q
العالم برمته يحتاج الى من يدعمه ويقف معه في حربه الشعواء مع الفيروس، فاليد الواحدة لا تصفق والعالم دون تكاتف وتراحم لا يمكن له التقدم خطوة واحدة للأمام، فالاتحاد يمكن الجميع من الضرب بالحديد وتقطيع اوصال الفيروس الذي كشف حقيقة بعض الأنظمة الاقتصادية والصحية القائمة في بلدان كانت...

فرض فيروس كورونا المستجد معادلته بين بني البشر في المجالات كافة حتى أصبحت الدول متكاتفة في مواجهة العدو القاتل، حيث أصبح الدعم الإنساني والطبي تقدمه الدول لبعضها البعض، فيما تعددت الدراسات والبحوث التي أجريت خلال العام المنصرم والتي تبحث جميعها بمسببات فيروس كورونا وكيفية علاجه بالطرق والأساليب الناجعة، وليس كثيرا ما تم علاجه من حالات الإصابة بالوباء، فالجائحة الجديدة عرّت النظام الصحي العالمي وبينت نقاط الضعف فيه.

الصراعات الجيوسياسية لم تستثني الحالات الإنسانية العامة، فهي من جعلت الصين تخفي الإصابات التي ظهرت بالفيروس بمدينة ووهان وانتشرت منها الى بقية الانحاء، وضاعت الفرصة للقضاء السريع عليه ومحاصرته بشكل تام.

إنسانيًّا، أدى الوباء حتى منتصف مارس/آذار إلى وفاة الآلاف من البشر. أغلب الوفيات سُجِّل في الصين؛ ولكن دولًا أخرى، مثل إيران وإيطاليا، تسجل هي الأخرى أعدادًا متزايدة من الوفيات كل يوم. ولأن بعض الدول لا تكترث بإجراء فحوصات على من أظهروا أعراضًا شبيهة بأعراض كورونا 19، فلابد أن أعداد الوفيات أكبر بكثير مما أُعلن حتى الآن.

اقتصاديًّا، تتزايد المؤشرات على أن الوباء يدفع الاقتصاد العالمي إلى ركود لا يقل فداحة، إن لم يزد، عن الركود الذي ولدته أزمة 2008 المالية-الاقتصادية.

وبحسب مركز الجزيرة للدراسات، يكشف الأول من هذه الدروس عن عدم جاهزية المجتمع الدولي ومنظماته المتخصصة للتعامل مع وباء قاتل وسريع التفشي، مثل كورونا المستجد. تفتقد منظمة الصحة العالمية، كما الأمم المتحدة، منظمتها الأم، المقدَّرات الكافية لتوفير المساعدات الضرروية والسريعة للدول غير القادرة على التعامل مع الوباء. كما أن المنظمة لا تملك سلطة الضغط على الدول للكشف عن مستوى انتشار الوباء فيها وكيفية مكافحته. ففي الوقت الذي كان الجميع يعرف أن الصينيين لا يقولون الحقيقة، كان الناطقون باسم المنظمة يشيدون فيها بالصين وجهودها. ولا تملك المنظمة كذلك السلطة على فرض التعاون بين الدول، ولا بين دوائر علماء الدول المختلفة، أو على تنسيق جهودها.

أما الدرس الثاني، فيتعلق بالموجة القومية الجديدة، التي أوصلت أنظمة حكم قصيرة النظر، تتبنى سياسات تكتسي بثوب المصالح الحصرية للأمم، إلى الحكم، كما في هنغاريا، وبولندا، والولايات المتحدة، وبريطانيا. حملت توجهات العولمة الجامحة، التي سيطرت على السياسة والاقتصاد العالميين منذ ثمانينات القرن الماضي، الكثير من الظلم لشعوب وفئات اجتماعية مختلفة، وهددت البيئة وسلامة الكوكب الذي يعيش عليه ومنه البشر. ليس في هذه المآخذ على عقود العولمة من شك ولكن ردَّ الأنظمة القومية الجديدة على تجاوزات العولمة بإقفال الحدود، والتمييز بين البشر، وفرض القيود العمياء على الحركة والتجارة، والانسحاب من أطر التعاون الدولي والإقليمي، مثَّل ويمثِّل خطرًا على المجتمع الإنساني برمَّته.

ثمة تطور في وسائل الاتصال والانتقال والحركة لا يمكن تجاهله، ولا علاقة مباشرة به بسياسات العولمة الاقتصادية. يضاعف هذا التطور من مخاطر الأوبئة والإضرار بالبيئة على الأمم والشعوب وعلى المجتمع الإنساني ككل؛ ولا يمكن مواجهة هذه المخاطر بدون تعاون وثيق بين الأمم والشعوب. ما أظهره وباء كورونا المستجد أن التهديد الجيوستراتيجي للوباء لا يقل عن التهديد العسكري؛ وإلا فكيف يمكن تحوُّل الصين، القوة الاقتصادية والتجارية الهائلة، إلى منبع لانتشار فيروس بالغ الخطر على كافة البشر، وتحول إيران إلى منبع لتفشي الوباء في كل محيطها، والدور الذي لعبته إيطاليا في انتقال المرض إلى دائرة جوارها الأوروبي.

بعد ذلك وضمن خطة شاملة لمواجهة فيروس كورونا قررت حكومات بعض الدول الاوربية تكثيف حملات التطعيم من بينها روسيا التي ضاعفت جهودها لوضع حد لانتشار الطفرات الجديدة من الفيروس، لاسيما وان التجارب اثبتت نجاعة اللقاحات المسجلة في تقليل حالات الإصابة.

