q

الملح حيوي للجسم، لكن له سمعة سيئة، فعلى مدى السنوات الأخيرة كان متهماً بدوره الرئيسي في رفع ضغط الدم والإصابة بسرطان المعدة. لكن دراسة جديدة تثبت أنه قد يكون مفيداً وضروريا للإنسان أيضاً.

كشفت الدكتورة آلينا ألمازخانوفا، أخصائية التغذية وأمراض الغدد الصماء، ما الذي يحدث في الجسم إذا تخلى الإنسان عن الملح في طعامه. وهل الملح سم أبيض فعلا؟

تشير الدكتورة في حديث لوكالة نوفوستي الروسية للأنباء، إلى أن الكثيرين يستخدمون كمية أكبر من الملح في طعامهم، ما يعني زيادة كمية الصوديوم، وبالتالي احتباس السوائل في الجسم والوذمة وارتفاع ضغط الدم، حيث أن كل غرام زائد من الملح، يسبب في المتوسط انحباس 200 ملليلتر ماء في الجسم.

وتقول، "يؤثر ارتفاع ضغط الدم سلبا في الكلى. ومشكلات الكلى تسبب ارتفاع مستوى ضغط الدم، وبالتالي تزداد مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية والجلطة الدماغية وأمراض الأوعية الدموية. واستنادا إلى هذه الخلفية يبدو أنه بالتخلي عن الملح يمكن تخفيض مستوى ضغط الدم ومخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية ومشكلات الكلى".

وتشير الأخصائية إلى أنه وفقا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، يجب ألا يتناول الشخص أكثر من 5-6 غرامات من الملح يوميا. فإذا تناولنا ضعف هذه الكمية، تظهر مشكلات في الصحة، وتقول، "الأطفال يحتاجون 2-3 غرامات من الملح في اليوم، ويلاحظ ارتفاع ضغط الدم لدى كبار السن، لذلك يحتاجون إلى نفس هذه الكمية لا أكثر".

وتضيف، ولكن إذا أخذنا بالاعتبار ليس فقط كمية الملح التي نضيفها لطعامنا، بل وأيضا الملح "المخفي" في المنتجات الغذائية الجاهزة، حيث وفقا لبيانات هيئة حماية المستهلك في روسيا، 80% من الملح الذي نتناوله يوميا "مخفي" في هذه المنتجات. وتقول، "توجد كمية كبيرة من الملح خاصة في الأكلات السريعة، والمنتجات شبه الجاهزة والمدخنة، حيث يستخدم الملح لتحسين النكهة، كما يوجد الملح في المخللات وفي المايونيز والصلصات".

وتؤكد الأخصائية، على أنه مع ذلك لا يمكن التخلي عن استخدام الملح تماما. لأن الصوديوم ضروري لعمل الجهاز العصبي بصورة طبيعية والعضلات. وتقول، "نقص الصوديوم ظاهرة غير صحية كزيادته. فنقص الصوديوم يؤدي إلى كثرة التبول وخروج، البوتاسيوم من الجسم، وهذا يزيد العبء على الكلى، ويظهر الصداع والضعف والغثيان والدوخة واضطراب عملية الهضم وينخفض مستوى ضغط الدم. وهذا يعني أن نوعية الحياة تتدهور".

وتضيف، إذا تخلى الإنسان عن استخدام الملح لمدة ثلاثة أيام أو أسبوع، فسيكون مفيدا للجسم، خاصة إذا كان قبلها يستهلك كمية زائدة من الملح، حيث ستطرد السوائل الزائدة من الجسم وينخفض الوزن والانتفاخات.

ولكن التخلي عن استخدام الملح فترة تزيد عن 2-3 أشهر، يؤدي إلى ظهور أعراض سلبية، تعتمد فترة ظهورها على خصائص الجسم، حيث أن أجهزة الجسم التعويضية قادرة على الاحتفاظ بمستوى معين للصوديوم في الدم خلال فترة طويلة.

مما يتكون الملح وما هي أفضل أنواعه؟

تزايد الحديث خلال السنوات الأخيرة عن الملح، مع ارتباطه بالعديد من أمراض العصر، وتنوعت الدراسات التي تحذر من الإفراط في تناوله، فما هي المواد الموجودة في الملح الذي نستهلكه بشكل يومي، وهل أجسامنا بحاجة ماسة إليه، وما هي الكمية التي ينصح بتناولها؟

نوع الملح الذي نتحدث عنه هو في الواقع الملح الذي نستخدمه كتوابل وكمواد حافظة، ويطلق عليه في العامية "ملح الطعام"، يتميز ملح الطهي بكمية كبيرة من الأيونات المترافقة تسمى الصوديوم (Na+) والكلور (Cl-) وبالتالي يُشار إليه بالحروف NaCl، بحسب موقع mako، هذا المركب ضروري لحياتنا، فنحن بحاجة إلى الملح بقدر حاجتنا إلى الماء. يلعب الكلور دورا رئيسيا في عملية الهضم والتنفس ويلعب الصوديوم دورا رئيسيا في التوصيل العصبي.

بالإضافة إلى الصوديوم والكلور، يحتوي الملح على عدد من المعادن الإضافية بجرعات مختلفة، اعتمادا على مكان إنتاجه ونوع المعالجة التي خضعت لها، ما يحدد جودة الملح للاستخدامات المختلفة هو تراكيز المعادن المختلفة الموجودة فيه بجانب الصوديوم والكلور مثل الحديد واليود وغيرهما.

ماذا يعني لون الملح؟ النجم الأول في السلسلة هو ملح الهيمالايا. يتم استخراج هذا الملح بطرق طبيعية من سفوح جبال الهيمالايا في منطقة باكستان. بلورات الملح في الهيمالايا ذات لون وردي مائل إلى الحمرة، وبالإضافة إلى الصوديوم والكلور، فهي تحتوي أيضا على معادن أساسية مثل المغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم، حبيبات ملح الهيمالايا أكثر خشونة من ملح الطعام وتحتوي أيضا على فوائد صحية مثل تنظيم المعادن في الجسم، وتخزين السوائل المرغوبة في الجسم وإطلالة صحية وناعمة.

الملح الفارسي أزرق، يأتي الملح الأزرق من إيران، من إقليم شمالي وجبلي يسمى سمنان، وهو ملح تعدين قديم بشكل خاص- عمره أكثر من مائة مليون سنة، يشير اللون الأزرق إلى وجود معدن لا طعم ولا رائحة له يسمى سيلفين، وهي ظاهرة ينفرد بها هذا الملح فقط. تبدأ ميزته وتنتهي بلونه المذهل، يوجد ملح أسود آخر من جزيرة Moluccas في هاواي، لكن لونه الأسود يرجع في الواقع إلى الفحم النباتي ، وليس له روائح أو نكهات جانبية، لذلك عادة ما يستخدم في الأطباق وتقديمها في المطاعم الراقية، وهو مثل الملح الأزرق - ميزته بشكل أساسي هي لونه.

الملح الهندي بنفسجي، ملح "كالا ناماك"- ملح أسود بالهندية. هذا الملح هو ملح منجم أرجواني غامق من شرق آسيا. هناك يتم استخدامه لتتبيل الأطباق المختلفة والطب الهندي التقليدي. بعد تعدينه يخضع لعملية تقليدية تعطيه لونه المميز ورائحته الناتجة عن عدد من مركبات الكبريت الموجودة فيه، وله رائحة وطعم البيض المسلوق.

ما الفرق بين الملح الخشن وملح الطعام؟ الفرق الوحيد بين الملحين هو القوام. السؤال قبل تمليح الطعام، هل نريد إضافة قرمشة إلى الطبق إلى جانب المذاق الذي يضفيه الملح، هل يستخدم الملح أيضا للزينة، أم نريد فقط الطعم؟ إذا كانت الإجابة على السؤالين الأولين بنعم، فاختر ملح خشن، وإذا أجبت بنعم على السؤال الثالث، فاختر ملح الطعام الناعم.

ما هي كمية الملح التي ينصح بتناولها؟ ومن المهم التأكيد على التوصية بتجنب الملح وبدائله بشكل عام. إذ يستهلك كل منا في المتوسط ضعف الكمية اليومية الموصى بها من الملح ومكونه الأساسي الصوديوم، وهذا الاستهلاك يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بمجموعة متنوعة من الأمراض المزمنة.

