q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الإنسان بين التصدي للمشاكل وتجاوز الاختبار

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

عندما نطلع على المسيرة الشاقة للبشرية، منذ النشوء، مرورا بمراحل التطور كافة، وحتى اللحظة الراهنة، فإننا سنلاحظ مرافقة المشاكل للانسان، فردا وجماعات ومجتمعات، بصورة شبه دائمة، وحتى لو بادر الى معالجتها والقضاء عليها، فهناك مشاكل بديلة سوف تستجد وتظهر على نحو متواصل ومستمر في حياة الانسان.

لذلك لا سبيل للخلاص من المشاكل بصورة تامة، وليس هناك مهرب تام منها، كذلك ليس صحيحا أن نستسلم لها بحجة أنها غير قابلة للمعالجة، نعم علينا أن نفهم أن حياة بلا مشاكل، امر لا يتحقق أبدا، بل خلو حياة الانسان من المشاكل تمثل نوعا من الموت له، فالفرد الذي تتوقف المشاكل في حياته، هو شخص بلا حركة ولا انتاج فكري او عملي.

فهل يمكن القول أن المشاكل، نتيجة صحية تواجه الانسان في حياته، وهل أنها مرافقة دائمة له، أم أنها قد تختفي عنه في بعض الاوقات والحالات؟؟.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية القيّمة للمسلمين، حول هذا الموضوع: يوجد (للمرحوم – الامام الشيرازي- أخي كتاب يضمّ قصصاً قصاراً، ذكر فيه عبارة مقتبسة من أحاديث المعصومين صلوات الله عليهم، وهي - الدنيا كلّها نقاط سوداء، وفيها بعض النقاط البيض- وهذا يعني أن الدنيا كلّها مشاكل ومشكلات، ولكن بعض الأوقات تخلو من مشاكل).

لذلك ينبغي أن يكون هناك استعداد دائم لدى الانسان على مواجهة المشاكل مهما كان حجمها او نوعها، أو حتى مصدرها من حيث الغموض والوضوح، لأن بعض المشاكل، بل حتى الكثير منها، ربما يكون غير قابل للزوال، بسبب حركية الانسان وإنتاجيته التي تفرز مشاكل كثيرة على مدار الساعة، هذا يعني أن هناك مشاكل قد ترافق حياة الانسان مدى حياته، وربما ترافقه حتى مماته!.

واذا سعى الانسان نحو معالجة المشاكل المتنوعة، واجتهد في التصدي لها، فإنه سوف يلاحظ حتى في حالة قضائه عليها، فإن هنالك مشاكل بديلة عنها، وربما شبيهة لها، قد تظهر في حياته، لذلك مع دأب الانسان على التصدي لأية مشكلة في حياته وقدرته على الحد من مخاطرها عليه، عليه أن يفهم أن هناك مشكلات دائمة قد يكون الخلاص الكلي منها أمرا مستحيلا.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (لا شكّ، أنه على الإنسان أن يسعى لرفع المشاكل وإزالتها، سواء كانت مشاكل اجتماعية، أو سياسية، أو عائلية، وغيرها، وفي الوقت نفسه عليه أن يعلم بأن المشاكل إما لا ترفع أصلاً، أو إذا رفعت فستحلّ محلّها مشاكل أخرى. وهذا كلّه امتحان للإنسان).

لننظر كيف تعملون

إن وجود المشكلة في حياة الانسان، ليس أمرا اعتباطيا، بمعنى ثمة اهداف تقف وراء وجود المشكلات في حياة الانسان، ولا شك أنها تصنع الكثير من المصاعب للانسان، ولكنها قد تصبح حالة غير قابلة للزوال، لذلك فإن المشاكل في هذه الحالة سوف تتحول الى نوع من الاختبار يتعرض له الانسان، فإذا نجح فيه قطف النتائج الجيدة، أما العكس فهو دليل على عدم قدرته على تجاوز الاختبار.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على أن: (المشكلات والمشاكل صعبة ومؤلمة وتضع الإنسان تحت ضغوط كثيرة، ولكن جعل كل ذلك لأجل معرفة مدى تحمّل الإنسان، وعلى هذا الأساس تعطى المرتبة للإنسان، ويعطى الجزاء للإنسان).

