q

في العراق تثار المسائل الخلافية حول الاصلاح اكثر مما تثار حول حجم ملفات الفساد ومن يمارسها من النخب الفاسدة التي تصدرت المشهد السياسي في البلد... فالمعادلة عكسية، والمعكوس عادة ما يعطي المزيد من النتائج السلبية.

ربما الغريب في الامر، عندما تشاهد وتسمع التأويلات التي اندرجت في سياق تحليل التظاهرات وتحرك المرجعية وحزم الاصلاح التي اقرها البرلمان، بل وحتى الاصلاحات التي حاول مجلس النواب، اصلاح سلطته التشريعية من خلالها... هذه التأويلات تجعل من يطالعها يشك في كل شيء من حوله، سيما تلك التي اشارت الى "تدبير" لمكيده هدفها الاطاحة بالأخرين.

والاغرب من ذلك، هو قبول جميع المكونات والكتل السياسية لحركة الاصلاح التي فوض العبادي للقيام بها... لكن، وفي ذات الوقت، طفت الاعتراضات والتهديد بالمقاطعة والتهميش وغيرها من التصريحات التي صدعت المواطن العراقي لسنوات، لتجدها ملاصقة لعدم ممانعتهم من اطلاق حزم الاصلاح التي يدعوا اليها الجميع.

وبما ان "المعادلة معكوسة"... فان من يوافق لا بد ان يرفض، وان سجل موقفين متناقضين على قضية واحدة.

كلنا يتذكر ورقة "الاصلاح السياسي" او "الاتفاق السياسي" التي رافقت صعود، حيدر العبادي، الى رئاسة مجلس الوزراء، العام الماضي، اثر خلافات وصراعات حقيقية بين الكتل السياسية الكبرى، كادت ان تطيح بالدولة ومؤسساتها... وقد رافقتها، في ذلك الوقت، اوراق اخرى لا تختلف في مسمياتها عن تلك الورقة... واغلبها قدمت من قبل ذات الكتل التي شارك ممثلوها في مناصب مختلفة في مؤسسات الدولة... وبعد ان جربت (تلك الكتل) ماجربت، هل تم اصلاح الوضع او الاتفاق على شيء؟

ينبغي ان يدرك الجميع... ان رئيس الوزراء، حيدر العبادي او غيره من المسؤولين، ليسوا هم من عكس "المعادلة المعكوسة"، وليسوا هم من دعا الى الاصلاح ومكافحة الفساد، وانما هم وسيلة لتنفيذها... لان من تولى زمام الامور هذه المرة... هو الشعب العراقي.

في جلسة البرلمان العراقي ليوم امس الثلاثاء، حضر 297 نائبا، جميعهم رفعوا ايديهم بالموافقة على قرارات "جريئة" و"شجاعة"... لم يكن لاحد ان يتصور امكانية طرحها للنقاش داخل "قبة البرلمان" وليس التصويت عليها بالإجماع، بمجرد الانتهاء من قراءة فقراتها، وبكلمة "موافقون".

فهل يمتلك، العبادي، كل قوة التأثير هذه، وعلى الجميع ليوافقوا على الغاء 6 مناصب حساسة، جاءت وفق مبدأ "المحاصصة الطائفية"، او بعيارة منمقة "السياسية"؟

وهل يملك، العبادي، الشجاعة لإلغاء وتقليص اغلب الامتيازات التي يتمتع بها كبار الشخصيات المتنفذة في الدولة العراقية، ومن دون ان يخشى عواقب الامور؟ علما انها لم تكن سوى اول الغيث!

ولو فرضنا ان السيد العبادي، يمتلك القوة والشجاعة على تحدي الجميع بمفردة... فكيف سيتم تأويل قراراته داخل البرلمان وخارجه؟ بل وحتى على المستوى الخارجي؟ ربما سيعرف على انه "انقلاب" وليس "اصلاح"!

ان صاحب الكلمة الفصل في هذا التغيير والحراك هو "الشعب"، لذلك لم يكن امام الاخرين سوى الموافقة ومن دون شروط او خلاف او اعتراض... بل شبه البعض من يحاول الاعتراض (كتلة او شخصية سياسية) بمثابة "الانتحار السياسي"، وهو كذلك.

الحزمة الاولى للإصلاحات، التي اعلن عنها السيد العبادي، وتلاه الجبوري، بحزمة اصلاحات برلمانية، وافق عليهما مجلس النواب بالإجماع، كانت بمثابة "جس النبض"، وهي بالتأكيد حزم ستتبعها اخرى غيرها، وربما تكون اكثر حساسية وخطورة، لكن في جميع المواقف، سيكون "الشعب"، هذه المرة، حاضرا... وهو من سيمثل نفسه، ويطالب بالمزيد ان شعر بان الامر مجرد تغيير عناوين واستبدالها بعناوين لا تختلف عن السابقة، فالطريق ما زال في بدايته، والحرب ضد الفساد قد بدأت للتو.

اضف تعليق