q
ايقظت أنباء التطبيع بين دولة الإمارات واسرائيل نشاطاً شعبياً غير مسبوق للحديث عن قضية فلسطين والحالة العربية، تسيّدتْه الآراء المتوقعة التي تنحصر في مجملها عند اليأس من قضية يرونها بالية وميّتة، وأن فلسطين لم تعد سوى إهتمام ثانوي وظلال حربٍ منسية، معللين ذلك بتعب الشعوب العربية التي أُنهكت وتمزقت بلدانها...

ايقظت أنباء التطبيع بين دولة الإمارات واسرائيل نشاطاً شعبياً غير مسبوق للحديث عن قضية فلسطين والحالة العربية، تسيّدتْه الآراء المتوقعة التي تنحصر في مجملها عند اليأس من قضية يرونها بالية وميّتة، وأن فلسطين لم تعد سوى إهتمام ثانوي وظلال حربٍ منسية، معللين ذلك بتعب الشعوب العربية التي أُنهكت وتمزقت بلدانها وخسِرتْ أبناءها وحاضرها ومستقبلها بفعل الالحاح على تحريرها، لتظل قلة قليلة من دعاة الخطاب القومي والإسلامي الى جانب المتحمسين المحايدين يحتفظون بفكرة أنّ العدالة كل العدالة لن تتحقق دون تحرير فلسطين من العدو الصهيوني، وهو حماس بدأ يتضاءل كثيراً.

بل أصبح ضرباً من التخريف!، وذلك نتيجة شغل معقد طويل من أداء الأنظمة الثورية وغير الثورية الذي جعل القضية الفلسطينية تتراجع في سلم الأولويات توّجته الحروب البينية التي حدثت بين دول عربية و إسلامية، كانتْ اتجاهاتُها جميعاً بالضبط عكسَ الطريق الى تحرير فلسطين، لينفتح العالم على قضايا جديدة ومحلية خالصة أهم فيصبح العراقُ القضية العراقية واليمن القضية اليمنية وليبيا القضية الليبية وهلم جرّا مع سوريا ومصر ودول أخرى خرجت هي الاخرى من معادلة الصراع العربي – الصهيوني.

لتجد اسرائيل نفسها قد وصلت مرحلة أسماها نتينياهو صراحة بالحرب الصِفْرية، وهي الحربُ التي تحقق لك انتصارات فريدة ولاتتعدى ميزانيتها المادية والبشرية الصفر، أي دون تكاليف تماماً . وهذا بالطبع ثمار لعمل جماعات وطوابير ونزاعات بين دول ومذاهب لم تقصّر في خدمة اسرائيل وجعل مجرد ذكر كلمة فلسطين أمراً مقرفاً بالنسبة للمواطن البسيط!.

ترتيب الأولويات المتغير هذا لايمكن إعادته قبل معالجة الأسباب التي أدت الى تغييره، فالمواطن المهان عديم الكرامة الجائع في بلده الذي أدخِلَ في حربٍ مع مواطنِه الآخر، أو البلد العربي الذي احتَل أو اعتدى على بلد عربي آخر، لايمكن أن يصبرا طويلا على بقاء قضية فلسطين في أولويات اهتمامهما، فضلا عن أنّ قرنا كاملاً من الزمان انشئت خلاله انظمة وأسّست أحزاب، وحدثت انقلاباتٌ باسم فلسطين اكتشفنا مؤخرا جدًا بان كل ذلك انما هو لعبة ساهم فيها طرفان، عملاء وأغبياء ، حتى وصلنا الى مانحن عليه اليوم متورطين باوضاع وطنية سياسية وامنية واقتصاية كلها متشعبة من إدعاءات حرب التحرير، حيث لم يعد أي حوار مع إسرائيل أو صداقة أو تبادل تجاري وثقافي بالأمر المُفزِع،حين كان مجرد ذكر كلمة اسرائيل بدل العدو الصهيوني في أي محفل أو كتابة أو قول يعد خيانة.

ذاكرة العرب المعطوبة

الغضب العربي الشعبي اليوم على حدث التحصيل الحاصل مصدره ضعف الذاكرة إو انعدامها تماماً لدى المواطن العربي الطبيعي، فما قامت به الإمارات ليس خروجاً مفاجئاً على الإجماع العربي. هذا الإجماع الذي مرّ مرور الكرام، حَدَثَ في لبنان عام 2002 حين انعقدت قمة بيروت التي سميت بقمة السلام العادل والشامل في يوم 27 مارس/آذار من ذلك العام وكانت قد تبنت مبادرة ملك السعودية انذاك فهد بن عبد العزيز الذي أناب اخاه عبد الله لحضورها، وكما نعرف أن السعودية باعتبارها بلد مكة ومحج المسلمين يفترض أن تكون في آخر قائمة التطبيع كي لايحتج على قرارها المسلمون،المسلحين منهم أو مسلمي أضعف الإيمان.

في تلك القمة وافق ممثلو الأنظمة العربية جميعهم دون استثناء من ليبيا والعراق المهمبلين الأوائل حتى دول الخليج، على تطبيع العلاقات مع اسرائيل شريطة الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 بمعنى أنّ أمرَ الحديث عن فلسطين (الواقعية ) انتهى في تلك القمة وأصبحت القصة مجرد أراض خُسِرتْ في حرب عادية تتم التسوية لاستعادتها!. ولإنعاش الذاكرة أيضا وأكثر، فان اسرائيل نفسها هي التي قطعت الطريق أمام هذا الاستسلام الجماعي، حين منع ارييل شارون رئيس الوزراء في حينه ياسر عرفات من الوصول الى بيروت، وقام قبل ذلك بترتيب أمر حصاره ومنعه نهائياً من مغادرة رام الله الى أي وجهة يريد، ليقرأ كلمته في القمة مسجّلة على الشاشة من مقرّه المُحاصَر، بوصفه رئيساً افتراضيا لشيءٍ وهمي مزيّن بسجّادة حمراء اسمه فلسطين0

حسب المنطق الاسرائيلي الذي ورد في كتابات كثيرة لقادة ومحللين سياسيين صهاينة ظهروا على القنوات العربية بلسان حال واحد يقول : لماذا تعطي اسرائيل الأراضي لدول منهكة تضطهد شعوبها خارجة من حروب بينها ( والصورة موجهة على ممثلي العراق والكويت الذين تفلش بلداهما في حرب الإخوة الأعداء) . ولماذا نعطي أراضي كُسِبتْ في حرب حزيران الخالدة، والعربي يقول : مايؤخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة؟!.

وبعد سـاعات من انتـهاء القمـة العربيـة وفي 28 آذار 2002? أمرَ شارون بإطلاق ما أسماها بعملية السور الواقي في الضفة الغربية ، وقال: من اليوم فصاعداً تَعتبِرُ إسرائيلُ عرفات رئيس منظمة ارهابية ، سنعزله كليا في مقره ونلاحق السلطة الفلسطينية في جميع مناطقها، مبررا ذلك بأن إسرائيل في حالة حرب ضد الإرهاب، وأن رئيس السلطة الفلسطينية عدو لإسرائيل وعدو للعالـم الحر على حد قوله، وهي اجراءات لاتخلو من ضوء أميركي أخضر لتصفية الموضوع والرجل الذي أصبح اسمه وشكلُه فلسطيناً متحركة أينما ذهب .

الحقيقة والامر الواقع

بعد ذلك يمكن تقييم الموقف بين منطقين، منطق الطبيعة ومنطق التاريخ، مهما كان الأمر فمنطق الطبيعة المستند الى الآثار وحكمة الوجود، أهم واكثر تكريساً من منطق التاريخ المستند الى نتائج الحوادث ورؤيا الغالبين والدهاة والروايات دينية كانت أم بشرية، فهناك الحقيقة وهناك الأمر الواقع، (الحقيقة) و( الواقع) معْنَيان يبدوان متشابهين لكنهما مختلفان تماماً، فلسطين حقيقة واسرائيل أمر واقع مختلف عليه حتى في أدبيات اليهودية ذاتها ،لان معظم اليهود كما هو معروف رافضون لفكرة الصهيونية منذ ظهورها.

بدليل أنّ أولَ مؤتمر انبثقت عنه فكرة الصهيونية في مدينة بال السويسرية 2/8/1897 كان منظموه يبحثون عن مدينة خالية من اليهود العقائديين الذي يرون في ذلك خيانة لله ، أي أن هؤلاء اليهود يريدون دولة باسم الله، واولئك اليهود يرفضون دولة باسم الله ! ، متهمين القائمين على المؤتمر بعلمنة اليهودية وفرضها كقومية وهي دين!

وأن توصيات الهية مثل ( شعب الله المختار ) و(فضّلنا بنو اسرائيل على العالمين ) لا يمكن ان تكون قوانين أرضية، بقدرما هي مُتَبنَيات روحية متحركة، تحرّم الإغتصاب وسلب الحقوق واشعال حروب القتل الفتاكة بين الامم. وفق هذا المنطق، لايمكن بأي حال اعتبار فلسطين الحقيقية خاسرة، فهي خارج الحسابات المرحلية وتقلبات السياسة وموازين القوى التي تتغير عبر التاريخ، ومثلها العراق وسوريا وأية دولة بأعراقها ودمائها وسلالاتها، مهما صُنِعَتْ من ظروف تجعل اغتصابها أمراً واقعاً مقبولاً كما هو حاصل اليوم، بعد أن وضعوا الشعوب العربية في ظروف قاهرة، لتكفر بفلسطين وببلدانها هي نفسها، مُبْعَدةً تماماً عن معادلة التغيير وصنع القرار فيها داخليا وخارجيا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق