q

اين انتم من الاحتجاجات التي نظمها شباب ومواطنون غاضبون من تردي الاوضاع الخدمية في عدة محافظات عراقية؟.

عندما تقلب صفحات التواصل الاجتماعي العراقية، لا تطالع فيها سوى الفرق الواسع بين ما يراه المواطن العراقي البسيط، وما يراه المسؤول في الحكومات المحلية او الحكومة المركزية، الفرق بات واضحا، والسبب هو بقاء "الداء" من دون "دواء"، بل وزادت عليه الكثير من العلل التي اثقلت كاهل الدولة العراقية، على حساب المواطن العراقي البسيط.

الغريب في الامر... ان التجاوب الرسمي، على الرغم من ضعفه، تنوع بين:

- اتهام المتظاهرين بالتبعية لجهة على حساب الاخرى، ومن باب "امرا دبر بليل"، من دون ان يكلف "المسؤول" نفسه بحل المشكلة حتى لا يعطي الاخرين المجال للتلاعب بعواطف الناس.

- المعارض لها، باعتبار ان البلد يمر بحالة استثنائية، في مقاتلة تنظيم "داعش" وتردي الحالة "الاقتصادية" بعد هبوط اسعار النفط عالميا... لكن هل للكهرباء علاقة بداعش؟ وهل للفساد والنهب للمال العام علاقة بهبوط اسعار النفط؟ وهل للخلافات السياسية بين الكتل النافذة داخل قبة البرلمان علاقة بالأمرين معا؟.

- صنف قرر الصمت او الوقوف مع المحتجين...لكن على حياء، ولا اعلم لماذا اصبح من يطالب بتصحيح الاخطاء ومكافحة الفساد وتوفير الخدمات... معرضا للاتهام والتشكيك في ولائه او انتمائه للوطن؟

المرجعية الدينية في النجف الاشرف، اعطت رسالة مهمة لكل المسؤولين في العراق، واوضحت ان "للصبر حدود"، وحذرت من "الاستخفاف بمعاناة المواطنين"، لان من خرج للتظاهر والاحتجاج كان يعبر عن مطالب في غاية البساطة، ولا تتطلب الخوف او تحتمل التأويل، وهي افراز لتجارب فاشلة استمرت لأكثر من عقد من الزمن... كان المواطن البسيط في البصرة وكربلاء والحلة وبغداد، يدفع ثمنها من دون ان يلمس اي تغيير واضح.

اما من يحاول استغلال هذه الاحتجاجات السلمية، لمآرب اخرى في نفسه، فالأمر لا يتعلق بمن خرج ليعبر عما في خاطره، بقدر ما يتعلق بالخلافات السياسية التي تدور خلف الكواليس حول اقتسام الكراسي والمصالح والنفوذ، والتي لا يعلم عنها الشارع العراقي شيئا... الا اللمم.

العبرة لمن اعتبر... والتحرك السرع، من قبل صانع القرار في العراق، لتلافي الاخطاء والاعتراف بالتقصير ومحاسبة المقصرين، امر مهم، وهو من سيهدأ غضب المواطنين، ومن نزل للشارع للتظاهر في فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة القاتل، لا كيل الاتهامات او تجميل المواقف بخطبة رنانة، او اطلاق التصريحات التي عفى عليها الزمن.

لا ينكر احد ان البلاد تعيش وضعا غير اعتيادي... داعش يحتل جزء من البلد، والنفط (مصدر الرزق الوحيد) في ادنى مستوياته السعرية، والفساد الاداري والمالي وصل حد التخمة، وشبابنا في الحشد الشعبي وقواتنا الامنية، يقاتلون الارهاب في عدة جبهات... لكن ومثلما صمد العراق امام غزو داعش، وحول نصره الى هزائم... ينبغي الوقوف بوجه افة "الفساد" التي لا ترحم، وتمييز الجيد من السيء، لترتيب الاوضاع الداخلية، واعادة الحياة الى مؤسسات الدولة التي نخرتها المافيات... وتفننت في تفريغها من محتواها...

دعوا المواطن البسيط يعبر عما في نفسه، واسهروا انتم، ليس على تقييم مدى صحة المظاهرة، او الاحتجاج، ولأي جهة تتبع، وفي مصلحة من قد تصب مطالبهم... بل على تصحيح الاوضاع التي اسستم لها منذ سنين، وعادة تقييم الخدمات، ومكافحة الفساد مثلما يكافح شبابنا الجماعات الإرهابية، كونوا عونا للعراق والعراقيين، ولا تكونوا مع الاوضاع الاستثنائية ضده... فحجم المعاناة اكبر من وصفها بالكلمات او الصور او الاخبار.

اضف تعليق