لكن هذا لا يعني أنه يجب علينا التخلص من الملح؟: 15% فقط من استهلاكنا للملح يأتي من خلال "ملاحات" الطعام، وحوالي 75 % تأتي من الأطعمة المصنعة، وبشكل عام يحتاج جسم الإنسان الصحيح إلى 2.3 غرام من الملح يوميا بشكل أقصى، لكن ماذا عن البدائل التي لا تحتوي على الصوديوم؟ هي أيضا تعود الفم على الطعم المالح. الهدف هو تناول الطعام بدرجة ملوحة أقل.

هل الحامل تحتاج إلى استهلاك أعلى من الملح؟ بعض أنواع الملح لها فوائد صحية مهمة بالنسبة لنا في مراحل مختلفة من الحياة. من هذه المراحل الحمل وحتى قبله. يحتوي الملح على معدن مهم للاستهلاك وهو اليود.

اليود معدن مهم لإنتاج هرمونات الغدة الدرقية. الهرمونات الغدية ضرورية للنشاط الأيضي وللتطور الطبيعي للهيكل العظمي والجهاز العصبي في فترة الجنين وفي الطفولة.

بسبب هذه الوظائف الهامة، يجب استهلاك اليود حتى قبل الحمل بكمية كافية من 150 ميكروغرام في اليوم لتجنب مرض يسمى تضخم الغدة الدرقية، والذي ينطوي على تضخم غير طبيعي في الغدة الدرقية.

عندما نستهلك كمية كافية من اليود قبل الحمل، فإننا نساعد في الحفاظ على توازن طويل في الغدة ومنع تحفيزها ونموها في بداية الحمل، حتى أثناء الحمل وبعد الولادة وأثناء الرضاعة الطبيعية، يجب تناول اليود بكمية كافية من 250 ميكروغرام في اليوم.

أظهرت الدراسات في المناطق التي تعاني من نقص خفيف إلى شديد في اليود أن مكملات اليود قبل أو أثناء الحمل قد قللت من حدوث الضعف العصبي والتخلف النموي والعقلي، وزيادة الوزن عند الولادة، وانخفاض معدل الوفيات داخل الرحم ووفيات الأطفال حديثي الولادة، بنسبة 10- 20% بين الأطفال الصغار.

ملح البوتاسيوم - متى يكون جيدا ومتى يكون ضارا؟ هل تعاني من ارتفاع ضغط الدم وتحتاج إلى تقليل تناول الصوديوم؟ يوجد اليوم ملح قليل الصوديوم وغني بالبوتاسيوم على الأرفف، ويحتوي على 50% أقل من الصوديوم مقارنة بالملح العادي (19 غراما من الصوديوم لكل 100 غرام مقارنة بـ 39 غراما لكل 100 غرام من الملح العادي).

يتكون هذا المنتج على أساس أملاح البحر ولكن يتم استبدال بعض الصوديوم بالبوتاسيوم.

البوتاسيوم ضروري للتشغيل السليم للعديد من العمليات في الجسم مثل إرسال رسالة عصبية، ومعدل ضربات القلب الطبيعي، وضغط الدم الطبيعي، والحفاظ على توازن الحموضة والسوائل في الجسم وتقلص العضلات.

هناك آليات في الجسم وظيفتها الحفاظ على مستويات البوتاسيوم الطبيعية في الدم، ولكن في حالات طبية معينة، مثل أمراض الكلى، لا يُفرز البوتاسيوم في البول بكمية مناسبة ثم يرتفع مستواه في الدم.

في هذه الحالات، من المهم الحد من تناول البوتاسيوم في الطعام. يتم توجيه المرضى الذين يحتاجون إلى نظام غذائي منخفض البوتاسيوم من قبل اختصاصي التغذية والطبيب فيما يتعلق بكمية البوتاسيوم الموصى بها لهم.

لذلك، قد يكون ملح البوتاسيوم حلا جيدا في حالات ارتفاع ضغط الدم، ولكن في حالات الفشل الكلوي يجب تجنب المنتج، نظرا لارتفاع نسبة البوتاسيوم في هذه الأملاح، في الأشخاص الأصحاء، لا يوجد خوف من استهلاك هذا الملح لأن لديهم القدرة على التخلص من البوتاسيوم الزائد عن طريق الكلى.

هذا ما يحدث لجسمك إذا أكثرت تناول الملح

من منا يتناول الطعام بلا ملح، لا شك أن قلة قليلة، بل معظمنا يعمد إلى إضافته إلى الأطباق المعدة في المنزل، على الرغم من التحذيرات والدراسات المتعددة حول خطورة الملح، يتكون الملح من حوالي 40% من الصوديوم و60% من الكلوريد، ويستخدم عادة لإضافة نكهة إلى الأطعمة أو لحفظها وزيادة فترة صلاحيتها.

لكن على الرغم من أن الصوديوم معدن ضروري من أجل قيام عضلات جسم الإنسان وجهازه العصبي بأداء وظائفها بشكل جيد، كما يساعد الكلوريد الجسم على الحفاظ على توازن الماء والمعادن، إلا أن تناول الكثير من ملح الطعام يمكن أن يكون له آثار غير سارة، على المدى القصير والطويل.

ففي تقرير نشره موقع Healthline تطرق إلى ما يمكن أن يحدث في جسم الإنسان إذا تناول الكثير من الملح في وجبة واحدة أو في يوم واحد مقارنة بما يصيب جسم الإنسان من تأثيرات طويلة المدى إذا استمر في تناول الأغذية الغنية بالملح وكميات كبيرة من ملح الطعام.

الآثار قصيرة المدى، يمكن أن يؤدي استهلاك كميات كبيرة من الملح على المدى القصير إلى احتباس الماء في الجسم، وزيادة مؤقتة في ضغط الدم والشعور بالعطش الشديد، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى الإصابة بفرط صوديوم الدم، التي ربما تؤدي إلى الوفاة ما لم يتم علاجها.

الآثار طويلة المدى، أما الإكثار من تناوله على المدى الطويل فيؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان المعدة وأمراض القلب والوفاة المبكرة، على الرغم من الحاجة إلى مزيد من الأبحاث العلمية لتأكيد ذلك.

الجرعة الزائدة، من النادر أن يتمكن شخص من تناول جرعات زائدة من الملح، نظرًا لأن الأمر يتطلب استهلاك كميات كبيرة جدًا، لكن من متوسط استهلاك الكثيرين للملح يتخطى بكثير توصيات سلطات الصحة العالمية، والتي تقدر الحد الأقصى لتناول الصوديم بـ1500 إلى 2300 مغم يوميًا، أي ما يعادل 3.8 إلى 5.8 غرام من الملح كل يوم، أو ثلثي ملعقة صغيرة، ويقصد بهذه الكمية إجمالي ما يتم تناوله سواء كان متضمنًا في الأكلات المختلفة أو ملح طعام.

الماء والبوتاسيوم، يختلف تأثر الجسم من شخص لآخر ولكن يمكن التعويض نوعًا ما عن تناول كمية كبيرة من الملح في أي وجبة من خلال شرب كميات كافية من الماء وتناول الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم مثل البطاطس والأفوكادو والسبانخ والخس والموز والفواكه المجففة.

على خلاف المتعارف عليه.. دراسة تثبت الآثار الإيجابية للملح

لطالما سمعنا أن الإفراط في تناول الأطعمة التي تحتوى على نسبة عالية من الأملاح تعرضنا للعديد من المخاطر الصحية وتصيبنا بأمراض مزمنة. فما صحة اتهام الملح بذلك؟

ظلت منظمة الصحة العالمية تحذر من الاستهلاك للملح باعتبار يرتفع من ضغط الدم ويزيد من أمراض القلب والسكتة الدماغية، كما بات الملح على مر عقود مُتهم بالإضرار بالصحة وتهديد البشر واكتسب بذلك سمعة سيئة. لكن دراسة كندية أثبتت العكس الآن وتؤكد أن الملح يمكن أن يكون مفيدا أيضا، كما جاء في موقع "دي فيلت" الألماني.

الباحثون الكنديون توصلوا إلا أن زيادة استهلاك الملح أقل ضررا بالصحة مما كان يعتقد سابقا. والأشخاص الذين يتبعون نظاما غذائيا قليل الملح سيكونون أيضا أكثر عرضة لخطر الموت في وقت مبكر، وفقا للدراسة الكندية التي ذكرها موقع "تي أولاين" الألماني.

هل يتسبب الملح في الإصابة بأمراض الحساسية؟ أما نظرية الكمية القصوى البالغة خمسة غرامات من ملح الطعام (كلوريد الصوديوم) التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية فقد أصبحت اليوم متجاوزة. خمسة غرامات من ملح الطعام، أو ملعقة صغيرة واحدة، لا تحتوي إلا على حوالي غرامين من الصوديوم. ووفقا لدراسة العلماء الكنديين، التي نشر فريق البحث بقيادة أندرو مينتي وسالم يوسف من جامعة ماكماستر بكندا نتائجهما في المجلة الطبية "ذا لانسيت"، فإن كمية تصل إلى 12 غراما من ملح الطعام يوميا غير ضارة بالصحة بتاتا.