بينما أطلق بعض رؤوساء الدول مبادرات لتفعيل الاتفاقات المتعلقة باستحصال اللقاح من بينها الأردن وفرنسا التي اكدت على تذليل الصعوبات امام الدول الراغبة بالحصول على اللقاح للخلاص من بطش الفيروس المتحور بعد تغيير قواعد اللعب مع الأشخاص وأصبح يصيب الأطفال كما الكبار فضلا عن بقية الأشخاص الذين يتمتعون بمناعة كبيرة.

يأمل الجميع بان تنجح التجارب المطورة للقاح باجتياز امتحان التحور ولا تبقى الأمور بين مد وجزر دون معرفة اين مستقرها الدائم وسط التنافس الدولي المتسارع يوما بعد يوم، فالدول جميعها تريد ان تتخلص من الهجمة الأخيرة الشرسة والتي أدخلت العالم بمنعطف جديد لم يعرف متى الخروج منه.

جهود حثيثة روسية انتهت بثبات فاعلية اللقاح الذي توصلت اليه روسيا، دون الحاجة للعودة الى المربع الأول والتشكيك به من قبل أطراف تقف على الجانب الآخر من طرفي النزاع الروسي الأوربي القائم، بينما الوقت الحالي العالم بحاجة الى الوقوف صفا واحدا لمواجهة خطورة الفيروس وشن حربا عالمية ثالثة بنفس الائتلاف ولكن بأهداف مغايرة.

المجتمع الأوربي دخل رهان جديد وأصبح يمر بأزمة كبيرة، هذه الازمة كان سبب تفاقمها هو انسحاب بريطانيا من العباءة الاوربية، لاسيما وأنها اول الدول توصلت للقاح ضد الفيروس، هذا الخروج شكل تحديا جديدا وضغطا غير طبيعي على دول الاتحاد وبالنتيجة تأجج الموقف وازدادت الصرعات حدة.

يقابل ذلك حاجة كبيرة للقاح مع محدودية في الإنتاج، وهنا أضحت الدول الاوربية تبحث عن البديل الذي يعوض هذا النقص الحاصل، ما دفع ببعضها الى تليين صفحتها وركن الخلافات جانبا خدمة للمصلحة الإنسانية، وعدم عرقلة المباحثات والتفاهمات حول الحلول المقترحة والجاري العمل على تفعيلها.

من يراقب عمل منظمة الصحة العالمية يلحظ انها تعمل بازدواجية واضحة، فتارة تعتمد لقاح فايزر وهي تعترف بضعفه مقارنة باللقاح الروسي (سبوتنيك v)، وتارة أخرى تعطي الضوء الأخضر الى الجانب الروسي لتصدير اللقاح حول العالم، وبالطبع هذا التعامل المتذبذب مع الاكتشافين يدعم الخلافات القائمة وينذر بشيء من عدم التفاهم في المستقبل القريب.

ولم توضح المنظمة المعايير التي على أساسها تجري المفاضلة بين اللقاحين، فالأمر يخضع بدرجة كبيرة الى المزاجية الدولية او لإرادة الدول الكبرى التي تحتل جغرافية واسعة على الخارطة العالمية، اذ تخضع المسألة الى التباينات الموجودة بين الدول المتصدية لمسألة اللقاح وإيقاف الفيروس من التمدد أكثر مما هو عليه الآن.

العالم برمته يحتاج الى من يدعمه ويقف معه في حربه الشعواء مع الفيروس، فاليد الواحدة لا تصفق والعالم دون تكاتف وتراحم لا يمكن له التقدم خطوة واحدة للأمام، فالاتحاد يمكن الجميع من الضرب بالحديد وتقطيع اوصال الفيروس الذي كشف حقيقة بعض الأنظمة الاقتصادية والصحية القائمة في بلدان كانت تعد في مقدمة دول العالم من جميع الجوانب.

ما يتعلق بالعرب وموقفهم بالمعادلة العلاجية، فلا ضامن بان يحصلوا على توزيع عادل من اللقاح المنتج وتبقى الأفضلية لأصحاب العلاقات الطيبة مع الدول المنتجة للقاح، ما يعني ان التوزيع لا أساس الحاجة بل على أساس الولاء.

في بداية الجائحة كانت الدول تتعامل مع الفيروس كل حسب اساليبها وسياستها الخاصة، هذه السياسية لم تجدي نفعا كون أجزاء العالم مرتبط بأجزائه المختلفة، ما يحتم على المجتمع الدولي التعامل وكأنه جسم واحد للقضاء على الفيروس وتحقيق الانتصار عليه.

الاوربيون قادرون على تخطي الازمة الحالية ويستطيعون أيضا من العبور نحو الشاطئ الامين، لكن يبقى ذلك متوقف على حجم التفاهم وخلق قنوات للتواصل فيما بين الجميع، وبذلك يتحقق قدرا كبيرا من المرونة في التعامل، وإمكانية السيطرة عليه ومنعه من التمدد ليطال رقعة واسعة من البشرية بمختلف شرائحها.

لم يتوحد العالم من قبل مثلما تقارب في عامي 2019 و2020 وعامنا الحالي 2021. لن نجد شعاراً أفضل من الكمامة يجمع بين القارات الخمس ويوحّد بين أكثر من خمسة آلاف لغة متداولة.

اضف تعليق