q

ميسي ريان/الواشنطن بوست-ترجمة احمد عبد الأمير

 

تعتمد توسيع الحملة العسكرية ضد جماعة الدولة الإسلامية في العراق بشكل جزئي على شراكة غير مريحة وبطول الذراع مع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران- وهي ذات المنظمات التي كانت تقتل ذات مرة بفاعلية وبلا هوادة القوات الأمريكية.

واليوم ومع دخول الحملة عامها الثاني، هناك إشارات من أن هذا التحالف الحرج قد يكون متهرئاً: تهديدات الميليشيات بتجديد الهجمات على موظفي الولايات المتحدة، وجهود اكبر من جانب الولايات المتحدة لدعم القوى السنية الذين هم الخصوم التقليديين لإيران والاتهامات من أن الحملة الجوية الأمريكية قد استهدفت في بعض الأحيان القوى الشيعية.

أن الرغبة المشتركة في إيقاع الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية تبدو وأنها بالقدر الكافي حتى الآن للحفاظ على الميليشيات والأميركيين يعملان في قضية مشتركة، إلا أن مسؤولين وخبراء أفادوا أن كلا الطرفين يدركان أن أهدافهما الإقليمية الأوسع نطاقا هي في حالة صراع.

وقال مسؤول كبير في الجيش الأمريكي "دعونا نكون صريحين، إنهم يراقبوننا ونحن نراقبهم".

ويقول البنتاغون أنه لا ينسق مع الوحدات المدعومة إيرانياً، ولكن منذ حزيران 2014، عندما أدى التقدم الخاطف لتنظيم الدولة الإسلامية إلى سحب الولايات المتحدة مرة أخرى إلى العمليات العسكرية في العراق، وضع كلا الجانبين ترتيبات غير رسمية لتجنب الصراع فيما بينهما. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن ذلك يعني بشكل رئيسي رسم الخرائط حول مواقع الميليشيات المدعومة من إيران قبل شن الغارات الجوية والتأكد من أن المستشارين الأمريكيين يبقون على المسافة بينهما.

ففي حالة واحدة على الأقل، وضع ذلك الأمر الموظفين الأمريكيين والنشطاء المدعومين من قبل إيران في زوايا مقابلة من نفس القاعدة.

في الشتاء، بدأ مسؤولون أمريكيون بالاستكشاف لإقامة القاعدة الأمامية في التقدم، وهي القاعدة الجوية الموجودة في المنطقة الشرقية لمحافظة الأنبار، حيث أنهم كانوا يأملون في إمكانية أن تقدم القوات الأمريكية المساعدة للقوات العراقية في تنظيم مقاتلي القبائل بالطريقة التي أثمرت بمكان آخر في الأنبار.

لكن مسؤولين عسكريين عراقيين حذروا نظرائهم الأمريكيين من أن 30 إلى 50 عنصر من كتائب حزب الله، وهي ميليشيا مدعومة من إيران تعدها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، متمركزة بالفعل في القاعدة.

وفي الربيع، تقدم مسؤولون أمريكيون بطلب إلى رئيس الوزراء: قبل ان يمكن ان تصل القوات الأمريكية، أخبر مسؤولون رئيس الوزراء أنهم يحتاجون إلى مسافة تفصل بين الأمريكيين والمقاتلين المدعومين من إيران.

في نهاية المطاف، قام أفراد الميليشيا بالتجمع والانتقال إلى جزء آخر من القاعدة المترامية الأطراف. وقال المسؤول "إن هذا الأمر وفّر الحيز الجغرافي"، اللازم لإنشاء البعثة الأمريكية هناك، والتي تساعد العراقيين في التخطيط للهجوم على مدينة الرمادي القريبة.

في أسابيع الفوضى التي أعقبت سقوط مدينة الموصل العراقية، كان المسؤولون الأمريكيون غير متأكدين من الكيفية التي سترد بها هذه الميليشيات على خطة البيت الأبيض الرامية إلى تجديد العمليات العسكرية الأمريكية في العراق. على عكس الحرب الأخيرة عندما قاتلت قوة من اكثر من 160,000 من منزل إلى منزل في جميع أنحاء العراق، فقد خطط الجيش الأمريكي لإقامة وجود صغير ومحدود لتقديم المشورة للقوات المحلية وإعادة تدريب الجيش العراقي.

وأفاد مسؤول عسكري أمريكي بارز فضل مثل الآخرين عدم ذكر اسمه لمناقشة التخطيط، أنه "في الأيام الأولى كنا نعمل نحو تحقيق أهداف مماثلة، لذلك لم تكن لدينا مشاكل كبيرة معهم". وفي الوقت نفسه كانت الكتائب المدعومة من إيران التي كان يقاتل البعض منها بالفعل في سوريا، تعهدت بوقف صعود الدولة الإسلامية. واضاف "كنا جميعا نستجيب لهذه الحالة الطارئة".

