q
الاتصال الزماني والانفصال الزماني هما وهمان اصطناعيان لا وجود حقيقة ادراكية يقبلهما العقل العلمي تسنده. وكما المحنا له في سطور سابقة فالزمان الكوني والزمان الارضي هما وحدة كلية نوعية من التجانس الماهوي والصفاتي واحدة لزمان واحد يلتقي بالماهية والصفات كجوهر ويختلف بالدلالة بغيره من مدركات...

بدءا أقر بأن عنونة المقال بين الاتصال والانفصال في الزمان خاطئة من وجهة نظر فلسفية وكوزمولوجية علمية اناقشها في اسطر لاحقة باعتبارها مجازا في التعبير اللغوي ولا تعبر عن حقيقة فيزيائية وسلامة تطبيقية زمانية يقبلها علم الكوزمولوجيا، علما أن المقولة مأخوذة عن ارسطو نقلا عن المفكر عبد الرحمن بدوي فلسفيا.

فالزمان مفهوم تجريدي شامل لا يتقبّل أن يكون موضوعا لإدراك عقلي لا بالماهية ولا بالصفات وأنما يكون أدراكه بالدلالة الادراكية المرصودة لحركة الاجسام والاشياء وتكوينات الطبيعة المتعالقة بالزمان أدراكا تجريديا، لذا من المتعذر رصدنا الانفصال أو الاتصال داخل الزمان لأنهما ليستا خاصيتان له، فالزمان مفهوم واحد متجانس الصفات والماهية، وكلتاهما غير مدركتان بالانفصال عن بعضهما بل هما استدلال يمكن ادراكه الحدسي بدلالة الزمان كمفهوم ميتافيزيقي.

فالزمان ماهية وصفات لا تتجانس الا مع ذاتها لعدم وجود ما يتجانس معها لا بالاتصال بها ولا بالانفصال عنها، الزمان جوهر نوعي موحد قائم بذاته يدرك بدلالة حركة الاجسام بداخله، ثم أن الزمان وحدة كليّانية واحدة غير مدركة كمفهوم وماهية وصفات لا يقبل الانقسام والتجزئة ولا يتقبل الاتصال بغيره من ماهيات غير مجانسة له زمانيا غير موجودة حيث لا يوجد فرق ماهوي ولا صفاتي لشيء في الزمان ذاته لا تحتويه الكليانية الماهوية والصفاتية للزمان كجسم غريب عنها بالماهية قريب منها بالادراك الزماني له.

وليس هناك صفات لا تجانسه من غير مجانسة الزمان لذاته كجوهر غير مدرك عقليا الا بدلالة غيره. بمعنى الزمان هو في حالة أبدية سرمدية ازلية من وجود ملازمة الاتصال الذي لا ينفصل ولا يتجزأ بالمزامنة له الذي يرفض القطع أو الانقسام لذا فمقولة الاتصال والانفصال الزمانيين لا معنى لها من الناحية الفيزيائية العلمية كوزمولوجيا. بضوء حقيقة الزمان هي وحدة اتصال كليّانية قائمة بذاتها مكتفية تجانسيا لا تقبّل اتصالا كيفيا(نوعيا) بغيرها وفي عبارة أرسطو تاكيد لذلك قوله (لا يحد الزمان بالزمان) وهي عبارة عميقة المعنى في التعبير عن الوحدة الكليانية المفهومية للزمان.

الزمان مفهوم سرمدي وجودي ازلي مطلق لا يخضع للتجزئة ولا الانقسام، كما هو وحدة كلية نوعية واحدة قائمة بذاتها بخصائصها الماهوية وخصائصها المتعالقة تاثيرا بالاشياء، لذا الماهية النوعية للزمان لا تتقبل الاتصال بغيرها المخالف لها بالصفات الماهوية كنوع، كما لا يتقبّل الزمان الانقسام على نفسه ولا الانقسام بمؤثر خارجي طاريء عليه. فالاستدلال بالزمان لا يمكن بغير الاستدلال به نفسه المتجانس به كزمان كلي مطلق، وهو ما يؤكد الزمان جوهرا واحدا لا يقبل القسمة على نفسه ولا يتقبل التجزيئ بدلالته أو بدلالة غيره. والزمان في ملازمته ادراك الاشياء لا يتغير لا بالماهية ولا بالصفات لانهما صفتان تدركان بدلالة موجودات مقدار حركة الاجسام داخل الزمان ولا تفهمان بدلالة الزمان ذاته، فالانسان لا يدرك كلية الزمان كي يحاول معرفة صفاته او ادراك ماهيته بدلالته هو لا بدلالة الاجسام المتحركة فيه.

فهو وسيلة لادراكات العقل لكنه ليس موضوعا له ولا يتخارج جدليا مع حركة الاجسام داخله. لذا الزمان دلالة ادراكية تزامن الموجودات ولا تتأثر بها بل يبقى ما يدرك من حركة الاجسام داخل الزمان منفصلا تماما عن تعذر الادراك العقلي للزمان منفردا ماهويا بذاته.

أما الانقسام الزماني الوهمي خارج وحدة الزمان النوعية الذي نعيشه في التحقيب الارضي بقطوعات الزمان الموزعة بين ماض وحاضر ومستقبل أنما هو في حقيقته تقسيم زماني وهمي لا حقيقة صلبة ثابتة يقوم عليها الادراك لهذا التقسيم الذي هو التسمية الصحيحة له هو التحقيب الزماني الارضي وليس التقسيم الزماني، فالزمان لا يقبل التقسيم كما ذكرنا لكنما يتقّبل التحقيب الارضي بدلالة غيره التي هي حركة الارض وكواكب المجموعة الشمسية وما ينتج عنه من تغييرات مناخية بيئية.

ولكي نفهم الفرق بين التقسيم والتحقيب زمانيا أنما يكون في معرفتنا المسبقة التمييز بين الزمان الكوني المطلق الازلي، وبين الزمان الارضي المحدود في تحقيبه الزمان تاريخيا الى ماض وحاضر ومستقبل ليس بدلالة الزمن ولكن بدلالة حركة الارض حول نفسها وحول الشمس وحركة القمر والكواكب الاخرى في المجموعة الشمسية حصرا فقط وما يتعدى زمان المجموعة الشمسية يكون زمانا في حكم مطلق الزمان الكوني اللامحدود اللانهائي السرمدي الذي لا يمكنه قبول التحقيب زمانيا كما هو الحال في الزمان الارضي.

ومطلق الزمان ليس هو كمثل محدودية زمان الارض تحقيبا، ومطلق الزمان لا يقبل التحقيب التقسيمي على أي شكل ونوع ويحتفظ بخصائصه الكليّانية الذاتية المتفردة كمفهوم ازلي مطلق سرمدي لا بداية ولا نهاية له، لا يدركه العقل موضوعا ولا الزمان يدرك الانسان موضوعا له.. ولا يوجد زمان تغايره المجانسة الواحدة النوعية معه ويسمى زمانا آخر. بمعنى لا يوجد على الارض وفي الكون اللانهائي غير زمن واحد فقط بماهية وصفات نوعية واحدة.

الزمان وهم التقسيم وحقيقة التحقيب

الاتصال الزماني والانفصال الزماني هما وهمان أصطناعيان لا وجود حقيقة ادراكية يقبلهما العقل العلمي تسنده. وكما المحنا له في سطور سابقة فالزمان الكوني والزمان الارضي هما وحدة كلية نوعية من التجانس الماهوي والصفاتي واحدة لزمان واحد يلتقي بالماهية والصفات كجوهر ويختلف بالدلالة بغيره من مدركات مقدار حركة الاجسام داخله، لذا يكون كل اتصال زماني بدلالة أخرى غير الزمان ذاته لا تكون صحيحة وكذا نفس الحال في عملية الانفصال، فمن المحال أن نجد زمانين منفصلين عن بعضهما لا يمتلكان نفس الماهية والصفات الزمانية النوعية الفيزيائية الواحدة...فالزمان وحدة كلية متجانسة في الادراك كزمان واحد فقط ولا يوجد زمانين مختلفين لا على الارض ولا على المستوى الكوني من حيث وحدة الماهية والصفات غير الادراكية للزمان.. وهنا يتوجب علينا التفريق بين مصطلحين كلاهما باطل مجازيا لغويا ومصطلحا غير متفق عليه، هما الفرق بين التقسيم والانفصال على مستوى أزلية مطلق الزمان اللامحدود من جهة وبين التحقيب الارضي للزمان المحدود من جهة أخرى. وهذا يقودنا قبلها ألى أهمية التفريق بين الزمان الكوني المطلق السرمدي غير المحدود، وبين الزمان الارضي المحدود بعلاقته مع الارض ومع حركتها الذاتية حول نفسها وحول الشمس وحركة كواكب المجموعة الشمسية من حولها ومعها.

توجد مقولة لارسطو سبق لي تكرارها مرارا (أن الزمان لا يحد بزمان) كون الزمان وحدة ماهوية في كل الحالات ومختلف الظروف من حيث الماهية والصفات التي يمكنها التواصل التعالقي الزماني مع غيرها من أجسام وموجودات الطبيعة لا يكون على مستوى المجانسة النوعية بغير ما هو زماني، وأنما على مستوى حركة مختلف الاجسام داخل الزمان الذي يحتويها كدلالة في معرفة مقدار حركة تلك الاجسام وليس مهمّا صفاتها غير المتجانسة مع الزمان. وأية مجانسة ماهوية او صفاتية لحركة الجسم في الزمان الذي يحتويها يكون محالا ادراكه عقليا لأن معنى ذلك كل جسم متحرك يحتويه الزمان بالمجانسة الماهوية النوعية معه يكون بالمحصلة زمانا أحتواه زمان يجانسه الخاصّية الماهوية وهو محال.

الزمان النوعي المتجانس بصفاته الماهوية لا تربطه بغيره من الاجسام التي تختلف معه بالمجانسة الا بعلاقة مقدار(حركة) تلك الاجسام داخله، كما أن الزمان لا يحد بالزمان المجانس له بالحتمية والضرورة حيث لا يوجد لا متجانس في الزمن يختلف عنه يكون زمانا آخر. كون الزمان كلية ومطلق مفهومي وليس موضوعا لادراك العقل مثل باقي موجودات الاشياء. لا يمكن للزمان أن يخرج عن نوعه في المجانسة الكلية المطلقة الشاملة لذاته فيزيائيا هو وحده، ولا يمكن في حال تحقيق انفصال جزء منه أن يكون دلالة التعريف به على مطلقه الازلي.

فالتوقيت الزمني بالساعة لا يعني أن هذا التوقيت أصبح يمتلك ميزات زمانية مختلفة عن مواصفات الوحدة الكلية الماهية للزمان. فالساعة هي توقيت زمني يرتبط بتحقيب الزمان الارضي في أدراكنا الوقت ولا يكون زمانا آخر خارج وحدة كلية الزمان لافي الماهية المعدومة أصلا في عدم امكانية ادراكها العقلي ولا بالصفات التي ندركها بمقدار حركة الجسم داخل الزمان.آلة قياس مقدار الزمان الساعة او اليوم او الاسبوع وصعودا الشهر والسنة والفصول الاربعة ليست في حقيقتها زمانا مدركا بذاته بل هي وسيلة ادراك لتحقيب زماني نعيشه على الارض.

ارسطو وتقسيم الزمان

يذهب المفكر عبد الرحمن بدوي في كتابه (الزمان الوجودي) مناقشة مشكلة الانفصال والاتصال الزماني، قوله أن ارسطو الذي شغله هذا الاشكال العصّي على الحل بالهروب الى أمام منه، مستشهدا بعبارته (فالآن- أي الحاضر - بوصفه حدا ليس هو الزمان، وأنما هو عرض يمكن عده عدديا وذلك لأن الحدود لا تنتسب الى الاشياء التي هي حدود لها، فعدد هذه الخيول العشرة يوجد خارجها )1 عددا لا يمكن حصره من الخيول.

في مقالتين سابقتين نشرتا لي عن الزمان فلسفيا كنت اشرت توضيح اشكالية فرضية الانفصال والاتصال الزماني وتوضيح حلها، ويكمن سبب هذه الاشكالية في عدم التفريق بين زمانين متجانسين نوعيا ومختلفين تحقيبا تجاهلهما فلاسفة اليونان هما الزمان الكلي المطلق الازلي الكوزمولوجي الذي لا يقبل التجزئة ولا الانقسام كما لا يقبل التعريف بالزمان المطلق بدلالة الجزء غير المنقسم عنه.