إذاً لا يمكن أن نتصور حياة الانسان يمكن أن تكون خالية من المشاكل بصورة تامة، لأنه في هذه الحالة لا يواجه أي اختبار كان!، وفي هذه الحالة تنتفي هدفية الحياة نفسها، فالحياة كما صرحت جميع الاديان، وكما قرأنا في كثير من النصوص القرآنية المباركة، هي دار اختبار للإنسان، والمشاكل هي المواد التي يتم بها قياس ومعرفة درجة تحمل الانسان، وفي ضوء تحمله واستعداده لمواجهة هذه المشاكل، يتم منحه درجة النجاح أو الفشل.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، في كلمته نفسها، على: (انّ الله تبارك وتعالى هو الذي جعل الدنيا محفوفة بالبلاء، وذلك ليختبر الناس ويمتحنهم، حيث قال تعالى: لننظر كيف تعملون).

وبهذا نستطيع أن نفهم بأن المشاكل التي يواجهها الانسان في حياته، هي مادة الاختبار التي ينبغي عليه التفوق فيها وتجاوزها، لذلك من غير الممكن أن تنتفي أو تنتهي المشاكل من حياة الانسان بصورة تامة أو أبدية، لأنها مخلوقة معه، من أجل معرفة قدرته على العطاء والتعامل السليم مع مفاصل حياته ودقائقها كافة.

النفس الأمارة بالسوء

إن الله تعالى خلق الشيطان، وزجّ به في حياة الانسان، وهو تعالى يعرف ماذا سيفعل الشيطان، وما هي الأحابيل وصور الخداع والاغراء والمحرمات، التي سوف يستخدمها الشيطان مع الانسان كي يطيح به، ومع ذلك تم خلق الشيطان، وصار ألد عدو للانسان، ولكن هناك هدف يقف وراء هذا الخلق المقصود للشيطان، فما هو هذا القصد الإلهي؟.

إن وجود الانسان في هذه الحياة، له هدف معروف، وقد ذكرناه فيما سبق في هذا المقال، لقد صنعت الحياة للانسان (كقاعة اختبار له)، وأن الشيطان يمثل بؤرة الشر التي تضع نفسها بين يدي الانسان بصور كثيرة ممتلئة بالاغواء، والاغراءات كافة، سوف يتعرض لها الناس كافة في هذه الحياة.

هناك من يعبر هذه الاغراءات، ويتجاوز أحابيلها وخديعتها، ولا يتمكن الشيطان من الإيقاع به، في حين هناك من يفشل في ذلك، عندما يقع ضحية لنفسه الأمارة بالسوء، ففي هذه الحالة، سوف يقع الانسان تحت تأثير الشيطان، بسبب نفسه الضعيفة، في حين هنالك ناس لا يتمكن منهم الشيطان مهما تفنن في طرق الايقاع بهم.

هؤلاء هم الفائزون، الذين يتجاوزون الاختبار بنجاح تام، ويحصلون على الجزاء الالهي الذي يليق بهم، ويجعل مكانتهم بما يستحقونه من جزاء، حصلوا عليه، بسبب قدرتهم على مواجهة مشاكل الشيطان، والتصدي لها بقوة الايمان، والنفس المؤمنة التي لم يتمكن الشيطان من الايقاع بها في ألاعيبه الكثيرة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكلمة المذكورة نفسها: (الله تعالى هو الذي خلق الشيطان، وهو تعالى يعلم بأن الشيطان ماذا سيفعل بالإنسان، ولكن خلقه ليتبيّن من يتّبع الشيطان ومن يرفضه. والله تعالى هو الذي خلق في الإنسان النفس الأمّارة بالسوء، وهو تعالى يعلم بأنه ماذا ستفعل هذه النفس الأمّارة بالسوء بالإنسان الضعيف، وكم ستوقعه في المعاصي والذنوب، ولكن خلقها ليمتحن الإنسان بها).

ولا شك أن هناك بون شاسع بين من ينجح في الاختبار، وبين من يفشل فيه، فالاول هو الانسان الذي استطاع ان يواجه المشاكل، ولم يستسلم لها، وتحدى الشيطان وتغلّب عليه، بإيمانه وتقواه والتزامه، في حين فشل آخرون بسبب نفوسهم الامارة بالسوء، لذلك (على قدر أهل العزم تأتي العزائم)، وكل سوف يحصل على الجزاء الذي يساوي ما قدمه من عطاء في الخير أو الشر، وبهذا تكون غاية الحياة معروفة، وما على الانسان إلا أن يكون قويا صبورا، وذا عزيمة متميزة، وفي هذه الحالة، سوف يساعده الله تعالى على مواجهة مشكلات الحياة كافة، فيتعامل معها بعزيمة قوية، ويحصل على درجة النجاح في الاختبار.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (على قدر أهل العزم تأتي العزائم. والعزائم تنزل عن الله سبحانه وتعالى بمقدار ما يكون الإنسان من أهل العزم والإرادة والتصميم).

اضف تعليق