q
ثقافة وإعلام - كتب

قصة إتفاق أوسلو الرواية الحقيقية الكاملة

قراءةٌ في كتاب

أي إتفاق بين دولتين لا يعقد من منطلق قوةٍ، أو تكافئ في القوة؛ فهو عبارةٌ عن عمليةٍ عبثيةٍ بالنسبة للطرف الضعيف، وكان أسلو انتصارًا وهميًا لا حقيقيًا كما تصوره أبو عمار. فهو يعتقد أن بتقبيل اللحى ستوافق إسرائيل على قيام الدولة الفلسطينية، التغول الإسرائيلي يتكأ...

بعد مرور ٢٧ عامًا على طبخة أوسلو لم ينل الفلسطينيون سوى الوهم بدلًا عن السلام والدولة.

يعرج الكتاب على حدثٍ تأريخيٍ ومفصليٍ مهمٍ وفارقٍ، في مسار الصراع العربي/الفلسطيني-الإسرائيلي، وعلى المنطقة العربية برمتها. وما عزز من أهميته أن مؤلفه (ممدوح نوفل) الذي ولد عام (١٩٤٤)، وتوفي عام (٢٠٠٦)؛ له باع طويل في النضال الفلسطيني، وهو عضوٌ سابقٌ في المجلس الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمكتب السياسي لحزب فدا (ويكيبيديا)، وكان ضمن لجنة متابعة المفاوضات مع إسرائيل، أي أنه يقع في صلب الحدث الفلسطيني. لهذا يعد كتابه بمثابة وثيقة تأريخية بشأن مسار أوسلو لعام (١٩٩٣)، والذي ألفه عام (١٩٩٥) أي بعد عامين من الإتفاق.

من يقرأ هذا الكتاب، سيتضح أمامه العديد من الأمور؛ ففضلًا عن أنه يعد وثيقة تأريخية، ضم في الوقت ذاته بعض الملاحق الوثائقية من أبرزها إتفاق أوسلو، ورسائل الاعتراف المتبادلة بين عرفات ورابين.

وشمل ثلاثة أقسام: الأول تعلق بشأن مسار المفاوضات مع إسرائيل، من المرحلة السرية المهيئة له، وجولات التفاوض، إلى الإعلان عن إتفاق أوسلو وغيرها من الأحداث، والقسم الثاني تطرق إلى مستقبله، والثالث ضم الملاحق والمحتويات.

وحسب قراءتي له اتضحت لي أمور عدة أبرزها: إن تفكك الاتحاد السوفيتي، ودخول العراق للكويت وخروجه منها بالقوة وفرض العقوبات عليه، ووقوف ياسر عرفات بجانب صدام حسين فيما يخص اجتياحه للكويت، وانهيار النظام العربي بعد هذا الحدث، وتسيد الولايات المتحدة الأمريكية للنظام العالمي عقب تفكك الاتحاد السوفيتي، عوامل أسهمت في إضعاف القضية الفلسطينية، وأفقدتها عناصر قوتها، ورفعت عنها الغطاء الذي كان يحميها ويساندها ويدعمها سواءً أكان من الاتحاد السوفيتي على الصعيد الدولي، أو العراق على الصعيد الإقليمي.

وأضحى عرفات بعد حرب الخليج الثانية في موقف ضعف عربيًا، إذ قاطعته دول الخليج لوقوفه مع العراق، وتم طرد (٣٠٠) ألف فلسطيني من الكويت، واهتزت علاقته مع الدول العربية الأخرى، وتم قطع الدعم المالي الخليجي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبما أن العراق كان يعد الداعم الأبرز للقضية الفلسطينية، وفرض الحصار الدولي عليه، بالتالي لم يقدر على توفير هذا الدعم، وهذا ما استثمره الإسرائيليون والأمريكان للضغط على منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل عقد إتفافية سلامٍ مع إسرائيل ابتدأ طريقها منذ محادثات مدريد عام (١٩٩١)، ولم يجد عرفات بدًا من السير بهذا الإتجاه بعد أن حوصر من جميع الجهات.

وتمثل مسار المفاوضات السرية بين الجانبين في قناتين تفاوضيتين: قناة واشنطن، وقناة أوسلو، في الأولى حاول الطرفان تمويه الإدارة الأمريكية، واللعب على ورقة التصلب والرفض، أما القناة الثانية فهي الحقيقية، ولم يكن يعلم بها حتى الأمريكان، وهي ما كان يجري فيها البحث الحقيقي عن السلام واعتراف الجانبين ببعضهما البعض.

تخلى عرفات في أوسلو عن فكرة المقاومة، وقبوله بدويلة فلسطينية في غزة وأريحا تتمتع بالحكم الذاتي منزوعة التأثير مع استمرار حلم تحقيق الدولة الفلسطينية مستقبلًا، يُقابله الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، والاعتراف بالدولة الإسرائيلية وحقها بالوجود من قبل منظمة التحرير، وعُدل ميثاق المنظمة؛ عبر إعادة النظر بالفقرات التي تتعلق بشأن مقاومة إسرائيل وعدم الاعتراف بها.

بينما أُجلت بعض القضايا الرئيسة والمحورية المختلف عليها بشدة، حتى حين كـ (القدس، والمستوطنات الإسرائيلية، واللاجئين، والحدود) إلخ. والغريب أن الإسرائيليين ولا سيما اليمين الإسرائيلي عد ذلك تنازلًا لا يمكن القبول به!، إذ يرى هذا التيار في الأراضي الفلسطينية كافة حقًا يهوديًا خالصًا، فهي أرضهم الموعودة وميعادهم؛ لذلك لا يمكن التنازل عن قيد أنملةٍ منها لما يسمى بالشعب الفلسطيني!. وفي ذات السياق يقول سامي نائير "وهكذا شهدنا منذ عام (١٩٤٨) وحتى اليوم انتقال رفض عملية السلام من الرفض العربي إلى آخر إسرائيلي". (نائير، الإمبراطورية في مواجهة التنوع، ٢٠٠٦، ص٢٠٢).

وكان الإتفاق مفاجئًا للعرب، إذ إتخذ عرفات قراره بعيدًا عنهم، حتى أنه صار يتهم من يعارضه من الفلسطينيين بأنهم عملاء للعرب!!. ومع ذلك لم تستطع الدول العربية المعارضة له، أن تتخذ موقفًا متشددًا منه؛ لأنها كانت تخشى من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ بعد تفكك المعسكر السوفيتي، فقد العرب حليفًا مهمًا كانوا عبره يستطيعون المناورة ومجاراة المعسكر الغربي، لذلك استسلموا بعد الحرب الباردة للمخططات الأمريكية، حتى أن العراق كان صوته المعارض خفاتًا ويقع في دائرة رفع العتب؛ لأنه كان تحت الحصار الدولي، ولم يرغب بإثارة الأمريكان ضده أكثر مما هم غاضبون منه بسبب غزوه للكويت، وكانت جهوده منصبة باتجاه إعادة ترميم علاقاته مع البيئة الدولية، ولم تشكل له القضية الفلسطينية محورًا رئيسًا في ذلك الوقت.

أيضًا كان عرفات يهدف عبر إتفاق أوسلو إلى إنهاء عزلته السياسية والمالية التي فرضت عليه بعد حرب الخليج الثانية، والاعتراف به وبمنظمة التحرير الفلسطينية كقائد أوحد وممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، كما كان يخشى من فكرة القيادة البديلة، لهذا سارع إلى عقد هذا الإتفاق الذي وصفه بـ "سلام الشجعان!".

وبشأن المواقف الدولية، فقد سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الترحيب بالإتفاق، الذي عدته تطورًا مهمًا في مسار السلام في منطقة الشرق الأوسط، وحرصت على أن يكون التوقيع على أرضها، إذ حاولت إيصال رسالة للعالم بأنها الراعي الرسمي له، إلا أنه في حقيقة الأمر لم يكن لها ذلك التأثير عليه، ودورها كان إعلاميًا بامتياز، كما أنها أضفت عليه شرعية الطرف المهيمن القوي.

إن ضعف الدور الأمريكي في أوسلو؛ سببه الرئيس في أن الإتفاق عقد سريًا من دون علم الأمريكان، إذ لم يشاركوا في المفاوضات ولا عملية تحديد مواد الإتفاق، ولا في كيفية وضع آليات تطبيقه وغيرها من التفاصيل. لكن، وبما أن الأمر يتعلق بإسرائيل، فلم ترَ الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الجزئية مشكلةً حقيقيةً، وأيضًا سارت روسيا الاتحادية في ذات المركب المؤيد لأوسلو، لضمان الحصول على الدعم الاقتصادي الأمريكي لها، فضلًا عن ذلك لا يمكن لنا أن نغفل الدور المهم للنرويج، التي هيأت لعقد المفاوضات واستضافتها على أرضها، وتوسطت بين المنظمة الفلسطينية وإسرائيل، وكانت لوساطتها والترتيبات السرية التي عملت عليها، دورًا رئيسًا أسهم في إنجاح الوصول إلى عقد إتفافية أوسلو.

وبعد مرور ٢٧ عامًا على هذا الإتفاق، نجد أن لا شيء تحقق منه، بل إن الواقع الفلسطيني ازداد سوءًا، ولم يتحصل الفلسطينيون على دولتهم التي حلموا بها، وتنصلت إسرائيل كعادتها عن وعودها لهم على الرغم من ضآلتها.

وباعتقادي إن أي إتفاق بين دولتين لا يعقد من منطلق قوةٍ، أو تكافئ في القوة؛ فهو عبارةٌ عن عمليةٍ عبثيةٍ بالنسبة للطرف الضعيف، وكان أسلو انتصارًا وهميًا لا حقيقيًا كما تصوره أبو عمار. فهو يعتقد أن بتقبيل اللحى ستوافق إسرائيل على قيام الدولة الفلسطينية، وبالتأكيد إن هذا التغول الإسرائيلي يتكأ على دعم الولايات المتحدة الأمريكية اللامشروط لإسرائيل. ولعل حادثة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين على يد متشددٍ إسرائيليٍ، تعد المثال الأدق المعبر عن فشل سلام أوسلو.

الكتاب: قصة اتفاق اوسلو-الرواية الحقيقية الكاملة - طبخة اوسلو
الكاتب: ممدوح نوفل
اصدار: الاهلية للنشر والتوزيع، عمان، 1995
عدد الصفحات: 377 صفحة

اضف تعليق