q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الجلسات العلمية الرمضانية لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الليلة الأولى ـ شهر رمضان المبارك1436للهجرة

تقرير: الشيخ علي الفدائي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

نية يوم الشك

بحث الفقهاء ومنهم صاحب العروة (رحمه الله) فيما يرتبط بيوم الشك وصور نية الصوم فيه، أنه هل يجوز أن ينوي ما في الذمة، وأنه إن كان رمضاناً فرمضان وإن كان شعباناً فشعبان؟

لا يخفى أن النصوص دلت على المنع من صومه بنية شهر رمضان (1)، وأفتى بذلك الفقهاء وحكموا ببطلان صومه وإن تبين أنه رمضان.

لكن هل يصح أن ينوي المكلف الصوم بما في ذمته قربةً إلى الله تعالى، فيصومه على أنه إن كان شعباناً فهو ندب أو قضاء مثلاً، وإن كان رمضاناً فهو واجب، فصومه مأمور به وقد تعلق به الأمر إما على نحو الإلزام والاقتضاء، أو على نحو اللا إلزام واللا اقتضاء.

يقول صاحب العروة (رحمه الله): الأقوى بطلانه (2)، وتبعه جماعة.

وفي المقابل تأمل جماعة في البطلان، بل أفتى بعضهم بالصحة حيث قال: الأقوى الصحة، أو لا تبعد الصحة (3).

نعم أجاز صاحب العروة صورة أخرى ذكرها بعدها هي خارجة عن بحثنا(4).

(الرأي المختار)

والذي يبدو لنا تبعاً لجمع من الفقهاء: صحة صوم يوم الشك بمثل هذه النية أي ما في الذمة، وجوباً إن كان الشهر وندباً إن لم يكن، فهو من الشك في (المنوي) والترديد فيه وليس شكاً في (أصل النية).

فالنية حينئذ تتأتى من المكلف منجزاً بلا تعليق ولا تردد فيها، وإن تردد فيما نواه.

والعمدة في ذلك ما يستظهر من النصوص الدالة على عدم صوم يوم الشك بينة رمضان، وأنه إذا صامه كذلك بطل صومه وإن صادف الواقع.

فهل يستظهر منها خصوص نية الشهر على نحو التعيين، أم يشمل نية الشهر على نحو الترديد في المنوي أيضاً؟

يبدو أن الرواية منصرفة عن الترديد في المنوي، فلا بأس بصومه كذلك.

ولا أقل من الشك في الظهور، والأصل عدم الظهور عند الشك في أصله على ما بين في الأصول.

بعبارة أخرى: إذا قلنا بانصراف المنع في الرواية عن نية الشهر المردد في متعلقها فالصوم صحيح، إذ لم ينو الشهر بخصوصه، وإن لم نقل بالانصراف فلا أقل من الشك في إطلاق الرواية لتشمل ما نحن فيه، وهذا شك في أصل الإطلاق وانعقاده، لا في شموله وعدم تقييده، فإذا شك في مقدمات الحكمة فالأصل عدم تماميتها فلا دلالة فيها على الإطلاق كما هو واضح.

والحاصل: إذا شككنا في أصل الظهور فالأصل عدمه، نعم إذا كان الشك في المراد بعد إحراز الظهور فالأصل الظهور، لأنه الحجة والمنجز والمعذر بعد تمامية موضوعه.

من هنا قال جمع من الفقهاء بصحة الصوم في يوم الشك بنية ما في الذمة بمعنى إن كان رمضاناً فرمضان وإن كان غيره فندب أو ما أشبه كالقضاء والاستيجار، ويبدو أن كلامهم أقرب إلى الصحة.

يقول آغا ضياء العراقي (رحمه الله) في حاشيته: (في البطلان نظر للشك في اندراجه في دليل بطلان الصوم بقصد الرمضانية في يوم الشك) (5 ).

(إشكال الاستصحاب)

ثم أشكل أحد الفضلاء من الحاضرين بأن الاستصحاب لا يدع مجالاً للشك، فلابد أن ينوي يوم الشك آخر شعبان لا غير، لحجية الاستصحاب فيه، فكيف ينوي ما في الذمة وإن كان التردد في منويه مع حكم الشارع بلزوم الأخذ بالاستصحاب.

