q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

فلسفة التقدم وارتقاء المسلمين نحو القمة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

ثمة مؤشرات لا تقبل الشك، تؤكد أن المسلمين يحتاجون في عصرهم الراهن الى التغيير والإصلاح، أكثر من أي زمن مضى، فقد تضاعفت بؤر التخلف في نسيجهم المجتمعي، واستفحلت ملامح وأسباب الفساد، وتفشّى الفقر والجهل بين ظهرانيهم، لدرجة أنهم باتوا في حالة يُرثى لها من التراجع والنكوص.

لذلك رصد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) هذه المؤشرات، منذ بواكير تجربته الفكرية الاصلاحية، وبدأ سماحته بملاحقة ظواهر الضعف بين المسلمين، فكتب العديد من المؤلَّفات المهمة في هذا المجال، من بينها كتابه القيّم الموسوم بـ (السبيل الى إنهاض المسلمين)، وكذلك كتاب (اسباب تحطم الحكومات الاسلامية) وكتب اخرى كثيرة، منها على سبيل المثال وليس الحصر (الاجتماع/ الادارة/ فقه المستقبل/ لنبدأ من جديد/ فرص التقدم/ فلسفة التأخر/ والبيئة).

وغيرها من المؤلَّفات التي قدم فيها الامام الشيرازي عصارة أفكاره القيمة، فوضع منهجية علمية واضحة في التأليف، وعالج من خلالها معظم الظواهر السلبية التي انتشرت بين المسلمين، فأشر سماحته مواطن الضعف والخلل والتراجع، وحدد الاسباب وبينها بطريقة البحث المنهجي، ثم دأب سماحته على وضع الحلول اللازمة، عبر اقتراح الخطوات النظرية التطبيقية القادرة على معالجة مواطن الضعف والخلل.

ومن بين أهم الموضوعات التي ركّز عليها الامام الشيرازي قضية الاصلاح، وهدف التغيير، ومعالجة الفساد بأنواعه كافة، ورأى سماحته أن العودة بالمسلمين الى سلّم الارتقاء، يكمن في هذين الجانبين تحديدا، وهما السعي المتواصل والجاد والمدروس نحو التغيير، والعمل على المشروع الاصلاحي وفق خطط موضوعة مسبقا، قابلة للتنفيذ الدقيق.

وطالب الامام الشيرازي أن يبدأ الانسان المسلم بنفسه فيما يتعلق بالإصلاح، فمن دون الشروع بإصلاح النفس، تغدو قضية التغيير صعبة وغير قابلة للتطبيق.

لهذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه القيّم، الموسوم (لنبدأ من جديد) على: (ان أوّل التغيير إلى الصلاح أو الفساد هو الإنسان). ولا شك أن هذا التأكيد قائم على رؤية واضحة ودقيقة تهدف الى تحقيق الهدف الأسمى للتغير والارتقاء بالمسلمين الى سابق عهدهم، عندما كانوا يتصدرون الامم الاخرى في التنوير والاشعاع الفكري والانسان، ويقدمون للبشرية نموذجا في تطبيق العلم واستثماره عمليا أفضل الاستثمار.

لذلك ركز الامام الشيرازي على جانب مهم يتعلق بالتغيير والاصلاح، ألا وهو السعي الذاتي نحو هذا الهدف، والبدء بالتغيير الذاتي لكل انسان مسلم، وحتما سوف يكون حاصل جمع هذا التغيير الذاتي، عائدا على عموم المجتمع الاسلامي بالنجاح، لذلك كان سماحة الامام يركز على أهمية شروع المسلم بالتجديد الفردي واصلاح النفس.

كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه: (إن التجديد يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه إصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والطبيعي وغيرها).

بلاد الاسلام ضحية التخلف

ومن النتائج التي توصل لها الامام الشيرازي، وأعلنها بوضوح في معظم كتاباته ومحاضراته القيمة، تتلخص بأن بلاد الاسلام وقعت ضحية للتخلف والفساد والجهل والمرض، وهي بمجموعها تشكل عقبات كبرى، تقف في المسلمين نحو الارتقاء والتطور، ولا شك أن هناك أسباب لوجود هذه الظواهر المرضية في المجتمع الاسلامي، وهنا أسباب لانتشارها بينهم، وعيثها في حياتهم وافكارهم وحتى معتقداتهم.

ولعلنا نتفق مع سماحة الامام الشيرازي، عندما يقول سماحته، أننا غالبا ما نلقي قضية جهلنا وتخلفنا ومرضنا على الغرب، وهو امر ما كان له أن يحدث لو كان المسلمون بمستوى المسؤولية، وأغلقوا المنافذ التي يتسلل منها الغرب بثقافته وعاداته الدخيلة، نعم لقد وقع السلمون تحت قبضة الجهل والتخلف والتعصب وما شابه، ولكنهم كانوا شريكا في الاسباب التي أدت الى استفحال هذه الظواهر المرضية التي أسهمت في تخلفهم.

من هنا يؤكد الامام الشيرازي حول هذا الجانب في كتابه (لنبدأ من جديد) على: (ان بلاد الإسلام وقعت ضحية التخلف والفساد والجهل والمرض والفقر والفوضى والرذيلة، لماذا؟، الغالب أن يكون الجواب: انه من صنع الغرب، لكن لنتذكر انه لولا إرادة نفس المسلمين وضعفهم لم يستطع الغرب من النفوذ إطلاقاً).

وهكذا وضع الامام الشيرازي شرطا أساسيا لمعالجة الاوضاع البائسة التي يعيشها المسلمون، وتمنعهم من التقدم نحو سلّم الارتقاء والتطور، هذا الشرط يعتمد على وحدة كلمة المسلمين أنفسهم، بالاضافة الى قوة إرادتهم، فالمطلوب وفق رؤية الامام الشيرازي لتحقيق وحدة المسلمين وقوتهم وتقدمهم، توافر الارادة الحرة القوية لهم، ووحدة الكلمة فيما بينهم.

فمن دون هذين العاملين المهمين، سوف يكون من الصعب على المسلمين العودة الى القمة التي كانوا يتربعون عليها في الازمنة الماضية، عندما كانوا يحتلون الريادة في التنوير البشري، لذلك تكمن نجاة المسلمين في توافر هذين العاملين (الارادة/ وحدة الكلمة)، بصورة فاعلة وجادة لتحقيق الخطوة الأهم في القفز من قفص التخلف الى فضاء التقدم والحرية والارتقاء.

وهذه النتيجة يؤكدها الامام الشيرازي في قوله: (لا نجاة، حيث لا إرادة للأمة، ولا كلمة جامعة لهم، وكل يدّعي وصلاً بليلى، ولكن لا يمشون في طريقها).

المسلمون ووحدة الكلمة

وبهذا يتضح لنا بوضوح، دور وحدة كلمة المسلمين، للعودة بهم الى قمة التطور، ومن ثم العودة الى مكانتهم الاولى، حيث كانوا في موقع الصدارة في التقدم والتطور، ويمكن أن يتحقق هذا وفق رؤية الامام الشيرازي، من خلال التخطيط السليم، والاصرار على تحقيق هذا الهدف، عبر عقد المؤتمرات التي تسعى نحو تحقيق وحدة كلمة المسلمين بصورة جادة.

إذ يتساءل الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (أليس أول الطريق: توحيد الكلمة والتجمع والمؤتمرات؟).

لا شك أن خطوة التغيير الأولى والأهم، تتمحور حول وحدة الكلمة، عير التجمع في المؤتمرات الجادة، وليست الشكلية، كما يحدث في بعض الدول الاسلامية، حيث الترويج لمؤتمرات بلا نتائج مهمة، لذلك ما يعنيه الامام الشيرازي، المؤتمرات المدروسة مسبقا، والتي تتضمن جدول أعمال مخطط له مسبقا، وينطوي على خطوات علمية عملية، تؤدي بالنتيجة الى تكريس وحدة المسلمين، وعدم تشتيت الآراء والاهداف، وعدم الذهاب وراء المصالح الفردية الضيقة.

علما أن الامام الشيرازي يؤكد على أن الاهداف الكبيرة لا يمكن تحقيقها، من دون قادة متميزين قادرين على اختصار الطريق والزمن معا، والعودة بالمسلمين الى سابق عهدهم، والعمل على توفير الخطوات العلمية والعملية، وتحقيق الشروط التي تسهم بصورة فاعلة على الارتقاء بالمسلمين، من خلال تهيئة ما يلزم من اجراءات واشتراطات مادية وفكرية، تسهم في معالجة مشكلات المسلمين في المجالات كافة.

ولا يمكن أن نتجاهل مجال التأليف ودور الكتب في نشر الوعي والثقافة السليمة، والعمل من خلال طبع المنشورات والدوريات على نشر الفكر المتقدم في المجالات التربوية والسياسية والاقتصادية وسواها، فقد اكد الامام الشيرازي على هذا الجانب كثيرا، بل اعتبر ان طبع الكتب ونشرها وتوصيلها الى جميع المسلمين، من اهم الخطوات العملية العلمية التي تساعد المسلمين على العودة الى القمة مجددا.

فقد اكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (إذا أردنا رجوع المسلمين إلى سيادتهم السابقة، لذا ينبغي توفير القادة الأكفاء، وطبع ملايين الكتب وبمختلف المستويات، لتبيين مناهج الإسلام الملائمة لهذا العصر في كل أبعاد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها).

اضف تعليق