q
13082

 

 

علي الأسدي

 

حظيت خطة الرئيس أوباما لتشكيل تحالف دولي من أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة لدحر داعش في العراق وسوريا بأصداء واسعة بين مرحب بحذر وداعم بدون شروط مسبقة ورافض دون سبب معقول ورافض لأسباب مقبولة. جل المرحبين بحذر موزعين داخل مجلسي الكونغرس الأمريكي ومن كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري ومن الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين الحاليين والسابقين. وهناك أقلية رفضت الخطة ولها اسبابها الوجيهة التي تجعلها تخشى أي تورط جديد في حرب في الشرق الأوسط في وقت لم يتعافى المجتمع الأمريكي من آثار الحربين على أفغانستان والعراق. أما المؤيدون بدون شروط مسبقة فهم " المنافقون الذين يقتلون الضحية ويمشون وراء نعشها " كالسعودية وأمارات الخليج وتركيا، وهذه الأخيرة مسئولة مباشرة عن تصدير الموت عبر حدودها لكل من العراق وسوريا. فموانئها البحرية ومطاراتها تستقبل الارهابيين من شتى بلدان العالم ثم تعيد تصديرهم الينا على شكل عبوات ناسفة وسيارات وبهائم بشرية مفخخة عبر حدودها مع البلدين.

وتتلخص خطة أوباما بعمليات قصف مستمرة لمواقع وتجمعات داعش وتنفيذ اغتيالات لقادتها الرئيسيين بما فيهم ما يسمى الخليفة البغدادي. ويختلف التحالف الدولي الحالي الجاري تشكيله والذي سيضم عشرة دول عربية وربما أسيوية عن التحالف الدولي السابق الذي قادته الولايات المتحدة عند احتلالها العراق المكون من الدول الغربية حصرا. المحللون العسكريون السابقون من مثل جيفري وايت المحلل السابق (للسي آي أي) والذي يعمل حاليا في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط يعتقد ان القصف الجوي ليس قوة سحرية قادرة على هزيمة المنظمة الارهابية داعش وحتى يحقق القصف أهدافه ويكون أكثر فاعلية لابد ان يقترن بمشاركة قدرات عسكرية كالقوات الخاصة مثلا تحتل الأرض وتتمسك بها، لكن عمليات مثل هذه تكبد خسائر بشرية وهذا ما يحاول الرئيس الأمريكي تجنبه. وكان رئيس الوزراء البريطاني حليف الأمريكيين في احتلال العراق قد انضم الى المطالبين مشاركة قوات عسكرية على الارض لتدمير داعش كما حث على ضرورة التباحث مع ايران للمشاركة في التحالف الدولي للحرب على داعش.

وكان رئيس أركان الجيش الأمريكي مارتن ديمسي قد أخبر لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي انه كان يقول منذ شهور بأن أقرب حلفاء الولايات المتحدة يدعمون داعش. كما وذكر بأن هناك حاجة لمشاركة قوات عسكرية على الأرض حتى تتمكن الهجمات الجوية عل مواقع الارهابيين من تحقيق نجاح ملموس سواء بتدميرها كليا أو اضعافها وتشتيت قواها، لكن الناطق باسم البيت الأبيض قد أعاد صياغة الخبر المنقول عن الجنرال بحيث لا يفهم منه طلبه بمشاركة قوات أرضية ليتناسب مع خطة الرئيس أوباما بالاكتفاء بالقصف الجوي. ويسعى الرئيس الأمريكي حاليا بالتعاون مع السعودية على دعم وتدريب منظمات اسلامية سورية معتدلة معارضة للنظام السوري بنفس الوقت الذي يباشر فيه بتأسيس تحالفه الدولي لدحر داعش.

 انه توجه غير معقول، لأنه يمارس ذات السياسة الخاطئة التي قادت الى انتعاش منظمة داعش الارهابية وظهور أخرى كجبهة النصرة وغيرها من الحركات الارهابية. وكان ريان كروكر السفير الأمريكي السابق في العراق وسوريا قد عبر عن حيرته واستغرابه المشروعين عندما تساءل قائلا: لكن من هي تلك المنظمات المعتدلة فنحن لا نعرفها..؟

ان الكثير مما يسمى بالمعتدلين قد تحولوا الى متطرفين باصطفافهم الى جانب القوى الارهابية داعش وأخواتها بينما أبعدت داعش المعارضين الآخرين وهم أقلية صغيرة من مناطق نشاطهم بعد أن استحواذت على أسلحتهم والأموال التي بحوزتهم بما فيهم ما يسمى الجيش السوري الحر. وهذا ما ساعد داعش على التمدد وتزايد قدراتها المالية وهذه حقيقة أكدتها تجربة السنين الأربعة الماضية من الحرب الأهلية السورية. تلك الحرب التي خربت حضارة بلد عمرها آلاف السنين وتركت من الضحايا أعدادا غير قابلة للحصر وملايين من اللاجئين داخل سوريا وخارجها ولا ترغب الولايات المتحدة الاعتراف بالمسئولية عن استمرارها. الولايات المتحدة باصرارها على الاستماع الى السعودية ودول الخليج وتركيا جعلها تعمل للقضاء على النظام السوري بأي وسيلة.