فأجاب سماحته (دام ظله) بجوابين:

نقضاً: بالخطأ في التطبيق، حيث زعم المكلف أنه من الشهر فنوى رمضاناً أو زعم أنه شعبان فنواه، ثم تبين الخطأ وأنه رمضان أو شعبان على نحو اللف والنشر غير المرتب، فكيف لا يضر ذلك بصومه مع أنه لم ينوه، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، مع ذلك أفتى الفقهاء بصحة صومه مع قيام الحجة عليه. ولكن ما نحن فيه ينوي الشهر وإن كان على نحو التردد في النية، فتأمل.

هذا من جانب، ومن جانب آخر يمكن النقض بما لو نوى الظهرين بما في ذمته فصلاهما كذلك، فهل يقول أحد ببطلانهما من هذا الحيث. نعم قد يشترط البعض نية الوجه وما أشبه وإن لم نشترطه ولكنه خارج عن البحث.

وحلاً: بأن الاستصحاب في بعض موارده ليس عزيمة بل هو رخصة، من هنا يمكنه نية ما في الذمة وإن كان الاستصحاب يقول بأنه آخر شعبان.

والسر فيه أن الاستصحاب ليس علماً بل هو علمي، فلا يلغي احتمال الخلاف واقعاً، بل تعبداً، وحينئذ لا يضره الترديد في المنوي.

ومثاله إذا أراد الاحتياط في مورد الاستصحاب فهو جائز في الجملة، وربما قال بعض الفقهاء بأنه حسن أو أحسن، فإذا استصحب وضوءه بعد أن شك في الحدث، فهل يقول أحد ببطلان وضوئه المجدد احتياطاً.

وإذا استصحب ملكية الشيء لنفسه دون صاحبه، فهل يقول أحد بعدم جواز أن يعطيه الشيء احتياطاً؟

إذن الترديد في المنوي لا يضر، ومن هنا نرى الصحة في المسألة التي ذكرها صاحب العروة (رضوان الله عليه) حيث قال بالبطلان في صوم يوم الشك بنية ما في الذمة، إن رمضاناً فرمضان، وإن شعباناً فشعبان.

ويراد بما في الذمة ـ على ما سبق ـ ما ثبت فيها بالمعنى الأعم دون خصوص الوجوب أو الندب كما هو واضح.

وكأن السيد (رحمه الله) رأى إطلاق الدليل المانع من الصوم يوم الشك بنية رمضان، بما يشمل النية المعينة والنية المرددة في منويها.

والله العالم.

إذا أفتى الفقيه بثبوت الهلال

ومن الفروع التي ينبغي البحث فيها: ما يرتبط بثبوت الهلال، وأنه خاضع للتقليد أم لا في بعض صوره، فهل يختلف الأمر فيمن يحصل له الاطيمنان من ثبوته عند الفقيه، كعموم المقلدين عادة، ومن لا يحصل له، كبعض الأفاضل من الطلبة إذا شك وإن ثبت عند الفقيه.

نقول: إذا أفتى الفقيه بثبوت هلال شهر رمضان عنده، فإن اطمأن الشخص بذلك فلا بحث، كما هو كذلك عادة عند عموم المكلفين من الناس اعتماداً على مرجع تقليدهم حيث يحصل لهم الاطمينان بقوله.

لكن الكلام بالنسبة إلى الطلبة الفضلاء إذا أفتى الفقيه بالثبوت ولم يحصل لهم الاطمينان بكلامه، فهل يمكنه أن يصوم بنية شهر رمضان، أم يكون يوم شك بالنسبة إليه؟

ولا يخفى أن صورة المسألة فيما أخبر الفقيه بثبوت الهلال، أو أفتى به إن صح التعبير(6)، وليس ما إذا حكم الفقيه بالهلال بناءً على أن حكمه نافذ في مثله.

أو فيما حكم ولكن قلنا بعدم نفوذ حكمه على غيره أو غير مقلديه في مثل الهلال الذي هو من الموضوعات.

فإن البعض يرى أن الفقيه إذا حكم بالهلال فلابد من اتباعه، ولكن المسألة فيها خلاف، يقول البعض ليس للفقيه أن يحكم في مثل الهلال حتى على غير مقلديه، أو أنه ليس بحجة عليهم، فإن الحكم النافذ خاص بباب القضاء وفصل الخصومات وما أشبه، أي حكم القاضي بما هو قاض نافذ حتى على غير مقلده ممن راجعه، وليس حكم الفقيه بما هو فقيه على غير من يقلده.

من هنا يرى بعض الفقهاء بأن حكم الفقيه في مثل الهلال غير ملزم لعموم الناس.

