q

الصراع في اليمن يتجه نحو عقد مؤتمر دولي في "جنيف" قريبا، بعد فشل مؤتمر الرياض في تحقيق اهدافه السياسية المنشودة، والتي كان اقلها وقف اطلاق النار بين اطراف النزاع، او جمع الخصوم الى طاولة الحوار، تحت المظلة السعودية، للخروج بحل سياسي مقبول للتخفيف من حدة التوتر في منطقة الخليج، سيما وان اطرافا رئيسية (جناح علي عبد الله صالح في حزب المؤتمر، احزاب بارزة، حركة انصار الله "الحوثيين"، العشائر يمنية)، لم يقدم لها دعوة بالمشاركة او لم تكن راغبة في ذلك.. المهم ان الحال تغير من رفض الرئيس اللاجئ في السعودية "هادي" وحكومته لفكرة عقد مؤتمر "جنيف" برعاية اممية، قبل تنفيذ شروط "هادي" المعلنة سلفا الى الموافقة على المشاركة و"من دون شروط"... وكذلك فعل الحوثيون.

وجرى التمهيد لمؤتمر "جنيف اليمني" في اجواء مشحونة بالمؤتمرات والمؤامرات المضادة، وتبادل "الحزم" و"السخرية" و"الاتهامات" بين اطراف اقليمية.. تجدها تحرك نفس السياسات العرجاء في مؤتمر "جنيف السوري" بنسخة الثالثة، في تضاد مضحك... وتقارب غريب في بعض الاحيان... وكلا النسختين الدوليتين (جنيف اليمن، جنيف سوريا)، يجري التمهيد لهما خلف الكواليس... ربما بصورة مغايرة تماما لما يتم الكشف عنه او ما يراد له التسويق عبر وسائل الاعلام.

ودعونا هنا... في اشارات بسيطة نحاول تفكيك بعض "عقد جنيف" التي عانى منها... ويعاني العالم العربي من المحيط الى الخليج:

- النزاع المسلح هو سيد الموقف... والحل السياسي غالبا ما يكون على هامش التفكير والارادة السياسية للأطراف المتصارعة في سوريا واليمن.

- الرعاية الاممية للحوار او الاتفاق على مخرجات ناجحة للازمة غالبا ما تصطدم بعوارض المعارضين، كما تدلل في ذات الوقت على ضعف الارادة للمجتمع الدولي في امضاء كلمته وتخبط اللاعبين خلف الكواليس في نهج استراتيجية واضحة لسيناريو المستقبل.

- ايران شكلت "عقدة" اخرى في كلا الازمتين (السورية واليمنية)، بالنسبة للسعودية... فيما اختلفت الاطراف الدولية الاخرى على مدى ضرورة مشاركة او مشاورة "ايران" باعتبارها جزء من "الحل".

- انقسام الاطراف الاكثر نفوذا في "جنيف" فيما بينها... بين "الشرعية" و"الحوثيين" في اليمن... و"نظام الاسد" و"المعارضة" كبديل عن النظام في سوريا... والغريب ان المكاسب العسكرية في الجانبين دائما ما تعزز المكاسب السياسية لطرف على حساب الاخر، في معادلة مركبة يسعى فيها الكل الى تحقيق ارباح سريعة.

- التقسيم الى اقاليم او دول او مقاطعات... يطرح كأحد الخيارات المتاحة في سوريا، وكذلك في اليمن، لكن كل من يتحدث عن هذا السيناريو لم يتمكن من وضع خارطة واضحة المعالم او اليه كفيلة بتطبيق هذه المقترحات.

سلة واحدة

من الواضح ان فتح جبهات جديدة في الخطوط الامامية لنقاط المواجهة، للضغط على الخصوم والقبول في تسويات او تقديم تنازلات في جبهات اخرى ملتهبة، اصبحت السمة الابرز لمعظم ازمات الشرق الاوسط... وهو ما يفتح الباب امام البحث عن حلول "السلة الواحدة" او "المقايضة" التي غالبا ما تتم "بوساطة" جهات مقبولة لدى الطرفين.

في اليمن يجري الحديث عن وساطة "عمانية" رعت التمهيد لقبول الطرفين "من دون شروط مسبقة" للبحث عن حل "اممي" ينهي النزاع "المحلي".

اما في سوريا... فالوضع اكثر تعقيدا... بحكم عدد الاطراف الخارجية المساهمة في هذا التعقيد من جهة، وطول عمر الازمة واختلاف الايديولوجيات المتصارعة في الداخل من جهة اخرى... لكن هذا لم يمنع من وجود وساطات تسعى لتغيير بعض القناعات فيما يتعلق بدور "ايران" في سوريا، ومستقبل نظام "الاسد".

المنطق الحالي الذي يسير عليه المجتمع الدولي او اللاعبون الاقليميون في التعامل مع الازمتين... وطرح نسخ "غير مجدية" من "جنيف"... لم يساهم سوى في تعقيد المشاكل الناجمة عن الصراع على "الهيمنة" على مناطق النفوذ... التي ولدت الكثير من معارك "كسر العظم" بدلا من تحريك هذه "الوساطات" نحو حل الخلافات الداخلية بين هذه الدول قبل ان تذهب نحو حل الخلافات التي ولدتها بتدخلاتها في شؤونهم الخاصة... وفي ظل غياب المناخ العام لتغيير هذا المنطق المزدوج في معاييره، فلن يتمكن مؤتمر جنيف من فك الاشتباك وتفكيك العقد التي صنعها من يريد الذهاب الى "جنيف" بحثا عن المساومة او المقايضة... ووضع الحلول في "سلة واحدة".

اضف تعليق