 انها سياسة أقل ما يقال عنها سياسة حمقاء تطيح بنظام بيروقراطي مستقر لتحل محله سلطة العصابات الموالية للسعودية وهي عصابات لا أول لها ولا تالي تحول سوريا الى دولة فاشلة أخرى كما هو الحال في الصومال. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد وضعت نفسها في تناقض صارخ مع ادعائها باحترام مبدأ عدم التدخل في شئون الدول والشعوب الأخرى من جانب، ومن جانب آخر التزامها الصمت الكامل عن انتهاك السعودية للحقوق الديمقراطية للشعب السعودي وبالأخص حقوق المرأة.

الشعب السوري مع كل مساوئ الديكتاتورية الي تحكمه هو أفضل حالا بمئات المرات من حالة الشعب السعودي في ظل نظام آل سعود فهذا لا يماثله أي نظام في عالم اليوم من حيث نظرته الدونية للمرأة وحقوقها الانسانية واحتقاره للحريات الدينية والثقافية والسياسية لمواطنيه. صمت الولايات المتحدة عن الأنظمة الداعمة للتطرف الاسلامي بمثالها السعودي يثير الشكوك المشروعة حول سياستها لنشر الديمقراطية والحكم المدني في منطقتنا ويضع مصداقيتها على المحك. والكارثة الاخلاقية الأعظم أن الولايات المتحدة قادرة على اصدار الأمر للسعودية بوقف التبشير بشريعة التكفير الاجرامية فورا لكنها لم تفعل. ألا يحق لأي مواطن أن يسأل لماذا لم تقم الولايات المتحدة بذلك..؟؟

وتتعرض خطة الرئيس الأمريكي باستخدام الضربات الجوية وحدها أو بمشاركة قوات عسكرية على الأرض بمعارضة شديدة من قبل الحركات المعارضة للحروب مثل Stop the War Coalition, Anti War وغيرها من المنظمات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى. وقد كتبت السيدة فيليس بينيس الناشطة الأمريكية في التحالف العالمي المعارض للحروب ومن أجل السلام والديمقراطية مقالا نشر على موقع Coalition Stop The War وThe Progressive اقترحت فيه خطة بديلة للغارات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة حاليا على مواقع المنظمة في العراق وسوريا. وتقترح الناشطة الأمريكية التي تقدم المشورة لعدد من وكالات الأمم المتحدة حول الشرق الأوسط ان الدبلوماسية وليس القصف الجوي سيلحق الهزيمة بداعش. ومما يثير الانتباه في تلك الخطة انها تجد في ايران شريكا قويا للولايات المتحدة في دحر المنظمة الارهابية داعش.

وترى الكاتبة ان الهجمات العسكرية خطأ ومخالف للقانون الدولي وتجعل التوصل الى حلول حقيقية أمرا مستحيلا. فلايمكنك تدمير الأيديولوجية ولا حتى المنظمة من خلال القصف الجوي وخذ مثالا القاعدة حيث تم قتل الكثير من قادتها في افغانستان، لكن المنظمة مدت جذورها في عدد من الدول الأخرى. قد يمنح القصف الجوي بعض الشعور بالارتياح لكننا نعرف ان الثأر قاعدة سيئة في السياسة الخارجية وخاصة اذا كانت تبعاتها خطيرة. ولذلك نرى ان الحلول العسكرية لا تعمل. وهل نسينا الفشل الذي انتهت اليه الحروب في الشرق الأوسط خلال السنين الماضية..؟ وقد تضمنت مقترحاتها البديلة لخطة الرئيس أوباما التي تستخدم القصف العسكري الجوي لمواقع داعش الخطوات التالية:

الخطوة الأولى: وقف القصف الجوي، لأن القصف يعني الوقوف الى جانب الكرد والحكومة في بغداد في وقت يجري تشجيع المجتمع السني على النأي بنفسه عن المنظمة داعش، ولهذا فان استمرار القصف يخدم هدف المنظمات المتطرفة.

الخطوة الثانية: ليكن الموقف واضحا لا قوات أمريكية على الأرض في العراق. لكن البيت الأبيض قد نشر 1300 من العسكريين الأمريكيين، ولا يعرف كم عدد خبراء الاستخبارات والقوات الخاصة الموجودون في العراق حاليا. نحن نحتاج الى اعلان بوقف الانزلاق نحو المزيد من القوات على الأرض. يجب على الولايات المتحدة أن توقف تدفق الأسلحة الى المنطقة، لأن ذلك يخلق المزيد من العنف ضد المدنيين ما يشكل خرقا لحقوق الانسان والقانون الدولي من قبل الحلفاء.

الخطوة الثالثة: تنظيم جهد دبلوماسي حقيقي مع شركاء الولايات المتحدة للتعامل مع داعش، ورغم أن الولايات المتحدة نشرت قوات عسكرية في العراق، لكن الجميع يرى أن الحل العسكري لا يحل المشكلة. لهذا يجب ان تحتل الدبلوماسية مركز الثقل في هذه المرحلة. وهذا يعني مشاركة طهران ضمن لاعبين آخرين. فلطهران تأثير على بغداد أكثر من الولايات المتحدة، واذا كنا جادين للضغط على العراق بتشكيل حكومة شعبية واسعة فالجهد المشترك بين ايران وامريكا له فرصة جيدة للنجاح. ومع أن أيران ذات أكثرية شيعية لكن قادتها كانوا قلقين من عدم الاستقرار الذي ساد داخل العراق في السنين السابقة خلال الصراع الطائفي في بغداد خاصة. المفاوضات الأمريكية الايرانية تتقدم بنجاح حول موضوع الملف النووي، وانها مناسبة لتشمل المناقشات الازمة في المنطقة.

الخطوة الرابعة: السعي لحل دبلوماسي عبر الأمم المتحدة، ويعني هذا بناء تحالف حقيقي يستخدم الدبلوماسية والضغط المالي لا القصف الجوي في العراق وسوريا. كل دول المنطقة لها مخاوفها، فتركيا مثلا تعلم ان مشاركتها في النشاط العسكري الأمريكي في العراق قد يهدد حياة التسعة والأربعين دبلوماسيا تركيا محتجزين مع عائلاتهم لدى داعش (المقال كتب بتاريخ 129 أي قبل ورود أنباء عن اطلاق سراح أولئك الأسرى). المطلوب حاليا هو تحالف حقيقي ليس لأجل أعمال عسكرية بل لأجل دبلوماسية قوية، ما يعني ضغط الولايات المتحدة على حليفتهم تركيا لتوقف عبور مقاتلين من داعش وغيرهم من الارهابيين عبر حدودها الى سوريا، والضغط على الحليفة قطر والسعودية والامارات وآخرين لوقف تمويل وتسليح أي فرد في سوريا ممن يدعون انهم يقاتلون الأسد، نحن لا نريد تحالفا للقتل وانما تحالفا من أجل البناء.

الخطوة الخامسة: دفع الأمم المتحدة رغم استقالة الابراهيمي من أجل البدء لانهاء الحرب الأهلية في سوريا. يعني ذلك مشاركة أي جهة يهمها الموضوع ليكون حاضرا على الطاولة بما فيهم ممثلو النظام والمجتمع المدني وأولئك الناشطون الذين لم يتبنوا العنف وممثلو المرأة والشباب واللاجئين، وكذلك ممثلو المقاومة المسلحة والمعارضة في الخارج وممثلو المنطقة والعالم ممن يساندون الطرفين، وكذلك أمريكا وروسيا وايران والسعودية والامارات وقطر وتركيا والاردن. وهذه قد تقود الى مفاوضات مع روسيا حول السياسة السورية اعتمادا على النجاح الذي تحقق في التخلص من الاسلحة الكيماوية وربما تؤدي الى حلحلة الاستعصاء في القضية الأوكرانية. وينبغي وضع موضوع الحظر على وصول السلاح الى كافة الأطراف على جدول الأعمال في المدى الطويل.

الخطوة السادسة: زيادة المساعدات المالية الأمريكية لوكالات الأمم المتحدة لتمكينها من المساعدة في اعادة اللاجئين من السوريين والعراقيين الى بلدانهم. لقد التزمت الولايات المتحدة بمبالغ كبيرة لكن القسم الأكبر منها لم يصل بعد لتلك الوكالات الأممية.

..............................................

1- Harriet Sherwood, " what is The Story ? " The Guardian, 16/9/2014

2-Phyllis Bennis ", Six steps to defeating ISIS without the US and Britain bombing Iraq or Syria",The Progressive

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

 

اضف تعليق