ولكن لدى المسؤولين الأمريكيين سبب لغضبهم، فقد حمّل البنتاغون المجموعات المدعومة من إيران مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق المسؤولية عن وفاة ما لايقل عن 500 من أفراد الجيش الأمريكي في حرب 2003-2011.

لقد كان من دبّر العودة للعراق هو الجنرال لويد أوستن الثالث قائد القيادة المركزية الأمريكية الذي لديه مشاعر شخصية سابقة حول هذه الميليشيات. وكان اوستن يشغل منصب قائد العمليات في العراق في العامين 2008-2009، عندما كانت الميليشيات تقصف القواعد الأمريكية بالأسلحة القوية التي يتم انتاجها وفقا لمسؤول أمريكي بدعم من إيران، وقد اصبح أوستن في وقت لاحق القائد الأعلى في العراق. وعند تخطيطه لتجديد العمليات في العام 2014، قام اوستن بحمل هذه الخسائر السابقة معه، بحسب مسؤولين.

وعندما وصل مسؤولون عسكريون أمريكيون إلى بغداد، رأوا أن النفوذ الإيراني قد نما في بغداد في السنوات التي أعقبت رحيل القوات الأمريكية في العام 2011، فقد توسع حتى لأبعد من ذلك عندما كانت إيران، بعد سقوط الموصل، أسرع من الولايات المتحدة في تقديم المساعدات العسكرية الواسعة.

واشار لقمان الفيلي سفير بغداد لدى واشنطن إلى أن العراق يثمن المساعدات من جانب الولايات المتحدة وإيران. وقال "سوف نحاول أن نستوعب جميع الأطراف إلى أقصى درجة ممكنة، لآننا جميعا نواجه تهديدا مشتركا من داعش"، مستخدما اسما آخر لتنظيم الدولة الإسلامية.

وقد تضخمت صفوف الميليشيات عقب إصدار آية الله العظمى علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق، دعوة عامة لحمل السلاح في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، والتي أسفرت عن تعبئة عشرات الالاف من المتطوعين الشيعة. وفي حين أن العديد من هؤلاء المقاتلين قاموا بتشكيل وحدات جديدة تعرف باسم "الحشد الشعبي"، ويقاتلون برعاية الحكومة، انضم آخرون إلى الميليشيات الموجودة مثل منظمة بدر، والتي كانت واحدة من اقوى القوات الشيعية منذ اوائل حرب العراق.

وقد ارتفعت شعبية مثل هذه الميليشيات كلما هرعت هذه القوات شبه العسكرية للرد على الفظائع المرتكبة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. لقد قدم حماسهم الراحة للمسؤولين الأمريكيين الذين يشعرون بالقلق حول تعرض قوة عسكرية صغيرة لخطر الصراع مع الخصوم السابقين.

وقال ديريك شالوت وهو مسؤول كبير في البنتاغون، حيث وضعت إدارة أوباما خططها لاستئناف العمليات في العراق، "من الناحية التحليلية، كان هناك شعور أنهم يكرهون داعش أكثر مما يكرهوننا". إن اختصار ISIS أو ISIL هما أيضا اسماء بديلة للدولة الإسلامية.

ففي الشهر الأولى، تركزت العمليات الأمريكية- ومعظمها ضربات جوية- على شمالي وغربي العراق، في حين ركز قادة الميليشيات من جهودهم على بغداد والشرق.

ولكن هذا الفصل لم يدم طويلا، "حيث تغيرت الجغرافيا وفضاء المعركة، كما هو الحال لمستوى قلقنا"، بحسب مسؤول في الدفاع تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

وقد اصبحت احتمالات التداخل واضحة في بلدة أمرلين حيث كان السكان من التركمان الشيعة تحت حصار تنظيم الدولة الاسلامية. وفي أواخر آب، حيث كان هناك نقص في الغذاء والماء، خول البنتاغون القيام بضربات جوية. وعلى الأرض، تدفق مزيج من القوات العراقية ومقاتلي البيشمركة والميليشيات الشيعية، إلى المدينة. وقد أظهرت صوراً تم تداولها على الانترنت زيارة قاسم سليماني رئيس فيلق القدس الإيراني المروع.

وفي حين قال مسؤولون أمريكيون إن مقاتلي الميليشيا قد تمركزها بعيدا عن القوات العراقية عندما حدثت الغارات الجوية، خلقت آمرلي تصورا غير مريح لمسؤولي البنتاغون من أن الولايات المتحدة كانت توفر الدعم الجوي للمجاميع المدعومة من قبل إيران.