أما الافتراض الثاني في عدم قدرة التمييز هو التحقيب الارضي للزمان الذي لا يختلف مع الزمان المطلق ماهويا كونيا كنوع زماني فيزيائي واحد لا غيره، لكنه يتقاطع معه بقابلية الانقسام والتحقيب الزماني كتاريخ زماني ارضي الذي يمكن أدراكه على الارض بدلالة غيره من الاجسام والكواكب والطبيعة والاشياء وتغيرات المناخ.

ولا يمكننا تحقيب مطلق الزمان الكوني بدلالة تحقيب زمانه الارضي. فالزمان الكوني الازلي المطلق يلتقي الزمان الارضي بالماهية والوظيفة الاستدلالية به عن وجود الأشياء، ولا يختلف معه أنه زمان ثان بالمقايسة النوعية الواحدة به فكلاهما دلالة لمعنى واحد هو الزمان.

الشيء الثاني هو ربط ارسطو أدراك الآنية أو الحاضر بقابلية قياسه عدديا وضرب مثالا أن عشرة خيول لا تعني حصر عدد كل الخيول كنوع من الكائنات وهي مسالة مفروغ التسليم بها كبديهة حسابية معرفية. أن معرفة مقياس الزمن بعدد الاشياء المحصورة في آنية زمنية هي الحاضر لا تمثل مقياسا صحيحا للزمان الذي يعتمد معرفته على (مقدار حركة الاجسام في الزمان) وليس على مقدار (عدد) تلك الاجسام في حركتها داخل الزمان الذي يحتويها.

مقدار الزمان يقاس بمقدار المسافة التي تقطعها الخيول بسرعة معينة حصيلتها هو مقدار الزمان الكمّي وليس العددي. الكم خصيصة قياس كل (مفهوم) مجرد يقاس بدلالة غيره لا يمكن ادراكه منفردا ماديا. والعدد خاصية كل مدرك يمكننا تحديده بدلالته الذاتية كنوع من المدركات يعبّر بها هو عن نفسه وليس بدلالة غيره عدديا أيضا، فالمدرك ماديا هو ذلك الشيء الذي يمكننا تحديده بالطول والعرض والارتفاع والزمن.

الزمان المطلق الكوني الذي أثبته انشتاين نسبي بخلاف مطلق زمان نيوتن، والزمان الارضي كتحقيب يتوزعه الماضي والحاضر والمستقبل يكون مقياس الدلالة له بالكتلة والكم والحركة والمسافة والسرعة وليس بعدد الاشياء المتحركة داخله. عندما نقول زمان فنحن نقصد تعبيرا دلاليا عن نوع واحد هو الزمان الفيزيائي المطلق لا غيره من الاشياء والاجسام التي يحتويها داخله.. ولا يقبل الزمان المجانسة بغيره من الماهيات النوعية للاشياء، فالاجسام داخل الزمان وفي حركتها لا تغادر خاصيتها الاساسية على أنها أشياء يحدها الزمان أدراكا لكنها في حقيقتها منفصلة عنه في عدم المجانسة ماهويا وصفاتيا معه على أنها ليست زمانا لكنها مقدار حركة الزمان بدلالة حركتها هي كاجسام واشياء داخل الزمان يحتويها.

الشيء أو الجسم المتحرك داخل زمان محسوب كمّيا بالمقدار لا يمكن أن يكون زمانا ثانيا نستدل به على الزمان الذي يحتويه كنوع لا علاقة تربطه بغيره من الانواع سوى في مقياس مقدار الزمن بدلالة حركة تلك الاشياء والاجسام داخل الزمان الذي يحتويها. الزمان جوهر نوعي ميتافيزيقي لا يتحدد الا بمقدار حركة الاجسام والاشياء كمّيا وليس عدديا.. كما لا يتحدد مطلقه الزماني بدلالة جزء منه في أدراك كليته كنوع مطلق من الادراك.واشار افلوطين لتلك الحقيقة قائلا " أن الزمان بكليته لا يتفتت، أي لا توجد أزمنة مختلفة بل زمان واحد فحسب".

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق