q

عبر استبيان طرحته مجلة BBC History على عدد من البريطانيين باختيار التاريخ الأنسب (لليوم البريطاني) المقترح، حصل تاريخ الخامس عشر من حزيران على أعلى تصويت (وهو تاريخ الماغنا كارتا الأصلية لعام ١٢١٥م) من بين كل الاقتراحات الأخرى.

وقد احتفلت بريطانيا، قبل ايام بالذكرى الـ 800 لصدور وثيقة (الماغنا كارتا) التي تعد من أهم الوثائق في العالم وأشهرها، وهي أسّست للديموقراطيات الحديثة في المملكة المتحدة وعدد من دول العالم.

وقد نصت الماغنا كارتا على حق المواطنين في المحاكمات العادلة وخفض الضرائب عن الذين ليس لهم تمثيل في البرلمان. وكانت الوثيقة ملهمة لعدد من الوثائق منها الدستور الأميركي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وفي اشارة لافتة ربما يغمز فيها من قناة الثورة الفرنسية، قال فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني: (الماغنا كارتا رمز للديموقراطية البريطانية الممتدة جذورها عميقا في تاريخنا: حكاية تغيير لا ثورة؛ حكاية التبني الصبور للمبادئ والمؤسسات التي تدعم المجتمعات الناجحة).

اضافة الى تلك الوثيقة واهميتها في التطور الديمقراطي لبريطانيا وبقية الدول الاوربية التي تأثرت بها، هناك ايضا ملتمس الحقوق الصادر في العام 1628 في بريطانيا ايضا، والتي الهمت امريكا والاباء المؤسسين في (وثيقة استقلال الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1776، ووثيقة الحقوق لعام 1791)، أما أهم وثائق حقوق الإنسان الفرنسية القديمة التي استلهمت من تلك الوثيقة فهي : إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789.

الملاحظة الفارقة على تلك الوثائق، هو انها لم تظهر في اوقات من الاستقرار السياسي لتلك البلدان، بل ظهرت في اوقات اضطرابات اقتصادية واجتماعية واقتتال اهلي، الا ان العبرة منها باقية، فقد تعلمت تلك الشعوب الدرس جيدا، وهو ان العنف لا يمكنه ان يكون وسيلة حل للنزاعات بين المتخاصمين، بل يجب اللجوء الى التفاوض والى اللاعنف لحل تلك النزاعات وتحقيق السلم المجتمعي.

تسمية (ماجنا كارتا) من اللغة اللاتينية، وتعني (العهد الأعظم)، وهي كانت عبارة عن اتفاق مثّل إحدى المحاولات الهادفة إلى تحديد سلطة الملك وحقوق الشعب، النص الذي تتكون منه الوثيقة يتكون من نحو 4 ألاف كلمة.

في بداية صدور تلك الوثيقة، وبحكم الصراعات المستمرة بين الملك والنبلاء، فإنها لم تكفل الحريات الفرديّة لجميع أفراد الشعب، يذكر المؤرخ البريطاني البارز ديفيد ستاركي في هذا الصدد إن الوثيقة لم تنفذ بنودها حقا إلا في قرون لاحقة لسبب أساسي وهو أن ملوك بريطانيا منذ القرون الوسطى وحتى القرن الـ18 حاولوا تجنبها وعدم التعامل معها بقدر المستطاع.

ما بين سنة صدور الوثيقة وحتى القرن الخامس عشر كانت الماجنا كارتا قد صنعت تاريخاً من إعادة تصديقها مراراً، بلغت 35 مرة وفقاً لما نقله السير إدوارد كوك ولكن يحتمل أن تصل إلى 45 مرة.

في القرون اللاحقة، أضحت الوثيقة نموذجًا يحتذى بالنسبة لأولئك الذين طالبوا بإقامة حكومات ديمقراطية وكفالة الحقوق الأساسية لكل مواطن. أما في الوقت الذي صدرت فيه، فكانت أهميتها الكبرى في إخضاع الملك لحكم القانون، ومقاومة السلطة المطلقة. ‎

وهو ايضا درس اخر لكل الشعوب التواقة الى الحرية والعدالة والمساواة وخاصة الشعوب العربية، ان تعمل على خلق حالة من التراكم فيما تقوم بتأسيسه وان لا تنتكس الى حالة الاستبداد التي تثور عليها كما حدث في الكثير من الانتفاضات العربية، حيث اعاد المنتفضون انتاج نفس الاليات والانظمة الحاكمة رغم تغير اشكالها او اسماءها.

اضف تعليق