q

عن الهدنة التي انهارت سريعا في اليمن... وما تلالها من رمي السبب في ملعب الطرف الاخر... كان امرا متوقعا... فالسعودية التي قادت تحالفا عربيا ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) والرئيس السابق "صالح"، لم تكن مرتاحة، منذ البداية، لدور الأمم المتحدة في مسعاها الضاغط لوقف إطلاق النار... اولاً، وجمع الحكومة الهاربة لديها مع الأطراف اليمنية "من دون شروط"... ثانيا، وكانت "العصبية" السعودية واضحة، حتى في دبلوماسيتها تجاه الأمم المتحدة وتصريحاتها السابقة وانزعاجهم من تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة عن الازمة اليمنية تشهد على ذلك.

جرى ترتيب الهدنة الإنسانية على عجل... الوساطة العمانية ساهمت بشكل فعال في تحريك خيوطها... وهذا ما وصل الينا من خلال التسريبات وتنقل أعضاء الوفود المفاوضة، وبالأخص وفد الحوثيين، اما الامريكان فكان دورهم... الضغط من وراء الستار، فاليمن مهم لهم... وهم يعملون منذ سنوات على تضيق الخناق اقوى فروع القاعدة هناك، ولهم العديد من مراكز الرصد وجمع المعلومات عن الجماعات المتطرفة والحركات الجهادية في الخليج والجزيرة العربية.

السرعة ربما كانت مطلوبة لإيقاف نزيف الدم المدني لشعب اليمن، من خلال الأهداف الجوية للتحالف، والتي خلطت بين المدني والعسكري بصورة مثيرة، إضافة الى تمكن المجتمع الدولي من إيصال المساعدات الإنسانية لأكثر من 20 مليون انسان تقطعت بهم السبل نتيجة للحصار الثلاثي (الجو والبر والبحر) والقتال الداخلي بين جماعة الحوثي والموالين لحكومة "هادي"... لكن هذه السرعة جاءت "مخيبة للآمال"... لكنها (الهدنة) لم تأتي بثمارها المرجوة... وتم انتهاكها بعد ساعات من دخولها حيز الاتفاق.

اللافت في امر الهدنة... المواقف التي رافقتها من أطراف الصراع ومن خارجه.

التحالف... او السعودية، أعلنت ان "الحوثيون" هم من خرقوا الهدنة... وأنها (قوات التحالف) غير ملزمة بالهدنة مالم تتلقى طلبا رسميا من الحكومة الشرعية التي تعترف بها، وهو مالم يحدث... على الرغم من تأكيد مكتب الأمين العام للأمم المتحدة إن الرئيس (هادي) "أبلغ التحالف بقبوله الهدنة لضمان دعمه".

بالمقابل الحوثيون أكدوا عبر نافذتهم السياسية "حمزة الحوثي"... بان الحركة ستنتقل الى خيار "حكومة الشراكة الوطنية"، وتشكيل حكومة تشترك فيها الأطراف اليمنية لتمشيه اعمال الحكومة بعيدا عن الحكومة التي تحاول إدارة اعمال اليمن من السعودية، ما سيعني، بطبيعة الحال، المزيد من الضغوط السياسية "على ارض الواقع" توجه الى السعودية، فضلا عن الضغوط العسكرية الموجودة أصلا، بعد ان فشلت في توقف تقدم المعارضين لحكومة "هادي" على الأرض وسيطرتها على مدن ومحافظات جديدة، او اجبارهم على التراجع، او على الأقل القبول بشروطهم لوقف "عاصفة الحزم"... بل استبعدت السعودية خيار تعزيز المسلحين الموالين لحكومة "هادي"، بعد ان عجزت في الصمود امام قوات الجهة المعارضة لها.

وبالتالي قد يعني هذا التحول... اجبار المملكة العربية السعودية بالعودة الى خيارها "المر"... خيار "غزو اليمن" بريا... وهو سيناريو لم يغب عن القرار السعودي... لكنه تأجل بفعل عوامل داخلية وخارجية، كان أبرزها تراجع دعم حلفائها التقليدين (باكستان، تركيا، مصر) للمشاركة في اجتياح بري يستهدف اليمن.

اما المواقف الخارجية... الاتحاد الأوربي، الولايات المتحدة الامريكية، الأمم المتحدة... فقد جاءت مواقفها متشابهة الى حد ما، اكدت على ضرورة الالتزام بالهدنة لدواعيها الإنسانية، ولمكافحة "افة الإرهاب" التي بدأت توسع من نشاطاتها داخل اليمن منذ انطلاق "عاصفة الحزم"، عبر السيطرة على المدن، وإطلاق سراح مقاتليها المعتقلين في السجون اليمنية، إضافة الى تأكيدهم على ضرورة التوصل الى "توافق سياسي" لحل الازمة اليمنية... ويمكن اختصار هذا الكلام بعبارة "انها ترغب بأنهاء هذه الحرب".

وسط هذه الفوضى... كانت هناك توقعات او احتمالات ترى ان خلافا قد وقع بين "هادي" ومن يدير "عاصفة الحزم" السعودية... والسبب قبول الأول بالهدنة على الرغم من رفض الطرف الثاني لها، وما عزز هذه الاحتمالات، قيام السعودية بطلعات جوية عنيفة بعد بدء سريان الهدنة مباشرة... إضافة الى الحملة القوية التي شنتها عدد من وسائل الاعلام السعودي على "الهدنة" و"هادي" وربطها بموقف المملكة التي تقاتل "المتمردين" على حد وصفهم.

ان صح هذا الكلام، فهو يذكر بتسريب اخر سبق الأخير ولمح الى قرب فسخ "الشراكة" التي جمعت بين الرئيس "هادي" و"السعودية"... وايكال مهمة إدارة البلاد الى شخصية أخرى، قد تكون أكثر "براغماتية" من "هادي" الذي يتوقع ان يعلن اعفائه من مهامه لسبب ما... وربما يقع الاختيار السعودي على "بحاح" كحل وسطي... طبعا كل الخيار مفتوحة، بما فيها العودة الى تطبيق الهدنة من جديد... لكن يبقى الحل النهائي بعيدا عن السعودية وقريبا من اليمنيين أنفسهم... وهذا مالا يريد فهمه الاخرون.

اضف تعليق