وقد وفرت معركة استعادة مدينة تكريت السنية في الربيع الفرصة للولايات المتحدة لبلورة منهجية جديدة لتحرك الميليشيات في ساحة المعركة.

لقد كنت تكريت ذات أهمية خاصة للميليشيات عقب المجزرة التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية والتي أودت بحياة ما يصل إلى 1,700 جندي شيعي شاب، لكن الهجوم بقيادة الميليشيات سرعان ما خسر قوته الدافعة، وبدأ القادة العراقيون بالدعوة إلى القوة الجوية الأمريكية.

في آذار، وخلال احدى اجتماعاتهم الدورية مع العبادي، وضع مسؤولون أمريكيون خريطة لمنطقة تكريت على طاولة في مكتب رئيس الوزراء وناقشوا معه مواقع وحدات الميليشيات وتلك التابعة للقوات الحكومية في أنحاء المدينة.

في 25 آذار، بدأت الطائرات الأمريكية بإسقاط الذخائر فوق تكريت، بينما سمحت الضربات للقوات العراقية وبعض المقاتلين المتطوعين من الشيعة التابعين للحكومة بالقتال وهم في طريقهم إلى المدينة، فيما ظلت الميليشيات المدعومة من إيران على المشارف، وفقط في وقت لاحق دخلت المدينة.

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع، في إشارة إلى القوات العراقية، "لقد كانت تكريت بالنسبة لنا لحظة مهمة لإيضاح ما كنا سنفعل وما لم نفعل لدعم القوات التي هي ليست قوات الأمن العراقية"، مضيفا "لدينا الآن خط الأساس حول كيفية عملنا وتفاعلنا مع هذه القوات".

إن معركة الرمادي ستكون الاختبار القادم لمحاولة إدارة أوباما رسم الخطوط بين القوات شبه العسكرية، تلك التي يأملون فيها الحفاظ على سلام هش ما بين هؤلاء الذين يقاتلون معا تنظيم الدولة الإسلامية.

ولكن رد فعل الميليشيات قد تكثف أيضا، فقد نشرت بعض المجاميع مقاطع فيديو دعائية لهجمات سابقة على القوات الأمريكية وصور لبعض الأسلحة المستخدمة في تلك الهجمات، مثل نظام الصواريخ الخام يدعى آي آر أي أم، مع التذكير من أنه استخدم ضد "المحتلين الأمريكيين"، بحسب فيليب سميث الباحث في جامعة ميريلاند.

وقال سميث "لقد كانوا هم من يفعل الشيء ذاته الذي فعلوه في المرة السابقة في العراق"، مضيفا "أود ان اقول أن الأمر في الواقع سيرقى إلى ان يكون محاولة منهم لصياغة سبب للحرب"، للاستئناف المستقبلي المحتمل للعنف الأمريكي- الميلشياوي.

في أيار، وخلال غضبه على اقتراح في الكونغرس، هدد رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر بإعادة تحشيد الميليشيا التابعة له والتي يخشى منها. وفي الشهر التالي، تعهد رئيس حركة النجباء بـ"الانتقام" من القوات الأمريكية التي قال إنها متورطة في الانفجار الذي اودى بحياة مقاتلي الميليشيات الأخرى، وفي الشهر الماضي، اتهم زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي واشنطن باستغلال تنظيم الدولة الاسلامية لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط، وقد نفت ادارة أوباما ضرب أي وحدات شبه عسكرية.

وقال أحمد علي، الباحث في الجامعة الأمريكية في العراق- السليمانية، إن الميليشيات قد تثمن العمليات الأمريكية لاسيما القوة الجوية، أكثر مما تدعي.

وأضاف أحمد "في عقولهم، في وسائل الإعلام الخاصة بهم، في عقيدتهم، لايمكنهم أن يتماشوا علنا مع الولايات المتحدة، هذا ليس شعارهم، شعارهم هو ضد أمريكا".

لا تستطيع المجاميع المدعومة من إيران أن تتحمل تجاوز المرجعية الدينية الشيعية، التي حثت العراقيين على تجنب المواجهات الطائفية ويمكن ان تعرّض الوحدات المارقة إلى المساءلة.

من بين بعض المسؤولين الأمريكيين ، ينظر إلى الميليشيات باحترام يسوده التذمر.

وقال مسؤول أمريكي آخر "دعونا نعطيهم بعض الفضل، لقد وقفوا على اقدامهم وقاموا بالإبعاد بطريقة كبيرة جدا"، مضيفا "لقد نظموا وقاتلوا وقدموا الكثير من الضحايا، وفي أذهانهم، أنهم فعلوها لوحدهم من دون مساعدة من أحد... باستثناء إيران".

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق