن نتائجه المدمرة لا تخفى على احد.

طبعا، ما يجري في الهند، يجري في اغلب دول العالم، لكن بدرجات متفاوتة، فالفساد "افة" بمعنى الكلمة لا يمكن القضاء عليه بسهولة، وانما يمكن تقليص اثاره الى الحد الممكن، او الطبيعي... فليس الجميع ملائكة، والمجتمع البشري قائم على الغرائر التي قد تغري أصحابها بالاستيلاء على المال العام عبر الاحتيال والنصب، وهو "مال سهل" بالنسبة للنخبة او أصحاب القرار.

اما في العراق... صاحب المراتب الأربعة الأولى من مراتب الفساد العالمي، بحسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، فلدى "العبادي" مهمة تفوق ما لدى "مودي"، على الرغم من ان سكان الهند تجاوزوا (1،2) مليار نسمة مقارنة بعدد سكان العراق، (ربما في أفضل الأحوال 35 مليون نسمة)، بل ان نيودلهي، عاصمة الهند، ومقر السلطات الثلاث، (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، فيها عدد سكان يقارب عدد سكان الدول العربية مجتمعةً (يسكنها حوالي 249,998 مليون نسمة)، اذ ان الفساد في العراق، لا يقارن بالهند، بعد ان تحول الى ثقافة لدى النخب السياسية، ويحتاج الى عمل حاسم لتغيير "ثقافة الفساد"، قبل ان يطيح بتلك النخب السلطوية، والتي تحولت الى "ديناصورات" وليس "نمل ابيض" كما في الهند.

اعتقد ان السيد العبادي، قد بدء فعلا بحزمة من الاصلاحات، هي الأولى من نوعها في العراق بعد عام 2003، وقد شملت المناصب والامتيازات والصلاحيات، ووعد بان هناك المزيد من الحزم، التي ستاتي تباعا، وهو موقف انسجم تماما مع التظاهرات التي خرجت في اغلب محافظات العراق، في الوسط والجنوب، إضافة الى العاصمة بغداد، التي خرجت فيها تظاهرة الجمعة الاخيرة، قاربت المليونية في تعدادها... لكن قد يتبادر الى الذهن سؤال يصعب الإجابة عنه في الوقت الحاضر، (ونحن في خضم الإصلاحات والتغيير)، السؤال يتعلق بمن تم الإطاحة بمناصبهم... هل سينتهي دورهم في ممارسة "ثقافة الفساد" داخل الدولة ومؤسساتها؟ ام ستكون لهم واجهات جديدة يمارسون فيها ذات الأدوار؟.

اغلب الظن ان ادوارهم "الخفية" لن تنتهي قريبا، و"دولة الفساد" التي صنعوها طوال عقد من الزمن، لن تنهار بمجرد عدد من القرارات والحزم الاصلاحية، (ربما تكون مفيدة... لكنها)، تقترب من تجميل الدولة ومؤسساتها، أكثر من معالجة أصل المشكلة، والشيطنة التي يستخدمها اباطرة الفساد في العراق، والتي وصلت الى مستويات لا يمكن تصورها او معالجتها بصورة سريعة.

الامر الوحيد، المعول عليه في مكافحة الفساد، هو الشعب العراقي، والتظاهرات العفوية التي خرجت وهي مصممة على اقتلاع الفساد من جذوره، هذه الإرادة وحدها القادرة على تحقيق المراد، والإصلاح الحقيقي، ومتى وقفت او انتهت من دون اكمال ما طالبت به، حينها، سيعود الفساد والمفسدون لقمة الهرم، لكن بأسلوب ونمط مغايرين.

اضف تعليق