q

التوفيق يشمل النجاح بكل ما يعنيه من أبعاد وصور، على الصعيدين المادي والمعنوي، وعكسه، الخذلان الناتج عن الفشل بكل ما ينطوي عليه من توابع ونتائج مادية ومعنوية، وهاتان المفردتان المتناقضتان قد يتّصف الإنسان بإحداهما عبر مسيرته الحياتية، وقد يحصل على النجاح او يتعرض للفشل مرارا وتكرارا، وبصورة متناوبة، بمعنى ربما يكون الإنسان ناجحا في مرحلة ما من حياته، وقد يتحول الى الفشل، وبالعكس نتيجة لظروف كثيرة، منها ذاتي يتسبب به الإنسان نفسه، وهناك عوامل خارجية تفرض عليه النجاح او الخذلان!.

من سجايا الإنسان المهمة، انه يطمح الى الأفضل، ويرغب بتحسين ظروفه وحياته بشكل عام، وهذا ديدن الناس جميعا، بل غالبا ما يتحول هذا الطموح الى نوع من التنافس بين الفرد وأقرانه، وهذا هو السبب الأساس الذي يقف وراء التطور البشري المتصاعد، بدءا برحلة الإنسان منذ نشوئه والى الآن.

وأمر بديهي القول بأن الإنسان الحاصل على التوفيق، سوف تكون الربحية نتيجة طبيعية له، فهو يستحق المال لأنه إنسان ناجح، ويصح العكس تماما، فالإنسان الفاشل سوف يتعرض للخسارة المادية وسواها، والخسارة تأتي نتيجة للخذلان، والأخير يحدث للإنسان عندما يفتقر لمقومات التوفيق.

قد ترتبط قضية التوفيق بعوامل خارجية كما سبق القول، ولكن دائما تكون الذات هي نقطة الانطلاق، فالتوفيق الذي يتدخل به الله تعالى، لا يمكن أن يتم منحه للإنسان الخامل الكسول، وعندما يقترن التوفيق بالإرادة الإلهية، فإن أسس التوفيق تبدأ من الإنسان أولا، بمعنى أن الإنسان نفسه يمتلك مقومات وعناصر التوفيق، بعدها تمتد له المساعدة الإلهية كونه يستحق ذلك.

على مستوى الربحية، هناك ارتباط وثيق بينها وبين التوفيق، والواقع ان هناك سلسلة مترابطة من الأسباب والنتائج تقود الإنسان الى التوفيق والربحية أو العكس، فعندما توجد في دخيلة الإنسان وأعماقه وإرادته عناصر التوفيق، مثل الاستقامة، والنزاهة، والإخلاص، والجدية، والصدق والإنسانية، وما شابه من قيم داعمة للجودة الأخلاقية والمادية، فمن البديهي أن يقطف التوفيق كنتيجة، يفرضها المنطق والرعاية الإلهية.

أما لماذا الربط بين التوفيق والرعاية الالهية، فإن استقامة الانسان، وتميزه، وتوازن شخصيته أصلا يتأتى بمساعدة الله للانسان، فعندما يكون الاخير متوازنا ايجابيا محبا للآخرين، هذا يعني انه يستحق الدعم الالهي ويحصل عليه بصيغة التوفيق، وعندما يحدث العكس، ويتعرض الانسان للخذلان والخسارة، فإنه حتما لا يمتلك مقومات الحصول على التوفيق، إذ هناك ترابط بين العقل والتوفيق، والانسان الناجح هو صاحب العقل الناجح والمتعلّم.

لهذا السبب نقرأ قولا للإمام علي عليه السلام في كتاب (تحف العقول) يقول فيه: (الْتَّوْفِيقُ مُمِدُّ الْعَقْلِ). ومن الظاهر أنّ المراد بـ «العقل» هنا العِلم، بقرينة المقابلة مع الجهل في الفقرة اللاحقة. عندما نقرأ في السياق نفسه قولا آخر للامام علي عليه السلام يقول: (الْخِذْلاَنُ مُمِدُّ الْجَهْلِ) .

لأن خِذلان الله عز وجل للعبد مُمدّ لجهل العبد. والمراد هو أنّ الحقّ تعالى يوفّق العالِم، وهذا ما يمدّ عِلمه في إيصاله إلى الخيرات والسعادات، ويكِل الجاهل إلى نفسه ولا يُعينه، فيكون ذلك ممدّاً لجهله في حرمانه من الخيرات والسعادات. هنا يكون التوفيق محصلة للعقل العالم، ويكون الخذلان نتيجة طبيعية للعقل الجاهل.

لذلك من أهم المؤهلات التي ينبغي أن تتواجد في شخصية الانسان الباحث والساعي الى الربحية، هو العلم، فالتاجر المتعلّم غير الجاهل، لأن الاول يعرف أن يضع خطوة النجاح في مكانها الآمن والصحيح، في حين أن التاجر الجاهل لا يفرّق بين المكان الصحيح والخاطئ، لهذا يلجأ أحيانا بعض أصحاب المشاريع التجارية والاقتصادية عموما الى (الاحتيال)، كما نلاحظ مثل في أعمال المتاجرة بالغذاء الفاسد، او المنتهية صلاحيته للاستهلاك البشري.

فهناك مثلا بعض التجار (المخذولين) يجدون في الخداع والحيلة طريقا لتحقيق الربحية، فيتاجرون بما لا ينفع الناس، وتكون النتيجة ليست في صالحهم، حتى لو لم يتم ضبطهم في هذه العملية لو تلك، لأن الذي يدخل في الحرام لا يستطيع الخروج منه دونما خسائر، كونه يستمرئ الحرام ويعتاد عليه، ويستمر في هذا المنهج التجاري الخاطئ حتى يسقط في الضربة القاضية!.

مثل هؤلاء لا يكتب الله تعالى التوفيق لهم، لأنهم أصلا غير قادرين على تحقيق النجاح بسبب غياب الأسس الصحيحة للتوفيق في نفوسهم وذواتهم، ومن لا يساعد نفسه، فإن الله لا يساعده ولا يعينه على التغيير نحو الأفضل طالما انه غير مستعد للتغيير الجيد، كما تنص الآية الكريمة (لا يغير الله من في قوم حتى يغيروا ما في أنفسهم).

وهكذا يتضح، أن التوفيق يبدأ بالإنسان أولا، وإرادته وعمله، وعندما يتحقق ذلك، فإن الله تعالى سوف يساعد الانسان على تثبيت التوفيق ومضاعفته، وتحويله الى نجاح ملموس، إذ سيصبح هذا السلوك منهج حياة يتمسك به الانسان، بعد أن يلمس ثمار التوفيق بنفسه.

هذه هي الربحية الحقيقية التي يحصل فيها الانسان على النجاح الدائم، وعكسه عندما يكون الخذلان ملازما له، نتيجة لعقله الجاهل، فشتان بين العقل العالِم وسواه، ولا ريب أن الارادة الإلهية تنتصر للعلم، وتخذل الجهل، وفي ضوء هاتين الركيزتين، يتحدد توفيق الانسان أو خذلانه.

اضف تعليق