ولم يثبت الباحثون، في دراستهم التي خضع لها حوالي 94 ألف وخمسمئة شخصا من مختلف الأعمار من 18 دولة مختلفة على مدى ثماني سنوات، أن الملح أثر على هؤلاء الأشخاص الخاضعين للاختبار، بل لم يلاحظوا أي خطر للإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية، كما كان متداولا من قبل عن خظر الاستهلاك المفرط للملح.

وقال مارتن أودونيل، أحد أعضاء فريق البحث إنه "لا يوجد دليل مقنع على أن الأشخاص الذين يتناولون كميات معتدلة من الصوديوم يحتاجون إلى تقليله للوقاية من أمراض القلب والسكتة الدماغية". ووفقا للدراسة، ليس فقط تناول كميات كبيرة جدا من كلوريد الصوديوم، ولكن أيضا انخفاض شديد في تناوله، أمر غير صحي. فالاستهلاك القليل من الملح يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية وبالتالي معدل الوفيات. لذلك فإن تناول الملح بشكل متوازن مفيد للصحة.

احذر الإفراط في التقليل من تناول الملح

تشير نتائج دراسة حديثة إلى أن التقليل من تناول الملح يمكن أن يكون ضارا مثل الإكثار منه، حتى لمن يعانون من ارتفاع ضغط الدم! فكيف ذلك؟ وهل خير الأمور أوسطها وهناك كمية معينة علينا الالتزام بها في استهلاكنا اليومي للملح؟

المتعارف عليه والمسلم به بين الناس والكثير من الباحثين، هو أن التقليل من تناول الملح مفيد للصحة وأنه كلما كانت كمية الملح التي يتناولها المرء قليلة كان أفضل لصحته. لكن هذا ليس صحيحا تماما حسب دراسة جديدة تفيد أن ذلك يمكن أن يضر بالصحة! بل حتى أن من يعانون من ارتفاع ضغط الدم يمكن أن ينعكس التقليل كثيرا من تناول الملح عليهم بشكل سلبي.

فقد أجرى فريق باحثين دولي بينهم الأخصائي بالإحصاء الحيوي وعلم الأوبئة أندرو مينت من جامعة ماك ماستر في كندا، دراسة شملت تحليل وتقييم معلومات تتعلق 133118 شخصا من 49 دولة تبين خلالها أن من يتناولون أقل من 7,5 غرام من الملح يوميا هم أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية والنوبة القلبية ونسبة الموت بينهم أعلى مقارنة بمن يتناولون كميات معتدلة من الملح، حسب ما أشارت إليه صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية.

ما هي المخاطر الصحية لنقص الملح في طعامنا؟

لقد بات الملح شيئا لا غنى عنه في طعامنا. وعلى الرغم من التحذيرات من مخاطر استهلاك الكثير منه على الصحة العامة، بدأ ينتشر حديث عن أضرار "قلة" الملح في الطعام، ويعد عنصر الصوديوم الأساسي في تركيبة الملح حيويا لأجسادنا، إذ بدونه لا تستطيع الحفاظ على توازن سوائلها، وهو أمر ضروري لنقل الأكسجين والمغذيات داخل الجسم، وبه تنطلق النبضات العصبية بين الخلايا، وفي الأغلب كانت المشكلة تتمثل في الإفراط في تناول الملح، ولذا لم يمل مسؤولو الصحة حول العالم من تحذيرنا من مخاطر الإكثار منه.

ويوصي الأطباء ألا يزيد ما يتناوله الشخص البالغ من الملح يوميا عن ستة غرامات، أما في بريطانيا فالفرد البالغ يتناول في المتوسط ما يقارب ثمانية غرامات، وفي الولايات المتحدة ترتفع النسبة إلى 8.5 غراما.

وربع ما نتناوله من الملح يوميا يأتي من إضافة الملح بشكل مباشر - بينما الثلاثة أرباع عبارة عن ملح مضاف في الأغذية التي نشتريها كالخبز والمرق وإضافات الطعام والأطعمة المصنعة، ومما يزيد الالتباس أن الشركات تشير إلى الملح بين مكونات منتجاتها من الطعام بوصفه بالصوديوم، ما قد يجعلنا نظن أننا نتناول منه كميات أقل من الواقع، والملح يتكون من الصوديوم وأيونات الكلوريد، وفي كل 2.5 غرام من الملح ثمة نحو غرام من الصوديوم، وتقول ماي سيمكين، الخبيرة بالتغذية، إن الناس لا يعون ذلك معتقدين أن الصوديوم مرادف تام للملح وليس هناك من يخبرهم بغير ذلك.

وأثبتت بحوث عديدة أن الإفراط في تناول الملح يتسبب في ارتفاع ضغط الدم، وهو ما يزيد مخاطر الإصابة بالسكتات الدماغية وأمراض القلب، ويتفق الخبراء على نطاق واسع على أن الأدلة التي تشير إلى مضار الملح دامغة، فالملح يؤدي إلى احتفاظ الجسم بالماء، مما يرفع ضغط الدم، وبزيادة ما يتناوله الفرد من الملح على مدار الوقت قد تتعرض الشرايين للتلف ويصبح ضغط الدم المرتفع عرضا مرضيا، وهو ما يتسبب بدوره في نحو 62 في المئة من السكتات الدماغية، و49 في المئة من أمراض الشريان التاجي، بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، وبالجمع بين ما خلصت إليه 13 دراسة على مدار 35 عاما وُجِد أن تناول خمسة غرامات إضافية من الملح يوميا يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 17 في المئة، وبالسكتات الدماغية بنسبة 23 في المئة.

وبتقليل الملح يوميا، قد تختفي المتاعب الصحية، فقد أظهر تحليل بيانات ضغط الدم ومسببات أخرى لأمراض القلب والأوعية الدموية ومتوسط الملح المتناوَل على مدار ثماني سنوات، أن خفض نسبة الملح بنحو 1.4 غرام يوميا أدى لانخفاض ضغط الدم، وهو ما أدى بدوره لتراجع في حالات السكتة الدماغية القاتلة بنسبة 42 في المئة، وفي وفيات أمراض القلب بنسبة 40 في المئة.

لكن باحثي تلك الدراسات أقروا بصعوبة فصل أثر خفض الملح عن تغيرات أخرى متعلقة بنمط الأكل والمعيشة، إذ أن من يدرك خطورة الملح ويسعى للإقلال منه عادة ما يتبنى توجهات صحية أخرى في الأكل والحركة، ناهيك عن الإقلال من التدخين وشرب الكحوليات.

ويلزم بداية الاستناد إلى تجارب عشوائية طويلة الأمد تقارن أشخاصا يتناولون الكثير من الملح بآخرين مقلين منه للوقوف على حقيقة وجود صلة مباشرة، ولكن تلك التجارب قليلة لا تفي بالمطلوب لضعف التمويل، فضلا عن اعتبارات أخلاقية أيضا.

ويقول فرانسيسكو كابوتشيو، أستاذ أمراض القلب والأوعية الدموية بكلية طب جامعة ووريك، والمسؤول عن دراسة السنوات الثمان، إن القيام بتجارب عشوائية على الأثر المباشر للملح على الجسم يكاد يكون أمرا مستحيلا.

لكنه يضيف أنه لا تجارب عشوائية على السمنة أو التدخين "وهي الأخرى من المسببات المعروفة للوفاة"، غير أن هناك الكثير من النتائج القائمة على الملاحظات، فبعد أن تبنت الحكومة اليابانية حملة في أواخر الستينيات لتوعية المواطنين بمخاطر الملح، قل المتناوَل منه من 13,5 غراما إلى 12 غراما يوميا؛ وخلال نفس الفترة انخفضت الإصابة بضغط الدم، وتدنت وفيات السكتة الدماغية بنسبة 80 في المئة.

لكن مما يعقد الصورة أن أثر استهلاك الملح على ضغط الدم وصحة القلب يختلف من شخص لآخر، وقد أظهرت دراسات اختلاف استجابة أجسادنا للملح نظرا لعوامل شتى، منها ما يتعلق بالعرق، والسن، وحساب الوزن إلى الطول، والصحة العامة، والتاريخ المرضي للعائلة فيما يتعلق بضغط الدم، وأظهرت دراسات أن هناك أشخاصا أكثر حساسية للملح بشكل يجعلهم أكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم جراء تناوله.

هذا ما يفعله تناول الكثير من الملح في الجسم.. والحل بهذا النوع البديل

تناول الكثير من الملح يمكن أن يقتلك. وسيؤدي تناول الملح المفرط إلى وفاة ما يقدر بنحو 1.6 مليون شخص في جميع أنحاء العالم هذا العام. وستحدث أربع من كل خمس حالات وفاة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وسيكون نصفها تقريبًا بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 70 عامًا.

هذه الوفيات الناجمة عن الإفراط في تناول الملح يمكن منعها. لا سيّما أن المعدلات اليوميّة لاستهلاك الملح في غالبية الدول تتخطّى الحدّ الأعلى الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية وهو 5 غرامات يوميًا، لتسجّل معدلًا وسطيًّا عالميًا يبلغ 10.1 غرامات، أي ضعف الحد الأقصى.

تناول كميات أقل من الملح يمكن أن ينقذ ملايين الأرواح. لكن هذا الأمر لطالما كان يصعب تطبيقه في الأنظمة الغذائية. ثمة نزعة لتخفيف الملح تدريجيًّا في الطعام، لكن لا يُوجد لدى صناعة الطعام محفزات تشجع على التقليل من استخدام مكون الصوديوم في المأكولات، بل على الأرجح يُوجد محفزات كبيرة للحفاظ على المعدلات الحالية أو زيادتها، فضلا عن الافتقار إلى ما قد يلعب دور البديل عن الملح، ويعطي الطعم ذاته.

وأظهرت دراسة نشرت في المجلة العلمية "New England Journal of Medicine" أن إمكانية تناول ملح الصوديوم المخفّف قد يُقلّل من استهلاك الصوديوم وينقذ الحياة. فملح الصوديوم المخفّف، يستعيض عن 25% من الصوديوم بالبوتاسيوم الذي يتسم بخصائص مشابهة، وطعمه مشابه للملح العادي.

وتوفر أملاح البوتاسيوم فائدة مزدوجة، إذ أن تقليل الصوديوم يخفض ضغط الدم وينقذ الأرواح، بينما زيادة البوتاسيوم، الذي لا يستهلكه غالبية الناس في الكثير من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، يقلل أيضًا من ضغط الدم ويحسن صحة القلب.

وتظهر نتائج هذه الدراسة الرائدة، التي أجراها معهد جورج للصحة العالمية في الصين، أن بدائل الملح منخفضة الصوديوم تنقذ الأرواح وتمنع النوبات القلبية والسكتات الدماغية. وقلّل ملح الصوديوم المنخفض خطر الموت بنسبة 12٪، وخطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 14٪، وإجمالي مخاطر القلب والأوعية الدموية (السكتات الدماغية والنوبات القلبية مجتمعة) بنسبة 13٪.

ولوضع ذلك في السياق، فإن تخفيض مخاطر الأمراض الوعائية بنسبة 13% في الولايات المتحدة يعني الحماية من أكثر من 200 ألف نوبة قلبية وسكتة دماغية سنويًّا، أما عالميًا، فيمنع ملايين النوبات القلبية والسكتات الدماغية.

وهذه الدراسة التي تُعد الأوسع والأطول حول الاختبارات للبحث عن بدائل للصوديوم، استغرقت أكثر من خمس سنوات، وشارك فيها 21 ألف شخص لديهم تاريخ من السكتة الدماغية أو ضعف التحكم في ضغط الدم (أي أولئك الأكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية).

وأظهرت أن ملح الصوديوم المخفف يحمي من النوبات القلبية والسكتات الدماغية، وهو بديل مقبول يمكن تكييفه بسهولة مع الأنظمة الغذائية لغالبية الناس. إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن لا مخاطر لحدوث أعراض سلبية خطيرة.

تبدو هذه الاكتشافات واعدة، لا سيما في الدول المتدنيّة أو المتوسطة الدخل، حيث غالبية كمية الصوديوم مصدرها الملح المُضاف أثناء الطهي أو خلال تناول الطعام في المنزل.

وتُعتبر النتائج من هذه التجربة واعدة بشكل خاص في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل - حيث يأتي معظم مدخول الصوديوم من الملح المضاف أثناء الطهي أو تناول الطعام في المنزل، مع اعتماد سياسة التحفيزات الصحيحة، مثل الضريبة على الملح العادي أو تقديم الدعم لملح الصوديوم المخفف بهدف ضمان أنّ سعره يوازي سعر الملح العادي أو حتى أدنى، ما يشجع على استهلاكه.

وهذه التدخلات يمكن أن تتوسّع كي تشمل الأطعمة الجاهزة وطعام المطاعم، والتي تشكل المصدر الأول للافراط في تناول الصوديوم في الدول ذات المدخول الأعلى.

وتُعتبر هذه الدراسة إضافة إلى الدراسات السابقة التي وُضعت حول إمكانية انقاذ الحياة من خلال اعتماد ملح الصوديوم المخفف كبديل، إذ أظهرت دراسة نموذجية سابقة في الصين أن اعتماد ملح الصوديوم المخفف كبديل في البلاد قد ينقذ حياة 461 ألف شخص سنويًّا.

وهذه المنفعة كشفت عنها قبل بضع سنوات، دراسة أجريت داخل مركز لتقاعد قدامى الحرب في تايوان، إذ أظهرت أن ملح الصوديوم المخفف يقلّل من نسبة الوفيات الناتجة عن الأمراض القلبية الوعائية، ونفقات الرعاية الصحية، وحتى أنّ مجموعة قدامى المحاربين الذين يتناولون ملح الصوديوم المخفف يعيشون لوقت أطول.

طبعًا، ليست كل التدخلات مثالية. فالأشخاص الذين يتبعون نظامًا غذائيًا يخفف من استخدام البوتاسيوم (مثل الأشخاص الذين يخضعون لغسل الكلى) عليهم تجنب ملح الصوديوم المخفف. غير أن كمية استهلاك البوتاسيوم اليومي من ملح الصوديوم المخفف في حمية غذائية نموذجية شبيهة بالنسبة المتوفرة في موزة أو اثنتين.

وارتفاع معدلات البوتاسيوم في الطعام التي تتراوح نسبتها بين 10% و35%، وبلغت نسبتها 25% في الدراسة المنشورة، قد تعطي مذاقًا معدنيًا مع بعض الأطعمة (مثل الحساء والصلصات). لكن في الإمكان تخطي هذه التحديات مع تعديل واضح على بعض الأطعمة ووصفات الطعام.

الملح البديل.. وصفة سحرية تقي الجسم شر اضطرابين خطيرين

كشفت دراسة طبية حديثة أن تعويض الملح بأحد البدائل الأخرى التي تضفي نكهة إلى الطعام، يساعد بشكل ملحوظ على الوقاية من النوبات القلبية والسكتة الدماغية.

والمقصود ببدائل الملح، المواد التي تضفي نكهة الملوحة على الطعام لكنها تضم نسبة أقل من الصوديوم وقدرا أعلى من البوتاسيوم، ويجري وصفها في الغالب لمن يعانون مشكلة ارتفاع ضغط الدم.

وبحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن إجراء هذا التعديل الغذائي من شأنه أن يجنب مئات الآلاف خطر النوبات والسكتات القلبية والدماغية سنويا، وشملت الدراسة 20 ألف شخص في الصين ممن سبق لهم أن عانوا السكتة، أو تخطوا عامهم الستين ويعانون ارتفاعا في ضغط الدم، وطلب العلماء من نصف المشاركين في الدراسة أن يستخدموا بديلا للملح، تضم تركيبته 70 بالمئة من كلوريد الصوديوم و30 بالمئة من كلوريد البوتاسيوم، على مدى 5 سنوات، أما المشاركون المتبقون في الدراسة البريطانية فواصلوا استخدام الملح العادي، الذي يتكون من كلوريد الصوديوم بنسبة 100 بالمئة.

وكشفت النتائج المنشورة في مجلة "نيو إنغلند جورنال أوف ميديسين"، أن من استخدموا بدائل الملح كانوا أقل عرضة للإصابة بالسكتة والنوبة القلبية بنسبة 14 بالمئة، وتمنح هذه البدائل مذاقا شبيها بالملح، ويقول باحثون إنها تساعد بشكل ملحوظ على خفض ضغط الدم، ثم جاءت هذه الدراسة التي أجريت في الصين، لتؤكد المنافع الكثيرة، ويقول خبراء إن الأطعمة المعالجة والوجبات السريعة التي يجري استهلاكها بكثرة في العالم، تضم نسبة عالية من الملح، وهو ما يزيد عرضة الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.

اضف تعليق