q

قال الله تعالى: ((انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)[1]

لقد وضع القرآن الكريم الاسس التي يرتضيها في الروابط الاجتماعية لكي يقوم على صرحها المجتمع الديني وصولا الى تكوين الحضارة القرآنية، ويتمثل ذلك في اعتبار المجتمع الاسلامي كيانا متميزا له خصائصه ومقوماته وتنظيماته الخاصة به، وقد عمقت الشريعة هذا المعنى في جوانبها الموضوعية ما سمح ببقاء مفهوم المجتمع الاسلامي حيا بالرغم من التطاولات التي جرت عليه والاخفاقات التي مر بها والتي جعلت صورته باهتة وجسده نحيفا.

ومن هذه الروابط هي الاخوة الايمانية، حيث يرى سماحة اية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) بهذه الرابطة ووفق هذه السورة: (انما المؤمنون اخوة) في الايمان، فكما ان الاخ النسبي يحنو على اخيه كذلك المؤمن يحنو على المؤمن، (فأصلحوا) ايها المؤمنون (بين اخويكم) اذا حدث بينهما شقاق وشجار (واتقوا الله) خافوه فلا تنازعوا، وان تنازع اثنان منكم فلا تتركوهما اعداء بل اصلحوا بينهما (لعلكم ترحمون). فان المتقي لا يعلم هل يموت على التقوى وهل يبقى على التقوى في مستقبل عمره، فكونه مرحوما ليس مقطوعا به، بل لعله يرحم [2]

ووفق هذا المنطلق نرى الاخوة الايمانية هي: رابطة نفسية وروحية تربط الانسان المسلم مع الاخر الذي يشترك معه في العقيدة والهدف، وتكشف –كما يوحي التعبير عنها بالأخوة– عن عمق الصلة التي تربط المؤمنين فيما بينهم والتماسك الموجود في نسيج المجتمع الاسلامي، وتعتبر هذه الرابطة من اهم الاسس التي يقوم عليها النظام الاجتماعي الاسلامي لأنها تحول العلاقات الاجتماعية من علاقات جامدة وجافة الى علاقات روحية وعاطفية مملوءة بالحب والحنان والرأفة والرحمة، كما هي ايضا تعد من امتيازاته لأننا لم نعهد مذهبا فكريا اسس لمجتمعه هكذا اصرة عميقة، فهي اذا فريدة من نوعها وليس لها نظير بين سائر المجتمعات الانسانية، فلا يمكن ان يرقى مجتمع من المجتمعات الى مستوى المجتمع الاسلامي في علاقاته وترابطه [3]

كقوله تعالى ايضا: ((واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا...)) [4]، حيث يرى (قدس سره) بـ (واذكروا نعمة الله عليكم) اي الايمان (اذ كنتم اعداء) في الجاهلية (فالف بين قلوبهم) بالإسلام (فأصبحتم بنعمته) اي سبب نعمة الله (اخوانا) حال احدكم بالنسبة الى الاخر كحال الاخ بالنسبة الى اخيه [5]

وقوله تعالى ايضا: ((أيحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه...)) [6]

ويرى ايضا (قدس سره) في هذه الآية (أيحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا) في حال موت الاخ، فعرضه كلحمه، وغيبته كالموت، لأنه الغائب والميت كلاهما لا يشعران (فكرهتموه) كما ذلك فاكرهوا الغيبة لأنها نظيره [7]

واللافت للنظر ان تحقق هذه الاخوة لا يتوقف على اجتياز مسيرة طويلة او اتمام مراحل معقدة وانما يكفي في حصولها التوبة واقام الصلاة وايتاء الزكاة.

كقوله تعالى: ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم)[8]

ويرى ايضا (قدس سره): (فاذا انسلخ) خرج كما ينسلخ المذبوح عن جلده (الاشهر الحرم) رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، او المراد الاشهر الاربعة مدة الامان (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم) بالاسر (واحصروهم) في اماكنهم بالحبس عن التحرك (واقعدوا لهم كل مرصد) اي بكل طريقة لأجل المحاربة معهم (فان تابوا) عن الكفر والعصيان عاملوهم معاملة الاخ [9].

فن التعامل مع الآخرين

ووفق هذا المنظور نجد ايضا سماحة اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يؤكد على ضرورة الاخوة الايمانية، فنظرا لسعة الحياة وتفرع مجالاتها وتعدد مصالح الناس وتداخل اعمالهم مع اعمال غيرهم، أصبح السلوك والتعاطي مع الاخرين نوعا من الفن الذي ينبغي على الانسان ان يجيده لكي يتحقق ما ينبغي من مصالح حتى لو كانت تقع في حقل (المصالح المشروعة) التي تحتاج بدورها الى ترويج وتسويق ونشر بين الناس وما شابه.

فالحديث الجيد والمجالسة المعتدلة والسلوك المقبول مع الاخرين كان ولايزال هو المطلوب من الانسان ازاء الاخرين، وقد حث عليه المصلحون في مجالات عدة، كونه يسهم بصور او اخرى في تحقيق الوئام بين الناس على مختلف مشاربهم ويقود البشرية الى جادة الصواب [10]

حيث اكد (دام ظله) ان الانسان لايظهر للآخر كل ما في قلبه من حب وعداء، وما يختلجه من افكار تجاهه، الا بمقدار ما يقتضيه الظرف [11]، بمعنى على الانسان ان يحاول تحقيق نوع من الموازنة والاعتدال في التعامل مع الاخرين، والموازنة هنا تعني اتقان الانسان فن التعامل مع الناس حيث ينبغي عدم كشف المشاعر الى اقصاها سواء كانت مشاعر حب او خلافه، بل اظهارها بمقدار ما يتطلبه الموقف بين الانسان وبين من يلتقيهم مهما كانت انتماءاتهم ومشاربهم، وفي هذا الصدد يورد (دام ظله) حديثا للإمام الصادق (عليه السلام) يأمر فيه احد اصحابه وهو اسحاق بن عمار بمصانعة المنافق، حيث يقول له:- يا اسحاق، صانع المنافق بلسانك، واخلص ودك للمؤمن، وان جالسك يهودي فاحسن مجالسته [12]

هكذا اذا على الانسان ان يستوعب الاخرين بالمستوى الذي يستحقونه وبالطريقة التي تناسبهم، بكلمة اخرى، ينبغي عليه الاعتدال والنباهة والحذر في التصرف والسلوك وهذه كلها بمجموعها نوع من انواع الفن المتعلق بأقوال الانسان وسلوكه، فالتصرف المنظم المتوازن او الكياسة، هو المطلوب في التعامل مع الناس [13]

لقد طلب الامام الصادق عليه السلام من صاحبه اسحاق ان يصانع المنافق بلسانه، مع ان المؤمن يبغض المنافق ولا يستطيع ان يتوافق معه من الناحية النفسية، فالمؤمن قائم على نهج الصدق والايمان والاخلاص في القول والعمل ومع ذلك يأمره الامام الصادق (عليه السلام) بان يصانع المنافق بلسانه فماذا يعني هذا الانسان في العصر الراهن؟! [14]، لا يعني عدم جرح مشاعر الاخر حتى لو اختلف معه في النهج او السلوك؟!

ومن الطبيعي ان المؤمن لا يحب المنافق بل يبغضه ويكرهه، الا ان الامام يأمره هنا بان يمانعه بلسانه، أي يجامله في الحديث، لان من الاخلاق الحميدة للمؤمن ان لا يظهر كل الكراهية التي يحملها في قلبه للشخص الذي لا يتوافق معه على حال، وان كان منافقا، فكيف اذا كان مؤمنا؟ [15] أليس من شانها ان تسلب المؤمن التزامه بالتعاليم الاسلامية؟، فلا ينبغي للمؤمنين ان يتباغضوا فيما بينهم، ولذا اوصى الامام سلام الله عليه بقوله: (واخلص ودك للمؤمن) اي عامله بما هو مؤمن [16]

ويؤكد المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بان الامام الصادق عليه السلام يوصينا عليه السلام بمجاملة المنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الاسلام حيث يقول: هذا الخط العام للأخلاق الاسلامية، وهو ان تتحدث وتتعامل مع الناس – مؤمنهم، ومنافقهم، وكافرهم – بالحسنى.

ولعلك في هذا تكون صاحب الزمام والمبادرة بإظهار حسن النية لجميع من تختلف او تتفق معهم، وهذا على ما نعتقد وحسبما تقرره البصيرة والسجية الانسانية، اقصى ما يستطيع ان يقدمه الانسان من اجل صنع اجواء انسانية تقود الى التفاهم والتواؤم بين بني البشر، وبذلك يكون الهدف من طبيعة التعامل مع الناس هو صنع محيط متسامح تسوده اعراف وتقاليد اخلاقية تقبل الاخر وتلتقي معه رغم الاختلاف وصولا الى الخطوط الصحيحة في التعامل والسلوك والقول معا[17]

وكذلك يقول (دام ظله): اذا كان في الناس – عموما فضلا عن المؤمنين – انحراف، فهو في الغالب (انحراف سطحي في بداية امره، لا يلبث ان يزول تدريجيا فيما اذا كان اسلوب مناصحتهم حسنا ومؤاخاتهم، ولكنه يتعمق بواسطة الاساليب الخشنة، فان السلوك الحسن غالبا ما يؤثر تأثيرا ايجابيا في الانسان المنحرف ويقوّم انحرافه، ومن النادر ان لا يؤثر هذا الاسلوب في التعامل مع الافراد، خصوصا اذا كانوا مؤمنين، والناس عموما يستمالون باللين والاخوة، وتؤلفهم الرأفة، وتنفرهم الحدة، فاذا استطاع الانسان كسب اخوة وود الناس والفتهم وعدم تنفيرهم عن نفسه، اصبح اكثر توفيقا في اموره واعماله [18]

فينبغي لنا دائما ان نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا، ونظهر لغيرنا من انفسنا ما نرجوه لنا من غيرنا، فالإنسان عند هذه الامور التي تحدث، ينبغي له ان يضع نفسه مكان غيره، وغير مكان نفسه، وقد روي عن اهل البيت صلوات الله عليهم: (من اتهم نفسه امن خدع الشيطان) [19]، و: (من اتهم نفسه فقد غالب الشيطان) [20]، فاذا اراد الانسان ان يربي نفسه، فعليه اولا ان يتهمها دائما في تصرفاته الشخصية، وذلك بان يجعل نفسه مكان غيره في كل القضايا، وكذلك يجعل غيره مكان نفسه، لانه في كثير من القضايا يحكم لنفسه بشكل، ولغيره بشكل اخر، يعني نفس القضية اذا وقعت له يحكم لنفسه بشكل ينسجم مع غرائزه وميوله، واذا وقعت لغيره يحكم له بشكل اخر مغاير لما حكم به لنفسه.

حوار بين الانا والانت

وعلى وفق ما تقدم نستطيع ان نقول: ان الحياة الانسانية لا يمكن ان تنمو وتزدهر في محيط قفر من الوحدة ومناجاة الذات، بل هي في حاجة دائما الى التفتح والاشراق في جو دافئ من المحبة والتبادل والاخاء، ومهما كان من اهمية التأمل الانعزالي والوحدة الروحية في حياة الموجود البشري، فانه لابد للإنسان من ان يشعر في وقت ما من الاوقات بان وجوده هو في صميمه علاقة، واتصال، وحوار مستمر، وان الموجود البشري لايمكن ان يصبح عين ذاته في عالم خلو من الاشخاص، وانما الذات الحوار بين (الانا والانت) فهنالك يتم التلاقي بين ذاتين تشارك كل منها في (واقع) يعلو عليها، ومن هنا فان الاخوة الايمانية ليست بمثابة عاطفة تثور في باطن (الانا) ويكون موضوعها او مضمونها هو (الانت)، وانما يقوم هذا الحب فيما بين (الانا والانت) فيكون بمثابة صلة او علاقة تجمع بين الطرفين، وانا حين احب، فاني لا اوجد في ذاتي او في الخارج، بل انا اوجد في (وسط) او (محيط) او (جو مشترك)، وليس الاخوة سوى تلك العلاقة الشخصية التي تنقلني الى عالم انساني صرف اشعر فيه بانني لا اكون انسانا الا بالآخرين ومع الاخرين.

وبهذا المعنى يمكن القول ايضا بان الاخوة الايمانية هي ضرب من الاشعاع البشري الذي ينتشر عبر العالم، لكي يغمر بنوره شتى الذوات الانسانية، وهنا لا يصبح هناك فارق بين اخيار واشرار، او بين حكماء وجهلاء، او بين ذوي الجمال واهل القبح، بل يصبح كل واحد من هؤلاء – في عين الحب – شخصية واقعية، او ذاتا حقيقية، وهكذا نجد (الانا) نفسها بازاء (الانت) مستقلة، منفصلة، قائمة بذاتها، فريدة في نوعها، فلا يسعها سوى ان تتلاقى معها وجها لوجه، وبازاء هذه لاتملك الانا سوى ان تعين، او ان تشفى او ان تنهض، او ان تنتشل، او ان تحرر، ولابد من ان تأتي (الانا) فتأخذ على عاتقها مسؤولية (الانت)، وفي هذا ينحصر التشابه – او التساوي بين المحبين اجمعين من اصغرهم الى اكبرهم [21]

الاخوة والاحساس بالكل

والاخوة الايمانية هي تلك التجربة الانسانية التي لايريد فيها المرء ان ينجو بمفرده، وهي عبارة (الاحساس بالكل)، وان الاشخاص الذين يجمع بينهم الحب لابد من ان يشعروا بانهم يكونون موجودا واحدا، والسيد المسيح عليه السلام حينما دعا الانسان ان يحب قريبه كنفسه، فانه لم يكن يقصد بهذا المبدأ ان يهب المرء قريبه نفس القدر من الحب، او ان يكون حبه لأخيه معادلا من حيث القوة لحبه لنفسه، وانما كان يعني ان ينسب المرء الى اخيه قدرا مساويا من الاحساس بالحياة، مادام الواحد منهما والاخر انما يستمدان الحياة من مصدر كلي واحد، والاخوة تسقط الحاجز الذي يفصل في العادة بين الذوات، وتزيل من نفس الانسان تلك الانانية التي تنأى به عن اشخاص غيره من الناس، وتشعره بان الهوة التي كانت تفصل بينه وبين الاخرين قد زالت تماما، ومعنى هذا هو جعل (الانا) تحس فجأة بانها قد اندمجت في (الانت)، وهو الذي يولد في نفس الفرد الشعور بانه قد اتحد مع الانسانية بأسره.

وهي شعور بالهوية الشاملة لجميع الموجودات، ولا بد لنا ان نفرق بين التعاطف والحب، فالشعور بالوحدة الكلية التي تجمع بين سائر الموجودات انما يضئ – عند التعاطف – في لحظة سريعة خاطفة، لكن لايلبث ان يتبدد وشيكا في ضباب الانانية، اما الحب على العكس من ذلك، فان الشعور بالوحدة الكلية انما يسطع كشعلة هادئة مستديمة تبعث في الحياة الحرارة والدفء، وعلى حين ان التعاطف وجدان سلبي يترتب على ادراك الحالات الوجدانية لغيرنا الشعور بالوحدة او الهوية، ومن هنا ايضا يتبين لنا ان الحب هو ضرب من الاتحاد او الهوية وان حب الانسان لأخيه الانسان انما هو مظهر للشعور بالوحدة الكلية التي تجمع بين كافة البشر، ولو كانت الوحدة الكلية التي تربط بين قلوب البشر – مجرد وهم من الاوهام، لكان الحب نفسه خيالا وهميا كاذبا، ولكن هذه الوحدة – لحسن الحظ – واقعة بينة تشهد بصحتها شتى الديانات والمذاهب الاخلاقية، وهي انتصار غريزي حقيقي على الانانية، وتأكيد للرابطة النوعية التي تجمع بين بني البشر، ولولا ذلك الحدس الموجود لدينا عن الهوية الشاملة التي توجد بيننا، لكن حب الانسان لأخيه الانسان نداء اجوف هيهات ان يتردد له اي صدى في قلب الموجود البشري [22]

وان الكثيرين يتوهمون ان الاخوة هي مجرد تعلق بالآخرين، لما يتمتعون به من قيم، لكن الحقيقة ان (الذات) التي تملك هذه الصفة او تلك ليست هي (الذات) التي تحبها، وقد نحب الشرير او المذنب او الخاطئ، لكننا لانحبه لشره او ذنبه او خطيئته، بل نحبه لانه (انسان) نتوجه اليه، ونثق فيه، ونعقد امالنا عليه! وبهذا المعنى، قد يكون في وسعنا ان نقول ان المحبة نداء، ورجاء، واعتقاد، وحتى حين نحب الاشرار والخطأة والمجرمين، فان محبتنا في هذه الحالة لابد من ان تتخذ صورة (نداء) نتوجه به الى هؤلاء الاشخاص، من حيث هم حريات تملك القدرة على الاستجابة لنداء ما، والعمل على تحقيق رسالة ما، وتبعا لذلك فان الحب ليس اعترافا بصفة موجودة من ذي قبل، بل هو فعل (يحدد الامل، ويمليه الاحساس) نضع فيه نصب اعيننا ما يمكن ان يستحيل اليه الاخر، لا ما هو عليه بالفعل، والمحبان لايحبان ما هما عليه من صميم الواقع، بل ما يأملان ان يستحيل اليه كل منهما عن طريق الاخر، والتبادل الذي ينطوي عليه الحب الاخوي انما يتجلى بصفة خاصة في كون كل فرد منا (سواء اكان محبا او محبوبا) هو في حاجة الى معونة الاخر حتى يحقق ذاته، وكما قال الشاعر:

الناس للناس من بدو ومن حضر

بعض لبعض وان لم يشعروا خدم

التكامل بالآخرين

وربما كانت اهم سمة من سمات الشخصية الانسانية هي انها لا تتحقق تحققا تاما الا مع غيرها من الشخصيات الاخرى، وهنا يتخذ الحب الاخوي طابعا ابداعيا، فتعمل كل ذات على رعاية الذات الاخرى، وتاخذ على عاتقها مسؤولية وجودها، ولكن المسؤولية التي نحن بصددها لا تتوقف عند الوجود الجسمي للآخر، بل هي تمتد الى نموه، فتهتم بترقي سائر قواه الانسانية، وهكذا نرى مرة اخرى – ان محبة الانسان لاخيه الانسان لا تعني مجرد تأمل (الانا) للآخر، او اعجابها به، او اندماجها فيه، بل هي تعني عمل الانا من اجل (الاخر)، ورعايتها له، واهتمامها به، واضطلاعها بمسؤوليته، ومساهمتها في عملية ترقيه، ولو شئنا الان ان نجعل الحديث في هذه العاطفة الانسانية التي اطلقنا عليها اسم (الاخوة الايمانية) ضمن البحث المقدم بعنوان: الاخوة الايمانية في كتاب تقريب القرآن الى الاذهان، ما بوسعنا الا ان نقول انها تجربة روحية يدرك عن طريقها الانسان ما بينه وبين الاخرين من روابط اجتماعية، فيحاول ان يحقق خلاصة مع الاخرين، وحين يتحقق الانسان من انه هيهات له ان يحقق نجاته بمفرده، فانه عندئذ قد لايتردد في القول مع ما قيل: (انه لايوجد حقا الا بقدر ما يوجد مع الاخرين وما الوجود في النهاية سوى الحب) واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

.......................................
الهوامش
[1] سورة الحجرات:- 10
[2] تقريب القرآن الى الاذهان: 5/205
[3] ينظر: معالم الحضارة القرآنية: 121
[4] سورة ال عمران: 103.
[5] تبيين القرآن: 74
[6] سورة الحجرات: 12
[7] تبيين القرآن: 530
[8] سورة التوبة: 5 – 11
[9] ينظر: تبيين القرآن: 199 – 200
[10] القبسات: 150
[11] المصدر نفسه: 151
[12] ينظر:- القبسات: 151
[13] المصدر نفسه: 152
[14] المصدر نفسه: 151
[15] المصدر نفسه: 152
[16] القبسات: 152
[17] المصدر نفسه: 152 – 153
[18] ينظر:- العلم النافع: 110 – 111 – 112
[19] عيون الحكم والمواعظ: 437
[20] غرر الحكم: 329
[21] ينظر: مشكلة الحب: 100.
[22] ينظر: مشكلة الحب: 101 – 102
.................................
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
1- تبيين القرآن: اية الله العظمى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، دار العلوم، لينان، طـ6، 1433 هـ - 2012 م.
2- تقريب القرآن الى الاذهان: اية الله العظمى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، دار العلوم، لبنان، طـ2، 1432 هـ - 2011 م
3- القبسات: اية الله العظمى الامام السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) مؤسسة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله والثقافة، طـ 1، 1434 م
4- العلم النافع سبيل النجاة: اية الله العظمى الامام السيد صادق الحسيني الشيرازي(دام ظله)، مؤسسة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم الثقافية، طـ2، 1429 هـ
5- عيون الحكم والمواعظ: للشيخ ابي الحسن علي بنت محمد الواسطي، دار الحديث، قم المقدسة، (د-ت).
6- غرر الحكم: الشيخ ابي الفتح عبد الواحد بن محمد بن عبدالواحد، مكتبة الاعلام الاسلامي، قم المقدسة، د.ت
7- مشكلة الحب، زكريا ابراهيم، دار مصر للطباعة، طـ31، د-ت
8- معالم الحضارة القرآنية: عقيل الحيدري، منشورات الاجتهاد، قم المقدسة، طـ1، 1429 هـ - 2008 م

اضف تعليق