q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

الفوات الحضاري للعرب والمسلمين

على ضوء الاتفاق النووي الإيراني

تعددت ردود الافعال العربية (ولا شأن لهذه السطور بردود الافعال خارج المجال السياسي العربي) التي استقبلت توقيع الاتفاق النووي الايراني مع مجموعة الخمس زائد واحد، منهم من رحب على حذر، ومنهم من رفضه جملة وتفصيلا، ومنهم من اتخذ موقف اللاموقف بانتظار ما ستؤول اليه التطورات المستقبلية.

مجموعة الدول العربية وفقا للتقسيمات الثقافية والحضارية تقع ضمن المجال الثقافي العربي – الاسلامي، وهي في معظمها باستثناء (العراق – سوريا – مصر- اليمن) تدين للثقافة الاسلامية في حضورها، ولا تعتمد على خزين حضاري تاريخي يمكن ان تعود اليه قبل ظهور الاسلام.

اي ان هناك حضارات اصيلة لها فضل الريادة والابداع في مجالات الفكر البشري، وهناك حضارات (وهي تسمية مجازية اكثر مما هي واقعية) مقتبسة ليس لها فضل الريادة في اي حقل من الحقول، وهي تابعة ومنفعلة بما يصدر عن الاخرين.

فلا يمكننا الحديث عن حضارة سعودية او كويتية او قطرية او اماراتية الا بمقدار اقترانها بالحضارة الاسلامية وذوبانها فيها، او بمقدار مرور حضارات اخرى فوق اراضيها.

نأتي الى الجانب الإيراني، حيث الاتفاق الممهور بتوقيع هذه الدولة، فهي ذات حضارة ضاربة في القدم، رافقت حضارات اخرى ضمن المجال الجغرافي الواحد والمجاور مثل حضارات العراق وسوريا واليمن، ثم مجالا اخر ابعد مثل الحضارة المصرية، مع وجود نوع من التلاقح والتعارف الحضاريين.

وهي رغم طابعها الاسلامي والذي جاء متأخرا، الا انها تمتلك هذا التراكم الحضاري الذي يسبقه وجودا وارثا، مع قدرة على التلاقح بين المزيجين، ادى الى اضافات جديدة سواء للإيرانيين انفسهم او للإسلام والمسلمين.

وهي تلتقي مع الدول العربية والمسلمة ضمن النطاق الحضاري الاسلامي العام، كما اشار الى ذلك صاموئيل هنتنجتون في تقسيمه لحضارات العالم الحالية إلى تسعة مناطق نفوذ ثقافي كانت الحضارة الإسلامية واحدة منها، وهي التي تمتد بين البلدان ذات الأغلبية المسلمة والتي ترتبط من الناحية التاريخية والحضارية والإجتماعية بالإسلام. وتمتد بين منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وآسيا الوسطى، وباكستان، وبنغلادش، وإندونيسيا وماليزيا. وتنفرد هذه الحضارة بخصوصية ثقافية أساسها دين وتعاليم وتراث الإسلام. اللغات الأكثر انتشارًا في حدود هذه الحضارة اللغة العربية والفارسية والتركية واللغة الماليزية.

لكن ماهي الحضارة؟

في ابسط تعريفاتها هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي.

ويذهب البعض إلى اعتبار الحضارة أسلوب معيشي يعتاد عليه الفرد من تفاصيل صغيرة إلى تفاصيل أكبر يعيشها في مجتمعه ولا يقصد من هذا استخدامه إلى احدث وسائل المعيشة، بل تعامله هو كإنسان مع الأشياء المادية والمعنوية التي تدور حوله وشعوره الإنساني تجاهها.

ومن الممكن تعريف الحضارة على أنها الفنون والتقاليد والميراث الثقافي والتاريخي ومقدار التقدم العلمي والتقني الذي تمتع به شعب معين في حقبة من التاريخ. إن الحضارة بمفهوم شامل تعني كل ما يميز أمة عن أمة من حيث العادات والتقاليد وأسلوب المعيشة والملابس والتمسك بالقيم الدينية والأخلاقية ومقدرة الإنسان في كل حضارة على الإبداع في الفنون والآداب والعلوم.

 تتألف الحضارة من أربعة عناصر هي: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون.

فيما يتعلق ببقاء الحضارات وتطورها يمكن الاستئناس بنظرية ارنولد توينبي (التحدي والاستجابة) والتي عرضها في كتابه (دراسة التاريخ) حيث يعتقد أن الحضارات تقوم فقط حيث تتحدى البيئة الناس، وحينما يكون الناس على استعداد للاستجابة للتحدي. ورأى توينبي أن الحضارات تنهار حينما يفقد الناس قدرتهم على الابتكار.

ويمكن تطبيق هذه النظرية على الحضارة الاسلامية وتراجعها لانها لم تستطع ان تستجيب للتحديات التي فرضتها تطورات حضارية اخرى موازية لها، او قامت على أنقاض حضارات اخرى، مثل الاوربية وقيامها على أنقاض الحضارتين اليونانية والرومانية. مع ملاحظة بقاء الحضارة الفارسية وجودا وتأثيرا في الكثير من المجتمعات الناطقة باللغة الفارسية، وحتى العربية.

ما يهمنا في هذا الموضوع، هو عنصر النظم السياسية، وعلاقته ببقاء الحضارات أو اندثارها، حيث يذهب معظم علماء الآثار القديمة إلى أن بزوغ الحضارات يرجع إلى مجموعة من أهم الأسباب تشمل البناء السياسي والاجتماعي للحياة والطريقة التي يكيف بها الناس البيئة المحيطة بهم والتغيرات التي تطرأ على السكان.

هذا التراجع او الفوات الحضاري (الفوات: أن يُسْبَق فلا يُدْرِك) تتساوى فيه البلدان العربية والبلدان المسلمة ذات الارث الحضاري، فعلى مستوى البلدان العربية لم تستطع ان تستجيب لتحديات الحداثة السياسية وبقيت على انظمتها السياسية القديمة، والتي تعتمد على العصبية القبلية، وتقاليد العشيرة من رأس ومرؤوس، او الوطنية المبتذلة المنغلقة على قطريتها وحدودها الجغرافية.

والبلدان المسلمة كذلك، لها نصيب من هذا الارث، وان اتخذ اشكالا اسلامية، مثل البيعة في الممالك والامارات الخليجية، او ولاية الفقيه في ايران.

ماعلاقة ذلك كله بالاتفاق النووي الايراني؟

في ردودها ومواقفها ضد الاتفاق تكشف الدول العربية والمسلمة انها حتى اللحظة غير قادرة على التحدي الذي يفرضه عليها هذا الاتفاق، وهي ايضا لاتستطيع ان تستجيب لأي نوع من انواع الابتكار للحلول، والتي هي برأي الكاتب وعلى رأسها التحديث السياسي لانظمتها.

وعلى الجانب الايراني يكشف الاتفاق ان رغم التطور التكنولوجي والعلمي الذي يضمره مثل هذا التطور في الصناعة النووية الا انها رغم امتلاكها لكل الارث الحضاري الفارسي غير قادرة على تحديث نظامها السياسي القائم على ولاية الفقيه، والذي لا يمكن ان يستجيب بشكله الحالي لأي حداثة سياسية.

اضف تعليق


التعليقات

زهراء
مالمقصود بالحداثة السياسية"؟؟؟2015-07-28
علي الجابر
مقال مميز جداً2015-07-29