هذا في حكم الحكم وأنه يجب اتباعه أم لا بعد تمامية موضوعه فرضاً.

أما موضوع الحكم، فمتى يكون الفقيه قد حكم، وكيف يتحقق موضوع حكم الفقيه، قال بعض الفقهاء: إنه إذا أفتى فقد حكم، وهكذا في مثل موضوع الهلال إذا قال ثبت عندي فهو حكم، ولا يشترط في الحكم أن يصرح بأنه قد حكم، وكان المرحوم الأخ (أعلى الله درجاته) يرى ذلك، أما المرحوم السيد الوالد (قدس سره الشريف) فلم يكن يراه.

على أي، نأتي إلى صورة المسألة التي نحن فيها ونقول:

بناءً على أن (ثبت عندي) ليس بمعنى (حكمت)، أو أن حكم الحاكم في مثل هذه الموضوعات لا حجية فيه على الآخرين، فإذا لم يطمئن الطالب الفاضل من كلام المرجع بثبوت الهلال فما حكمه، هل يجوز له أن يصوم اليوم بنية شهر رمضان؟

الظاهر أنه في حقه يكون يوم الشك ولا يجوز له ذلك.

(فرع):

ومن المسائل المتفرعة على هذا الأصل، ما ذكره الفقهاء من الاطمينان الحاصل بكلام الطبيب وعدمه.

فإذا كان الشخص مريضاً ولكن شك في أن مرضه هل موجب للإفطار على نحو الإلزام أو الرخصة، أو لم يوجبه فلا يجوز الإفطار، بأن لم يكن مرضه ضرراً عليه أو لم يخف الضرر.

فإذا راجع طبيباً ثقة، وقلنا (ثقة) لاشتراط الأمرين: الخبروية والوثاقة فيه، فقال: الصوم يضرك ضرراً بالغاً، ولكن المكلف لم يطمئن بكلامه ولم يحصل له الخوف من ذلك، فما حكمه، أيصوم أم لا؟

وكذا العكس، فإذا قال الطبيب: لا يضرك الصوم، ولكن الشخص حصل له الخوف واحتمل الضرر الكثير، لاحتماله خطأ الطيبب في تشخيص المرض.

صاحب العروة يقول: الملاك المكلف نفسه في تشخيص الموضوع.

وهذه المسألة شبيهة بما ذكرناه من عدم حجية ثبوت الهلال عند الفقيه، على من لم يطمئن بذلك من قوله أو حكمه.

(صم للرؤية)

هنا أشكل أحد الفضلاء وقال: الرؤية في الرواية (صم للرؤية) على قسمين، الرؤية الوجدانية والرؤية الحكمية، وحكم الحاكم رؤية حكمية أي تعبدية، فلابد من الصوم بنية رمضان، ولا يكون له يوم الشك حينئذ.

فأجاب سماحته: صم للرؤية بمعنى الرؤية الحسية، أما حكم الحاكم فلا يحقق موضوع الرؤية، نعم في مثل (البيّنة) جعلها الشارع بدليل خارجي بمنزلة العلم الوجداني، فإذا كانت هناك بينة على الهلال بشروطها كفى، فمفاد البينة أن الرؤية الوجدانية حينئذ ليست بشرط، لا أن البينة تجعل ما لم يره رؤيةً كما هو واضح.

فمجرد ثبوت الهلال عند الفقيه إذا لم يوجب الاطمينان للشخص، لا تكون رؤية في حقه، ولا يكون ملزماً بما ثبت عند الفقيه، فيبقى اليوم يوم الشك مع شكه، فإنه موضوع لا تقليد فيه، لأن التقليد في الأحكام أو الموضوعات المستنبطة في الجملة، وثبوت الهلال ليس أحدهما.

(هل الاستصحاب يُلزم نية شعبان)

ثم رجع أحد الفضلاء على إشكال الاستصحاب قائلاً: إنه يلزم على المكلف إن أراد صوم يوم الشك نية شعبان دون رمضان، ولا يجوز له الترديد حتى في المنوي.

فأجاب سماحته أن العمل بالاستصحاب رخصة في موارد إمكان الاحتياط كما أشرنا، وليس عزيمة.

فالشيخ الأنصاري (رحمه الله) يقول في باب الاحتياط: الاحتياط مورده محفوظ حتى مع وجود الأمارة المعتبرة، نعم لا مورد له مع العلم الوجداني بخلافه.

وكلامه تام.

لأن مرتبة الاحتياط محفوظة حتى مع الأمارات الأقوى من الاستصحاب، فكيف بالاستصحاب وهي بناءً على كونها أمارة أضعفها.

فالشيخ يرى أفضلية الاحتياط أو حسنه حتى مع وجود الأمارات المعتبرة ما لم تصل إلى حد العلم.

(الوسوسة واحتمالها)

وهنا أشار سماحته (دام ظله) إلى فذلكة دقيقة قال:

وقد بينا في مبحث الاحتياط أنه ينبغي تقييد كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) بما لا يسمى وسوسة أو لا يسببها، لما ورد من النهي عنها بل عن احتمالها.

يقول صاحب الجواهر (رحمه الله): احتمال الوسوسة أيضاً لا يجوز، وذلك لأن الشارع نهى وردع عنها، ولأهمية تركها.

وفي الروايات: (أي عقل له وهو يطيع الشيطان), (7)

فالنهي ورد عن مطلق الوسوسة حتى إذا كان فيه درك الواقع، من هنا قيدنا حسن الاحتياط الذي ذكره الشيخ الأعظم (رحمه الله) بما ذكر.

هنا أشكل بعض الفضلاء وقال: كيف تحكمون بطلان التكرار الوسوسي، مع أن الوسواسي لورعه يكرر العمل أو القراءة أو ما أشبه، وقوله عليه السلام: (أي عقل له) لا يدل على البطلان.

فأجاب سماحته، لم نستدل بـ (أي عقل له)، بل بقوله (عليه السلام): (وهو يطيع الشيطان)، فإن إطاعة الشيطان منهي عنها فإذا كانت في العبادة فالنهي فيها يوجب الفساد.

نعم نرى أن الوسوسة توجب بطلان ما وسوس فيها وليس بطلان أصل الصلاة، فإذا وسوس في تكرار كلمة فهذه الكلمة باطلة لا كل الصلاة.

ثم ذكر سماحته (دام ظله) نماذج من الوسوسة وقال:

كان أحدهم مبتلى بالوسوسة في أداء الخمس، فكان بعد الحساب والأداء يشك في بعض ما خمّسه فيأتي ليخمس ثانياً وثالثاً وهكذا، وكنت أشك في جواز أخذ المبلغ منه.

ورأيت شخصاً مبتلى بالوسوسة في وضوئه فكان يغمس يده في الماء أكثر من سبعين مرة، وبمختلف الأشكال الهندسية.

وكان يقول المرحوم الوالد (رضوان الله عليه): إنه رأى وسواسياً في نية الصوم كان يدخل غرفته قبل الفجر بنصف ساعة ويقفل الباب على نفسه لينوي الصوم.

نعم بما أن النية خارجة عن الصوم فلا يفسد بالوسوسة فيها، وكلامنا في الوسوسة بما هو داخل في العبادة حيث يشمله قاعدة النهي في العبادة.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

.......................................

(1) انظر وسائل الشيعة: ج10 ص25 ب6 باب عدم جواز صوم يوم الشك بنية الفرض، فإن فعل وبان من شهر رمضان وجب قضاؤه.
(2) العروة ج2 ص174 المسألة 17، قال في صور صوم يوم الشك: (الثالث: أن يصومه على أنه إن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً مثلا وإن كان من رمضان كان واجباً، والأقوى بطلانه أيضاً).
(3) قال الأصفهاني والخونساري والحكيم (قدس سرهم) هنا تعليقاً: (فيه تأمل)، وقال العراقي: (في البطلان نظر) راجع العروة الوثقى (المحشى): ج3 ص536 ـ 537. ط جامعة المدرسين عام 1419هـ.
(4) العروة الوثقى: ج2 ص174 المسألة 17: (الرابع: أن يصومه بنية القربة المطلقة بقصد ما في الذمة وكان في ذهنه أنه إما من رمضان أو غيره بأن يكون الترديد في المنوي لا في نيته فالأقوى صحته وإن كان الأحوط خلافه).
(5) العروة الوثقى (المحشى): ج3 ص536 ـ 537. ط جامعة المدرسين عام 1419 هـ.
(6) وجه التعبير بالفتوى باعتبار ما يلزم ثبوت الهلال من وجوب الصوم وحرمة الإفطار وما أشبه.
(7) الكافي: ج1 ص12 ح10.

 

اضف تعليق